معنى حديث "لا عدوى ولا طيرة"

قال صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة"، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، البعير يكون به الجرب فتجرب به الإبل! قال: "ذلك القدرُ، فمن أجرب الأول؟"

التطير هو توقُّع السُّوء من جهة الطيور وحركاتِها وأصواتِها، وأصله أنهم كانوا في الجاهلية إذا خرج أحدهم لحاجة فإن رأى الطير طار عن يمينه هنئ به واستمر، وإن طار عن يساره تشاءم به ورجع ثم أُطلِق على كل ما يُتوهَّمُ أنه سببٌ في الضرر والشُّرور.
ومن هذا الباب قول الله عن فرعون وملئه: فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
ومعنى قوله تعالى: أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ. أي مصائبهم وما وقع بهم من الضرر هو من قِبَل الله. وليس كما توهموا أنها من قبل موسى ومن معه
والتشاؤم: هو عَدُّ الشيء مشؤوماً، أي: يكون وجوده سبباً في وجود ما يُحزِن ويَضُرُّ وأصله توهُّم الضرر والشرور ارتباطاً بجهةِ الشمال إذ يذهب إليها، أو يأتي منها، ويقال: شَاءمَ بِهِ: أخَذَهُ جِهَةَ الشَّمَالِ ولذا سمي الشام شاما لأنه في جهة الشمال بالنسبة لجزيرة العرب وأصلها الشأم، ثمّ أُطلق اللفظ وعُمِّمَ.
وقد اختلط على كثير من الناس قوله "لا عدوى" واعتقدوا أنه نفي لإمكانية انتقال الأمراض المعدية بالرغم من أحاديث تصرح بإمكانية انتقال العدوى كحديث: لا يورد ممرض على مصح ـ والممرض: صاحب الإبل المريضة والمصح: صاحب الإبل الصحيحة، والمراد النهي عن إيراد الإبل المريضة على الصحيحة لأن اختلاط الصحيحة بالمريضة من أسباب انتقال العدوى. وكذلك الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه وفيه: " وفر من المجذوم كما تفر من الأسد"، بعد قوله لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر. فدل على أن ما يقصده بالعدوى يختلف عن إمكانية انتقال المرض. لكن لان الجذام لا ينتقل بسهولة ويحتاج لأشهر من الاختلاط بالمصاب كي ينتقل كما ذكرت منظمة cdc و لا ينتقل بالمصافحة ولا بالجلوس بالقرب من المصاب فقد ورد في الحديث - على ما في سنده من ضعف - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ فِي القَصْعَةِ ، ثُمَّ قَالَ : كُلْ بِسْمِ اللَّهِ ، ثِقَةً بِاللَّهِ ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ. رواه الترمذي وأبو داود و ابن ماجة.
وكذلك أحاديث الطاعون ومنها : إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرْضٍ، فلاَ تَقْدمُوا عَلَيْهِ، وإذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلا تخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.

لكن المعنى المقصود كما ذهب عامة الفقهاء هو النهى عن الاعتقاد في أن الإبل المريضة مشئومة تعدي بذاتها وأن الإصابة بالجرب و غيره من الأمراض المعدية هو بقدر من الله كما جاء في لفظ الحديث حتى وإن كانت الإبل المريضة سببا في انتقال المرض للصحيحة إلا أنها لا تملك الضرر. ولذلك قال فمن أجرب الأول؟ أي من الذي أصاب البعير الأول بالجرب، لأن أول بعير على الإطلاق أصيب بالجرب لم تأته العدوى من بعير آخر ولكن أصيب به بطريقة أخرى قدرها الله.
قال بعض الفقهاء: ليس عند الحنفاء أن أحدا غير الله يستقل بفعل شيء ، بل غايته أن يكون سببا ، والأثر لا يحصل إلا به ، وبغيره من الأسباب ، وبصرف الموانع ، والله تعالى هو الذي يخلق ؛ بتأثير الأسباب ، وبدفع الموانع ، مع خلقه سبحانه أيضا لهذا السبب .لكن المقصود : أنه ليس في الوجود ما يستقل بإحداث شيء ، ولا ثم شيء يوجب كل أثر ، إلا مشيئة الله وحده ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن.اهـ
ولذلك قد يخالط المريض بمرض معدي الأصحاء ولا ينتقل إليهم المرض.
لكن الفرق بين العدوى و الطيرة أن الشىء المعدي سبب أو له أثر أما ما يُتَطَيَّر به فلا أثر له مثل انحرف الطيور جهة اليمين أو جهة اليسار عند إطلاقها أو نعيق البومة فلا أثر له في مصائر العباد. لكن ورد النهي عن الاعتقاد في كونهما يملكان إيقاع الضرر. مثلما ورد النهي عن الاعتقاد في أن شيئا سوى الله يملك النفع.