الصواب في مكان جهنم
وردت بعض الآثار التي تشير إلى أن موضع جهنم هو تحت الأرض أو في الأرض السابعة. إلا أن الصواب أن هذه الآثار كلها موقوفة على بعض الصحابة فمن دونهم من التابعين ولا يصح منها شيء مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والصواب فيها أنها من الإسرائيليات التي تروى عن عبد الله بن سلام و كعب الأحبار ونحوهما من مؤمني أهل الكتاب مثل هذا الأثر الذي رواه ابن أبي الدنيا في "صفة النار" وفيه: عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه: (إن الجنة في السماء، وإن النار في الأرض).
قال السيوطي رحمه الله في (إتمام الدراية شرح النقاية): (ونقف عن النار, أي نقول فيها بالوقف, أي محلها حيث لا يعلمه إلا الله، فلم يثبت عندي حديث أعتمده في ذلك. اهـ
وقال الألباني رحمه الله: لا يمكن أن تكون الأرض هي مقر جهنم ، ولذلك نخرج بنتيجة وهي أنه ليس فقط لا يجب اعتقاد هذه العقيدة بل لا يجوز اعتقادها لأنها غير قائمة على دليل شرعي ملزم ولو بحديث صحيح آحادي ؛ واضح.(سلسلة الهدى والنور - شريط : 300)

وأصل هذا التصور يرجع إلى ما يعرف بـ "شيول" في العقيدة اليهودية والذي تعرفه "ويكيبيديا" على أنه: شيول (باللغة الأنجليزية Sheol و بالغة العبرية: שְׁאוֹל Šəʾōl كما تعرف بالعربية ب(الهاوية أو الجحيم) وتعريف هذه الكلمة في الكتاب المقدس العبري (التناخ) أنه مكان مظلم يذهب إليه الموتى، وفي بعض الظروف يُعتقد أنهم قادرون على التواصل مع الأحياء. كما تُسمى شيول أيضًا هاديس (Hades) باللغة اليونانية.... يصف الكتاب المقدس العبري شيول بأنه مكان الموتى الأبدي في فترة الهيكل الثاني (تقريبا بين 500 قبل الميلاد إلى 70 بعد الميلاد), ويعتبر شيول مكان الموتى الأشرار أو الفاجرين، بينما تعتبر الجنة مكان الموتى الصالحين حتى يوم الدينونة (يوم القيامة)( مثال: 1 أخنوخ 22؛ لوقا 16:19–31 ). و في بعض النصوص يعتبر شيول مكانا لعقاب الموتى الفاجرين/الأشرار, وهو ما يعادل جهنم في التلمود. ... و على الرغم أن شيول غير معرف بدقة في التناخ، إلا أن المصطلح يمثل عالمًا سفليًا تحت الأرض حيث تذهب الأرواح إليه بعد وفاة الجسد. وقد كان للبابليين عالم سفلي يدعى أرالو كما كان للإغريق أيضا عالم سفلي يسمونه هاديس.اهـ

إلا أنه قد ورد في القرآن و السنة ما يشى أن موضع جهنم ليس في الأرض ومن ذلك قوله تعالى: وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ. فالسورة ذكرت مناداة أهل الجنة لأهل النار و مناداة أهل النار لأهل الجنة وذكرت أن هناك حاجز أو حجاب بين أهل الجنة وأهل النار وهو الأعراف وأن هناك أناس على تلك الأعراف يبصرون أهل الجنة وأهل النار. و الأَعراف في اللغة: جمع عُرْف وهو كل عال مرتفع؛ قال الزجاج: الأَعْرافُ أَعالي السُّور. فهذا ينافي أن تكون النار في الأرض السابعة كما يزعمون إذا علمت أن الجنة في السماء كما يستفاد من كثير من النصوص كما في قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ . والسدرة موضعها في السماء كما في صحيح البخاري ومسلم. ففي حديث مسلم: ثم عرج إلى السماء السابعة. فاستفتح جبريل. فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم. قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه. ففُتِح لنا. فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام، مُسندًا ظهره إلى البيت المعمور. وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه. ثُم ذُهِب بي إلى سِدرة المُنتهى. الحديث
ثم في حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ. وفي حديث آخر عند الترمذي: الْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا. فيفهم من مجموع تلك النصوص أن الجنة في السماء وأنها فوق السماء السابعة وأن سقفها عرش الرحمن وأن أعلى الجنة هو الفردوس.
فضلا عن ذلك فإن الأرض تصير خبزة يوم القيامة كما في حديث البخاري ومسلم وفيه: تَكُونُ الأرْضُ يَومَ القِيامَةِ خُبْزَةً واحِدَةً، يَتَكَفَّؤُها الجَبَّارُ بيَدِهِ كما يَكْفَأُ أحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ في السَّفَرِ، نُزُلًا لأهْلِ الجَنَّةِ.
وتبدل الأرض غير الأرض كما في قوله تعالى: يَومَ تُبَدَّلُ الأَرضُ غَيرَ الأَرضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزوا لِلَّـهِ الواحِدِ القَهّارِ
وفي الحديث عند البخاري: يُحْشَرُ النَّاسُ يَومَ القِيامَةِ علَى أرْضٍ بَيْضاءَ عَفْراءَ، كَقُرْصَةِ نَقِيٍّ قالَ سَهْلٌ أوْ غَيْرُهُ: ليسَ فيها مَعْلَمٌ لأحَدٍ.
ثم إن ظواهر النصوص تدل على أن جهنم يتم تحريكها من موضع لآخر كما في قوله تعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ. وفي الحديث عند مسلم: يُؤْتَى بجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لها سَبْعُونَ ألْفَ زِمامٍ، مع كُلِّ زِمامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَها.
فبناءا على ما تقدم فالزعم أن جهنم في الأرض هو زعم لا مستند له بل يعارض ظواهر النصوص. وأن عالم الجنان و النار هو مستقل عن السماوات و الأرض.
أما قوله تعالى: إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ. فليس معناه أن سجين هي جهنم بل هو موضع في الأرض السفلى تذهب إليه أرواح الكافرين كما في الحديث وفيه: فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ : اكْتُبُوا كِتابَ عبدِي في علِّيِّينَ ، وأَعِيدُوا عَبدِي إلى الأرضِ .. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَه في سِجِّينٍ في الْأَرْضِ السُّفْلَى، قال : فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا. الحديث
كما أن أرواح المؤمنين تكون في الجنة بعدما تعاد روحه إلى جسده في في القبر ويسأله الملكان كما في الحديث: نَسَمَة الْمُؤْمِن طَائِر يَعْلُق فِي شَجَر الْجَنَّة حَتَّى يُرْجِعهُ اللَّه إِلَى جَسَده يَوْم يَبْعَثهُ. رواه أحمد. قال ابن كثير: وَهُوَ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَزِيز عَظِيم ، اِجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَة مِنْ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة أَصْحَاب الْمَذَاهِب الْمُتَّبَعَة.
والكتاب في الآية وفي الحديث بمعنى "ما كُتب عليهم" أي المصير الذي حدد لهم أي اكتبوا له أنه في عليين في شأن المؤمن واكتبوا للكافر أنه في سجين. وهذا المكتوب يكتب في صحف فهذا معنى قوله "مرقوم" أي مكتوب في صحف. في حالة المؤمن فإن الملائكة المقربين يشهدون كتابة هذا الكتاب في الصحيفة بخلاف الكافر فإن الملائكة المقربين لا يشهدون كتابة الصحيفة الخاصة به.