يستند غير المسلمين فيما يسمونه " تفنيد خرافة انشقاق القمر " على حجتين احداهما أن انشقاق القمر بتقدير وقوعه هو حادث كونى لابد أن يشاهده الناس فى أرجاء الأرض، والأخرى أن الصدوع التى " زعم" بعض المسلمين أنها آثار انشقاق القمر لا يفسر العلماء حدوثها على أنها كذلك كما أنها سطحية و تمتد لمسافات قصيرة نسبيا بمعنى أنها لاتطوق القمر كى يكون الإدعاء بأنها آثار انشقاق القمر إلى فلقتين ادعاءا وجهيا كما أنه يوجد نظير لها على أقمار كواكب أخرى.
وفى الرد على ذلك يقال أولا : أن الزعم بأن القرآن لم يقصد بالحديث عن انشقاق القمر معنى صحيحا ألبتة هو زعم باطل لأن انشقاق القمر - وكما نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - عاينه الناس وشاهدوه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار مثل صلاة الجمعة والعيدين ليسمع الناس ما فيها من آيات النبوة ودلائلها والاعتبار بما فيها وكل الناس يقر بذلك ولاينكره فعلم أن انشقاق القمر كان معلوما عند الناس عامة وفي صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر فقال كان يقرأ فيهما ب قاف والقرآن المجيد واقتربت الساعة وانشق القمر ومعلوم بالضرورة في مطرد العادة أنه لو لم يكن انشق لأسرع المؤمنون به إلى تكذيب ذلك فضلا عن أعدائه الكفار والمنافقين ومعلوم أنه كان من أحرص الناس على تصديق الخلق له واتباعهم إياه فو لم يكن انشق لما كان يخبر به ويقرؤه على جميع الناس ويستدل به ويجعله آية له.
وقد انقسم الناس إزاء حادثة انشقاق القمر فمنهم من يجري النص على ظاهره ويقول بأن القمر انشق إلى فلقتين وهو قول جمهور علماء المسلمين وروى هذا عن ابن مسعود وابن عباس وأنس بن مالك و غيرهم. وعن الحسن وعطاء أن انشقاق القمر يكون عند القيامة واختاره القشيري، وروي عن البلخي.
ويذهب دانييل مارتن فاريسكو Daniel Martin Varisco فى دائرة معارف القرآن تحت بند " القمر " إلى أن شيئا ما حدث بدا وكأنه انشقاق للقمر بينما تنقل أنيمارى شيميل Annemarie Schimmel و روبرت موريسون Robert G. Mourison عن العالم الإسلامى يوسف على صاحب الترجمة المشهورة لمعانى القرآن الكريم إلى الإنجليزية قوله أن المعنى ربما مجازى يقصد به أن الأمر اتضح وضوح القمر .
ويقول ابن عاشور فى التحرير والتنوير : ويجوز أن يكون قد حصل في الأفق بين سمت القمر وسمت الشمس مرور جسم سماوي من نحو بعض المذنبات حجب ضوء الشمس عن وجه القمر بمقدار ظل ذلك الجسم على نحو ما يسمى بالخسوف الجزئي ، وليس في لفظ أحاديث أنس بن مالك عند مسلم ، والترمذي ، ، وابن مسعود ، وابن عباس عند البخاري ما يناكد هذا ...... ويؤيد هذا ما أخرجه الطبراني ، وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : كسف القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : سحر القمر ، فنزلت اقتربت الساعة الآية ، فسماه ابن عباس كسوفا تقريبا لنوعه. اهـ
والمعنى من قول ابن عاشور أن القمر بدا للناظرين مشقوقا إلا أنه يجب التأكيد على أن ما حدث لم يكن مجرد خسوف لأن العرب كانت تميز ظاهرة كسوف الشمس وخسوف القمر وفى صحيح مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا حياته فإذا رأيتموها فافزعوا للصلاة. الحديث
ويضيف ابن عاشور : وهذا الوجه لا ينافي كون الانشقاق معجزة لأن حصوله في وقت سؤالهم من النبيء - صلى الله عليه وسلم - آية ، وإلهام الله إياهم أن يسألوا ذلك في حين تقدير الله كاف في كونه آية صدق . أو لأن الوحي إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - بأن يتحداهم به قبل حصوله دليل على أنه مرسل من الله ، إذ لا قبل للرسول - صلى الله عليه وسلم - بمعرفة أوقات ظواهر التغيرات للكواكب.اهـ
ومما يدلل على امكانية أن يكون المقصود من انشقاق القمر انشقاقه رأى العين لا فى نفس الامر أن قوله تعالى " وارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين " فى قول، المقصود منه أن الرجل من المشركين كان يرى ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان. قال سليمان بن مهران الأعمش، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح ، عن مسروق قال : دخلنا [ ص: 247 ] المسجد - يعني مسجد الكوفة - عند أبواب كندة ، فإذا رجل يقص على أصحابه : ( يوم تأتي السماء بدخان مبين ) تدرون ما ذلك الدخان ؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة ، فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام. قال : فأتينا ابن مسعود فذكرنا ذلك له ، وكان مضطجعا ففزع فقعد ، وقال إن الله عز وجل قال لنبيكم - صلى الله عليه وسلم - : ( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ) [ ص : 86 ] ، إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم : " الله أعلم " سأحدثكم عن ذلك ، إن قريشا لما أبطأت عن الإسلام واستعصت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا عليهم بسنين كسني يوسف ، فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة ، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان - وفي رواية : فجعل الرجل ينظر إلى السماء ، فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد - [ قال ] قال الله تعالى : ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ) ، فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل : يا رسول الله استسق الله لمضر ، فإنها قد هلكت . فاستسقى لهم فسقوا فأنزل الله : ( إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون ) .
قال ابن مسعود : فقد مضى خمسة : الدخان ، والروم ، والقمر ، والبطشة ، واللزام . وهذا الحديث مخرج في الصحيحين . ورواه الإمام أحمد في مسنده ، وهو عند الترمذي والنسائي في تفسيرهما ، وعند ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق متعددة ، عن الأعمش ، به وقد وافق ابن مسعود على تفسير الآية بهذا ، وأن الدخان مضى ، جماعة من السلف كمجاهد ، وأبي العالية ، وإبراهيم النخعي ، والضحاك ، وعطية العوفي ، وهو اختيار ابن جرير .


وقد يقال أيضا أن القمر انشق حقيقة على عهد النبى صلى الله عليه وسلم وإن كان الانشقاق لا يقتضى أن ينشطر القمر نصفين بل ما حدث قد يكون مجرد صدع ويكون انشق بمعنى انصدع وهذا جائز فما يسمى بـ linear Rilles وهى صدوع faults مستقيمة على سطح القمر يعتقد بعض العلماء أنها نشأت نتيجة اصطدام بعض الاجرام السماوية بالقمر Large impact events وقد تبدو هيئة هذا الاصطدام كأن القمر انشق نتيجة الظاهرة الضوئية التى تصاحب الاصطدام وبهذا فسر أحد العلماء وهو Jack Hartung ما ورد فى أحد السجلات من أنه فى العام 1178 م شوهد فى كانتربرى ما بدا وكانه انشقاق للقمر ويعتقد أن هذا الاصطدام ربما هو ما نشأ عنه الحفرة Crater التى تسمى Giordano Bruno نسبة للفيلسوف الايطالى الذى يحمل نفس الإسم. إلا أن هذه الحفرة على وجه التحديد يقدر عمرها بأربع ملايين من السنين وليس كما ظن البعض.
أو قد يقال أن حدوث ذلك فيما مضى دليل على امكانية حدوثه فى المستقبل اى يوم القيامة وقد يكون ذلك ردا على من زعم أن الأفلاك لا يجوز عليها الانشقاق كما ذكر ذلك أرسطو وأتباعه يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ويزعم هؤلاء الدهرية أن الأفلاك لا يجوز عليها الانشقاق كما ذكر ذلك أرسطو وأتباعه وزعموا أن الانشقاق يقتضي حركة مستقيمة وهي ممتنعة بزعمهم في الفلك المحدد ...... والمقصود هنا أنه تعالى أخبر بانشقاق القمر مع اقتراب الساعة لأنه دليل على إمكان انشقاق الافلاك وانفطارها الذي هو قيام الساعة الكبرى . اهـ
إلا أنه يشكل على كل تلك التأويلات الآثار الصريحة عن جمع من الصحابة وهم عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وعبد الله بن عباس وجبير بن المطعم وعبد الله بن عمر في أن القمر انشق نصفين وشوهد ذلك، فضلا عن كون ذلك هو قول جمهور العلماء والمفسرين من السلف و الخلف.
وكذلك يشكل على تلك الروايات وقول الجمهور أن انشقاق القمر لم يؤرخ له في البلدان الأخرى خارج الجزيرة العربية وإن كان البعض يستند لتقليد هندي قديم ضمن مخطوطة باللغة العربية في أن انشقاق القمر أرخ له في جنوب الهند في ولاية ماليبار، فوفقا لإحدي المخطوطات الهندية القديمة (وهي باللغة العربية) والمحفوظة في مكتبة المركز الهندي بمدينة لندن‏(‏ India Office Records, MS. Islamic 2807d, fols. 81a-104a)‏ ذكر المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ الدكتور محمد حميد الله في كتابه المعنون محمد رسول الله أنه بحسب تقليد قديم لدى مسلمي الهند فإن أحد ملوك ماليبار‏(‏ وهي إحدي مقاطعات جنوب غربي الهند‏)‏ وكان اسمه شيرومان بيرومال Cheruman Perumal أو شكرواتي فارماس ‏(Chakarawati Farmas)‏ شاهد انشقاق القمر علي عهد رسول الله‏ (‏صلي الله عليه وسلم‏)‏.‏ وقد تعرض لهذه المخطوطة يوحانان فريدمان وهو باحث صهويني في مجال الدراسات الإسلامية بجامعة تل أبيب في دراسة بعنوان:Qissat Shakarwati Farmad: A Tradition Concerning the Introduction of Islam to Malabar.

إلا أنه من الناحية النظرية يمكن إزالة الإشكال المتعلق بعدم تأريخ الأمم الأخرى لانشقاق القمر بالقول أنه قد صاحب الانشقاق خسوف للقمر ومن دلائل ذلك الأثر الذي رواه عبد الرزاق في مصنفه و الطبراني في المعجم الكبير عن ابن عباس - وقال ابن كثير اسناده جيد - كَسَفَ القَمَرُ على عهدِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فقالوا سَحَر القَمَرَ فنَزلَتْ { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانْشَقَّ القَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ }.
ويتضح من الرويات أن حادثة انشقاق القمر ونزول سورة القمر كان قبل الهجرة بخمس سنين وهو ما يوافق عام 617 ميلادية. قال ابن عاشور: وكان نزولها في حدود سنة خمسٍ قبل الهجرة ففي "الصّحيح" أنّ عائشة قالت: أنزل على محمّدٍ بمكّة وإنّي لجاريةٌ ألعب بل السّاعة موعدهم والسّاعة أدهى وأمرّ. رواه البخاري، وذكر بعض المفسّرين أنّ انشقاق القمر كان سنة خمسٍ قبل الهجرة وعن ابن عبّاسٍ: (كان بين نزول آية سيهزم الجمع ويولّون الدّبر (سورة القمر) وبين بدرٍ سبع سنين. اهـ وكانت بدر في السنة الثانية للهجرة.
وبالنظر إلى سجل خسوف القمر والمنشور بموقع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا فقد حدث خسوف جزئى في إبريل من العام 617 كان من الممكن رؤيته في معظم بلدان العالم القديم لكل الوقت (أي وقت الخسوف حيث يمر القمر بظل الأرض)( كما في الهند و بلدان الشرق الأقصى) أو لبعض الوقت كما في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا ومعظم بلدن أوروبا عند شروق القمر وكما فوق المحيط الهادي عند غروب القمر كما يتضح في الرسم التوضيحي. فالبلدان التي إلى شرق الجزيرة يشرق عليها القمر قبلها و التي إلى غرب الجزيرة يشرق عليها القمر بعدها حيث يخيم الليل أولا على بلاد المشرق.



رسم توضيحي لخسوف إبريل عام 617 ميلاية

فإذا حدث الانشقاق عندما يكون أول الليل في الجزيرة العربية- وهو ما يصاحبه الخسوف الجزئي أيضا - فلن تتمكن البلدان التي إلى غربها من رؤيته ويتأخر رؤيتهم لخسوف القمر حتى حلول ليلهم أي أن الخسوف يشاهد أولا في الجزيرة.


كيفية بدو خسوف القمر الجزئي

أما البلدان التي إلى شرق الجزيرة كالهند وبلاد الشرق الأقصى فقد شاهدت خسوف القمر من أوله لآخره فإذا حدث انشقاق للقمر في تلك الأثناء – عندما يكون قد حل الليل أيضا على الجزيرة العربية - لن يتمكنوا من رؤيته أو على الأقل سيكون من الصعب تمييزه بما يفسر لماذا لم يؤرخوا له وعدوه مجرد خسوف.