خروج نار من الحجاز
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز، يضيء لها أعناق الإبل ببُصرى) رواه البخاري ومسلم، وبصرى مدينة معروفة بالشام تقع جنوبي سوريا
وقد عد كثير من العلماء و المؤرخين بركان حرة رهاط - وهو حقل بركاني يقع جنوب شرقي المدينة - الذي وقع في عام 1256 ميلادية الموافق 654 هجرية المقصود بالحديث. وبحسب الدراسات الجيولوجية (الدراسة بالمعرف الرقمي doi:10.1130/GES01625.1) فإن هذا البركان هو الوحيد المؤكد في العصر الهولوسيني (الذي يمتد من 11700 سنة مضت حتى يومنا هذا) في تلك المنطقة. وقد أسفرت الدراسات ** عن أن عمر ذلك النشاط البركاني الذي لا تزال أثاره موجوده باستخدام تقنية نظرير الكلور المشع Cosmogenic isotope (36Cl) surface exposure dating يترواح ما بين 1050 و 570 عام وهو ما يتوافق مع التاريخ المذكور في الكتب التي أرخت لهذا الحدث أي منذ حوالي 760 عام تقريبا.

قال الإمام النووي رحمه الله وقد كان معاصرا للحدث: وقد خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكانت ناراً عظيمة جداً من جنب المدينة الشرقي، وراء الحرة، تواتر العلم بخروجها عند جميع الشام وسائر البلدان، وأخبرني من حضرها من أهل المدينة.
وقال الإمام القرطبي في التذكرة: وأن ابتداءها كان بزلزلة عظيمة في ليلة الأربعاء الثالث من جمادى الآخرة سنة ستمائة وأربع وخمسين للهجرة، واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت، وظهرت النار بقريظة بطرف الحرّة، لا تمر على جبل إلا دكّته وأذابته، وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر، وكان يصحابها دويّ شديد كدوي الرعد يأخذ الصخور بين يديه فيذيبها، حتى استحضر كثيرٌ ممن رآها قول الله تبارك وتعالى عن نار جهنم: { إنها ترمي بشرر كالقصر* كأنه جمالتٌ صُفر} (المرسلات:31-32).

وذكرت الدراسات الجيولوجية أن الثورة البركانية بدأت بعد خمسة أيام من سلسلة من الهزات الأرضية عندما أخد صدع بازلتي يقع على بعد حوالي 20 كم إلى الجهة الجنوبية الشرقية من مركز المدينة يقذف بالحمم البركانية واستمر 52 يوما حتى سالت الحمم إلى مسافة حوالى 23 كم. وهذا النوع من الثورات البركانية يعرف بالثوران السترومبولي strombolian eruption نسبة لجزيرة سترومبولي بإيطاليا. وقد يقذف بنيران fire-fountain يصل ارتفاعها إلى 100 – 200 مترا وبالنظر لانحناء سطح الأرض فقد تشاهد تلك النيران بهذا الارتفاع على بعد يترواح ما بين 30 إلى 50 كم فقط وهو ما يتوافق مع رؤية أهل المدينة لهذا البركان من منازلهم.

لكن يشكل على ذلك ما ورد في الحديث من أن النار التي تخرج تضيء أعناق الإبل ببصرى و التي تقع على بعد حوالى 1000 كم. فإذا أخذ الحديث على ظاهره فلا مجال للقول بأن هذا الثوران البركاني المؤرخ له هو المقصود بالحديث إلا أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم : يضيء لها أعناق الإبل ببُصرى. هو كناية عن عظم النار وهو ما يعرف في الأدب بالغلو hyperbole وهو استخدام المبالغة بشكل بلاغي.

ولا شك أن ذلك الثوران البركاني هو حدث استثنائي بالنسبة لتلك المنطقة. أما إذا أخذ الكلام حرفيا فلا شك أن المقصود شيئا اخر أعظم بكثير. فلكي يرى البركان من مسافة تتجاوز الألف كيلو متر فلا بد أن يصل ارتفاعه إلى عشرات الكيلو مترات. وهذا ما يحدث مع الثوران من النوع بليني plinian eruption أو فوق بليني ultra-plinian نسبة للمؤرخ بليني الأصغر مثل بركان جبل فيزوف عام 79 ميلادية والذي وصفه بيلني الأصغر. فهذا النوع من الثورات قد يقذف بنيران fire-fountain يصل ارتفاعها الى 1600 متر و بغبار eruption column يصل إلى ارتفاع 50 كيلو متر وقد تحدث فيه ظاهرة التفريغ الكهربي مما يؤدي إلى حدوث البرق. فإذا حدث التفريغ الكهربي على ارتفاعات عالية يسفر ذلك عن ظواهر مثل عفاريت البرق red sprites والنفاث الأزرق blue jets وظواهر كتلك يمكن أن ترى على بعد مئات الكيلومترات مثل عفريت البرق هذا الذي رؤي فوق روما من مدينة أنتيب بفرنسا على بعد 723 كيلو متر.
الاســـم:	1024px-StarStaX_00017_f23990-00017_f24033_eclaircirV5.jpg
المشاهدات: 70
الحجـــم:	11.0 كيلوبايت
---------

** راجع Drew T. Downs1, Mark E. Stelten, et. al
GEOSPHERE; v. 14, no. 3