المناظرة العلنية للملاحدة على قنوات المسلمين !!

قال الإمام اللالكائي – رحمه الله – مبيناً خطر مناظـرة أهل الأهواء وما تؤدي إليه:

"فما جنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة، ولم يكن لهم قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة يموتون من الغيظ، كمداً ودرداً، ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلا.
حتى جاء المغرورون، ففتحوا لهم إليها طريقاً، وصاروا لهم إلى هلاك الإسـلام دليلاً، حتى كثرت بينهم المشاجرة، وظهرت دعوتهم بالمناظرة، وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة، حتى تقابلت الشبه في الحجج، وبلغوا من التدقيق في اللجج، فصاروا أقراناً وأخداناً، وعلى المداهنة خلاناً وأضداداً، وفي الهجرة في الله أعواناً، يكفرونهم في وجوههم عياناً، ويلعنونهم جهاراً وشتان ما بين المنزلتين، وهيهات ما بين المقامين".

فأشار الإمام اللالكائي –رحمه الله- إلى منهج السلف رحمهم الله في قهر وإذلال أهل البدع، وأن إهمالهم أشد عليهم من وقع الصارم المسلول، وأعون على وأد بدعتهم، وأنه أحفظ لعقيدة المسلمين.
حتى جاء من لا علم عنده، ولا فقه لديه، وفتح لهم باب المناظرة، ففتق فتقا عظيما، ومهد لنشر بدعهم سبيلا، بل كان ذلك سببا في انتكاستهم نعوذ بالله من الخذلان.

وكان رجل يقال له: أبو الحورية، وكان يتهم بالإرجاء، ذهب إلى الإمام مالك –رحمه الله- وقال: يا أبا عبد الله، اسمع مني شيئا أكلمك به، وأحاجك وأخبرك برأي.
قال الإمام مالك: فإن غلبتني؟ قال: إن غلبتك اتبعني، قال مالك: فإن جاء آخر فغلبنا؟ قال: نتبعه، فقال مالك: يا عبد الله بعث الله عز وجل محمدا بدين واحد، وأراك تنتقل من دين إلى دين"

قال أبو قلابة -رحمه الله-: "لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم".
فبين رحمه الله – خطر مجادلة أهل الأهواء، فإنهم يلبسون عليك دينك ولا يرجعون كما قال الإمام أحمد -رحمه الله- فيما نقله عنه الإمام ابن بطة العكبري -رحمهما الله- عن أبي علي حنبل بن إسحاق بن حنبل قال: كتب رجل إلى أبي عبد الله -رحمه الله- كتاباً يستأذنه فيه أن يضع كتاباً يشرح فيه الرد على أهل البدع وأن يحضر مع أهل الكلام فيناظرهم ويحتج عليهم.
فكتب إليه أبو عبد الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
أحسن الله عاقبتك، ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي كنا نسمع وأدركنا عليه من أدركنا من سلفنا من أهل العلم أنهم كانوا يكرهون الكلام والجلوس مع أهل الزيغ، وإنما الأمور في التسليم والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله أو سنة رسول الله، لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ لترد عليهم، فإنهم يلبسون عليك، وهم لا يرجعون، فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم، فليتق الله امرؤ، وليصر إلى ما يعود عليه نفعه غداً من عمل صالح يقدمه لنفسه، ولا يكن ممن يحدث أمراً، فإذا هو خرج منه أراد الحجة، فيحمل نفسه على المحال فيه، وطلب الحجة لما خرج منه بحق أو بباطل، ليزين به بدعته، وما أحدث، وأشد من ذلك أن يكون قد وضعه في كتاب قد حمل عنه، فهو يريد أن يزين ذلك بالحق والباطل، وإن وضح له الحق في غيره، ونسأل الله التوفيق لنا ولك، والسلام عليك"

وقال أبو عثمان الصابوني –رحمه الله- في معرض ذكر موقف أهل السنة من أهل البدعة: "ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضَرَّت وجَرَّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت"

إن ما مر ذكره من الآثار في النهي عن الجدل والمناظرة يخفي في طياته الحرص على عقيدة المسلمين، إذ لا ينتج عن مناظرة أهل الأهواء -غالبا- إلا انتكاسة أقوام وثبات آخرين على ضلالهم، وإنما الواجب هو بيان الحق من غير مخاصمة ولا مجادلة، قال الهيثم بن جميل: "قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله الرجل يكون عالما بالسنة أيجادل عنها؟ قال: لا، ولكن يخبر بالسنة، فإن قبلت منه وإلا سكت".
وقال العباس بن غالب الوراق: "قلب لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله، أكون في المجلس ليس فيه من يعرف السنة غيري فيتكلم متكلم مبتدع أرد عليه؟ قال: لا تنصب نفسك لهذا، أخبر بالسنة ولا تخاصم، فأعدت عليه القول. فقال: ما أراك إلا مخاصما".

يا هؤلاء رفقا رفقا بالعوااام الذين يستهويهم مثل هذه المناظرات ولا عاقبة لها في الغالب إلا استقرار الشبه في قلوبهم ولا حول ولا قوة إلا بالله

المصدر