ماذا لو قال الملحد: لا أقر لكم بدلالة الفطرة ؟
كتبه الدكتور ابو الفداء ابن مسعود
ماذا لو قال الملحد: لا أقر لكم بدلالة الفطرة ؟
إن الحمد لله نحمده ونستعيه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد، فقد سألني أحد الإخوة وفقهم الله هذا السؤال:
إن قال ملحد أن لا أقركم علي ماتسمونه فطرية معرفة الخالق وماتدعونه.. و كما قلتم أنه لا يرتضي الا نوعا معينا من الادلة.. فهل نقول له انت مكابر و لا نقاش معك أم نقول له ما اعتراضك و نحن نلزمك بتناقضاته ام ماذا؟ ولطالما وجدت كلاما لشيخ الاسلام رحمه الله عن ان معرفة الله تعالى هو اظهر من ان الواحد نصف الاثنين.. لكن هل نقول ان كل انسان له ادلة توقظ الفطرة فيه بحسبه ؟ لان الامام يكرر دائما ان البديهيات هي بحسب الانسان وبالنسبة لمثال الضرب للصبي لشيخ الاسلام رحمه الله.. قد يرد عليه سفسطة هيوم من ان التجربة السابقة هي التي تدفعنا لاعتقاد سبب للضرب.. واننا لم نرى مثيلا للعالم يحدث .. فكيف نعرف انه محدث بدون برهاني كلامي مثل الالزام بالتسلسل؟ اعتذر على إشغالكم و لكن احتسبوا الأجر و نسأل الله لكم الإعانة والتوفيق والسداد .. نحبكم في الله.
--------------
فأجبته بقولي:
فليقل الملحد ما يحلو له، لا يعنينا يا أخي، بارك الله فيك! إن قال لا أقركم على ما تسمونه فطرية معرفة الخالق، قلنا له ونحن إذن لا نقرك على زعمك أن لك عقلا أصلا، وانتهت القضية!! نفي المعرفة الفطرية هو نفي لأساس العقل، رضي من رضي وكره من كره! ما الذي يضطر العاقل منا لأن يقر الكاذب على كذبه (وكلهم كاذبون على أنفسهم وعلى الناس، إذ يزعمون الجهل بمخلوقيتهم ومربوبيتهم)، ولأن يخوض مع هؤلاء المجرمين الجحدة في سفسطة قد انتفى عنها اسم العقل من مبدأ الكلام، إلا أن يكون الخوف الخفي في نفسه من أن يتهمه الفيلسوف الكبير بخفة العقل وإيمان السفهاء والتقليد في الإيمان، كما في قوله تعالى: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ)) [البقرة : 13]؟؟ إن كان لا يريد أن يؤمن "كما آمن السفهاء" بزعمه، فدعه يؤمن بما يحلو له، ولا تلتفت إليه، سيعلم غدا من السفيه الأحمق، يوم لا يجدي الندم!! أئمتنا رحمهم الله تعالى ما كانوا يلتفتون للملاحدة الدهرية ولا يلتمسون الطرق التي يشترطونها هم عليهم لإثبات وجود الباري سبحانه!! وإن اتفق لأحدهم أن جادل أحدهم فلا يكون على تلك الطريقة الفلسفية الخبيثة التي يشترطونها هم على الناس، التي كانت هي منبت ومنشأ بدعة الكلام!! يأتي المجرم المسفسط من هؤلاء يقول أنا لا أجد دليلا واحدا يقنعني بوجود من صنع هذا العالم، فيسارع المتكلم إليه يقول: إلي بالنظريات الغيبية المعظمة عندك، أثبت لك بها أن العالم حادث، ومن ثم فلابد له من محدث! فإذا كان هو يسفسط على مبدأ المخلوقية، فما الذي يمنعه من السفسطة على مبدأ السببية؟؟ وإذا كان شرط الجدال في علم الجدل أن يكون الخصمان سالمين من المكابرة وجحد البدهيات، ونحن نقول إن وجود الباري جل شأنه هو أعظم البدهيات وأظهرها، فكيف يرجى من المناظرة أن تنتهي لأن يقر لك ذاك المجرم بأن ما معك يصلح دليلا في المسألة، وهو إنما بدأ من الأساس بأعظم مكابرة وأعظم سفسطة على الإطلاق، إذ زعم أنه لا يعلم أن له ربا خلقه، وأنه يحتاج إلى دليل نظري حتى يثبت ذلك الأمر لديه؟؟
لهذا لم يكن من طريقة السلف أن يناظروا هؤلاء على تلك الطريقة ولا على ذلك الشرط السوفسطائي الفاسد في الإثبات الذي يشترطه الدهرية الجحدة على أهل الملل!
أما إلزامه بتناقضاته فهذا إن تكلفناه فلا نتكلفه من باب محاولة إقناعه هو بشيء، فهو بالأساس مكابر جاحد قد بلغ من الهوى والمكابرة وجحد البداهة ما لا يرجى معه هدايته ولا قبوله للحق ولو جئته بملئ الأرض آيات وعلامات وأدلة! وإنما نتكلفه من باب فضحه وتسفيهه وبيان جهله وتناقضه وفساد موقفه أمام غيره ممن يخشى عليهم أن تميل بهم نفوسهم إلى السماع منه والتأثر بما يقول! ننقض ما يؤسسه صيانة لغيره من الافتتان به، لا طمعا في أن يقبل هو نفسه منا عقيدتنا وما عندنا، فانتبه بارك الله فيك! الأهواء التي تدفن الفطرة وتلوثها يا أخي الحبيب، لا يرجى زوالها إلا أن يشاء الله! فإن كان من خطاب لعلاجها إلى جانب الوعظ والترغيب والترهيب، فإنما يكون بمثل ما جاء به القرآن من إلزامات عقلية تنقض ما عليه الجحدة المكذبون وتكشف تناقضهم وكذبهم على أنفسهم على أحسن ما يكون من ذلك! أما شرطهم تقديم الدليل النظري الذي به تحصل المعرفة المكتسبة بوجود الباري بعد عدمها، بناء على نظرياتهم هم في غيب السماوات والأرض، فهذا لا يجيبهم إليه إمام من أئمة المسلمين، لا شيخ الإسلام ولا غيره، رحمهم الله جميعا، ولا يجيبهم إليه إلا متكلم جهمي، أو عامي جاهل لا يدري ما الجهمية وما الكلام، والله المستعان
الإلحـاد هو أقصر الطرق لهدم الأخلاق والتأسيس لممكلة الشيطان فالشيطان نفسه يجد في الإلحـاد ما يبرر مذهبه وسيعيش في الدولة الإلحـادية كملحد صالح ..!!
Bookmarks