بعد الحمد لله رب العالمين والصلاه والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
مما اختص الله به نبيه محمدا –صلى الله عليه وسلم- يقظة قلبه حال منامه فتنام عيناه ويظل قلبه يقظانا، فقد روى البخاري عن عائشة قالت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: «إن عيناي تنامان ولا ينام قلبي».

ولكن يعارضه حادثة نومه –صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الفجر، فقد روى الإمام أبو داود في سننه عن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرس وقال لبلال: « اكلأ لنا الليل ». قال: فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى إذا ضربتهم الشمس، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولهم استيقاظا ففزع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: « يا بلال ألم أقل لك اكلأ لنا الفجر». فقال: "أخذ بنفسي الذى أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله" فاقتادوا رواحلهم شيئا، ثم توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمر بلالا فأقام لهم الصلاة وصلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال: «من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال:« أقم الصلاة لذكري».

فكيف نام عن صلاة الفجر ولم يستيقظ إلا بعد خروج وقتها ومقتضى الحديث الأول يقظة القلب التي تمكنه من إدراك دخول وقت الصلاة؟

أجاب العلماء عن هذا الإشكال بعدة أجوبة، وأطال الحافظ بن حجر -رحمه الله- في الفتح في الجمع بين هذين الحديثين فذكر أجوبة قوى بعضها وضعف البعض الآخر وأقوى تلك الأجوبة:

كما قال النووي له جوابان أحدهما: أن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما ولا يدرك ما يتعلق بالعين لأنها نائمة والقلب يقظان.

والثاني: أنه كان له حالان حال كان قلبه فيه لا ينام وهو الأغلب وحال ينام فيه قلبه وهو نادر فصادف هذا أي قصة النوم عن الصلاة قال والصحيح المعتمد هو الأول والثاني ضعيف، قال ابن حجر وهو كما قال.

ومنهم من رأى الجمع بين الحديثين بإرجاع الأمر إلى الحكمة في بيان التشريع بالفعل لأنه أوقع في النفس كما في قضية سهوه في الصلاة وأن القلب قد يحصل له السهو في اليقظة لمصلحة التشريع ففي النوم بطريق الأولى أو على السواء.

وفسر ابن دقيق العيد اليقظة بالتعلق المعنوي بالعبادة قال: فتحمل يقظته على تعلق القلب باليقظة للوتر، وفرق بين من شرع في النوم مطمئن القلب به وبين من شرع فيه متعلقا باليقظة، فعلى هذا فلا تعارض ولا إشكال في حديث النوم حتى طلعت الشمس لأنه يحمل على أنه اطمأن في نومه لما أوجبه تعب السير معتمدا على من وكله بكلاءة الفجر أ.هـ

ويؤيد هذا الجواب أنه كان نوما مستغرقا قول بلال له "أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك" كما في حديث أبي هريرة عند مسلم ولم ينكر عليه، ومعلوم أن نوم بلال كان مستغرقا.

ومما ذكر من الأجوبة الضعيفة قول من قال: كان قلبه يقظانا وعلم بخروج الوقت لكن ترك إعلامهم بذلك عمدا لمصلحة التشريع وهذا مدفوع بظاهر الحديث وعتابه لمن حرس كما في الموطأ «يا بلال ألم أقل لك اكلأ لنا الفجر»

ومثله قول من قال: المراد بنفي النوم عن قلبه أنه لا يطرأ عليه أضغاث أحلام كما يطرأ على غيره بل كل ما يراه في نومه حق ووحي.

ولعل أقربها إلى الصواب هو الجواب الأول الذي قواه النووي وابن حجر ومفاده: أن يقظة القلب لا تعني إدراك كل شيء من حوله فما تدركه العين يفوته ودخول وقت الصلاة مما يدرك بالعين، ففاته لأن عينيه نائمتان، ومما يقرب من هذا القول في القوة، أن الله تعالى شاء أن يجعل من هذه الحادثة بيانا لهذه الأمة في قضاء فائتة النوم وما تعلق بها من الأحكام فهيأ لها الأسباب من استغراق النبي –صلى الله عليه وسلم- في النوم ونوم بلال وجميع الصحابة فكان من وراء ذلك العلم والبيان لهذه الأمة، والتعليم بالحدث أبلغ من القول المجرد.