بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
اقول وبالله التوفيق
نادى الحبيب صلى الله عليه وسلم على بلال رضي الله عنه يوم عرفة قائلاً (يا بلال أنصت لي الناس» (صحيح الترغيب:1151)، انطلق مؤذن الحبيب لينادي الصحب والآل المنتشرين على صعيد عرفات، ما بين مبتهل وباك وضارع إلى ربه يناجي، هلموا إلى إمامكم وأسوتكم وهاديكم وقدوتكم، فهو لا شك يطلبكم لأمر عظيم.. اجتمع الخلق من كل حدب وصوب، ووقفوا جميعًا بين يدي رسولهم صلوات ربي وسلامه عليه ينتظرون وقلوبهم متشوقة، لماذا جمعهم وأنصتهم قبل الإفاضة إلى المشعر الحرام؟ - «معشر الناس أتاني جبرائيل عليه السلام آنفا فأقرأني من ربي السلام؛ وقال: إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات» (صحيح الترغيب:1151)، الله أكبر الله أكبر يا له من فضل ويا لها من بشارة، ربهم الذي باهى بهم الملائكة اليوم وقال لهم في تلك العشية المباركة: «عبادي جاؤني شعثا من كل فج عميق، يرجون جنتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، أو كقطر المطر، أو كزبد البحر، لغفرتها . أفيضوا عبادي مغفورا لكم، ولمن شفعتم له» (صحيح الترغيب:1112). الآن يذكرهم مرة أخرى ويبعث جبريل في ذلك اليوم العظيم ليخبر سيد ولد آدم عليه السلام بتلك البشارة الجليلة، سبحانك ربي سبحانك ما أعظم شأنك، ما ألطفك وأكرمك وأحلمك، فشى السرور في الجمع المبارك وتهللت الأسارير بالقول الحسن، وصاح من بين الجمع رجل، لكنه ليس أي رجل! إنه فاروق الأمة ووزير رسولها، إنه عمر رضي الله تعالى عنه، صاح مناديًا يسأل ويطمئن على إخوان له لم يرهم.. قال الفاروق مستفهمًا: "يا رسول الله هذا لنا خاصة؟". - «بل لكم ولمن جاء من بعدكم إلى يوم القيامة» (صحيح الترغيب:1151). ما إن سمع عمر تلك الكلمات تخرج من الفم الشريف حتى صاح وقد تهلل الوجه، وساد الانشراح: "كثر خير الله وطاب، كثر خير الله وطاب"، صدقت يا عمر كثر خير الله وطاب، واشرأب الفضل وزاد، وتضاعف المن وفاض.