بسم الله الرحمن الرحيم
قضى تشارلز داروين سنيّ حياته الأخيرة في قلق حول أحجية عظيمة.
وقال بالحرف الواحد إن "هذه الظواهر المقلقة" أصبحت تهدد انجازه العلمي الأكبر المتمثل في نظرية التطور.
وكان داروين قد وصف، في كتابه الشهير "حول أصل الأنواع"، والذي نشر في سنة 1859، نظريته حول تطور الفصائل الحية عن طريق الإنتقاء الطبيعي الذي يعمل "فقط عن طريق الاحتفاظ بالتحسينات المتوارثة الصغيرة ومراكمتها، على أن يكون كل منها ذا منفعة للكائن المتبقي".
ولكن البحوث التي أجراها لاحقا، والتي ركّزت على علم النباتات بشكل كبير، أثارت لديه شكوكا كبيرة حول صحة نظريته وبقيت تؤرقه في السنوات العشرين التاليه حتى وفاته.

نظرية مهددة
عندما بدأت بحوثه الأخيرة بتهديد معتقد داروين الراسخ بأن عملية التطور "لا تقفز إلى الأمام بخطى سريعة"، دفعه الإحباط إلى الكتابة إلى عدد من زملائه الثقات.
كتب داروين باستفاضة عن أفكاره واحباطاته بالتاريخ الأحفوري للنباتات المزهرة
وأسس منذ سنة 1857 حتى مماته في سنة 1882 لنقاش حام عن طريق المراسلة، ما زال يلهم علماء الأحياء بعد مرور قرن ونصف.
ففي عام 1879 كتب رسالة اكتسبت شهرة كبيرة لجوزيف هوكر، مدير حديقة كيو في لندن - أحد أكبر معاهد بحوث النباتات في بريطانيا - قائلا "إن التطور السريع، حسب ما نلاحظه، لكل النباتات العليا في الحقبة الجيولوجية الأخيرة يشكل أحجية فظيعة".

وجاء في الرسالة التي كتبها داروين في 22 تموز / يوليو 1879 "قرأت للتو مقالة جون بول، ووجدتها تتسم بالشجاعة والإقدام". جون بول هذا عالم طبيعيات إيرلندي، وكان داروين يشير في رسالته إلى البحوث التي أجراها بول في منطقة جبال الألب الأوروبية.

ويبدو أن الظهور المفاجئ للنباتات الملقحة ذاتيا (أو النباتات المزهرة)، التي يصفها داروين بالنباتات العليا، كان مقلقا جدا له. ومصدر صدمته الاحتمال القائل إن التطور يمكن أن يكون سريعا وكبيرا
كتب وليام فريدمان، أستاذ علم الأحياء العضوي والتطوري في جامعة هارفارد الأمريكية، مقالا في سنة 2009 حلل فيها مراسلات داروين - هوكر قال فيه "كان داروين منزعجا إلى حد بعيد بما اعتبره الظهور المباغت والتسارع الكبير لعملية تنوّع النباتات المزهرة في أواسط الحقبة الطباشيرية".

لم يكن للنباتات الملقحة ذاتيا أي وجود في الجزء الأكبر من تاريخ الكرة الأرضية. ولكنها ظهرت بشكل مفاجئ وسريع. من أين جاءت هذه النباتات؟ وما هي الأدلة التي تثبت أنها تطورت من نباتات أقدم وأكثر بدائية؟
"لماذا لا يوجد تطور تدريجي في كاسيات البذور؟ لماذا لا نرى أشكالًا وسيطة بين عاريات البذور - أشياء مثل الصنوبريات - والنباتات المزهرة؟ ولماذا ، عندما تظهر ، هل هي بالفعل متنوعة جدًا؟"
باختصار ، لا. يقول البروفيسور باجز: "بعد مائة وأربعين عامًا ، لا يزال اللغز دون حل". "بالطبع ، لقد أحرزنا تقدمًا كبيرًا في فهمنا للتطور وفي معرفتنا بسجل الحفريات ، لكن هذا اللغز لا يزال موجودًا."
https://www.bbc.com/news/science-environment-55769269
https://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-49150825