الساعة من الغيب الذي اختصّ الله تعالى به واستأثر بعلمه ، فلم يطلع عليه أحداً من خلقه بما فيهم الأنبياء والمرسلون والملائكة المقربون . حتى أفضل الرسل وهو نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يعلم متى تقوم الساعة .

وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة موضّحة أن علم الساعة غيب لا يعلمه أحد من المخلوقين.

فمن أدلة القرآن الكريم على ذلك ما يلي :

1- قال تعالى: ( يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) الأعراف /187.

2- وقال الله تعالى: ( يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ) الأحزاب /63 .

فكان الناس يسألون الرسول صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم عن وقت قيام الساعة ، فأمره الله تعالى أن يفوض علمها إليه ( قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ).

قال ابن كثير (3/527) :

يقول تعالى مخبراً لرسوله صلوات الله وسلامه عليه أنه لا علم له بالساعة وإن سأله الناس عن ذلك ، وأرشده أن يردّ علمها إلى الله عز وجل اهـ .

وقال الشنقيطي (6/604):

ومعلوم أن (إنما) صيغة حصر ، فمعنى الآية : أن الساعة لا يعلمها إلا الله وحده اهـ .

3- وقال تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـاهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبّكَ مُنتَهاهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشاهَا ) النازعات / 42-45.

قال السعدي :

"ولهذا لما كان علم العباد للساعة ليس لهم فيه مصلحة دينية ولا دنيوية بل المصلحة في إخفائه عليهم طوى علم ذلك عن جميع الخلق واستأثر بعلمه فقال : ( إِلى رَبّكَ مُنتَهاهَا ) اهـ .

4- وقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ) لقمان /34.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مفاتح الغيب خمس : ( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ ) . رواه البخاري (4627).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله تعالى ، ولا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل ، فمن ادّعى أنه يعلم شيئاً من هذه فقد كفر بالقرآن لأنه خالفه . تفسير القرطبي (14/82).

وقال ابن كثير (3/462):

هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها، فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها، فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب اهـ .

ومن الأحاديث التي تدل على أن وقت الساعة لا يعلمه إلا الله :

1- حديث جبريل المشهور وفيه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل لما سأله متى الساعة ؟ قال : ( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) . رواه مسلم (8) .
ما تقدم لا يدع مجالا للشك أن القرآن والسنة دل صراحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم متى الساعة. وفي ظل هذه القاعدة المستقرة يجب أن يفهم أي أثر أو حديث يتناول توقيت الساعة. فالنبي لم يضع حدا أقصى لقيام الساعة على غرار ما ورد في التلمود من أن مجيء المشياح و الحياة الآخرة ستكون قبل حلول العام ٦٠٠٠ من بدء الخليقة وهو ما يوافق العام ٢٢٤٠ وفق التقويم الغريغوري أو الميلادي. Sanhedrin 97a
ومن هذا الباب- أي ما ورد عن توقيت الساعة- الآثار الواردة في صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك وأم المؤمنين عائشة من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغلام المغيرة أو غلام من الأنصار أو الأعراب أو أزد شنوءة: إنْ أُخِّرَ هذا، فَلَنْ يُدْرِكَهُ الهَرَمُ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.
وقد ورد هذا الحديث من طريق عائشة رضي الله عنها بلفظ:إنْ يَعِشْ هذا لا يُدْرِكْهُ الهَرَمُ حتَّى تَقُومَ علَيْكُم سَاعَتُكُمْ، قالَ هِشَامٌ: يَعْنِي مَوْتَهُمْ.
وورد عن أنس بن مالك عند مسلم بلفظ:إنْ يَعِشْ هذا الغُلَامُ، فَعَسَى أَنْ لا يُدْرِكَهُ الهَرَمُ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.
فلهذا الأثر مفهومان غير أن يكون المقصود به أنه تنبأ بقيام الساعة الكبرى في حياة الغلام، والذي يخالف القاعدة المستقرة من أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم متى الساعة ولا يمكنه التنبؤ بها.
الأول هو ما ورد من طريق عائشة وفسره هشام بن عروة بن الزبير بالقول أن المقصود هو موت المخاطبين وليس قيام الساعة الكبرى.
ويؤيد ذلك ما ورد في صحيح مسلم جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر : ( تسألوني عن الساعة ، وإنما علمها عند الله ، وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة ) رواه مسلم (2538).

ومعنى الحديث : أن كل نفس مخلوقة كانت على ظهر الأرض عندما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الحديث لا تعيش أكثر من مائة سنة . وليس معنى الحديث أن القيامة تقوم قبل مائة سنة.
المفهوم الآخر أنه من المحتمل أن تقوم الساعة قبل أن يدرك الهرم ذلك الغلام. ويدل عليه اللفظ الوارد عند مسلم وهو قوله:إنْ يَعِشْ هذا الغُلَامُ، فَعَسَى أَنْ لا يُدْرِكَهُ الهَرَمُ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.
فهذا اللفظ في أحد طرق الحديث يدل على أنه لايجزم ولكنه يجعله أمرا محتملا. فقط احتاط لحدوث علامات الساعة أولا بأن أعطى فترة كافية لحدوثها. فعلى سبيل المثال قيام الساعة وارد بعد مئة سنة من الآن ولكن لا نجزم بذلك. لكن لا يمكن أن يكون الليلة أو غدا مثلا لأن هناك علامات لابد من حدوثها أولا لم تحدث بعد وهي بحاجة لأكثر من سويعات بل وأيام و سنين لكي تحدث.
فقوله: عسى ألا يدركه الهرم. لا يفيد الجزم.
فعسى هنا فعل تام لأنه جاء بعده مصدر مؤول وهو المكون من أن و الفعل. وقد يفيد الفعل عسى الرجاء أو الإشفاق. ففي" النحو الوافي": والأكثر فى "عسى" أن تكون للرجاء. وقد تكون للإشفاق (أى: الخوف من وقوع أمر مكروه). انتهى
ففي الحديث هي واردة في الاستعمال الثاني وهو الإشفاق والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم يخشى ألا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة.