سورة التين
مايو 21, 2021
سورة التين


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)

التين و الزيتون هما الثمرتان المعروفتان أقسم بهما لكثرة منافعهما وقال بعض علماء التفسير أن المقصود بالتين والزيتون منابتهما في فلسطين المشهورة بالتين و الزيتون لأن الآيات ذكرت مكة مهبط وحي النبي عليه الصلاة و السلام وطور سينين مهبط وحي موسى عليه السلام فالتساوق يقتضي أن يكون المقصود بالتين و الزيتون مهبط وحي عيسى عليه السلام بفلسطين- أو أقسم بهما لارتباطهما بالمسيح بشكل أو بآخر- ولعل مما يؤيد ذلك أن جبل الزيتون الكائن بمدينة القدس - و الذي سمي بهذا الاسم لأجل أشجار الزيتون التي كانت تكسو منحدراته - جرت عليه أحداث محورية في سيرة المسيح كما سردتها الأناجيل وذكر سفر أعمال الرسل في الإصحاح الأول منه أن المسيح صعد إلى السماء من ذلك الجبل. وفي إنجيل لوقا الإصحاح 13 شبه المسيح الأعمال الصالحة بثمرة التين.
أما "طور سينين" فالطور لغة هو الجبل وسينين الصواب فيها ليس أن المقصود سيناء بل سينين كما قال الأخفش أي الشجر ومفردها سينينية ولعل المقصود بها الشجرة التي كلم الله منها موسى عليه السلام وأصحبت كلمة سينين علما على البقعة المباركة أو الشجرة نفسها كما أن الطور أصبح علما على هذا الجبل بعينه كأنه يقول جبل البقعة أو الشجرة المباركة سينين - ولذلك لم تنصرف فكلمة سينين مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنها ممنوعة من الصرف - كما في قوله: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . و الشجرة هي الشجرة المشتعلة المذكورة في سفر الخروج الإصحاح 3 ويطلق عليها في العبرانية "سينيه" seneh סְנֶה والتي تعنى لغة نوع من الشجيرات الشائكة.

والبلد الأمين هي مكة المكرمة
وأحسن تقويم : التقويم مصدر من قوَّم، يقال قوم المعوج أي عدله و أزال عوجه ويقال قوم الأخلاق أي أصلحها وهذبها فكلمة التقويم تحمل معاني اعتدال الصورة أو الهيئة و الطبع أو السجية بمعنى أنه فطر الناس على الإيمان به وطاعته ومن هذا الباب قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ. وكذلك قوله: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. وفي الحديث: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ .

وقوله: ثم رددناه أسفل سافلين: أي إذا كفر وأشرك وعصى فإنهه ينحط أشد الانحطاط. والانحطاط المقصود هو انحطاط معنوي فالكافر و المشرك العاصي ينحط إلى أحط الدركات كما في قوله: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا. وقوله: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ. ومن هذا الباب قوله: وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ.

وسحيق أي عميق. فالايمان والطاعة بمنزلة السماء و الوقوع في الشرك المقترن بالمعصية بمنزلة السقوط من السماء إلى عمق القاع. و في الحديث: إني خلقتُ عبادي حنفاءَ فاجتالتْهم الشياطينُ فحرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أُنزِّل به سلطانًا.

ولذلك استثنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم بخلاف الكفار والمشركين قلة في كثرة كما في قوله: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ، وقوله: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ.
و قوله : غير ممنون، قال ابن عباس: غير منقوص. يقال منَّ الشىء أي قطعه أو نقص.
وقوله : فما يكذبك بعد بالدين: موجه للإنسان أي ما الذي يحملك بعد هذه الحجة على أن تكذب بالدين أيها الإنسان. و الدين مصدر من دان يقال دَانَهُ بِمَا صَنَعَ : جَازَاهُ. والمقصود ما الذي يحملك على أن تكذب بالبعث والجزاء أي في يوم القيامة ولذلك يسمى بيوم الدين.

والحجة التي ساقها هي أن الله خلق الانسان في أحسن تقويم قلبا وقالبا لكنه انحرف عن تلك الفطرة بالشرك و المعصية فهل من الحكمة أن يترك هكذا عبثا بلا جزاء على ما اقترف أو يترك المؤمنون بلا ثواب. ومن هذا الباب قوله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ. فالله هو أحكم الحاكمين وحكمته تقتضى ألا يترك هؤلاء عبثا كما في قوله: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ.