النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: النسوية: من لاوعي النص إلى ما بعد الإنسان

  1. #1

    افتراضي النسوية: من لاوعي النص إلى ما بعد الإنسان

    تجاوزت النسوية المعاصرة مقولات سابقاتها من الحركة النسوية والمتعلقة حصرا بتحصيل بعض الحقوق الإقتصادية والسياسية لتتعمق اليوم وتنغلق حول قضايا الهوية والذات ماحَوَّلَهَا إلى ما يشبه مصنع للهويات: إمرأة في حلة رجل أعمال ترفع شعرها وتستعمل أحمر شفاه، إمرأة ذات وجه عابس في صورة مغرية، امرأة ذات طبيعة فوضوية استعراضية، امرأة خيالية ذات بعد هوليودي خارق على صورة السايبورغ أو امرأة ذات هوية مركبة ذات دلالات متنوعة أو قد تكون امرأة بدون أية دلالة أصلاً أو معنى وكأن المرأة في عصرنا الراهن تقف أمام نوع من إعادة الترميز أو إعادة الصياغة أو حتى مجرد شيفرة تستعصي عن الفك.
    يبدو أن الحركات النسوية باتت أكثر تعقيدا نظرا لتوجُّهِها الأكاديمي نحو سياسات الهوية والإختلاف والتيارت النقدية المعاصرة. فقد تحولت إلى موضوع متشعب ومعقد يتطلب إلماما دقيقا بفلسفة اللغة وما بعد البنيوية والفرويدية واللاكانية والوجودية والماركسية ولما لا الصوفية تاريخ الأديان والأنثربولوجيا، كنوع من التداخل والتفاعل العابر للفروع المعرفية transdis-ciplinary interaction الشيء الذي أعطاها بعدا أكاديميا معقدا أنتج تنظيرات شتى بأبعاد مختلفة منها ما يتعمق في البُنى النفسية للمرأة في محاولة لتفجير الموضوع الجنساني والثقافي، ومنها ما يكون تجريدي مبني على فلسفة اللغة وتيارات النقد الأدبي بالبعد الرمزي والتفكيكي والسيميائي، ومنها تنظيرات مبنية على فلسفة الذات كالوجودية والظاهراتية أو حتى تنظيرات مبنية على التكنولوجيا الحديثة الثورة المعلوماتية والثورة البيولوجية. ومكمن التعقيد هنا لا يكمن في النسوية كموضوع في ذاته وإنما في قدرة هذا التيار على تطويع كل التيارات والمناهج حتى الذكورية منها والمعادية للمرأة في علاقة شبيهة بأسطورة سرير بروكست أين كان الضيف قصير مططه وإذا ما كان طويل قطع أطرافه ليناسب كل منهما مقاس السرير ما حوَّلها إلى إيديولوجيا عصيّة على الفهم وهو ما سنحاول تفاديه بمحاولة فك طلاسمها من خلال ممارسة ما يسميه صاحب المرايا المحدبة بارتكاب خطيئة التبسيط.

    نسوية التحليل النفسي

    من فرويد إلى جاك لاكان
    من حيث الأصل نظرية التحليل النفسي هي نظرية ذات بعد ذكوري بيولوجي منفّر للنسويات لذا فإن غالبيتهن ينفرن من فرويد لما في أفكاره واصطلاحاته مما يعتبرنه تمييز جنسي صارخ sexism تحمل نظرة بيولوجية سلبية للنساء تقدمهن في صورة رجال ناقصين يعانين من عقدة التدني الجسدي تجعلهن يطفن بمركزية الذكر phallocentric. غير أن جاك لاكان متسلّحا بالبنيوية اللغوية لفردينوند دي سيسور أعاد قراءة أفكار فرويد وقدمها بمصطلحات لغوية مغايرة وفي صورة جذبت المنظرات النسويات كإيراجاري وهيلين سيكسو وجوليا كريستيفا رغم أن لاكان لا يختلف كثيرا عن فرويد في مواقفه التحيّزية إلا أن القراءة اللغوية جعلت من نظريته أرضية ملائمة تنطلق منها النسويات نحو تفكيك النظام الأبوي ونحو تأسيس نظريات نسوية ذات أسس تحليلنفسية. وهي نظريات غامضة ومركبة بدرجة غموض وتركيب أفكار جاك لاكان حيث هناك تداخل عضوي بين أفكار هؤلاء المنظرات النسويات وفكر جاك لاكان لذا كان لا بد ومن الضروري التطرق لهذا الفكر ابتداءا.
    في سياق ترجمته أفكار فرويد إلى نظريات لغوية قام جاك لاكان بترجمة عبارات فرويد الأحيائية الصادمة للنسويات إلى عبارات تاريخية وإجتماعية ولغوية مقبولة لأنصار النسوية. ففي المرحلة ما قبل الأوديبية مرحلة التماهي مع جسد الأم أي في الأشهر الأولى ينعدم تماما الإحساس بالذات لدى الطفل/طفلة، لا يعرف مثلا أن أجزاء جسده هي أعضاء من جسمه، فلا يميزها عن محيطه، هو جزء لا يتجزء من أمه. ثم تأتي مرحلة المرآة ما بين الشهرين السادس والثامن وهي مرحلة ما تزال في ما قبل النطق ولكنها بداية الشعور بالذات وبالآخر وهي لحظة رؤية الطفل صورته معكوسة في المرآة. فهي إذن بداية تكوين هوية ذاتية كما أنها تمهيد للدخول إلى نظام الخيال كما يسميه لاكان وهو نظام ما يزال في ما قبل النطق حيث يكون فيه الإدراك عن طريق الصُّوَر، الإيقاع، الإيماء، اللغة سيميائية تلقائية غير مباشرة لا عن طريق لغة الكلمات اللغة المباشرة، وهو عالم الكمال والسرور بالنسبة للطفل فعالمه هو أمه وهي التجربة الأولى للطفل التي يسميها لاكان "رغبة الأم" " أي رغبة الأم ولدها ورغبة الولد في والدته. هو عالم خيالي مثالي ستسعى النسويات إلى استرجاعه كما سيأتي لكونه عالم لا يحوي هويات اجتماعية كما يرون (ذكورية أو أنثوية)..وهي الهويات التي ستتكون وفق لاكان في المرحلة اللاحقة مرحلة النطق ودخول الطفل عالم اللغة عند دي سيسور أو العالم الرمزي عند لاكان وهو مساوٍ لمفهوم اللاّوعي عند فرويد أين سيقع الإنفصال عن الأم واستبدال رغبة الأم بقانون الأب فيفقد الطفل عالمه المثالي ليدخل عالم الكبت والفقد والإنفصال ليمضي لا شعوريا في تقفي شعور الإتصال الوثيق الذي عاشه في عالم الخيال. حالة الإنفصال هذه الكبت والتقفي تعني أن الأم أو رغبة الأم قد تغيرت في نظام الرموز (اللغة) إلى شيء آخر أو إلى دال آخر كاستجابة تلقائية لتلك المثيرات النائمة في أعماق النفس السحيقة فيأتي الدال بميول مطاطية وتشكيلية إذ يمكن له أن ينحرف في اتجاهات مختلفة وينزلق تحت دوال مختلفة مثل لعبة الدوال في الفلسفة التفكيكية إذ ينبغي على الطفل أن يجد بدائل عن الأم في مناحي الحياة المختلفة في الفن في الشهرة في المال في الأدب في الزوجة في شراء سيارة أو منزل ولهذا فإن الرضا التام سيضل دومًا مفقودا لأن الرضا التام مرتبط فقط بعالم خيالي هو عالم ما قبل النطق .ولكن بعد الإنفصال عن الأم ودخول عالم اللغة لا وجود إلا لقانون الأب قانون الإخضاع حيث الجميع مبرمج بواسطة اللغة من خلال المعاني ومن خلال القواعد والمحظورات في المجتمع وهذه القواعد والمحظورات كانت ولا تزال تصدر عن الأب.
    فمن خلال هذه البرمجة اللغوية تتعلم النساء أن يسمين أنفسهن نساء وهو ما يعبنه النسويات على لاكان حيث أخرجهن من حتمية بيولوجية فرويدية ليدخلهن في حتمية لغوية. لكن ما تلتقطه النسوية من التحليل النفسي اللاكاني تحديدا هو أن هوية الذكورة والأنوثة بمعنى تصرف الذكر بهوية ذكورية وتصرف الأنثى بهوية أنثوية أو ما يعرف بمصطلح الجندر gender (ذكورة أنوثة ) ليسا ناتجين عن الفروق البيولوجية بين الجنسين منذ الولادة (الجنس: ذكر/انثى) وإنما تشكلت هذه الهويات من خلال كبت الدوافع الطفولية الأوديبية أي نتيجة المرور بعوامل اجتماعية وثقافية معينة. والفكرة الثانية هو أن النظام الرمزي (اللغوي) يمثل النظام الأبوي ففيه يتم قمع المرأة لغويا ومن هنا ييدأ الدور النسوي في كيفية تجاوز ما يعتبرنه البرمجة اللغوية أو النظام الرمزي .

    الكتابة النسوية عند لوس إيريجاري وهيلين سيكسوس
    تفترض إريجاري وسيكسوس أن اللغة العادية (النظام الرمزي) هو المكان الذي يحدث فيه الإخضاع فالنساء لا يتحدثن باعتبارهن منشئات لأفكارهن ورغباتهن بل يقلدن أفكار تمت برمجتها ذكوريا بواسطة اللغة العادية ومن أجل نقلها من الخضوع إلى تأكيد الذات والتحرر على المرأة أن تبني فضاءا لغويا خاصا بها، تبتدع لنفسها لغة تنأى بها عن الصياغة الذكورية ثقافة وعلامة ودلالة. هذه اللغة هي الكتابة النسوية feminine writing كتابة مؤنثة تعتمد على أفكار المملكة الأمومية المفقودة في المرحلة ما قبل الأوديبية، فالنزعة الأنثوية هي تعبير عن الرحم الأمومي الآمن ككيان خفي مجهول تلجأ إليه اللغة في محاولتها التخلص من النظام الرمزي الكابت، نظام المعنى التقليدي الذي يتضمن محظورات ومحددات متجسدة في التقاليد والثقافة تعتقد النسويات أنها من صنع الرجل. ومن هذا المنطلق تقدم الفيلسوفة والمحللة النفسية لوس إيرجاراي L.Irigaray فكرتها عن لغة المرأة "المراة تتحدث" womanspeak لغة تؤكد على الإختلاف الإيجابي للمرأة عن الرجل من خلال الإيغال في تحليل الخبرة الجنسية وتقدم الصفات البيولوجية للمرأة بوصفها مصدر تفوق واعتزاز وليس نقص أو دونية، ولهذا تتركز كتاباتها على جسد المرأة، الجنس، اللذة الأنثوية تعددها وتنوعها، كتابة تتميز بجرأة شديدة جعلتها أقرب إلى الراديكالية التحررية أو ما يسميه بعض الكتاب بأدب العاهرات. وبطريقة مشابهة تدعو المنظرة والفيلسوفة الفرنسية هيلين سيكسوس النساء بأن يضعن أجسادهن فيما يكتبنه كنزعة للخلاص والتحرر والإنطلاق نحو عالم هويتها الغائبة والمهمشة، عالم أمومة ما قبل الأوديبية المفقود، تقول سيكسوس: 'اكتبي نفسك يجب أن تسمعي صوت جسدك فذلك وحده هو الذي يفجر المصادر الهائلة للاشعور...يجب على المرأة أن لا تراقب نفسها بل عليها أن تسترد محاسنها أعضاءها أقاليمها الجسدية الهائلة التي ظلت حبيسة كما يجب عليها أن تتخلص من الشعور بالذنب' [1]
    وطبعا الكتابة النسوية هنا لا بد لها من الفكاك من نظام المعنى وإلا ظلت حبيسة النظام الرمزي الأبوي. لهذا كانت الكتابة النسوية بالنسبة لاريغاري تمر من خلال مرآة شبيهة بمرآة أليس في بلاد العجائب للروائي لويس كارول حيث تنفذ إريجاري من خلال المرآة نحو أرض عجيبة تمثل فيها النساء أنفسهن بطريقة حدسية غامضة ومشوشة على طريقة الخطاب الصوفي الغامض المتعدد الدلالة الذي تعتبره إريجاري مجالا تبرع فيه النساء أكثر من الرجال بينما هيلين سيكسوس وبوصفها ما بعد حداثية فهي تستخدم لغة تفكيكية لتقويض التفكير الثنائي للذكور. واللغة التفكيكية بطبعها تمجد الهذيان والتناقض والتعدد. فالأنثى لدى هذا التيار يجب أن تهذي لا أن تتحدث بلغة شمولية أحادية فتعدد المعاني يحيل على تعدد الغرائز وتنوعها وهو الشيء الذي تتميز به المرأة عن الرجل بنظرهن.
    وهو ما يرفضه بعض النقاد النسويين حيث يرون أن هذه النزعة تعزز الصورة النمطية عن المرأة بوصفها غير عقلانية وغير منطقية فالدعوة لكتابة نسوية لا تملك إلا لغة الجسد والروابط الأنثوية ستبتعد بالتأكيد عن لغة المنطق والعقل وسيعزل الأدب النسوي ويحصره في خطاب لخصته روبين ليكوف robin lakof المتخصصة في علم الإجتماع واللغة بالصفات الثلاث التالية: الضعف، التردد، والتركيز على المبتذل والتافه حيث ترى لاكوف 'أن لغة النساء أدنى بالفعل من لغة الرجال لأنها لغة تتضمن أنماط "ضعف" و"عدم اليقين" وتركز على "التافه" و"الطائش" و"الهازل" وتؤكد الإستجابات الإنفعالية الذاتية وتذهب ليكوف إلى أن خطاب الرجال "أقوى" ويجب أن تتبناه النساء إذا رغبن في تحقيق المساواة الإجتماعية بالرجال' [2]
    وهو ما يدعمه بعض النقاد الأدبيين الآخرين من أن الرواية النسوية تتميز بالضعف نتيجة ردة فعلها الإنفعالي تجاه ما يوصف بالكتابة الذكورية فالتركيز على الذاتي سيلغي بالتأكيد الحدود الفاصلة بين ما هو انطباعي وما هو منهجي أو موضوعي وهذا يؤثر على الروايات النسوية التي يطغى عليها 'تعصب المرأة للمرأة وإقصاء المعايير الموضوعية عن مجال البحث' [3]
    فمنهج سيكسوس وإريجاري يلغي قدرة النساء على الإختراع والتفكير الواع حين افترضن أن النساء لا يكتبن إلا بطريقة فوضوية وحدسية وهذا ليس إلا تأكيد على سلبيات الكتابة النسوية بوصفها نرجسية ذاتية تهتم فقط بالعالم الداخلي للمرأة وهو ما يحط من قيمة المرأة بتمركزها حول قضايا الحب والجنس والخيال والفوضى والثرثرة و يرسخ مفاهيم الغربة والرغبة في الهروب من القيود دون تقديم أي حلول عملية تتقدم بالمرأة في قضايا مجتمعية كالإقتصادية والسياسة وهو ما تقوله يمنى الخولي عن كتابات إيريجاري 'هي لا تقدم برامج أو حلولا وإذا ظل المرء داخل رمزياتها انتهى إلى الإنحصار داخل اللاوعي وداخل الحدود المفروضة على الأنثى.' [4]
    وهو ما يظهر فعلا حيث لا يبدو أن هناك تجاوزا للحدود المفروضة على الأنثى أو العالم الرمزي للاكان ماذا لو كانت الكتابة النسوية لا تفعل غير تكريس السيطرة الذكورية وإن كانت هذه السيطرة متجسدة في شكل مقاومة وانسلاخ ألم يذهب لاكان إلى أن المدلول يتحول بدوره إلى دال..ألا يمكن للمرأة أن تكون قد اتخذت شكلا وظيفيا آخر مختلف عن الإضطهاد الكلاسيكي..ألم يستغل الرجال الحركات النسوية كدعاية وبروباكاندا في الإنتخابات السياسية لجلب أصوات المتعاطفين من النساء ألم تستغل الشركات متعددة الجنسيات الدعاوى النسوية في تسويق منتجاتها من أقراط ومساحيق وعطور وجراحات تجميلية وأزياء ألم يدعم الرجال الدعاوى النسوية في لجان الأمم المتحدة وفرضها على بلدان بعينها لغاية تفكيك نسيج تلك البلدان اجتماعيا وإخضاعها رجالا ونساءا أليس موقف النسوية الراديكالية الرافض للإنجاب ودعاوى المثلية يخدم السيطرة الذكورية على العالم ودعوته القديمة المتجددة لتقليص سكان العالم رجال ونساء. هل بالفعل تخلصت النسوية من السيطرة الذكورية أم أن دورها تغير وظيفيا لا غير.
    وهو النقد الذي توجهه المنظرة النسوية جوليا كريستيفا التي ترفض أي تصنيف هوياتي بما في ذلك الكتابة النسوية فالإدعاء بأن الأنثى هي الأصل لا يختلف تماما عندها عن الإدعاء بأن الرجل هو الأصل لأن ما يمكن تحديد هويته يمكن احتواؤه، ومعرفتهم (أي الرجال) بالمعنى (النسوي) هو الذي يدفعهم لتغييبه لذا تقترح كريستيفا أن تكون الأنثى خارج إطار المعنى تماما.

    سيميائية جوليا كريستيفا
    تعتقد جوليا كريستيفا الفيلسوفة والناقدة الأدبية والمحللة النفسية المابعد حداثية أن أي تحديد للمعنى كالكتابة النسوية أو تحديد هوية أنثوية هو عبارة عن سردية كبرى يجب أن تندثر تحت تأثير مطرقة الهدم التفكيكي (انظر مقال التفكيكية) لذلك وفي ردها على السؤال الذي طرحه روسو في كتابه إيميل ما المرأة؟ تجيب كريستيفا لا أدري ما المرأة. فكريستيفا لا تبحث عن إجابة واضحة للأنثى لأنها تعتقد أن تحديد كنه النساء يجعلهن عرضة للتحديد الذكوري داخل نظام المعنى (النظام الرمزي) ومن ثم للإحتواء. وبالتالي تتجاوز كريستيفا مفهوم المساواة التقليدية لسابقاتها أو ثنائية مؤنث/مذكر كما تحاول النسوية التحررية أن تفعل وتقدم بدلا عنها رؤية نسوية مركبة ومعقدة تمزج بين التحليل النفسي اللاكاني والتفكيكية والسيميائية اللغوية ومناهج أخرى كالفينومينولوجيا تحت مظلة ما تسميه الثورة الشعرية أو البعد التواصلي للغة semiotic dimention of language كتجسيد للنزعة الأنثوية.
    تتبنى كريستيفا نظرية التحليل النفسي اللاكاني وأن النظام الرمزي (اللغة العادية) هو تجسيد للبعد الذكوري أما البعد المرتبط بالأم وهو البعد ما قبل الأوديبي فهو مجال عمل فلسفة جوليا كريستيفا والذي تسميه البعد السيموطيقي. وهي شفرات تحت لغوية غير كلامية يتواصل بها الطفل مع الأم في المرحلة ما قبل الأوديبية مثل تعابير الوجه، أصوات، حركات إيمائية، إيقاع وحركات غير كلامية مرتبطة بجسد الأم (لغة الإشارة وتأويل الإشارة). فالسيموطيقا إذن هي عملية دالة لم تنتظم بعد في مادة لغوية رمزية (النحو والصرف والدلالة المعجمية) يعني ما تزال خارج إطار المعنى والعقلنة وبالتالي خارج إطار السيطرة والبرمجة الذكورية. وفي صراع السيميائية (الأنثوي) والرمزي مجال الذكر الذي يراقب ويكبت لكي ينشأ الخطاب، تستبقي اللغة (اللاوعي عند لاكان) بعضا من هذا الدفق السيميوطيقي الأمومي قبل الأوديبي وستعمل النظرية الشعرية لجوليا كريستيفا على تحفيز وإيقاظ تلك الروح البدائية السيموطيقية والإرتباط المبكر مع الأم كتعبير عن الأنثى ثم العمل على إظهارها في أعمال المبدعين كالفن بمختلف أنواعه التشكيلي المسرحي والأدبي طبعا دون استحضارها وتحديد معناها أو تسميتها وإلا تكون قد دخلت النظام الرمزي نظام المعنى وأصبحت عرضة للإحتواء الذكوري.
    فالأنثوي عند جوليا كريستيفا إذن هو نسق لا عقلاني مفتوح لا ينغلق على المعنى. الأنثوي هو تمزيق قانون الأب بتمزيق قانون النحو والصرف والدلالة المعجمية. الأنثوي هو تحويل اللغة العقلانية الأبوية إلى لغة غامضة مبهمة تجمع بين المتناقضات تنفتخ على معانٍ وصيرورة دلالية لا نهائية. الأنثوي هو تفكيك وفتح الأنساق المغلقة. فما يمنع الإنغلاق الجنسي هو الخاصية الإنفتاحية للأنثوي تمرد غموض إرجاء تحريض على عدم الإنغلاق تمزيق استبداد المعنى ومركزيته. وبالتالي لا يكون تعريف الأنثوي عند كريستيفا سوى البقاء خارج تعريف الذكر والأنثى. إن 'كريستيفا تدعو الحركات النسائية إلى ابتداع "شكل من الفوضوية"..فالفوضوية هي الموقف الفلسفي والسياسي الذي لا بد أن تتبناه حركة نسائية عقدت العزم على تدمير هيمنة مركزية منطق القضيب' كما يقول رامان سالدن [5].
    بهذه الرؤية تتبنى كريتستفا الآلية الشعرية بوصفها خاصية للأنثوي وكما يقول الدكتور ابراهيم الخليل بأنها أعادت للشعر قدرته النزوية (من النزوة) لما فيه من مراوغة وشذوذ وتشظي للمعنى وعمل للدوال غير طبيعي إن من أبرز سمات الشعر هو الإيحاء وخرق نظام اللغة المألوف من خلال التركيز على المركبات الإضافية والإعتماد على الإستعارة والكناية والتشبيه. فلا يجب أن تأتي الجمل تامة مشبعة بالمعنى بل يجب الكشف عن طاقة الفوضى والكبت المطمورة في سحيق الذات. فالمرأة كدال يقع الدفع به إلى أبعد درجات الإيحاء فيتم شحنه بدلالات وصور مختلفة تارة يوحي بالجسد والإغراء وتارة يحضر كآلهة وتارة بصور مناقضة للصور السابقة تماما مما يسبب الحيرة على مستوى حيازة المعنى. أو يتم ضم كلمات متباعدة ومتناقضة من حيث جنسها ونسج صور شعرية متنافرة لتوتير النص فبمجرد أن تحيل الكلمة إلى معنى معين تأتي النعوت والإضافات لقلب هذا المعنى وفتح الباب لمعان تعبر عن التيه والترحال والتعدد. أو يقع استخدام أفعال تسند إلى ضمائر غير محددة وواضحة، فوضى الضمائر مثل ما هو موجود بديوان أدونيس "مفرد بصيغة الجمع" ليتحول النص إلى ما يشبه اللغز أو الإشارة يبحث عن شيء ضاع لا نعرف كنهه، نقطة عمياء يدور في فلكلها المعنى بلا انقطاع. أو باستعمال لعبة المرايا حيث تنعكس الألفاظ على نفسها كالمرآة وهو ما يعرف في العربية باسم القلب ويعرف في اللغات الأجنبية باسم le chiasme أي التصالب أو التعامد، تعامد العبارة على بعضها البعض وانعكاس بعضها على بعض كقول الحلاج (( أنا من أهوى ومن أهوى أنا )) وقوله (( روحي روحه وروحه روحي )) وهذا يحيلنا إلى الطابع الصوفي لفلسفة جوليا كريستيفا وأنصار الكتابة النسوية عموما وهو انفتاح شمل مناهج نقدية معاصر عديدة منها السميائيات والتفكيك والتأويلية والتحليل النفسي فالبحث عن شيء مفقود أو الحنين إلى الأصول البدائية هي مفاهيم صوفية خالصة حيث 'ظل الحب الصوفي موزعا بين الرغبة في العالم والإفتتان بموجوداته وبين الحنين إلى الأصول البدائية للإنسان' [6]
    وما تقوله كريستيفا في تفرقتها بين السيميائي والرمزي وما يعنيه كل منهما لغويا ونفسيا هو عين ما يقوله المتصوفة (نحن أصحاب إشارة لا أصحاب عبارة فمن لم ترشده إشاراتنا لم يفهم عباراتنا) فالظاهر والباطن عند الصوفية هو على التوالي لغة العبارة أي الإستعمال العادي للغة ولغة الإشارة لغة الرمز. فالصوفي ينقل المفاهيم من مستوى الظاهر إلى مستوى الباطن مستخدما الرمز قصد التكتم وهذا الترميز يحمل في نسيجه التعددية والإحتمالية الدلالية أو ما يسمونه "لغة السر" وكما أن الخطاب النسوي عصي على فهم الرجال كي لا يقع احتواءه داخل نظام المعنى الأبوي فكذلك لغة السر هي إشارات رمزية غامضة مبهمة، أسرار قذفها الله في قلوبهم، فهي لغة مخصوصة بهم دون غيرهم كما يقول الصوفي سراج الطوسي (الرمز معنى باطن مخزون تحت كلام ظاهر لا يزفر به إلا أهله).
    كما أن الكشف الصوفي يفتح عوالم خفية تحتضن التناقضات والقوى اللاعقلانية وتتخطى الحدود المكانية والزمانية والعقلية وهو نفس منهج الرومنسيون كما يقول طودوروف يمزج جميع الأضداد ويتجاوز المنطق الثنائي الحريص على تبيان الحدود الفاصلة وضبط الهوية. والدخول إلى تلك العوالم يحتاج لأن يكون الصوفي في حالة اضطراب وحركة وانفعال وهو ما يقابله توتير النص عند جوليا كريستفا لفتح عالم خبايا النفس الدفينة واستثارة الرؤى والمكاشفات بالنسبة للصوفي الذي تقوم نفسه بدور المرآة ينعكس ويتجلى فيها الله –تعالى سبحانه- وتظهر على سطحها شخصية تخاطبه وتوجه إليه إشارات ورسائل عصية عن التعبير عنها تحثه على مواصلة المسير في طريق لا أين له. وهذه المرآة شبيهة بالمرآة العجائبية لإريجاري أين تتجلى وتنكشف فيها وعن طريقها خبايا النفس. ومفهوم المرآة له حضور لافت في الفكر الصوفي 'تضرب بجذورها في الحكمة الهندية ونمت بعد ذلك في الفلسفة اليونانية وتفرعت في العصور الوسطى واستمرت في الفلسفة الحديثة والمعاصرة' [7] فمن خلال المرآة 'تكون الحقائق أو المعاني منظورة واللاواقع واقعا والخيال عينيا متجسما'[8] وللمرأة علاقة بالمرآة عند الصوفية 'فالمرأة عند الصوفية هي مرآة ينعكس عليها الحسن والجمال الإلهيين وهذا الإنعكاس يخلصها من نسبها الناسوتي ويجعلها كائنا إلهيا في معناه'[9] وهو المفهوم الذي نجده في فلسفة بن عربي وكبار الصوفية أين يكون للمرأة ﺣﻀﻮﺭ خفي لا يراه ويهتدي به إلا رجل متفتح عارف هذا الحضور هو من تجليات الله –سبحانه وتعالى- وهي المفاهيم التي استهوت المشتغلين بالحقل النسوي حيث بالكاد تجد نسوي أو نسوية لا يحتفي بالخيال النسوي أو الرموز الصوفية أمثال أدونيس وصلاح عبد الصبور وعفيفي مطر وآخرين كعبد الكبير الخطيبي احد المهووسين بالعلامات وحقل السيمولوجيا.
    هذا من حيث شكل الخطاب أما من حيث المضمون فتحذر النسوية والناقدة الأدبية غاياتري سبيفاك من موقف كرييستيفا الذي يتبنى موقفا لا يلتزم بقضايا المرأة وتعتبر أن 'عدم استقرار المعنى في ذاته لن ينهض بالضرورة بمستقبل نسوي كما لن يتجنب حتمية التحديد التاريخي على أساس الذكورة والأنوثة'[10] فبنسبتها الرجل للمنطق والأنثى للفوضى ألا تكون كريستيفا قد كرست النظرة الدونية للمرأة..فما القيمة المضافة لهذا التنظير بأن تكون النساء فوضويات متناقضات أو أن تحكمن على أنفسهن بالتيه والنفي من المجتمع، ولمن يكتبن أصلا إذا كانت الكتابة من قبيل الأحاجي والألغاز أو من قبيل اللغو الذي لا طائل من ورائه، فعندما يغيب خط الدلالة الواضحة كيف يمكن تبني قضايا شعب أو طائفة مقهورة أو أي قضية عادلة 'هل يمكن للجماعات المهمشة والمقهورة أن تقدر على رفاهية إدراك الذات كشيء متعدد وفي حالة سيرورة' [11] تتساءل بام موريس. وكما يصف عابد الجابري عن الكشف العرفاني بأنه أدنى درجات الفعالية العقلية شعور حالم غير قادر على مواجهة الواقع والتكيف معه.
    في الفلسفة النسوية التحليلنفسية ينحصر الإبداع في حالة مرضية من التوتر والفوران ليكون المبدع أكثرهم جنونا وأكثرهم شذوذا فمقياس الإبداع هو الأكثر تعبيرا عن انعكاس الأحوال النفسية المضطربة وهذا المقياس يساوي بين النصوص الرديئة والجيدة وربما يفضل الأولى عن الثانية حين تكون أكثر تمثيلا للفرضيات السيكولوجية وهذه المؤاخذات تجدها مبسوطة في مناهج النقد الأدبي وهو ما يذهب إليه اندرسون امبرت بقوله أن 'المحللون النفسيون ليسوا مقتنعين فيما يبدو من أن كاتبا ما كتب عملا ما وفي كل الأحوال فإن هذا الكاتب لم يكتب ما يعتقد وإنما كتب ما أملاه عليه "شيء ما" من أعماق الكهوف'...ويضيف 'لم يستطع علماء النفس أبدا أن يفرقوا أدنى تفرقة بين التطورات العقلية التي تلد المهارة أو الحقارة' [12]
    إن الإبداع كعمل أدبي أو فني هو ما يتجاوز القيمة الذاتية إلى القيمة الموضوعية بينما هذا النوع من النقد الأدبي لا يعقد علاقة سبيية بين العامل النفسي والإبداع كقيمة موضوعية ويستدل بعض النقاد بأن هناك 'آلافا من الناس يتعرضون لحالات التوتر الداخلي الشديد لحالات الكبت لحالات العصاب إلخ..لكن عددا قليلا منهم هم الذين يبدعون أعمالا أدبية الأمر الذي يجعل الربط بين هذين الطرفين ربطا غير علمي وغير سببي ويجعل شرح الحالات النفسية تفسيرا غير كاف للظواهر الإبداعية وغير مقنع' [13] إنه نقد كما يقول بعض الدارسين قد خرج من عيادات الطب النفسي ولم يخرج من بحوث الأدباء والنقاد 'ولذلك لم ينظر لهذا المنهج بجدية لدى طائفة كبيرة من علماء الأدب والنقد واستقبلت الآراء التي طرحها بكثير من الريبة والحذر والتحفظ' [14]
    أما عن أسس التحليل النفسي كمنهج في علم النفس فإن علميتها في حد ذاتها محل شك إذ أن عقدة أوديب التي يعتبرها فرويد علامة الإيمان التي تميز معتنقي التحليل النفسي من معارضيه ليست إلا أسطورة بديلة لإعادة تفسير إثم الخطيئة الأصلية في اليهودية والنصرانية، وكنبة الإعتراف بديلا عن غرفة الإعتراف في الكنيسة، أما عن اللاشعور وكما يقول عالم النفس برسيفال بيلي أن كل ما كتبه فرويد عن اللاشعور هو من باب الأساطير (انظر مقال الفرويدية) ولكن ليس من السهل التشكيك في الفرويدية خصوصا في الغرب لأن ردة الفعل ستكون عنيفة كما حدث تجاه الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفراي عند إصدراه كتاب ((أفول الصنم: الأكاذيب الفرويدية")) إن المشهد يصوره برسيفال بيلي بقوله 'أدرك جيدا أن نقد التحليل النفسي هذه الأيام في أواسط الأطباء يعتبر على نحو ما عملية قدح "في الذات الملكية" مساو لنقد الكنيسة الكاثوليكية في القرن الثالث عشر. ويكون الإنفعال عنيفا بشكل خاص إذا اتضح أن النقد قادم من محلل نفسي. وكما يلاحظ رادو هناك ناقدون يقولون إن ما يقوم به هذا الرجل لم يعد تحليلا نفسيا' [15]

    نسوية راديكالية تحررية: وجودية ماركسية
    على خلاف نسويات التحليل النفسي يعادي هذا التيار بشكل فج قضيتي الأمومة والزواج متسلحا بالإيديولوجيا الوجودية والماركسية وتُعد سيمون دي بوفوار الأم الروحية إن صح التعبير لهذا التيار فهي أهم الرموز يعتبر كتابها الجنس الثاني بمثابة إنجيل لمن تبعها من نسويات الأجيال اللاحقة سواء في الغرب أو حتى في البلدان العربية أمثال السعداوي وغيرها.
    تبدأ ديبوفوار بصك جملتها الشهيرة المرأة لا تولد إمرأة بل تصير كذلك وهي لا تقصد من حيث الجنس كأنثى وإنما تقصد الجندر كأنوثة بمعنى التصرفات الأنثوية اللاحقة. فديبوفوار تعتقد أن المرأة لا تولد بتلك الهوية وإنما يتم تكييفها لتكون كذلك. فهن ذوات غير مستقلة يتحكم بهن التحديد الهوياتي الذكوري فهي لا تملك بنظرها غريزة الأمومة ولا يحبذن أن يكن أمهات وإنما جميعها مفاهيم تم تحديدها سلفا أنتجت ضغطا إجتماعيا يمارس على النساء لتجنيدهن للأمومة وإقناعهن بأن تحقيق الذات يكون بإنجاب الأطفال. وهو المنهج الذي تتبعه الفلسفة الوجودية في نقدها للفلسفات الماهوية (تلك التي تفترض سبق الماهية على الوجود) على أنها فلسفات جبرية تحتم سلوك الإنسان بناء على صورته في ذهن الله أو بالنظر لفكرة عامة أو نموذج عام يجب أن تكون عليه الذات وتقترح الوجودية رؤية عكسية تفترض سبق الوجود عن الماهية أو خلق الإنسان لهويته الخاصة بمعنى جسدك ليس له معنى سابق يحدد معناه افعل به ما تشاء وحدد له المعنى الذي يحلو لك..سلوكك ملكك لأنه لا يوجد ما يحدد ما يجب أن يكون فالإنسان حر لأنه ليست هناك أية ماهية تحدد سلوكه فوجوده هنا سابق ماهيته بعكس النظرة السابقة (انظر مقال الوجودية)...ولكن هذه الحرية الوجودية تعتبرها ديبوفوار قد اقتصرت على الرجال دون النساء حيث 'تلاحظ جينفر هانسن jennifer hans أن بيفوار تعتقد وبقوة أن الزواج قد أبطأ الحرية والنمو الفكري للنساء وأوقعها في الفخ' [16] ولهذا تحرض دي بوفوار النساء على الأزواج وإنجاب الأبناء وتحثهن على عدم الرضا بالحياة الزوجية والأمومية لأن هذا يعتبر هروب من الحرية ومن الضروري أن تحارب النساء هذا الوضع في سبيل التحرر واللحاق بالرجل.
    لا بد من الإشارة هنا إلى أن سيمون ديبوفوار كانت صديقة وعشيقة للفيلسوف الوجودي جون بول سارتر فأفكارها عن النسوية لم يكن إلا استحضارا لأفكار سارتر الذي كان يمقت الحياة الأسرية إذ يذكر لنا البروفيسور جيمس تولي كيف 'أوردت دي بوفوار في سيرتها الذاتية اتهام عشيقها سارتر لها بأنها "مجرد ربة بيت" وكيف أنها مقتت نفسها لأنها قامت بتخييب أمله ويرى البروفيسور جيمس تولي بأن دي بوفوار قامت بعرض أفكار سارتر المبغضة للنساء في كتابها "الجنس الثاني" كما يرى بأن التاريخ الفكري في القرن العشرين كان سيكون مختلفا تماما إذا عشقت ديبوفوار رجلا آخر يمنحها ما تريده كامرأة وليس سارتر الذي كانت تنشر ما يمليه عليها من أفكار للإبقاء على العلاقة معه' [17]
    وللخلاص والتحرر من هذا الوضع تعتبر ديبوفوار مؤسسة الزواج مؤسسة لقهر المرأة. تنظر للأمومة كشكل من العبودية وأن النساء يحيين حياة الطفيليات فالإنجاب تسميه عبودية التناسل وهي رؤية نسوية ماركسية تأثرت بها عدة منظرات أخريات ككريستين دلفي christine delphy التي تعتبر الأسرة وحدة اقتصادية مبنية على نظام الطبقات تمثل فيها النساء طبقة مضطهدة تقوم بأعمال المنزل وتربية الأولاد على مدار الساعة مقابل عقد زواج تسميه دلفي عقد عمل يربط المرأة بالعمل المنزلي أو رعاية الأطفال غير المأجور وهي نفس الفكرة التي تتبناها كوليت جيلومين colette guillaumin حيث ترى أن النساء أداة اجتماعية مخصصة للمهام التي لا يريد أن يؤديها الرجال. نفس الفكرة نظّرت لها كل من كيت ميلليت وشيلاميت فايرستون shulamith firestone في كتابهما جدل الجنس حيث اعتبرت النساء طبقة دنيا مقهورة شأنها شان طبقة العمال البروليتاريا والعبيد وسكان المستعمرات واعتُبِر الإنجاب باب من أبواب العبودية لتقترح فايرستون ثورة الطبقة الدنيا (النساء) من خلال السيطرة على التناسل عبر خيال تكنولوجي يجسد حلما بالإنتهاء التام للمجتمع الأبوي، يوتوبيا نسوية تتحرر فيه المرأة من أعباء الحمل والولادة عن طريق تقنيات الإنجاب الحديثة مثلها مثل الراديكالية التحررية جوانا روس والنسوية الإشتراكية مارج بيرسي M.Piercy لتظهر أفكار راديكالية تعطي الحق للمرأة في جسدها لأقصى حد كحق الزنا والإجهاض وممارسة السحاق والدفاع عن الأسرة السحاقية كبديل عن الأسرة التقليدية وهو ما سيقضي بنظرهم على طغيان التقسيم الجنسي وتحطيم قداسة الأسرة كبنية إجتماعية وثقافية وتحرير المرأة من كونها ملكية فردية لزوجها لتكون حرة في العلاقات الجنسية مع الرجال أو حتى من جنس واحد فهو نوع من إلغاء الملكية الفردية للأشياء أو هي مشاعية نسائية بالمصطلح الماركسي.
    تختلف جوليا كريستيفا جذريا مع هذه الرؤى بحيث تحث النساء على الإنجاب وتعتبر أن الأمومة ظاهرة بيولوجية وثقافية واجتماعية استثنائية وتقول بأن 'سيمون دي بوفوار نظرت للأمومة كشكل من العبودية أو العائق للنساء ولكن من وجهة نظر التحليل النفسي وأيضا من وجهة نظر الأغلبية الساحقة من النساء فإن الأمومة مهما تكن صعبة وهي صعبة جدا ماليا ومهنيا وعاطفيا فهي طريقة للكشف عن النفس وتقديم مساهمة غير قابلة للمقارنة للحضارة. وتضيف: هذا هو اختلافي الجوهري مع نظريات سيمون ديبوفوار' [18]
    نفس الخلاف نجده مع أستاذ السياسة التربوية البروفسور جيمس تولي james tooley والذي كان من أبرز منظري الحركة النسوية وكان من واضعي السياسات التي ينتقدها الآن بقسوة في كتابه " سوء تعليم المرأة The Miseducation of Women " وهو ما أغضب المؤسسات المؤيدة للحركة النسوية حيث يرفض تولي الدعاوى النسوية حول التنشئة الإجتماعية ويعتقد أن هناك فروقا بيولوجية فطرية بين الجنسين تساهم في ميول الجنسين إلى مصادر مختلفة للرضا والسعادة وله في ذلك عدة استدلالات منها بحث دييان هالبرن Diane Halpern بعنوان "اختلافات الجندر في القدرات الإدراكية، بحث توصلت فيه الكاتبة لخلاف ما كانت تعتقده أول الأمر فقد كانت تعتقد أن الفروق بين الجنسين ترجع أساسا لممارسات التنشئة الإجتماعية أي من صنع المجتمع وثقافته وهو الخطأ الذي وقعت فيه بعض البحوث حيث غيرت هالبرن رأيها بعد البحث في المجلات المتخصصة حيث تبين لها بأن هناك فعلا فوارق حقيقية كبيرة جدا بين الجنسين هي التي تعلل القدرات الإدراكية وتضيف أنه بالرغم من أهمية ممارسات التنشئة الإجتماعية التي لا يرقى شك في تأثيرها فإن هناك أدلة قاطعة على أن الفروق بين الذكر والأنثى تلعب دورا مهما في تثبيت الفوارق الإدراكية بين الجنسين ..ويحدد البروفيسور تولي في كتابه فوارق الجندر إلى أن هناك تفوقا للبنات عموما في المجال الكلامي والشفهي بينما بتفوق الذكور في مجال الرياضيات [19]
    ويلاحظ تولي بأن هناك ازدياد في الطبيعة العدوانية عند الفتيات نتيجة محاولة أقلمة طبيعتهن الأنثوية مع المجال العدواني الذي يتنافس فيه الرجال ويتساءل تولي عن الشيء المميز في عالم الرجال المليء بالعدوانية والمنافسة السلبية وكيف تم إقناع االنساء بأن عالم الرجال أفضل من عالم النساء وينقل تولي قصصا واقعية عن النسوية بيتي فريدان لنساء شعرن بخيبة أمل بعد اكتشاف أن وظائفهن "الناجحة" لا تعدو أن تكون في الحقيقة أعمالا حقيرة غير منزلية ما دفع جيمس تولي للتساؤل إن كان عالم الرجال ساحرا فعلا [20]
    ويوضح البروفيسور تولي بأن الرموز البارزة من الحركة النسوية اللاتي أقنعن النساء في أول الأمر بهجر بيوتهن وأسرهن من أجل التنافس مع الرجال يراجعن أفكارهن ثانية وأشار في كتابه إلى ما كتبته الكاتبة النسوية الشهيرة بيتي فريدان betty Friedan قائلة 'بانها هي وغيرها من النسويات كنّ يتخوفن من الإعتراف بما أسمته "الأعراض المحيرة للألم" أو مناقشة هذه الأعراض علنا إلا أنهن لم يستطعن الإستمرار في إنكارها وكتمانها واضطررن إلى معرفة ما إذا كانت هذه الأعراض تعني بأن هناك خطأ بليغا بحيث يتعين عليهن معرفة هذا الخطأ ومن ثم تغيير الوجهة مرة ثانية قبل فوات الأوان' [21] كما أشار إلى ما أوردته الكاتبة النسوية الشهيرة جيرمين غرير Germaine Greer في آخر مؤلفاتها المرأة الكاملة بأن حياة النساء صارت أكثر صعوبة وليس العكس وتعتقد أن هذا الأمر يدعو للسخرية لأن 'الثورة الجنسية التي ألهمتها ونفخت فيها الروح بأفكارها تعني بأن زمن معاناة النساء وإبقائهن على العلاقات غير السعيدة أو إنجاب الاطفال –بغير إرادتهن- قد ولى وبدلا من توقع "إنخفاض درجة القلق عند النساء" بسبب العدد المتزايد من النساء اللاتي تخلين في زعمها عن الزواج "المستبد" وحققن استقلالهن عن الرجال إلا أن الأدلة تشير في رأيها إلى أن الأمر يزداد سوء بدلا من ذلك وتقول: بأن قبل تطبيق أفكار النسويات في المدارس لم تكن هناك تقارير بخصوص ما يسمى "عدوى الهلع" أو فقدان الشهية أو التمثيل الذاتي بأعضاء الجسم أما الآن فإن صورة المعاناة النسوية تحيط بنا من كل مكان' ..وتضيف غرين في كتابها المرأة المدجنة لقد حاولتُ أن أبرهن في السابق بأنه لا ينبغي اعتبار الأمومة وظيفة بديلة أما الآن فإني أحاول أن أبرهن بأنه ينبغي اعتبار الأمومة اختيارا وظيفيا حقيقيا )) [22] وتقول ميلاني فيليبس Melanie Philips بأن 'الطلاق الذي لا يقع فيه اللوم على أي طرف أصبح منتشرا بسبب الأفكار النسوية الهدامة التي تحط من قيمة الزواج كما تقول بأنه عندما يتم التخلي عن التعهد للحياة الزوجية بدون أي سبب مقبول فإنه يصبح أقل قيمة من عقد شراء سيارة مستعملة' [23] ويتساءل تولي عما إذا كانت المفكرات النسويات خلال حملتهن على الأسرة وتربية الأطفال يمثلن كافة النساء في المجتمع الإنساني أم يمثلن فقط اولئك اللاتي يعشن في الظلام الأخلاقي الدامس مثلهن.[24]
    وهي نزعة تعرضت بدورها للنقد كنزعة امبريالية تعبر عن المركزية الغربية حيث أن تعريف الذات في الهوية الجنسية ترفضه مناصرات الهوية الإثنية فهي دعاوى منفلتة تعبر عن انفلات وجموح الحضارة الأمريكية والغربية دون غيرها فالكاتبة الجنوب إفريقية فاتيما دايك Fatima Dike تعتبر نفسها نسوية 'إلا أن مسرحياتها قد لا يمكن تصنيفها بشكل مباشر على هذا النحو من قبل النقاد الغربيين..فمسرحياتها تبرز شخصية نسائية قوية استطاعت أن تحافظ على سلامة مجتمعها رغم المحاولات الخارجية لتقويض كرامة وتواريخ والتقاليد الثقافية لشعبها ولا تركز على قضايا نسوية من قبيل حرية المرأة أو مساوتها مع الرجل ولكنها تهتم باستعادة كرامة ومكانة مجتمع أكبر يضم كل من النساء والرجال أي مواطني جنوب إفريقيا الذين انتهكتم الإمبريالية وأذلهم نظام الفصل العنصري على نحو مستمر' [25]
    كما أن الفكر النسوي في جوهره استعماري رغم تأكيده على كونه ضد الإستعمارية بإلقائه اللوم على الرجل الأبيض وإلا كيف نفسر وجود لجنة المرأة في الأمم المتحدة والتي يسيطر عليها الشواذ والراديكاليات وكيف يتم فرض تلك الأفكار في معجم منفلت خاص بهن على الشعوب ومناهج التعليم والمنظومات القانونية الأسرية والمجتمعية بالقوة (إتفاقية سيداو) في خطاب استعماري نسوي انحلالي كسياسة من سياسات التقسيم تستهدف فكر وسلوك المجتمعات المحافظة لخلق تناقضات جديدة وتفكيك المجتمعات وقد 'وجهت الكاتبة المسرحية والروائية الغانية آما آتا أيدو Ama Ata Aidou نقدها إلى عضوات الحركات النسوية الأروبية لأنهن شكلن موجة جديدة من الإمبرياليات اللاتي يتقن إلى غزو إفريقيا...وأنهن ظللن على جهلهن بثقافة وتاريخ واحتياجات جماعات النساء الإفريقيات. فالمثاليات الغربية الخاصة بالمساواة في الأجور والمساواة في الحصول على فرص عمل والحرية الجنسية ليست بالضرورة هي ما ترغبه كل النساء' [26]
    فقد وصلت الحركة النسوية الغربية حديثا إلى إدراك انها هي نفسها ليست سوى ثمرة لتراث ثقافي بعينه وهو تراث البيض الأروبيين الأمريكيين وهو ما حاول أن يتفاداه التيار الأحدث دونا هاراواي وتنظيرها لنسوية السايبورغ.

    نسوية السايبرغ: بعد ما بعد الحداثة
    تندرج نسوية السايبورغ لدونا هاراوي في ما يُعرف بما بعد الإنسانية posthumanism أو الرقمية digitalism أو بعد مابعد الحداثة post- postmodernism فإذا كانت ما بعد الحداثة تنادي بتفكيك الذات فإن بعد مابعد الحداثة تمثل إعادة صياغة للذات بعد تفكيكها وتجميع مكوناتها من جديد في كيان تسميه دونا هاراواي الكائن السيبرنطيقي. وهو كائن مستوحى من يوتوبيا خالية من التمييز بين الجنسين، يوتوبيا يختفي فيها تصنيف الذكر والأنثى..حيث تستفيد هارواي من الثورة البيولوجية والتكنولوجية الحديثة لتبشر بالإنسان الفائق باعتباره كائنا سيبرنطيقيا لا ينحصر في أطر التحديد النوعي العضوي. كائن هجين بين الإنسان من جهة وتكنولوجيا الإتصالات أوالتكنولوجيا الحيوية من جهة أخرى. تقول هاراوي في كتابها مانيفستو السايبورغ: 'السايبورغ هي الذات التي يجب أن تصوغها النسويات...وتكنولوجيا الإتصالات والتكنولوجيا الحيوية هي الأدوات الحاسمة التي ستعيد تشكيل أجسامنا..وتفرض علاقات اجتماعية جديدة للنساء في جميع انحاء العالم' [27]
    وهذه الأدوات يمكن أن تكون تكنولوجيا حيوية رقاقات السيليكون، تكنولجيات التناسل ،زراعة الأعضاء، التعديل على الشيفرة الوراثية..كل ما له علاقة بالتكنولوجيا الطبية وتطبيقاتها على الكائن الحي ..أو تكنولوجيا الإتصالات كالحاسوب والأنترنت حيث لا يشترط في سايوبرغ هاراواي أن يضع رقاقة سيليكون تحت الجلد او يزرع أعضاء، إذ أن التكنولوجيا تساهم في بناء الهوية وتزيد من قدرات الإنسان الإدراكية والمعرفية كامتدادات الذاكرة الإلكترونية (الميموري والفلاش ميموري) أو الحواس كالنظارات أو شبكات الإتصال وإمكانية التواصل والحضور عن بعد خارج أطر الزمان والمكان. هذه الأدوات حسب دونا هاراواي تتجاوز حدود الجندر والهوية الجنسية حيث تزيد من القدرات وتمحو الميزة العضلية للرجال وهي التي كانت ميزة تفوّق الرجل على المرأة. ولهذا تعتبر هارواي أن في فضاء الإتصال الإلكتروني يتحول الجميع إلى سايبورغات ويختفي تصنيف الذكر والأنثى ويفتح الباب لعالم ما بعد الجندر. ففي عالم الكمبيوتر والأنترنت تتحول الذات إلى شيء جديد يلغي الحدود بين الإنسان والآلة يجمع بين الهوية التكنولوجية والهوية الإنسانية في إطار من الهلوسة الجمعية الرقمية خارج أطر التنميط والتحديد وهو ما دفع نسويات كثيرات إلى عالم الكمبيوتر والأنترنت بحثا عن التحرر فالهوية الجنسية تنتفي داخل هذا العالم ويتساوى الجميع ولا يتمايز الرجال عن النساء. كما أنه يعطي إمكانية انتحال أو إخفاء الهوية فلا تدري من يكتب أو من تحاور ذكرا أم أنثى أو حتى برمجية إلكترونية وهي الفكرة التي جسدها موقع نيويوركر new yorker في 5 يوليو 1993 في كاريكاتير ساخر يصور حوارا بين كلبين صديقين يتصفح أحدهما الأنترنت يقول فيه الآخر "على الانترنت لا أحد يعرف أنك كلب"
    ولكن تكنولوجيا الشبكات لها وجهان فمثلما يبدو عالم الإتصال الإلكتروني نعيما أو يوتوبيا يمكن أن يكون أيضا جحيما أو ديستوبيا فالتحرش الجنسي بالنساء يجري في فضاء الإتصال الإلكتروني حتى بصورة أسرع وأعنف من الفضاء الواقعي لسهولة أدوات التواصل وإمكانية التخفي والتهرب من العقاب فالمضايقات لا تنتهي ما دفع المرأة للتوجه والإنعزال داخل فضاءات إلكترونية خاصة بالنساء هربا من المضايقات والقمع المسلط عليهن داخل الفضاءات المشتركة..فلم يعد الفضاء الإلكتروني عالم خال من التمييز بين الجنسين بل أدى إلى زيادة الفروق بين الجنسين وهو ما يؤكده بحثا لسوزان هيرنج يعتبر'أن عالم الفضاء الإلكتروني ليس مجردا من اعتبارات النوع بل يحتفظ بالتفاعلات التقليدية القائمة على النوع بل ويضخمها…فالرجال يميلون إلى الهيمنة على الخطاب أما النساء فيملن إلى الإحساس بالرهبة من هذه الممارسات فيحجمن عن المشاركة' [28]
    أما مشروع التهجين العضوي والعبث الوراثي فيرى معارضوه أنه 'مجرد خيال علمي لم تتم السيطرة على نتائجه وأنه يرسخ إيديولوجيا التحكم في الإنسان كما ذهب إلى ذلك يرغن هابرماس في دفاعه عن الطبيعة الإنسانية ورفضه تحسين النسل اللبرالي والتضحية بالإختلاف الذي حفظته الطبيعة على مر الزمن' [29]
    دعنا نقول بأن هذا الفكر الخيالي العلمي هو صورة مهذبة ومنقحة من ذلك الخيال الأسطوري والخرافي لأنها تختزل الإنسان في معادلات رقمية ووظائف عضوية وتغفل أن في الإنسان جانب خفي يأبى التمثيل شيء لا يمكن تجاوزه مهما بلغت القوة التكنولوجية والبيولوجية من تقدم ألا وهي الروح ستبقى هي المتحكم في الجسد وهي من يحوز التعريف النهائي للإنسان مهما تم اختزاله في وسائط تكنولوجية أو عضوية ولعل مثال اتحاد السابورغ الذي جسده ستيفن هاوكينج الذي يستخدم التكنولوجيا في التنقل والتحدث وتساعده على التفكير وبث الأفكار للناس لكنه بقي في الأخير ستيفن هاوكنيج هو من تحدث وليس هجين أو إنسان فائق فما يزال يعبر عن أفكار وجودية وإيديولوجية كغيره من البشر فالتكنولوجيا عند هذا الحد تعجز عن اختراق مجال الهوية الذاتية. وتعجز أيضا عن تفسير وإيجاد حل للأمراض النفسية فنسوية السايبروغ وفلسفتها تشجع على العزلة الإجتماعية والإنطواء وهي من الأمراض النفسية الشائعة نتيجة الإنغماس التام في الوسائل والوسائط الإلكترونية فلا تستطيع هذه الفلسفة أن تشخص وتعالج أعراض كالصداع والخمول أو سلوكيات من قبيل تعاطي المخدرات أو الكحول أو التدخين بشراهة أو حتى الانتحار الذي يتغذى وينتشر في تلك البيئة.
    ما بعد الإنسان أو بعد مابعد الحداثة ليست إلا استمرارية لإيديولوجيا العلمية scientism والتي هي إيديولوجيا متحيزة تعادي الإنسان تعتبر أن ما يسري على الطبيعة من قوانين فيزيائية يسري كذلك على نوازع الإنسان النفسية وأفكاره ولذلك كانت مبادئ الحداثة الأولى من علوم إنسانية ومعرفية في اتساق تام مع الفيزياء الكلاسيكية فيزياء نيوتن ونظرتها الميكانيكية الحتمية للكون وفق نظريات عامة كبرى ولذلك كانت الرؤى النسوية آنذاك ذات عناوين كبرى وواضحة ثم تحولت تلك المبادئ نحو ابستيمولوجيا مابعد حداثية تتسم باللامركزية الفوضى وعدم التحديد في اتساق مع مبادئ الفيزياء الحديثة لنظرية الكم والنظرية النسبية ونظرية الفوضى كايوس وهي نفس ملامح الكتابة النسوية المابعد حداثية الغموض عدم التحديد الفوضى وقد جاء الآن الدور على بعد مابعد الحداثة التي تقدم نفسها كقطيعة مع مشروع الحداثة وما بعد الحداثة في حين هي في الواقع استمرارية لنفس الإيديولوجيا العلمية أو العلموية scientism والتي تنقل في كل مرة العلوم الإنسانية من قاموس علمي تقني سابق إلى قاموس أحدث منه علميا وتقنيا ولهذا يتم الربط الآن داخل العلوم الإنسانية ومفاهيم الثورة البيولوجية والتكنولوجية الحديثة وفق مفهوم السابورغ الذي انعكس على كل ما هو إنساني كنسوية السايبورغ أو في البيولوجيا كإدماج التكنولوجيا في الجسم البشري كالرقاقات أو التعديل الجيني أو في الأدب والفن والسينما فقد ظهر ما يعرف بالأدب الإلكتروني مبني على لغة تمزج بين لغة الكمبيوتر الكودية واللغة البشرية لانتاج لغة هجينة أشهرها لغة ميزانجل Mezangelle التي ابتكرتها الكاتبة الأسترالية ماري آن بريز ولغات تستبدل بعض الحروف الهجائية ببعض الأرقام. ظهور نظرية نقدية رقمية كنصوص تتجلى في الهايبرتاكست والميديا تاكست وفي الفن ظهر الفن السبراني cybernetic artist وهو رسم إلكتروني مزود بقاعدة بيانات حول التشكيل والرسم واللون. وظهر العازف على آلات العزف الإلكترونية وظهر الأوتوتيون في الغناء فلا تعرف أهو صوت بشري ام آلي ولكن حتما ستتغير كل هذه المفاهيم وسيتم تجاوز بعد ما بعد الحداثة فقط بمجرد ظهور معجم علمي وتقني أكثر حداثة فهذا هو الطريق الوحيد الذي سطرته المعرفة الإنسانية في الغرب للتقدم. ما يجعلها وفي كل الحالات -أي الفلسفة الغربية- غارقة في أَنَوِيّتها ومركزيتها المعادية للإنسان، لم تبارح مكانها، تنظر للإنسان بمنظور الثورة الصناعية في القرن السابع عشر والثامن عشر، كمادة ملقاة على سطح الأرض.

    [1] رامان سالدن..النظرية الأدبية المعاصرة ص214
    [2] المرجع السابق ص197
    [3] د. ابراهيم محمود الخليل..النقد الأدبي من المحاكاة إلى التفكيك ص137
    [4] يمنى طريف الخولي..النسوية وفلسفة العلم ص41
    [5] رامان سلدن..النظرية الادبية المعاصرة ص214
    [6] منصف عبد الحق..الكتابة والتجربة الصوفية نموذج محي الدين بن عربي ص394
    [7] د.محمد رجب..فلسفة المرآة ص 72-73
    [8] د. محمود رجب..فلسفة المرآة ص45
    [9] جمالية الرمز والخيال في الشعر الصوفي ص16
    [10] محمد بوعزة..تأويل النص من الشعرية إلى ما بعد الكولونيالية ص109
    [11] بام موريس..الأدب والنسوية ص256
    [12] اندرسون امبرت..مناهج النقد الأدبي ص138 ص147
    [13] د. صلاح فضل..مناهج النقد المعاصر ص73
    [14] د.وليد قصاب..مناهج النقد الأدبي الحديث ص61
    [15] برسيفال بيلي..سيغموند القلق مأساة في ثلاثة مشاهد ص71
    [16] لويس تايسون..النظرية النقدية المعاصرة ص99
    [17] سوء تعليم المرأة في الغرب دراسة وتلخيص أي جي ولكنسون ص26-27
    [18] د. محمد بكاي..الكتابة وتأنيث الخطاب رؤى في النقد النسوي عند جوليا كريستيفا ص37
    [19] سوء تعليم المرأة في الغرب دراسة وتلخيص أي جي ولكنسون ص38-39
    [20] المرجع السابق ص30-31
    [21] المرجع السابق ص20
    [22] المرجع السابق ص21-29
    [23] المرجع السابق ص36
    [24] المرجع السابق ص28-27
    [25] هيلين جيلبرت..الدراما ما بعد الكوليانية ص177
    [26] هيلين جيلبرت..الدراما ما بعد الكوليانية ص172
    [27] دونا هاراواي..مانيفستو السابورغ ص19
    [28] سارة جامبل ..النسوية وما بعد النسوية ص140
    [29] مصطفى كحيل..تحولات مفهوم الإنسان ص19
    التعديل الأخير تم 12-11-2023 الساعة 04:56 PM
    التعقيد في الفلسفة بمثابة أوثان مقدسة يُحرَّمُ الإقتراب منها بالتبسيط أو فك الطلاسم
    فمن خلال التبسيط يتكشَّف المعنى السخيف -لبداهَتِه أو لبلاهَتِه- المُتخفي وراء بهرج التعقيد وغموض التركيب..

    مقالاتي حول المذاهب والفلسفات المعاصرة


معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء