غزوة مؤتة(1)
*جيش الأمراء*
*على سبيل التقديم *
إنا فتحنا لك فتحًا مبينا ١ ( الفتح)
يقول الإمام الزهري( شيخ الامام مالك) عن صلح الحديبية: ما فُتح في الإسلام فَتحٌ قبله كان أعظم منه) وذلك تعظيما لنتائج صلح الحديبية ...وصدق الله العظيم حين ذكره في كتابه الكريم بالفتح المبين، .....صلح الحديبية هذا ببنوده التي رآها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مجحفة ظالمة للمسلمين حتى قال عنها الفاروق عمر: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ فلمَ نعطي الدَنيةَ في ديننا؟.... هذا وهذه الهدنة التي عقدها رسول الله مع قريش كانت حقاً فتحاً عظيماً .كانت هدنة استكانت بعدها قريش وتفرغت لتجارتها ولاستقبال وفود الحجيج، هدنة تبعثرت بعدها القبائل العربية وتفرقت كل واحدة منها تنظر مصالحها بعد أن كانت قريش تجمعها على حرب الإسلام والمسلمين ..وفي نفس الوقت أعطت هذه الهدنة للمسلمين الفرصة للتفرغ لعداوات يهود المدينة ومكائدهم.. وإسكات سفاهة المنافقين وثرثرتهم التي تفتّ في عضد المسلمين. وكذلك مكنتهم من أن يقوموا بتوسيع نشاطهم الدعوي خارج المدينة وينجحون في تأليف بعض القبائل من حولهم وإدخالها إلى الإسلام .
وهكذا رأينا صحابة رسول الله الذين كاد أن يقتل بعضهم بعضا وهم يحلقون رؤوسهم تحللا من إحرامهم دون القيام بالعمرة التي كانوا يمنون النفس بها، وهم في أشد الشوق إليها رأيتهم هم أنفسهم من رأوا ثمار هذا الصلح ونتائج هذه الهدنة وقد تحولت إلى فتحٍ مبين وانتصار عظيم للدعوة الإسلامية.
ويكفي أنه بهذه الهدنة ووثيقتها تم الاعتراف بالمسلمين كدولة وكيان قوي تضطر قريش إلى الجلوس معهم والتفاوض معهم..
وهكذا فتح صلح الحديبية الطريق أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقوم بنشر الدين خارج حدود الجزيرة العربية من خلال الرسل والمكاتبات إلى ملوك وأمراء القبائل العربية الواقعة تحت ولاية الفرس من جانب والروم من جانب آخر، وكذلك إلى كسرى فارس وقيصر الروم...
لتُحقق هذه الرسائل عالمية الدعوة الإسلامية ووجوب إبلاغها ونشرها للناس كافة فلا عنصرية ولا قبلية ولا قومية ولكن ديناً أنزله رب العالمين ليكون رحمة للعالمين.
فقد كانت جنوب الجزيرة وما يليها يقع تحت وصاية الفرس وكانت القبائل التي في الشمال كالغساسنة وغيرهم تقع تحت وصاية الروم،.
انطلقت الرسل بخيلها تجوب الصحاري تقطع آلاف الأميال ومعها كتب ورسائل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء الملوك والأمراء. وكان من بين هؤلاء الرسل سيدنا الحارث بن عُمير الأزدي رسولا إلى ملك بصرى الشام التابعة للروم.... وهنا نتوقف قليلا مع مهمة الرسول ،فهو رجل يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ دعوة الإسلام والتحدث باسمه ومن المؤكد أنه لن يكون رجلا عاديا وإنما يجب أن يكون قد وهبه الله مجموعة من المواهب والملكات تؤهله للقيام بهذه المهمة الخطيرة .
فهذا الرجل يجب أن يكون فارسا مغوارا لا يهاب الموت في سبيل الله لأنه يعرف أن رحلته لن تكون نزهة وسط البساتين، وإنما كر وفر وخبرة في اتخاذ طرق بعيدة عن مكامن الخطر، ويجب أن يكون كذلك عالما بأحكام هذا الدين علم يمكنه من نقله وإبلاغه لغيره ولابد مع هذا العلم أن يهبه الله تعالى لسانا فصيحا ذو بيان...وأن يكون قبل كذلك وبعده بائعا نفسه لله تعالى في سبيل الله وفي سبيل نشر كلمة التوحيد.
وهكذا كان سيدنا الحارث بن عُمير الأزدي فارسا عالما فصيحا وقد شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله ....ينطلق الفارس إلى مهمته يزين جوهره النوراني مظهرا نظيفا متأنقا رغم عواصف الصحراء و أتربتها وغبارها فما ترك حرصه على الوضوء خمس مرات في حله وترحاله إلا نظيفا طاهرا في جوهره ومظهره حتى إذا ما وصل إلى البلقاء من أرض الشام(الأردن الآن) قابله أميرها شرحبيل بن عمرو الغساني
فهاله أن يرى هذا القادم عبر الصحراء في غير تلك الهيئة الرثة التي يعرفونها فسأله هل أنت مسلم؟
قال: نعم
فقد عرفه بطيب رائحته وشموخه وأنَفَته .
فقال له :أأنت من رسل محمد ؟
قال سيدنا الحارث: نعم
فأمر به شرحبيل هذا فأوثقه بالحبال ثم قام بضرب عنقه ، ليذهب سيدنا الحارث بن عمير الأزدى شهيدا في سبيل الله... و ليكون أول رسول يُقتل غدرا ...فقد كان العهد بين الملوك ألا يُقتل الرسل ويأمنون على حياتهم.
وما إن وصل خبر مقتل الحارث رسولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى استشاط المسلمون غضبا، وتطلعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون أوامره لتأديب هذا الغادر والثأرلصاحبهم .
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن السكوت على هذا الأمر سيضعف من هيبة المسلمين وسيعرض رسلهم للخطر وهوانهم على الناس ،وحتى لا يتجرأ ملك أو أمير على مثل مافعل شرحبيل بن عمرو الغساني أمير البلقاء.
اتخذ الرسول الله صلى الله عليه وسلم قراره بإعداد الجيش ليتوجه الى مؤته ولتبدأ أحداث واحدة من أعظم المعارك في تاريخ الاسلام
فإلى هناك معا ولكن في المقال القادم بإذن الله.
ودمتم بخير
أحمد سعيد عبد الله
Bookmarks