الفقير

و

المسكين



الحمد لله وكفى وأصلى وأسلم على رسوله الذي اصطفى وارتضى أما بعد



أسأل الله عز وجل الغني

مالك وملك كل شيء المكتمل والمكتفي بذاته عن العالمين وعن كل حاجة ونقص وعوز و شيء

أن يجعل ما أكتب لي ولوالدي أجرا وان يحط عنا له وزرا .



وسأحاول في هذه الوريقات أن أفرق بين الفقير والمسكين بالصورة المادية ولن أتطرق إلى غنى القلوب وفقرها[‌أ]



....فالمسكين لا يملك ما ينفق على نفسه وأهله فلا يوجد له مصدر للرزق ولا يستطيع الكسب أو العمل جبرا وذلك لكبر سنه أو مرض لا يرجى الشفاء منه أقعده عن طلب الرزق أو سُلب منه رزقه أو وسيلة رزقه الوحيدة وأقعدته عن العمل كمساكين السفينة[‌ب] أو السجن

( فالمانع عن طلب الرزق للمساكين دائم وطويل الأمد في الغالب وليس مؤقت كالفقراء وفيه نوع من الجبرية في عدم القدرة على طلب الرزق )

ولدوام شدة حال المسكين وبؤسه وقصر يده أضطر لسؤال الناس ( مسكنة [‌ج] ) فالمسكين عوزه وحاجته في الغالب دائمة لا يؤمل غناه فلا يمكن أن يصبح حتى فقيرا .

فالمسكين يصل إلى درجة انكسار النفس والذلة والقهر إلى درجة السكون وانقطاع الأمل لقصر اليد و لعدم مقدرته على توفير ما يقيته ويسد ضروريات وحاجيات الحياة الأساسية وحاجته المستمرة للناس.

والفقير يملك ما ينفق على نفسه وعلى أهله ويستطيع الكسب والعمل في الأرض ولكن الكسب لا يكفي ولا يفي ضرورياته وجميع حاجاته ، والفقير يستطيع الكسب اختيارا مع وجود مانع شرعي مؤقت لطلب الرزق كالجهاد أو طلب العلم أو وجود عدو أو مرض يرجى من بعده برئه وشفائه حيث يكون المانع مؤقتا للكسب وطلب المعاش ، والفقراء في الغالب لا يسألون الناس تعففا [‌د].

فالفقير عوزه و حاجته مؤقتة [‌ه] فقد يكون غنيا ثم أصبح فقيرا وقد يرجع غنيا[‌و] [‌ز]

والإطعام والفدية والكفارة في القرآن لا تكون في الغالب إلا للمسكين في حين لم يذكر إطعام الفقير في القرآن الكريم إلا مرة واحدة (في موسم الحج) [‌ح] ، لأن المسكين لا يقدر على تأمين طعامه فكيف بتكاليف الحج

أما سبب إطعام الفقير في ذلك الموقف أن الفقير أنفق كل ماله على تكاليف الحج إلى درجة لم يعد يملك ثمن الطعام ، فيمكن أن ترى فقيرا في الحج ولكن لن تجد فيه مسكينا واحدا من خارج أهل مكة .



والفقير أشد حاجة من المسكين من الصدقات [‌ط]

فالإسلام يحاول دائما عدم تمدد شريحة الفقر واتساعها وذلك لاستمرارية أصحاب هذه الشريحة بالعمل وعدم توقفها فهم في الغالب أصحاب المهن والزراعة والصناعة والتجارة بعكس المساكين الذين لا يقدرون على العمل البتة - فالإسلام يُبَدّي مصلحة الأمة على مصلحة الفرد – ولو توقفوا عن العمل لأصاب المجتمع الشلل ولو تحسن حال الفقراء فهم بدورهم سيساعدون من هم دونهم ويقدموا لهم الصدقات والفقير أخفى من المسكين في المجتمع لتعففه بين الناس فالمسكين معروف ومشهور والكل يتصدق عليه .





حد المسكين : من لا يملك مقدار فدية شهر أو أقل[‌ي] ومن ملك زيادة عن مقدار فدية شهر فهو فقير

أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ‎﴿البقرة: ١٨٤﴾‏



حد الفقير: من يملك مؤونة حجه إلا الطعام وما زاد عن هذه الحاجة فهو غني .

لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ‎﴿الحج: ٢٨﴾‏



اللهم إني أعوذ بك من شر فتنة الغنى وأعوذ بك من شر فتنة الفقر

والله أعلم



--------------------------------------------------------------------------------

[‌أ] "يا أبا ذرٍّ أترى كثرةَ المالِ هو الغِنى ؟ قلتُ نعم يا رسولَ اللهِ ، قال : أفترى قِلَّةَ المالِ هو الفقرُ ؟ قلتُ : نعم يا رسولَ اللهِ ، قال : إنما الغِنى غنى القلبِ ، والفقرُ فقرُ القلبِ" الزواجر / صحيح

[‌ب] المسكين في هذه الحالة يكون فيها ممنوعا جبرا ، وهي حالة مؤقتة تزول بزوال المسبب حتى أقعدتهم عن العمل الذين لا يجيدون غيره أو لا يوجد غيره وألجأتهم لسؤال الناس

أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ‎﴿الكهف: ٧٩﴾‏

[‌ج] الحاجة الدائمة لسؤال الناس بتذلل وخضوع وخنوع .

[‌د]

- لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ‎﴿البقرة: ٢٧٣﴾‏



وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ‎﴿النساء: ٦﴾‏ ... إلى حد سد الحاجة والضروريات وأن لا يزيد

التعفف : الاكتفاء والوقوف على ما أعطاه الله عز وجل وقدر له رضا بما قسمه الله عز وجل له وتصبرا إن كان في حاجة وعوز ونقص مادي أو غريزي ( وإن سألوا الناس عن عوزهم وحاجاتهم لا يسألون الناس إلا متسترين وعلى استحياء )خوفا من الذلة والمهانة والسمعة بين الناس ومثال ذلك

وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‎﴿النور: ٦٠﴾‏

وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ‎فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ : الله عز وجل يحل للقواعد ( النساء اللآتي كبرن في السن وأيسن من طلب الرجال لهن للنكاح وما زلن يرغبن في النكاح أنْ تُظْهِرَ مِن زِينَتِها ما يَسْتَدْعِي النَّظَرَ إلَيْها غير متبرجات بزينة ، وهذه من طرق سؤال الناس لطلب الزواج ( عرض نفسها ) بتستر وعلى استحياء خوفا من الذلة والمهانة والسمعة بين الناس .

وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ: وخير مما مضى الاكتفاء والوقوف على ما أعطاها الله عز وجل وقدر لها رضا بما قسمه الله عز وجل لها وتصبرا

وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ : وكأن هذه الفئة من النساء يسألن الله عز وجل عن حاجاتهن الغريزية تعففا والله عز وجل يعلم حاجاتهن بسؤالهن أو بعدم سؤالهن .

[‌ه] على خلاف المسكين

[‌و] وقد يصبح مسكينا

[‌ز] وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ‎﴿النور: ٣٢﴾‏

[‌ح] لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ‎﴿الحج: ٢٨﴾‏

[‌ط] إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‎﴿التوبة: ٦٠﴾‏

[‌ي] إلى حد عدم وجود شيء عنده ( معدم )

أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ‎﴿البلد: ١٦﴾‏