قال تعالى في مطلع سورة الطارق: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ.
ذهب المفسرون -استنادا لما روي عن قتادة رحمه الله - إلى أن المقصود بالطارق، ككناية عن النجم، أنه يأتي ليلا. وسمى القادم ليلا طارقا لأنه يحتاج إلى طرق الباب .ومن هذا الباب قول أنس بن مالك: انَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَطْرُقُ أهْلَهُ، كانَ لا يَدْخُلُ إلَّا غُدْوَةً أوْ عَشِيَّةً. رواه البخاري
وصيغة "ما أدراك ما كذا " هي تركيب من ما الاستفهام و الفعل "أدرى" متصلا به الضمير كاف الخطاب والمعنى أي شيء أعلمك أو أشعرك بكذا. وهو استفهام إنكاري الغرض منه هو التعظيم والتهويل من شأن المستفهم عنه. وهو وفقما ذكر أبو البقاء الكفوي في كتاب الكليات ينفي أن يكون المخاطب على علم بكنه المستفهم عنه أو حقيقته فيما مضى، كما في قوله تعالى: القارعة ما القارعة و ما أدراك ما القارعة. وكذلك قوله: وما أدراك ما ليلة القدر.

وقد وردت هذه الصيغة في اثني عشر موضعاً من القرآن. ففي ذلك دلالة على أن العرب لم تكن تكني عن النجم بالطارق، لا لأنه يأتي ليلا ولا لغير ذلك. بل ينفي أن يكونوا على علم بكنه وحقيقة الطرق المقصود. مثلما أنهم لم يكونوا على علم بكنه القارعة وهي كناية عن القيامة وكيف أن القيامة تفزع الناس فزعا شديدا. فلو كان المقصود بالطارق أي الذي يأتي ليلا فهذا يعلمه القاصي و الداني. فيغلب على الظن من ذلك أن الطرق المقصود ليس شيئا يعهده المخاطبون عن النجوم.

والصحيح في المقصود بالطارق – بصرف النظر عن القصود تحديدا بكونه طارقا – ليس نجما بعينه والألف واللام المتصلة بالاسم هي الـ الجنسية أي المقصود جنس النجوم.
ولهذا ليس من الصواب تفسير الطارق بأنه ما يعرف لدى علماء الفلك بالنجوم النيوترونية دون غيرها من النجوم .

وما يغلب على ظني في شأن المقصود بالطارق أنه مشتق من الطرق لا بمعني القدوم ليلا ولكن بمعنى الصوت الذي تصدره آلات العزف. ففي القاموس المحيط للفيروزآبادي في معنى الطرق: وكلُّ صَوْتٍ أو نَغْمَةٍ من العودِ ونحوِهِ: طَرْقٌ على حِدَة، يقالُ: تَضْرِبُ هذه الجاريَةُ كذا طَرْقاً.

ويزداد هذا جلاءا إذا علمنا أن النجوم تصدر موجاتاً صوتية تختلف في تردداتها بحسب حجم النجم. فالنجوم الكبيرة تصدر أصواتا لها ترددات منخفضة مثل تردد آلة التوبا أو الكمان الأجهر. والنجوم الأصغر تصدر أصواتا ذات ترددات مرتفعة كتردد الصوت الذي تصدره آلة الفلوت أو الناي في إطار ما يمكن أن يوصف بحسب موقع وكالة الفضاء الأمريكية بالسيمفونية النجمية.
والسبب في تلك الموجات الصوتية التي تنتشر عبر النجم فتجعله يضطرب مصدرا صوتا كالجرس إذا ضُرب، هو ظاهرة الحمل الحراري convection التي تحدث في الطبقة الخارجية من النجم حيث يصعد الغاز الساخن من باطن النجم إلى السطح فيبرد ثم يهبط مرة أخرى للباطن وهكذا دواليك. وهذا أشبه بغليان الماء غير أن تلك الظاهرة النحمية أعنف بدرجة تفوق الوصف من غليان الماء.

غير أن تلك الموجات الصوتية نتيجة لوجود الفضاء الكوني الذي يفصلنا عن النجوم لا يمكن سماعها بالأذن المجردة لأن الموجات الصوتية بحاجة لوسط مادي حول جسم النجم تنتشر إليه الموجات الصوتية من جسم النجم كما تنتشر من الجرس أو آلات العزف إلى الهواء. لكن العلماء تمكنوا من الاستماع لأصوات النجوم من خلال تقنية تعرف بـ علم دراسة تذبذب النجوم asteroseismology.