النبي صلى الله عليه وسلم في المصادر الخارجية و الأدلة الوثائقية
ديسمبر 18, 2020
وإن كنا لا نقبل الطرح القائل بأن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم التي دونها كتاب السير بعد ما لا يقل عن قرن من الزمان من وفاته تفتقر للموثوقية التاريخية - لأن أحداثها منقولة بالاسانيد عن شهود العيان - باعتبار أنها دونت بعد وفاته بزمن ليس بالقصير فضلا عن كونها دونت من قبل المؤمنين به، وعليه فالاعتماد عن مصارد خارجية أو أدلة وثائقية تتعلق به هو السبيل لتدوين سيرة تتمتع بالموثوقية التاريخية، إلا أن المصادر الخارجية و الأدلة الوثائقية في الحقيقة لا تعطي تصورا بديلا عن النبي ولا عن سيرته ولا عن نشأة الإسلام بل تتفق مع الخطوط العامة للسيرة و التاريخ الإسلامي المبكر كما هو مدون في كتب التاريخ الإسلامي و الذي يتفوق على المصادر الخارجية بالدقة و التفصيل في سرد الأحداث.
و هذا الطرح في حقيقته ينطوي على زعم غير عقلاني لأنه يفترض أن ما دون بواسطة غير المسلمين بالضرورة يتسم بالموضوعية لمجرد أنه دون في مرحلة مبكرة على مرحلة التدوين الإسلامي. فهذا الزعم – كما يقول جوناثان بروان- أشبه بالزعم بأنه يمكن تدوين تاريخ الاتحاد السوفييتي مثلا خلال الحرب الباردة من خلال تقارير الصحافة الأمريكية في ذلك الوقت!
إنه لمن الجلي بالنظر إلى قائمة النصوص المؤرخة أو القابلة للتأريخ إن إسم النبي "محمد" صلى الله عليه وسلم يظهر في مرحلة مبكرة جدا في النصوص غير الإسلامية. فالفترة ما بين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (يونيو من العام 632 ميلادية) وأول ذكر له ( فبراير من العام 634 ميلادية) في كتابات "توماس" Thomas the Presbyter الكاهن السرياني المعروفة بسرديات 640 Chronicle of 640 (والتي دونت تقريبا في عام 640 ميلادية/19 هجرية) هي عام ونصف تقريبا. وكان ذكره في سياق التعليق على المعركة التي دارت في فبراير من العام 632 بين العرب المسلمين و البيزنطيين شرقي غزة وتعرف بمعركة داثن.
و كذلك ما يعرف بالقصاصة حول الغزو العربي Fragment on the Arab Conquests والتي هي عبارة عن مذكرات ترجع للعام 634 ميلادية وجدت مكتوبة على مخطوطة سريانية لأناجيل متى و مرقس ترجع للقرن السادس الميلادى (المخطوطة أقدم من المذكرات المدونة في الصفحات الفارغة بها) مذكور بها بعض أحداث غزو العرب للشام و تتحدث عن الغزاة بوصفهم "عرب محمد" و تشير لمعركة اليرموك بمعركة جابيثا
ومن الجدير بالاهتمام أن أقدم الإشارات إلى باكورة التحركات في الجزيرة العربية تأتينا مما يعرف بتعاليم يعقوب Doctrina Jacobi وهو مؤلَّف ذو طبيعة اعتذارية apologetic مناوىء لليهود تم تأليفه في العام 634 في شمال أفريقيا إبان حكم الإمبراطور "هرقل" المعاصر للنبي صلى الله عليه وسلم . وبالرغم من أن النبي لم يذكر فيه بالاسم إلا أنه تمت الإشارة فيه لظهور "نبي بين العرب".
الكتاب من غير المسلمين في القرن الهجري الأول صوروا النبي في كتابتهم على نحو متفاوت فصوروه على أنه نبي كما في تعاليم يعقوب، وتاريخ سيبيوس Sebeos الأسقف الأرميني (أربعينيات القرن الهجري الأول)، و إنجيل الرسل الإثنى عشر Gospel of the Twelve Apostles(سبعينيات القرن الهجري الأول)، وتاريخ بطاركة الإسكندرية (الذي ينقل عن مصدر يعود لنهايات القرن الأول الهجري كتب بواسطة "جورج رئيس الشمامسة" George the Archdeacon)
كما وصف بأنه ملك أو قائد كما في "سرديات خوزستان" Chronicle of Khuzestan (أربعينيات القرن الهجري الأول) و محارب ( كما في إنجيل الرسل الإثنى عشر) و معلم ودليل كما في كتابات يوحنا بن الفنكي John bar Penkaye (ستينيات القرن الهجري الأول) و تاجر كما في كتابات سيبيوس الأرميني و يعقوب الرهاوي Jacob of Edessa أسقف الرها (سبعينيات القرن الهجري). وأنه كان المرجعية بالنسبة للعرب الذين كانوا يقتدون به و يحتذون حذوه في قتالهم لأعدائهم والتفاوض بشأن المعاهدات كما في السرديات المارونية Maronite Chronicle(أربعينيات القرن الهجري الأول) وكتابات توماس الكاهن السرياني، وتاريخ بطاركة الإسكندرية.
كما صور على أنه نشأ بمكة أو أجوارها وأنه أخبر أتباعه أنه نبي ومبعوث ليأمرهم بعبادة الله ونبذ الممارسات الوثنية وأن أمته كانوا يختتنون و يصلون إلى جهة الكعبة وأنه سن لهم تشريعا وأن أتباعه كانوا يتمسكون بتعاليمه كما في تاريخ بطاركة الإسكندرية نقلا عن جورج رئيس الشمامسة، وكتابات يوحنا بن الفنكي. وأنه حرم عليهم الميتة و الكذب و الزنا كما في تاريخ سيبيوس. وأن عقيدة أتباعه كانت توحيدية صارمة كما في تاريخ سيبيوس وكتابات يوحنا بن الفنكي.
وهذا كله يؤكد على أنه كان للمسلمين دين تمسكوا به يتسم بتعاليم وممارسات محددة ويختلف عن العقائد الأخرى الموجودة وقتها ويؤكد على محورية شخصية النبي بالنسبة للمسلمين.
أما على صعيد الأدلة الوثائقية فأقدم دليل وثائقي مؤرَّخ يذكر النبي هو درهم تم سكه بواسطة عبد الملك بن عبد الله والي عبد الله بن الزبير رضي الله عنه على مدينة بيشابور في بلاد فارس عام 66 هجرية كتب عليه عبارة "محمد رسول الله"
وكذلك كتب على شاهد قبر امرأة تدعى "عباسة بنت جريج" يرجع تاريخه إلى العام 71 هجرية "إن أعظم مصائب أهل الإسلام مصيبتهم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم .. هذا قبر عباسة بنت جريج توفيت ... سنة احدى وسبعين وهي تشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله..
وكذلك العملة التي تعود لعبد العزيز بن عبد الله بن عامر و الذي ذكر البلاذري في فتوح البلدان أنه
قدم واليا على سجستان من قبل الحارث بن عبد الله المخزومي المعروف بالقباع الذي عهد إليه ابن الزبير رضي الله عنه بولاية البصرة قبل أن يعزله ويولي مصعب بن الزبير. و العملة ترجع للعام 72 هجرية ومكتوب عليها بالفارسية بالخط البهلوي ما معناه "لا إله إلا إله واحد محمد رسول الإله"
فضلا عن العملات التي أصدرها الخليفة عبد الملك بن مروان وعليها الشهادتان. بالإضافة إلى ذلك نقوش مسجد قبة الصخرة وتعود للعام 72 هجرية. فيوجد في الرواق المثمن الخارجي عبارات: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و محمد رسول الله إن الله وملائكه يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وتقبل شفاعته يوم القيامة. و كذلك نقش منطقة حمى النمور شمال غرب مدينة الطائف ويعود للعام 78 هجرية وفيه: شهد الريان بن عبد الله أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.. كتب هذا الكتب عام بني المسجد الحرام لسنة ثمان وسبعين. وهذا النقش فيه إشارة لحدث ذكرته كتب التاريخ الإسلامي ألا وهو إعادة بناء المسجد الحرام و الذي حدث في عهد عبد الملك بن مروان لأجل ما ألم بالكعبة من خراب خلال حصار الحجاج لعبد الله بن الزبير ورميه بالمنجنيق. وقد بدأ عبد الملك إعادة البناء في عام 75 هجرية.
وتكذيبا لمزاعم الجهول المجهول كريستوف لوكسنبرج – وهو مجهول لا يعرف يكتب باسم مستعار واحتفى به كثير من الكتاب الغربيون لأسباب لا تخفى على أحد – من أن قبة الصخرة كانت في الأصل كنيسة وأن عبارة "محمد عبد الله ورسوله" في الحقيقة معناها – وكما يزعم أيضا المدعو كارل أوليغ- محمود أو جدير بالثناء هو (أي كصفة لا اسم علم) عبد الله ورسوله، والتي يزعمان كذبا ودجلا أنها تشير للمسيح! فقد ورد في كثير من البرديات التي كتبت باللغتين العربية و اليونانية و التي ترجع لعهد عبد الملك بن مروان وبعيد عصره (91 هجرية) ما يفند هذه الأكذوبة فقد ترجمت عبارة محمد رسول الله إلى:
‘maamet apostolos theou’
و التي تعني محمد رسول الله مما يدل على أن محمد هو اسم علم وليس وصفا
كما في هذه البردية المحفوظة في دار الكتب و الوثاق المصرية وترجع إلى عهد الوليد بن عبد الملك و فيها عبارات: بسم الله الرحمن الرحيم . لا إله إلا الله وحده لا شريك له. محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق. وقد ترجمت محمد رسول الله في نفس البردية إلى العبارة آنفة الذكر.
و البردية محفوظة برقم
Inv. No. 67.
وقد تقدم الحديث عن العملة التي تعود لعبد العزيز بن عبد الله بن عامر وقد كتب عليها بالفارسة بالخط البهلوي محمد كاسم علم ضمن عبارة "محمد رسول الله".
تجدر الإشارة إلى الاستفادة الكبيرة من موقع Islamic Awareness
Bookmarks