موقف الإسلام من الشعر وأروع ما جادت به قرائح الشعراء في الشهامة والمروءة.
إعداد: بوودن دحمان حذيفة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد:
لقد كان للشعر في شبه الجزيرة العربية أسواقا يتناشد فيها الشعراء ويتنافسون فيما بينهم. وكانت العرب تحرص على حفظ الشعر وروايته حتى قال الفاروق عمر رضي الله عنه: "كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصلح منه" –طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجحمي: 1/24- وكان العرب في تلك الفترة يحرصون على إرضاء الشعراء وإكرامهم؛ حرصا منهم على سمعتهم وكرامتهم. فقد بوأت القبيلة الشاعر مرتبة قد تفوق زعيمها أحيانا، نظرا لحجم وجسامة المهام التي أناطه بها ميثاق القبيلة، فهو يخلد مآثرهم ويذب عن أحسابهم ويحمي أعراضهم... فشاعر ببيت يرفع قوم وبآخر يحط من قدرهم، فقبيلة أنف الناقة مثلا مدحها الحطيئة حين قال:
قَوْمٌ هُمُ الأَنْفُ، وَالأَذْنَابُ غَيْرهُمُ ***وَمَنْ يُسَوِّي بِأَنْفِ النَّاقَةِ الذَّنَبَا!
فجعلهم يفتخرون باسمهم بعدما كانوا يستحون منه، وكذلك قبيلة نمير التي وضعها الشعر، وأنزل من قدرها، وذلك عندما أفحش جرير في هجائهم فقال:
فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ *** فَلَا كَعْبًا بَلَغَتْ وَلَا كِلَابًا
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ابن الجزيرة العربية يدرك حاجة العربي للشعر في التعبير عن واقعه وأحاسيسه، وكان يدرك أن الشعر متأصل في العرب لا يمكن الاستغناء عنه، بدليل قوله: " لَا تدع الْعَرَب الشّعْر حَتَّى تدع الْإِبِل الحنين"- أخرجه مُسلم- ولكن يقول كثير من الراصدين للتراث الإسلامي: إنه في صدر الإسلام تأخر الشعر قليلاً، وهذا في تأويلهم يُعزى إلى انبهار الشعراء بالقرآن الكريم، مما جعل الكثير منهم يتقاصرون عن قول الشعر ويدركون أنهم محجوجون. حتى إن أحدهم لما طلب منه شعر أخرج سورة البقرة وقال: "الله أغناني بمثل هذا". فما هو الشعر؟ وهل ما جاء موزونا في القرآن والسنة يعد ذلك من قبيل الشعر؟ فإن كان لا، فما موقف الإسلام منه؟
يُعّرف الشّعر بأنّه كلام موزون مقفى، وهو كلام بليغ مَبنِيّ على الاستعارة، والأوصاف، وبأجزاء تتفق في الوزن والقافية، وتكون أجزاؤه أحياناً مستقلةً في الغرض عن ما قبلها وما بعدها. وبحور الشعر ستة عشر، وزاد الأخفش بحراً فصارت سبعة عشر. وقد استنبط الخليل بن احمد الفراهيدي أوزان الشعر من القصائد الكثيرة التي جمعها ونظم قواعدها في علم سماه علم العروض.
وخلال تاريخ الأدب العربي الطويل حافظ معظم الشعراء على نظام القصيدة العربية المشهور: الوزن والقافية والروي والتفعيلة. وقد حاول البعض ومنهم أبو العتاهية الخروج على ذلك، ولكن هذا الخروج لم يؤثر شيئاً في ذلك النظام. وهناك من الشعراء من سعى إلى إضافة تشكيلات جديدة لنظام الوزن والقافية، فصنعوا المزدوجات والمخمسات والمسمطات، إلا أن تلك التشكيلات لم تنتشر انتشار القصيدة العربية الصحيحة.
وفي العصر الحديث ظهرت دعوات متلاحقة للخروج على الأوزان والقوافي في الشعر والاكتفاء بوحدة التفعيلة، وذلك من بعض الفئات التي درست في الغرب وتأثرت بالأدب الغربي. وقد ظهرت هذه الدعوات والأصوات نتيجة لما يقال بأن نظام القصيدة العربية الأصلي يُقيد الشاعر، وأنه لا بد من إفساح المجال للشاعر لكي يعبر عن إحساسه بحرية بعيداً عن هذه القيود. وعند النظر نجد أن هذه الأوزان ليست قيوداً على الشاعر الحقيقي، وخير شاهد على ذلك هو تاريخنا العربي الأدبي من امرئ القيس إلى الشعراء الحاليين حيث الإبداع من خلال الإيقاع الأصلي الجميل للقصيدة.
ومن المتعارف عليه أن كلام العرب لا يخرج عن كونه شعراً أو نثراً. وما يذكره بعض العلماء من وجود السجع كقسم ثالث فهو داخل في النثر، وليس قسماً مستقلاًّ. ولا شك أن القرآن الكريم ليس شعرا، كما قال تعالى: "وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ" -الحاقة: 41- فمن قال إنه شعر فهو مكابر، أو أنه لا يعرف الشعر. فالقرآن لا يجري على نسق واحد كأوزان الشعر، حيث له فواصل لا تلتزم بالقوافي التي يراد بها التأثير في النفس والمبالغة والإثارة. فهو ليس بغناء يُترنم به بل فرقان يميز بين الحق والباطل. ولو كان القرآن شعراً فما الذي منع كفار قريش من النظم على منواله؟!. بل رأينا اعتراف الصادقين منهم أن القرآن ليس بشعر، ومن هؤلاء أبو الوليد عتبة بن ربيعة حيث قال: "أني سمعت قولاً واللَّه ما سمعت مثله قط، واللَّه ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة" - رواه البيهقي في دلائل النبوة: 2 / 205-.
وإذا عُرف أن النثر اسمٌ في الاصطلاح لما ليس بشعر صح أن نقول: إن القرآن نثر؛ أي: ليس بشعر. ومع ذلك فترك إطلاق اسم النثر عليه والاستغناءُ بسلب صفة الشعر عنه أولى وأفضل. يقول الأديب طه حسين: "القرآن ليس نثراً، كما أنه ليس شعراً، إنما هو قرآن، ولا يمكن أن يسمَّى بغير هذا الاسم" - علي حسن العماري، الأعمال الكاملة: 5 / 577-.
ومن المعلوم أن الشعر فن أدبي راقٍ، يحلم الكثير بأن يوصف بالشاعر، ولكن في نفس الوقت هذا الوصف ما هو إلا قدح وذم في حق النبي. فنبينا صلى الله عليه وسلم اتهمه الكفار بأنه شاعرٌ؛ حيث قال الله تعالى على لسانهم: "بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ" -الأنبياء:5- ذلك أن الشعر كما لاحظه المفسرون لا يخلو من زخارف ومحسنات لفظية وأهمها الوزن والقافية يراد من ورائها إثارة الطرب والاستحسان أو الإعجاب. فاستخدم الكافرون هذا الوصف حتى يسقطوا به نبوة محمد. فدافع عنه رب العزة حيث قال: "وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ" -الصافات: 69- فبين سبحانه أنه لا ينبغي لمحمد عليه الصلاة والسلام أن يتعلم الشعر حتى يوقن الكافرون أنه لا صلة بين ما يوحى إليه وبين الشعر. ولهدا جاء في كتب السيرة أنه كان عليه السلام لا يحفظ بيتا على وزن منتظم، فإذا تمثل بالشعر فببعض البيت، أو بمعناه، وقد روي عن أم المؤمنين عائشة قالت: ما جمع رسول الله بيت شعر قط إلا بيتا واحدا:
تَفَاءَلْ بِمَا تَهْوَى يَكُنْ فَلَقَلَّمَا *** يُقَالُ لِشَيْءٍ كَانَ إِلَّا تَحَقَّقَا
ولكن هدا الأثر رواه البيهقي في السنن الكبرى -7/43- وقال: "لم أكتبه إلا بهذا الإسناد، وفيهم مَنْ يجهل حاله" وقال قتادة: بلغني أَنَّ عائشة سُئلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّعْرِ؟ فَقَالَتْ: لَا إِلَّا بَيْتَ طَرَفَة:
سَتُبْدي لكَ الأيامُ مَا كُنْتَ جَاهلا *** وَيَأْتيك بالأخبارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
فجعل يقول: "مَن لَمْ تُزَوّد بِالْأَخْبَارِ". فقال أبو بكر: ليس هذا هكذا. فقالَ: "إِنِّي لَسْتُ بِشَاعِرٍ، وَلَا يَنْبَغِي لِي" -رواه عبد الرزاق في تفسيره: 2/117-
ويرى بعض العلماء أن الشعر يزري بالعلماء لأن فيه خفة وطيش؛ قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: دخل رجل على الشافعي فقال: إن أصحاب أبي حنيفة لفصحاء. فقال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله:
فلولا الشِّعْرُ بالعُلماءِ يُزْرِي *** لكنتُ اليومَ أَشْعَرَ من لَبِيدِ
ولا يقصد الشافعيُّ أنه يُزْرِي على إطلاقه، ولكن الكذب في قول الشعر والمبالغات والمستحيلات والإغراق في التشبيهات والخيالات مذموم في الإسلام وعند العقلاء، وهذا غالب ما يكون في شعر الشعراء الجاهليين وغيرهم، وقد يعدُّه النقاد من عيون الشعر وأبلغه حتى قال بعضهم: "أحسن الشعرِ أكذَبُه" ولذلك كان الأصمعي يرى أن الشعر إذا دخل في باب الخير لانَ أي : أصابه ضعف. ثم إن الفنون التي برع فيها الشعراء هي الهجاء، والتشبيب بالنساء، والمدح رغبة في العطاء، وإن كان الممدوح لا يستحق المدح، وذمّ من يمنعُهُم وإن كان من أهل الفضل، وربما ذمُّوا من كانوا يمدحونه، ومدحوا من كانوا يذمُّونَهُ، ويتفننون في المبالغات والمستحيلات فيَعْذُبُ شِعْرُهم. فمن هنا قال الشافعي بأنه يزري ولو أجاز الشافعي لنفسه هذا اللون لكان أشعرَ الشعراءِ على الإطلاق، ولكنَّه جعلَ لشعرِهِ قُيُوداً وحُدُوداً ولم يكن الشعرُ عنده مقصوداً لذاته، بل لغايةٍ ساميةٍ وهي الحِكْمة والفضيلة.
وأما ما جاء من كلام الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم على زِنة الشِّعر، فقد أنكر الأخفشُ أن يكون أنَّ مشطور الرجز ومنهوكه ومشطور السريع ومنهوك المنسرح من الشِّعر كما أنْكر أن يكون قائلُه شاعرًا. لينفي عنِ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم قول الشعر، ولأنَّ من كلامه ما جاء على هذه الأضرُب الأربعة، كقوله: "اللَّهُ مَوْلاَنا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ" وقوله: "هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبعٌ دُمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ" وقوله: "أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَلِّبْ" وأيضا: "لاَ هُمْ إِنَّ الدَّارَ دَارُ الآخِرِةْ" - صحيح البخاري - وهذا الإنكار من الأخفش ليس صحيحًا والسبب في ذلك أنَّ الشاعر لا يُسمَّى شاعرًا إلا إذا شعر الشِّعر وقصده، واهتدى إليه وأراده، وأتى به كلامًا موزونًا على طريقةِ العرَب في إتيانهم الشِّعر مقفًّى. فأمَّا متَى خلا مِن هذه الأوْصاف، أو مِن بعضها كأن لا يقصد قولَ الشِّعر ولم يرده، وجاء على لِسانه عفوًا بغيْر قصْد، فلا يستحق أن يسمَّى شعرًا، ولا قائله شاعِرًا بإجماع العلماء والشُّعراء. بدليل أنَّ كثيرًا مِن الناس يأتون بكلام موزون مقفًّى، غير أنهم ما شَعروا له ولا قصَدوه، نحو قول بعضهم: "اختموا صلاتَكم بالدُّعاء والصدقة" وكما قال قائل لإنسان بحضرة أبي العتاهية وفي يدِه مسحا: "يَا صَاحِبَ المسحِ تَبِيعُ المسحا" فأجابه أبو العتاهية بأن قال: "فَإِنَّ عِنْدِي إِنْ أَرَدْتَ الرِّبْحَا" وكما قال الآخر: "اذْهَبُوا بي إلى الطَّبِيبِ وَقُولُوا قدِ اكْتَوى" -الشافي في القوافي : 6/ب- ثم إنَّ القرآن وردتْ فيه بعض الجمل على مقاس وزن البسيط والوافر والرمل والسريع والمجتث والمتقارب، وغير ذلك مِن بحور الشِّعر، فهل ندْفع بهذه البحور وننكرها، لنَنْفي عن القرآن ما جاء منه على زِنة الشِّعر ومقاسه، وبالتالي نُلغي كلَّ أجناس الشعر العربي؟! طبعًا لا يصحُّ هذا.
وعلى الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل الشعر ولم يعلِّمه الله إياه، إلا أنه كان يعجب له ويطرب له إعجاب وطرب العربي صاحب الذوق السليم؛ وقد بلغ من استحسانه لقصيدة بانت سعاد أن صفح عن كعب بن زهير وأعطاه بردته، واستمع إلى الخنساء واستزادها مما تقول-تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص28 للدكتور طه أحمد إبراهيم- وأنشده النابغة الجعدي شعرا فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يفضُض الله فاك" فعاش مائة وثلاثين سنة لم ينقص له سن-الشعر والشعراء، ج1: ص295- وعندما أنشد بين يديه بيت عدي بن زيد:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ***فكل قرين بالمقارن يقتدي.
قال عنه: "كلمة نبي ألقيت على لسان شاعر"- الإيجاز والإعجاز للثعالبي: 38- وليس معنى هذا أن الكلام من الوحي، ولكن الرسول يريد أن معنى البيت يتفق مع ما يقوله الأنبياء، لأنه حق.
وعن عمرو بن الشَّرِيدِ عن أبيه قال: رَدِفْتُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوما فقال: "هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْئاً؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: هِيهِ فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتاً، فَقَالَ: هِيهِ، ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتاً فَقَالَ: هِيهِ حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ" -رواه مسلم- قال القرطبي رحمه الله في تفسيره : "وإنما استكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من شعر أمية لأنه كان حكيماً" وقال عليه السلام عن أمية بن أبي الصلت: " آمَنَ شِعْرُهُ، وَكَفَرَ قَلْبُهُ " -رواه ابن عبد البر في التمهيد 4/7-.
بل إن الأمر ليتعدى حد الإعجاب إلى الدعوة إليه وإصلاحه ونقده. فقد دعا رسول صلى الله عليه وسلم شعراء المسلمين إلى هجاء المشركين الذين وقفوا في وجه الدعوة الإسلامية. ودلك حين تمادت قريش في هجاء رسول الله ودينه، لما كان عام الأحزاب، فاستنهض شعراء المسلمين قائلا: "من يحمي أعراض المسلمين" فينبري له عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان ابن ثابت، فيقول لابن رواحه: "أنت شاعر كريم" ويقول لكعب بن مالك: "وأنت تحسن صفة الحرب". فلمّا دخل عليه حسان قال: "قد آنَ لَكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثمّ أدلع لسانه فجعل يحرّكه فقال: والذي بعثك بالحقّ؛ لأفرينّهم بلساني فري الأديم. فقال له رسول الله صلّى اللَّهُ عليه وسلّم: لا تعجل فإنَّ أبا بَكرٍ أعلَمُ قريشٍ بأنسابِها وإنَّ لي فيهم نسبًا حتَّى يلخِّصَ لَكَ نسبي، فأتاه حسان، ثمّ رجع فقال: يا رسول الله، قد لخّص لي نسبكَ والذي بعثك بالحقّ لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشعرة من العجين" قال ابن قدامة رحمه الله: "كان يضع لحسان منبرا يقوم عليه، فيهجو من هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين". وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: "أهجهم - يعني قريشًا - فوالله لهجاؤك عليهم أشد من وقع السهام في غلس الظلام" فكان يهجوهم بالأيام التي هزموا فيها، ويعيّرهم بالمثالب والأنساب. وفي رواية صلى الله عليه وسلم لحسان لِحَسَّانَ بن ثابت رضي الله عنه: "اهْجُهُمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ" -رواه البخاري- وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرسول الكريم قرن في أقواله جبرائيل عليه السلام مع هجاء حسان، لأنه أراد أن يوصي حساناً بأن ينطلق لسانه في هجاء المشركين من منطلق إيماني لا من منطلق جاهلي، لأن المساعدة التي يبديها جبرائيل عليه السلام لحسان لا تكون إلا ضمن المنطلق الإيماني.
وأما نقد الرسول الكريم للشعر وإصلاحه، فقد روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أصدق كلمةٍ قالها شاعر، قول لبيد: ألا كل ما خلا الله باطل"-فتح الباري: 10:447-. ودلك أن قوله يتسق مع الروح الإسلامية. وحينما ينشده النابغة الجَعدي:
بلَغْنا السماءَ مجدُنا وجدودُنا *** وإنا لنرجو فوقَ ذلك مَظهرا.
يظهر الغضب في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول للنابغة: "إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ " فقال: إلى الجنة، فيقول الرسول -وقد اطمأن-: "نعم إن شاء الله"- الشعر والشعراء، ج1/ ص295- ولما أنشد كعب بن زهير قصيدته (بانت سعاد) التي فيها:
إن الرسول لنور يستضاء به *** مهند من سيوف الهند مسلول.
قال له مصححا: بل من سيوف الله- معجم الشعراء للمرزبالي ص: 231- حيث القول السديد، هو أن سيوف الله هي التي لا تفل، ولا تنبو ظباتها، ولا تحيد عن مواطن الحق. ولما أنشده كعب بن مالك: مُجَالَدُنَا عَنْ جِذْمِنَا كُلُّ فَخْمَةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَصْلُحُ أَنْ تَقُولَ: مُجَالَدُنَا عَنْ دِينِنَا؟ فَقَالَ كَعْبٌ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَهُوَ أَحْسَنُ" - السير لابن هشام 2: 261-. والجذم هو الأصل. وواضح من هذا التوجيه الذي أسداه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كعب أن الجلاد والقتال إنما ينبغي أن يكون عن الدين، لا عن الأصل والنسب.
وعليه فإن ما ورد من ذم للشعراء في القرآن أو ذم للشعر في السنة، فإنما يذم من أسرف وكذب، ويستثني منهم من لا يفعل ذلك. كما قال سبحانه: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ -الشعراء:224-227 - وقال الحسن البصري: "قد والله رأينا أوديتهم التي يهيمون فيها، مرة في شتيمة فلان، ومرة في مديحة فلان".
وكذلك ما ورد في السنة من ذم لبعض حالات الشعر، فالمقصود به الإكثار من ذلك حتى يشغله عن القرآن والسنة والتفقه في الدين، أو ما كان فيه تشبيب بالنساء، أو هجاء وذم بغير حق ونحو ذلك. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: "بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرْجِ، إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذُوا الشَّيْطَانَ - أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ - لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا" - رواه البخاري ومسلم - قال الإمام أبو العباس القرطبي رحمه الله : "إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل مع هذا الشاعر لما علم من حاله، فلعل هذا الشاعر كان ممن قد عرف من حاله أنه قد اتَّخذ الشعر طريقًا للكسب، فيفرط في المدح إذا أعطي، وفي الهجو والذمِّ إذا مُنع، فيؤذي الناس في أموالهم وأعراضهم" - المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم 5/528-529- وعلَّق الإمام النووي رحمه الله على هدا الحديث بقوله: "الصواب: أن المراد أن يكون الشعر غالباً عليه، مستولياً عليه، بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية وذِكر الله تعالى، وهذا مذموم من أي شعر كان، فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية هو الغالب عليه: فلا يضر حفظ اليسير من الشعر مع هذا؛ لأن جوفه ليس ممتلئا شعراً"- شرح مسلم: 15 / 14 -.
وبناء على ما سبق فإن حكم الشِّعر تابع لحكم الكلام الذي يشتمل عليه، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سُئِلَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الشِّعْر فَقَالَ: "هُوَ كَلاَمٌ فَحَسَنُهُ حَسَنْ وَقَبِيحُه قَبِيح"-رواه رواه الدارقطني وأبويعلى في مسنده، وقال الألباني: إسناده حسن- فالأصل في الشعر الإباحة كما هو الأصل في حكم الكلام، فلا يمدح لذاته ولا يذم لذاته، ولكن النظر إلى مضمون الشعر، يقول ابن قدامة رحمه الله :"ليس في إباحة الشعر خلاف، وقد قاله الصحابة والعلماء، والحاجة تدعو إليه لمعرفة اللغة العربية، والاستشهاد به في التفسير، وتعرف معاني كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ويستدل به أيضا على النسب والتاريخ وأيام العرب، يقال: الشعر ديوان العرب"- المغني: 10/176- وقد يكون الشعر واجبا ومن ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحسان بن ثابت رضي الله عنه: "أجبْ عني، اللهم أيِّدَه بروحِ القدُسِ" وهو الرد على من هجا المسلمين؛ لذلك دأب شعراء المسلمين المخلصون على الرد على هؤلاء الكفرة والزنادقة؛ كما رد عبد الله بن المبارك على عمران بن حطان في مدحه ابن ملجم قاتل علي. بل تعلم بعض الشعر ما يكون فرض كفاية، ففي الموسوعة الفقهية-26/115-:"معرفة شعر أهل الجاهلية والمخضرمين والإسلاميين رواية ودراية فرض كفاية عند فقهاء الإسلام؛ لأن به تثبت قواعد العربية التي بها يعلم الكتاب والسنة المتوقف على معرفتهما الأحكام التي يتميز بها الحلال من الحرام".
كما قد يكون من الشعر ما هو مُحَرَّم، كالشعر المشتمل على الدعوة لنبذ الأديان والتحرر من العقيدة والإباحية واستحلال الخمور والزنا وغيرها من المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة. ومن الشعر المحرم: الهجاءُ فهو قائم على السبِّ والشتم، وهو نوع من القذف يرفضه الإسلام ويعاقب عليه. ولذلك سجن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحطيئةَ لما هجا الزبرقان بن بدر بقصيدة جاء فيها:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فشكاه الزبر قان إلى عمر، فأمر بسجنه لما في البيت من قذف ومس بعرض الزبرقان، ولم يطلق سراحه إلا بعد أن أخذ عليه عهدا أن لا يهجو أحدا من المسلمين وبعد أن قال الخطيئة يعتذر من سجنه:
ماذا تقول الأفراخ بذى مرخ ** زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ** فاغفر عليك سلام الله يا عمر.
ومن الشعر المحرم: التفاخر بالمعاصي أو التهييج عليها، كمدح الخمر وفعلها في العقول مما يدعو إلى احتسائها ظنًّا بصدق قول الشاعر. وكان ذلك قليلاً في عصر صدر الإسلام وعصر بني أُمية؛ والأبرز في ذلك الأخطل؛ ولكنه كان نصرانيًا. وشاع ذلك وعرف في عصر بني عباس، فظهر بشار، وابن هَرْمة، ومسلم بن الوليد، وأبو نواس، وغيرهم. وكذلك التفاخر بالعُهْر والزِّنى، وكان القائدَ في ذلك امرؤ القيس في الجاهلية حتى قال فيه رسول الله: امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار- طبقات الشافعية الكبرى للسبكي1: 226- وبعده الأعشى، ثم تبعهم الفرزدق حتى كاد أن يَحدَّهُ سليمان بن عبد الملك لولا أن قوله تعالى: "وأنهم يقولون ما لا يفعلون" درأ عنه الحد. وكذلك أشعار نزار قباني في العصر الحديث وغيره. قال ابن قدامة "وهذا إن أريد به أنه محرم على قائله، فهو صحيح، وأما على راويه فلا يصح" – المغني: 10/ 158-.
وأما شعر الغزل العفيف البريء الذي لا يحرك الشهوات، فلا حرج فيه فلا حرج فيه، فقـد مدح كعب بن زهير ــ رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصيدته البردة وفيها غزلٌ لكن الغرض من ذلك: هو تحسين الكلام وترقيقه، لا تحقيق المذكور. كما أورد ابن حزم في كتابه: طوق الحمامة نماذج من غزله، وكذلك فعل ابن القيم في روضة المحبين. فيشرط الغزل المباح ألا يكون تشبيبا بامرأة معينة، لما فيه من التشهير والأذية للمؤمنة بغير حق، وقد قال الله عز وجل: "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا" - الأحزاب/58 – كما يشترط فيه أن لا يكون من الشعر الفاضح في ذكر أجزاء البدن وتقاطيع الجسم، مما يثير الغرائز ويحرك الشهوات. فهذا محرم؛ لما فيه من الإفضاء إلى الفحش والرذيلة، قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ" –النور: 19-
وأما الشعر المستحب فهو الذي يحث على مكارم الأخلاق ومحاسن السير ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان فضائله وأخلاقه الحميدة. لكن لا يكون مدحه عليه السلام كما مدحه البوصيري وأضرابه حينما جعلوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفات هي لله سبحانه وتعالى! فما كان الرسول ليرضى بهذا المدح. ومن الشعر المندوب أيضا شعر الزهد الذي يحض على التقوى، ويذكِّر الإنسان بالإنابة إلى الله. فمن الشعراء من كان جُلُّ شعره في ذلك الباب كأبي العتاهية وغيره. ومن الشعر المندوب أيضا: شعر الحكمة وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حِكْمَةً - رواه البخاري- ومنه أيضا ما ينظم في العلوم الشرعية، كالكافية الشافية في اعتقاد الفرقة الناجية، والنونية لابن القيم في التوحيد وغيرهم.
فكثيرة هي الأشعار وكثر ٌهم الشعراء لكنْ ليس كل الأشعار تُخلد، ولا كل شاعر يُحفظ له! وبرغم روعة القصيدة فقد لا يحفظها إلا عاشق للشعر أو الشاعر، إلا أن أبياتاً منها قد ينتشر الاستدلال بها على لسان المتحدثين والكتاب والخطباء.. وفي ما يلي أبيات مختارة من الشعر في الشهامة والمروءة اسنتنهظ بها الهمم في مجتمع صدق فيه قول الشاعر:
مررت على المروءة وهي تبكي*** فقلت علاما تنتحب الفتاة
فقالت كيف لا أبكي وأهلي ***جميعا دون خلق الله ماتوا
1. لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ *** بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمِ***وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ. -عنترة بن شداد-
2. يَقُولُونَ لِي فِيكَ انْقِبَاضٌ وَإِنَّمَا ***رَأَوْا رَجُلاً عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا
أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهُمْ ***وَمْنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا - الجرجاني-
3. يهون علينا أن تصابَ جُسومنا***وتسلمُ أعراضٌ لنا وعقولُ –المتنبي-
4. وَتَجَلُّدِى لِلشّامِتِينَ أُرِيهِمُ *** أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ -أبو ذؤيب خويلد بن خالد المخزومي-
5. ولقد أَمُرُّ على اللئيمِ يَسُبُّني *** فأجوزُ ثمَّ أقولُ لا يَعْنِيني - لرجل من بنى سلول-
6. إنّا لقَوْمٌ أبَتْ أخلاقُنــا شرفًا *** أن نبتدي بالأذى من ليس يُؤذينا -صفي الدين الحّي-
7. وَإِنِّي إِذَا مَا فَاتَنِي الأَمْرُ لَمْ أَبِتْ *** أُقَلِّبُ كَفِّي إِثْرَهُ مُتَنَدِّمَا
إِذَا قِيلَ هَذَا مَنْهَلٌ قُلْتُ قَدْ أَرَى *** وَلَكِنَّ نَفْسَ الْحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا- الجرجاني-
8. وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أشدُّ مَضـــــــــــــــــاضَةً *** على النَّفس من وَقْعِ الحسامِ المهنّدِ- طرفة بن العبد-
9. إنَّ الغِنَى عن لئامِ النَّاسِ مَكْرُمةٌ***وعن كرامِهم أدنَى إلى الكرمِ -أبو شراعة القيسي-
10. جاهِدْ عدوَّك ما اسْتَطَعْتَ جهادَهُ*** أمّا أخــــاك فما اسْتَطَعْتَ فسالمِ- خليل مطران-
11. إذا قُلْتَ في شيءٍ نعم فـــــــــــــأتِمَّهُ ***فإنّ نَعَمْ دَيْنٌ على الحُرِّ واجِبُ- أبو تمام-
12. إِذا جارَيتَ في خُلُقٍ دَنيئاً***فَأَنتَ وَمَن تُجاريهِ سَواءُ -أبو تمام-
13. وَإِن مُدَّتِ الأَيدي إِلى الزادِ لَم أَكنُ***بِأَعجَلِهِم إِذ أَجشَعُ القَومِ أَعجَلُ- ابن الشنفرى-
14. لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ***فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّاسِ ألسُنُ – الشافعي-
15. وعاشِرْ بِمَعروفٍ وسامِحْ مَن اعتَدى***ودَافع ولكن بالتي هِيَ أحسَنُ – الشافعي-
16. فَإِن تَدنُ مِنّي تَدنُ مِنكَ مَوَدَّتي***وَإِن تَنأَ عَنّي تَلقَني عَنكَ نائِيا
17. صلاحُ أمرك للأخلاق مرجــعه***فقوم النّـفس بالأخـــــــــــــلاقِ تَسْتَقِمِ- أحمد شوقي-
18. أَقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم***فَإِنّي إِلى قَومٍ سِواكُم لَأَمَيلُ –الشنفرى-
19. وما عجبي أن النساء ترجلت***ولكن تأنيث الرجال عجيبُ- الرافعي-
20. وَاحْفِرْ لِسِرِّكَ في فُؤَادِكَ مَلْحَدًا *** وَادْفِنْهُ في الأَحْشَاءِ أَيَّ دِفَانِ- القحطاني-
21. إِذا أَنْتَ لم تُعْرِضْ عنِ الجَهْلِ والخَنَا *** أَصَبْتَ حَلِيماً أَو أَصابكَ جاهِلُ- زهير بن أبي سلمى
22. إِذا ما كُنتَ ذا قَلبٍ قَنوعٍ***فَأَنتَ وَمالِكُ الدُنيا سَواءُ- الشافعي-
23. ليس العطاءُ من الفضُول سمـاحَةً ***حتّى تجودَ وما لديك قليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــلُ- المقنّع الكندي-
24. لا يكذبُ المرءُ إلاّ منْ مَهَــانِتِه ***أو عادةِ الســوءِ أو من قِـــــــــــــــــلَّةِ الأدبِ –بشار بن برد-
25. قِفْ دون رأيِك في الحــياةِ مجاهـــــــــــــــــــــــداً ***إنّ الحــــياةَ عقيدةٌ وجِهـــــــــــــــــــــــــــــــــــادُ- أحمد شوقي-
26. خُذ ما تراه ودعْ شيئا سمعت به***في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
27. وإنْ بُليتَ بشخصٍ لا خَلاقَ لهُ***فكُنْ كأنَّكَ لمْ تسمع ولمْ يَقُلِ
28. يرى الجبناء أن العجز عقل *** وتلك خديعة الطبع اللئيم
29. لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ ***عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتُ عَظيمُ
30. ورُبَّ قبيحة ماحال بيني *** وبين ركوبها إلا الحياءُ
فكان هو الدواء لها ولكن *** اذا ذهب الحياء فلا دواءُ
31. تواضعْ تكنْ كالنَّجمِ لاح لناظرٍ *** على صفحاتِ الماءِ وهو رفيعُ
ولا تكُ كالدُّخانِ يعلو بنفسِه *** إلى طبقاتِ الجوِّ وهو وضيعُ- موسى بن علي بن موسى-
32. لاَ تُشْغَلَنَّ بِعَيْبِ غَيْرِكَ غَافِلاً *** عَنْ عَيْبِ نَفْسِكَ إِنَّهُ عَيْبَانِ- القحطاني-
33. وَإِذَا خَلَوْتَ بِرِيبَةٍ في ظُلْمَةٍ *** وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَى الطُّغْيَانِ
فَاسْتَحْيِ مِنْ نَظَرِ الإِلَهِ وَقُلْ لَهَا *** إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلاَمَ يَرَانِي - القحطاني-
34. واحذرْ مصاحبةَ اللَّئيمِ فإنَّه***يُعْدِي كما يُعْدِي الصَّحيحَ الأجربُ
35. وكيف تحب أن تدعى حكيما***وأنت لكل ما تهوى ركوب
36. فلا تركع لغير الله يوما***فخلق الله أصلهمُ سواءُ
37. إن الطيور وإن قصصت جناحها ***تهفو بفطرتها إلى الطيران
38. ترومُ المجد مع كسل وعجز * * * أضعت العُمر في طلب المحال
39. رأيت دُنو الدار ليس بنافع***اذا كان مابين القلوب بعيد
40. لا تعجلنَّ لأمرٍ أنت طالبُه ***فقلَّما يدركُ المطلوبَ ذو العَجلِ
فذو التَّأنِّي مصيبٌ في مقاصدِه ****وذو التَّعجلِ لا يخلو عن الزَّللِ
41. مررت على الشجاعة وهي تبكي***فقلت علام تنتحب الفتاة
فقالت كيف والشجعان مروا***على المظلوم فابتسموا وفاتوا
42. أحبُّ مـكارمَ الأخلاق جَهدي *** وأكـره أن أَعـيب وأن أُعابا
وأصفح عن سِباب الناس حِلماً *** وشرُّ الناس من يهوى السبابا
43. فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم***إنَّ التشبهَ بالكرامِ فلاحُ
44. لاَ تَمْشِ ذَا وَجْهَيْنِ مِنْ بَيْنِ الْوَرَى *** شَرُّ الْبَرِيَّةِ مَنْ لَهُ وَجْهَانِ
لاَ تَحْسُدَنْ أَحَدًا عَلَى نَعْمَائِهِ *** إِنَّ الْحَسُودَ لِحُكْمِ رَبِّكَ شَانِي- القحطاني-
45. وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالعُلا*** مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ في مَوْضِعِ النَّدَى- المتنبي-
46. إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ *** فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ *** كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ –المتنبي-
47. شمر وكن في أمور الدين مجتهداً **** ولا تكن مثل عير قيد فانقادا
48. يا ابن التراب ومأكول التراب غدا *** أبصر فإنك مأكول ومشروب
49. إِنَّ الرِّجَالَ النَّاظِرِينَ إِلَى النِّسَا *** مِثْلُ الْكِلاَبِ تَطُوفُ بِاللُّحْمَانِ
إِنْ لَمْ تَصُنْ تِلْكَ اللُّحُومَ أُسُودُهَا *** أُكِلَتْ بِلاَ عِوَضٍ وَلاَ أَثْمَانِ- القحطاني-
50. يخاطبني السفيه بكل قبح ***فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلماً ***كعود زاده الإحراق طيبا –الشافعي-
51. وَلَمْ أَبْتَذِلْ فِي خِدْمَةِ الْعِلْمِ مُهْجَتِي *** لأِخْدِمَ مَنْ لاَقَيْتُ لَكِنْ لأِخْدَمَا
أَأَشْقَى بِهِ غَرْسًا وَأَجْنِيهِ ذِلَّةً *** إِذًا فَاتِّبَاعُ الْجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحْزَمَا- الجرجاني-
52. ومن لا يُصانع في أمور كثيرة * * * يُضرس بأنياب ويُوطأ بمنسم
53. وإنْ ضيَّع الإخوانُ سرّاً فإنَّني ***كتومٌ لأسرارِ العشيرِ أمينُ - لقيس بن الخطيم-
54. لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ *** ولا ينالُ العلى من طبعهُ الغضبُ – عنترة-
55. وَمَنْ عَقَلَ استَحيا وَأكرَمَ نَفسَه***ومَنْ قَنِعَ استغْنَى فَهَلْ أنْتَ قَانِعُ -أبو العتاهية-
56. لَعْمرُك ما ضاقتْ بلاد بأهلها***ولكنّ أخلاق الرّجال تضيق-عمرو بن الأهتم المِنْقري-
57. وإذا أتتك مذمتي من ناقص***فهي الشهادة لي بأني فاضل –المتنبي-
58. إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة *** فإن فساد الرأي أن تترددا- الخليفة المنصور-
59. وَمَنْ كانَتِ الدّنْيا هَواهُ وهَمَّهُ***سبَتْهُ المُنَى واستعبدَتْهُ المَطَامِعُ -أبو العتاهية-
60. وَأَغَضُّ طَرفي ما بَدَت لي جارَتي***حَتّى يُواري جارَتي مَأواها- عنترة-
61. بلادي وإن جارت على عزيزة ***وأهلي وإن ضنوا على كرام- أبو فراس وقيل لأحمد شوقي-
62. إذا كنتَ في قومٍ فصاحب خيارهم ***ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي – عدي ابن زيد-
63. لا تأسَفَنَّ على غَدرِ الزمانِ لطالـما ***رَقَصَتْ على جُثَثِ الأسودِ كلابُ
لا تَحْسَبَنَّ بَرقْصِها بلغت مقاما ***تبقى الأسودُ أسوداً والكلابُ كلابُ- الشافعي-
64. ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى***عدوا له ما من صداقته بُد –المتنبي-
65. إذا لم تستطع شيئاً فدَعْه***وجاوزْه إلى ما تستطيع- عمرو بن معد يكرب الزُّبيدي-
66. أحْسِنْ إلى الناسِ تَسْـتَعْبِد قُلوبَهُمُ*** فَطَالَما اسْتَعْبَدَ الإنْسَانَ إحْسانُ- أبو الفتح البستي-
67. وإذا لم يــكنْ من الموتِ بُـــــــــــــــــــــــــــدُّ***فمِنَ العـــــــــــــــــــــــــــــارِ أن تموتَ جَـــبـــــانا- أحمد شوقي-
68. والمرءُ ليس بصادقٍ في قَـــــــــــــــــــــــــــــــــــوْلِهِ ***حتّى يُؤيِّدَ قولَهُ بفِعَــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا لِ- أحمد شوقي-
69. وإذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ***جاءت محاسنه بألفِ شفيع -ابن نباتة المصري-
70. إذا المرءُ لم يـدَنسْ من اللؤمِ عِرْضُــــــــــــــــهُ***فكُلُّ رداءٍ يرتـديه جمـيــــــــــــــلُ-السموأل-
71. يَعيشُ المَرءُ ما اِستَحيا بِخَيرٍ***وَيَبقى العودُ ما بَقِيَ اللِحاءُ
فَلا وَاللَهِ ما في العَيشِ خَيرٌ***وَلا الدُنيا إِذا ذَهَبَ الحَياءُ- أبو تمام-
72. لَعَمرُكَ ما الدّنْيا لَدَيّ نَفِيسَة ٌ***وإِنْ زخرَفَ الغادُونَ فِيهَا وزَبْرجُوا –أبو العتاهية-
73. كلُّ المصائِبِ قد تمُرُّ على الفَتى ***فتهونُ غيرَ شماتةِ الحسّادِ- عبد الله بن أبي عيينة
74. فكنْ رُجلًا رِجلُه في الثَّرَى*** وهامةُ هِمَّتِه في الثُّريَّا- علي بن أبي طالب-
75. لولا المشقةُ ساد النَّاسُ كلُّهمُ ****الجُودُ يُفقرُ والإقْدامُ قتَّالُ- المتنبي-
76. ولم أرَ في عيوبِ النَّاسِ شيئًا ***كنقصِ القادرين على التَّمامِ- المتنبي-
77. وَرِزقُكَ لَيسَ يُنقِصُهُ التَأَنّي*** وَلَيسَ يَزيدُ في الرِزقِ العَناءُ- الشافعي-
78. الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ ***هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني
فَإِذا هُما اِجتَمَعا لِنَفسٍ مِرَّةٍ ***بَلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ –المتنبي-
79. تَرى الرَجُلَ النَحيفَ فَتَزدَريهِ***وَفي أَثوابِهِ أَسَدٌ مُزيرُ
وَيُعجِبُكَ الطَريرُ فَتَبتَليهِ***فَيُخلِفُ ظّنَّكَ الرَجُلُ الطَريرُ -العباس بن فرناس-
80. تأنّ ولا تعجل بلومك صاحبا *** لعل له عذرا وأنت تلوم -دعبل الخزاعي-
81. وأبْغِضْ إذا أبغضْتَ بغضًا مقــاربًا ***فإنَّك لا تَــــــــــدري متى أنتَ راجـعُ- أبو الأسود الدؤلي-
82. وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا***وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ
تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ***يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ- الشافعي-
83. ما أحسَنَ الدِّينَ والدُّنيا إذا اجتَمَعا***وأقبَحَ الكُفرَ والإفلاسَ بالرَّجُلِ - أبو دُلامة-
84. فلا تجعل الحُسن الدليل على الفتى*** فما كل مصقول الحديد يماني - ابن نباتة-.
85. تعلم فليسَ المرءُ يولدُ عالماً***وَلَيْسَ أخو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ
وإنَّ كَبِير الْقَوْمِ لاَ علْمَ عِنْدَهُ ***صَغيرٌ إذا الْتَفَّتْ عَلَيهِ الْجَحَافِلُ –الشافعي-
86. فإِنَّك إنْ أَعْطَيْتَ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ ***وفَرْجَكَ نَالاَ مُنْتَهَى الذَّمّ أَجْمَعَا- حاتم الطائي-
87. ما أحسن الصدق في الدنيا لقائله *** وأقبح الكذب عند الله والناس
88. لا تظلِمنّ إذا ما كنتَ مُقتدراً *** فالظلمُ مرتعُه يُفضي إلى الندَم
تنام عينُك والمظلوم منتبهُ ***يدعو عليك وعينُ الله لم تَنَمِ- علي بن أبي طالب-
89. تغمدْني بنصحِكَ في انفـرادي***وَجِّنْبني النصيحـةَ في الجماعـةْ
فإِن النصـحَ بين الناسِ نـوعٌ***من التوبيخِ لا أرضى استماعَـهْ- الشافعي-
90. صُنِ النفسَ واحْمِلْها على ما يزينُهــــــــا *** تعِشْ سالمًا والقولُ فيك جمــيلُ- علي بن أبي طالب-
91. أو كلما طنَّ الذباب طردتُه *** إنّ الذباب إذاً عليَّ كريمُ
92. فإن لم تجد بُدّاً من الجهل فاستعن *** عليه بجهّال فذاك من العـزم
93. وما المرءُ إِلا حيثُ يجعلُ نفسَهِ***فكنْ طالباً في الناسِ أعلى المراتبِ- علي بن أبي طالب-
94. ما كانتِ الحسناءُ ترفعُ سترها *** لو أن في هذي الجموع رجالاً
95. ولا تُجِبْ سائلًا مِن غيرِ ترويةٍ ***وبالذي عنه لم تسألْ فلا تجبِ
96. وما طلب المعيشة بالتمني*** ولكن ألق دلوك في الدلاء
97. ومن يكن الغراب له دليلا***يمر به على جيف الكلاب
98. لا يسكن المرء في أرض يُهان بها *** إلا من العجز أو من قلة الحيل
99. إذا اعتاد الفتى خوض المنايا *** فأيسر ما يمر به الوحول
100. لأسْتَسْهِلَنَّ الصَّعبَ أو أُدركَ المنى***فما انقادتِ الآمــــــالُ إلّا لصابرِ- علي بن أبي طالب-
ختاما: نخلص من هذا البحث أن الشعر كالكلام، حسنه حسن وقبيحه قيبح، وقد تجري فيه الأحكام الفقهية الخمسة بحسب موضوعه ومقصوده. ولكن الشعر الحلال مجاله واسع ورحيب، وكذلك المحرم. وأن ذم الشعر ليس للشعر ذاته وإنما لحالات خاصة يتقمصها بعض الشعراء يخرجون بها عن دائرة العرف والرصانة والسلوك السوي. فالإسلام يحتضن الشعر فنا جميلا للقول، ولكنه يشترط عليه الصدق في المضمون، وهكذا يمكننا القول إن الإسلام أول من دعا إلى نبذ منهج الفن من أجل الفن. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.