مقال الدكتورة منى زيتون رائع فى الرد على تلك المغالطه
يقول المقال
نظام تخثر الدم في الإنسان هو من أشهر الأمثلة لنظام معقد غير قابل للاختزال. يحتاج هذا النظام إلى مجموعة من البروتينات الموجودة في بلازما الدم، التي تُعرف باسم عوامل التخثر، وتتفاعل مع بعضها لتكون ما يُعرف باسم شلّال التخثر، والذي يتكون من مسارين، يتكون كل منهما نتيجة لسلسلة من التفاعلات الكيميائية، ويؤديان في النهاية (المسار النهائي) إلى تكوُّن خيوط من بروتين الفيبرين لسد الجرح.
بفحص أحدث تفسير تطوري لتخثر الدم؛ والذي وضعه دوليتل Doolittle، والذي يعني افتراض خطوات تكوين نظام تخثر الدم في الإنسان تدريجيًا، سنجد أنه لم يمكنه أن يدّعي من خلال نموذجه أن تخثر الدم كنظام حيوي هو نظام غير معقد، والأهم أنه كأي تطوري لم يهتم أن يفسر لنا مفارقة أن كل بروتين لازم في العملية يعتمد في تفعيله على بروتين آخر!.
الفيبرينوجين والثرومبين هما قلب التفاعل في كل أنظمة تخثر الدم في الأنواع الحية. يتمثل الدور الرئيسي للثرومبين في تحويل الفيبرينوجين إلى خيوط بروتين الفيبرين، وبذا تكون الخثرة قد تكونت. لكن نظام تخثر الدم في الإنسان أبطأ وأعقد، وفي المقابل يُكوِّن خثرة دم أكثر فاعلية مما في الأنواع الحية ذات نظام التخثر الأبسط والأسرع كسرطان البحر، التي يقوم فيها عامل النسيج بتفعيل التخثر بشكل مباشر.
البروتيزات تقطع وتشذِّب الجزيئات إلى أشكالها وأحجامها النهائية. في دم الإنسان يوجد بروتيز البروثرومبين، ولا بد من تفعيله ليصبح ثرومبين قبل أن يستطيع القيام بعمله ويحول الفيبرينوجين إلى خيوط الفيبرين ويسد الجرح، وكي يتم تفعيل البروثرومبين لا بد من بروتيز X، وهذا البروتيز X بحاجة لأن يتم تفعيله أولًا قبل أن يقوم بتفعيل البروثرومبين، ويتم تفعيله بواسطة عدد من البروتيزات!
شلال التخثر
باختصار، الأمر أعقد بكثير من تحويل البروثرومبين إلى ثرومبين، والفيبرينوجين إلى فيبرين، كي يتم تخثر الدم في الإنسان، فهناك العديد من العوامل الوسيطة المحفِّزة التي يلزم وجودها، وغياب عامل واحد كما في حالة غياب الصورة الفعّالة من عامل (13 VIII) هو سبب الإصابة بمرض الهيموفيليا (نزف الدم). نظام تخثر الدم في الإنسان يتكون من حوالي عشرين من البروتينات. كما أن هناك عوامل أخرى مساعدة تسهم في تفعيل شلال التخثر مثل الكالسيوم وفيتامين K.
الرد التطوري في المقابل على ادّعاء أصحاب التصميم الذكي جاء بالتأكيد على أن نظام تخثر الدم في الإنسان هو بالفعل نظام معقد، ولكن من قال أنه لا يمكن أن يكون نتيجة تطور؟!، ثم كتابة سيناريو طويل مُتوهم للكيفية التي يمكن أن يكون قد تم تطوره بها. ألخص خطواته ببساطة في:
• في أنواع أبسط من الكائنات الحية اللا فقارية كسرطان البحر توجد أنظمة تخثر أبسط مما لدى الإنسان؛ بحيث يحدث التفاعل مباشرة بين الثرومبين والفيبرينوجين لتكوين الفيبرين، كما أن اللافقاريات تستعمل الأدينوسين للسيطرة على انقباضات الخلايا العضلية الملساء التي تحيط بالأوعية الدموية, مما يؤدي إلى تقليل فتحة الجرح وشدة النزيف؛ وبالتالي فنظام التخثر لدى الإنسان قد تطور ابتداءً من هذه الأنظمة.
• بلازما دم سلف الفقاريات كانت غنية بالبروتينات المستخدمة في عمليات حيوية أخرى لا علاقة لها بتخثر الدم وأهمها الهضم، وأنسجة سلف الفقاريات كانت محملة بالبروتيزات (الإنزيمات قاطعة البروتين) ولا علاقة لها أيضًا بالتخثر. وهو بداية تشكل نظام تخثر بدائي للفقاريات.
• حدثت طفرة تضاعف لجين السيرين بروتيز (وهو إنزيم مسؤول عن فسخ الروابط الببتيدية في البروتينات)، ثم تم تفعيل السيرين بروتيز غير الفعّال في البلازما بواسطة بروتيزات الأنسجة, مما زاد النشاط الكلي لتقطيع البروتينات في منطقة النزف؛ وبذا يكون قد طرأ تحسن على خثرة الدم. إذًا فالجين المضاعف مع البروتين الذي لم يكن مستهدفًا للتخثر أصبح مفضلًا بواسطة الانتخاب الطبيعي.
• ثم تم استنساخ نفس الأخطاء في جين بروتيز البلازما, وتم إعادة الترتيب الجيني، والذي أثر بدوره على كل البروتين الخلوي. مع الوقت, أجزاء وقطع من جينات أخرى تقسمت عرضيًا إلى تتابعات بروتيزات بلازما.
• ثم تحدث عملية يفترضها التطوريون، وهي خلط الاكسون لتشكيل جينات جديدة!. تسلسل DNA المعروف بنطاق البروتين المحفوظ هو ذلك الجزء من الجين الذي يمكنه أن يتطور.
• وبعد هذه التغيرات يكون قد تكون عامل النسيج؛ من تركيبة بروتين سطح الخلايا مع مستقبلات البروتين المحفوظ بتسلسل جديد.
• وجود جين يضاعف واحد من بروتينات البلازما جعله يتعرض لضغوط انتخابية لزيادة قدرته على التفاعل مع البروتيزات. الانتخاب الطبيعي كان يفضل كل وأي طفرة أو إعادة ترتيب تزيد من حساسية الفيبرنوجين لبروتيزات البلازما, مما حسّن بشكل كبير قدرة البروتيزات الجديدة على تشكيل خثرة محددة غير ذائبة باستخدام الفيبرينوجين الذائب.
• ثم حدث تضاعف جيني للجين المسؤول عن البروتيز الذي يحول الفيبرينوجين إلى فيبرين, ثم طفرة في الجزء الفعال من النسخة المتضاعفة (ب) غيرت سلوكه. تلك الطفرة فضّلها الانتخاب الطبيعي؛ كونها زادت من كفاءة التخثر.
• الانتخاب الطبيعي كان ينتخب أثناء تطور نظام التخثر كل ما يبقي تشكيل الخثرة تحت السيطرة، وإلا تخثر الدم كله ولم يقتصر الأمر على سد الجرح. وهذا تم بآليات تضاعف جيني لبروتينات كانت موجودة أيضًا وتطفرت فتغيرت،.........
وللإطلاع على تفاصيل الرد التطوري يمكن قراءة الدراسة التالية:
The Evolution of Vertebrate Blood Clotting
إذًا؛ فنظام التخثر المعقد في الإنسان حسب التفسير التطوري أتى من بروتينات موجودة بالأساس في الدم، ولكنها كانت تؤدي وظائف أخرى، ثم أن هذه البروتينات تضاعفت الجينات المشفِّرة لها، ثم تطفّرت إحدى النسخ وحدثت عليها تغيرات في مواقع التفعيل، وتم تفضيلها وانتخابها؛ لأنها أدت إلى تحسين عملية التخثر. والتضاعفات الجينية كانت تتم واحدًا تلو الآخر.
وكما هو واضح فإن:
• الرد التطوري على طوله لم يستطع ادّعاء دخول البروتينات اللازمة لعمل نظام التخثر تدريجيًا، ولكنه تحايل بادّعاء أن بلازما الدم والأنسجة في سلف الفقاريات كانت غنية بالبروتينات، ولكن لا علاقة لها بتخثر الدم، ثم تطفرت لتؤدي وظيفة التخثر؛ وهذا تحايل على فرضية التعقيد غير القابل للاختزال؛ واعتراف ضمني باستحالة افتراض أن البروتينات ظهرت بشكل متتالي لأن النظام لن يؤدي وظيفته ما لم يتم إدخال البروتينات اللازمة دفعة واحدة!.
إذًا مرة أخرى فإن العناصر التي شكّلت النظام تصادف أن وُجِدت حيث كان المفروض أن توجد!
• يقوم التصور التطوري على أساس وجود تشابه بين عوامل التخثر، وبغض النظر عن إسراف التطوريين في الحديث عن التشابهات في كل شيء والتعويل عليها واعتبارها معيارًا لبناء علاقات النسب، فالتشابه بين عوامل التخثر لا يصل إلى هذا الحد، فلا يمكن جمعها في عائلة واحدة. بصفة عامة، تنتمي عوامل تخثر الدم إلى عائلة إنزيمات السيرين بروتيز، والتي يتلخص عملها في قطع بعض أنواع البروتينات الأخرى في أماكن محددة. لكن هناك بعض الاستثناءات. على سبيل المثال، ينتمي العاملان VIII وV إلى البروتينات السكرية، بينما ينتمي العامل XIII إلى عائلة إنزيم الترانسجلوتامينيز. في المقابل، لا يحاول السيناريو التطوري إعطاء أي أهمية لتفسير المميزات التي تميز كل نوع من أنواع بروتينات التخثر عن الآخر، والتي تمكنه من أداء دوره بسهولة.
• لم يأت دوليتل على مرحلة تكون الفيبرينوجين –الذي هو أساس تكون الخثرة- إلا في النهاية!، وتظهر مستقبلات الثرومبين سابقة عليه، ولكن أيضًا في مرحلة متأخرة من السيناريو!؛ فوفقًا لسيناريو دوليتل نفسه فإن نظام تخثر الدم لا يعمل بصورة فعّالة حتى مرحلة متقدمة منه، ولا يوجد تبرير لاستبقاء الانتخاب الطبيعي للنظام عندما كان في مراحله الأولى، والتي يحاول دوليتل جاهدًا أن يصور لنا أنه كان يمكن أن يعمل فيها وينتج خثرات.
إن التحدي الحقيقي الذي تواجه به البيوكيمياء بأنظمتها المعقدة التطور أن التاريخ البيوكيميائي قد ضاع للأبد، ومع ذلك فالتطوريون يرون في أنفسهم قدرة على إعادة بناء الماضي، وكتابة سيناريوهات تطورية أعقد من الأنظمة المعقدة التي تفسرها، والأهم أنهم يتجاهلون فيها كثير من التفاصيل اللازمة؛ ليبدو السيناريو مثل سيناريوهات الأفلام الهندية حيث يجد البطل فجأة مسدسًا أمامه عندما احتاج إليه، ودون أن يوجد أي مبرر درامي لوجود المسدس، أو مع اختلاق مبرر غير ذي قيمة.
إن فكرة التدرج والتراكم في نشأة الأنواع قد تبدو فكرة لطيفة لمن لم يدرسوا الكيمياء الحيوية، ولكن من درس الكيمياء الحيوية، وفهم كيف تتكامل أجزاء كل نظام حيوي للقيام بالوظيفة، يفهم أن نقص جزء واحد يعني أن النظام برُمته غير موجود.
https://makalcloud.com/post/7swa76lz9
بأيِّ شيءٍ تحرِّكُ شفَتَيكَ يا أبا أمامةَ ؟ . فقلتُ : أذكرُ اللهَ يا رسولَ اللهِ ! فقال : ألا أُخبرُكَ بأكثرَ وأفضلَ من ذِكرِك باللَّيلِ والنَّهارِ ؟ . قلتُ : بلى يا رسولَ اللهِ ! قال : تقولُ : ( سبحان اللهِ عدَدَ ما خلق ، سبحان اللهِ مِلْءَ ما خلَق ، سبحان اللهِ عدَدَ ما في الأرضِ [والسماءِ] سبحان اللهِ مِلْءَ ما في الأرضِ والسماءِ ، سبحان اللهِ عدَدَ ما أحصى كتابُه ، سبحان اللهِ مِلْءَ ما أحصى كتابُه ، سبحان اللهِ عددَ كلِّ شيءٍ ، سبحانَ اللهِ مِلْءَ كلِّ شيءٍ ، والحمدُ للهِ مثل ذلك ) . صحيح
Bookmarks