سيرة خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز
******************************
من هو
****
هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي . ويكنى بأبي حفص، ويلقب بأشج بني أمية، لقب بذلك لأنه ركب فرساً لأبيه، فوقع عنها، فشجت جبهته بحافرها . ولد رضي الله عنه في حلوان في مصر سنة 61ه وكان والده أميراً عليها، وكان أبيض الوجه نحيف الجسم . ولما شب بعثه والده إلى المدينة، ليتأدب بآداب أهلها .


وكان عمر بن الخطاب يقول: من ولدي رجل بوجهه شجة يملأ الأرض عدلًا، أخرجه الترمذي في تاريخه، فصدق ظن أبيه فيه.

عبادته وصلاته
***********
قال زيد بن أسلم عن أنس رضي الله عنه: ما صليت وراء إمام بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا الفتى -يعني: عمر بن عبد العزيز- وهو أمير على المدينة، قال زيد بن أسلم: فكان يتم الركوع والسجود، ويخفف القيام والقعود. له طرق عن أنس، أخرجه البيهقي في سننه وغيره
وسئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر بن عبد العزيز، فقال: هو نجيب بني أمية، وإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده.
علمه رضي الله عنه
**********
قال ميمون بن مهران: كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة.

كراماته
*****

وأخرج أبو نعيم بسند صحيح عن رياح بن عبيدة، قال: خرج عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة، وشيخ متوكئ على يده، فقلت في نفسي: إن هذا الشيخ جافٍ، فلما صلى ودخل لحقته، فقلت: أصلح الله الأمير، من الشيخ الذي كان يتكئ على يدك؟ قال: يا رياح رأيته؟ قلت: نعم، قال: ما أحسبك إلا رجلًا صالِحًا، ذاك أخي الخضر أتاني فأعلمني أني سألي أمر هذه الأمة، وأني سأعدل فيها


وأخرج أيضًا عن أبي هاشم أن رجلًا جاء إلى عمر بن عبد العزيز، فقال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم، وأبا بكر عن يمينه, وعمر عن شماله، فإذا رجلان يختصمان وأنت بين يديه جالس، فقال لك: يا عمر إذا عملت فاعمل بعمل هذين -لأبي بكر وعمر- فاستحلف له عمر بالله لرأيت هذا، فحلف له، فبكى عمر

متى بويع بالخلافة وسنه وقت توليه الخلافة
*******************
بويع بالخلافة بعهد من سليمان، في صفر سنة تسع وتسعين كما تقدم،وكان في السابعة والثلاثين من عمره فمكث فيها سنتين وخمسة أشهر، نحو خلافة الصديق -رضي الله عنه- ملأ الأرض عدلًا، وردّ المظالم، وسن السنن الحسنة

ماذا كان يركب وهو خليفة
****************
ولما قرئ كتاب العهد باسمه عقر وقال: والله إن هذا الأمر ما سألته الله قط؛ وقدم إليه صاحب المراكب مركب الخليفة فأبى وقال: ائتوني ببغلتي: قال الحكم بن عمر: شهدت عمر بن عبد العزيز حين جاءه أصحاب المراكب يسألونه العلوفة ورزق خدمتها، قال: ابعث بها إلى أمصار الشام يبيعونها فيمن يريد، واجعل أثمانها في مال الله، تكفيني بغلتي هذه الشهباء.

حزنه لتوليه الخلافة
*************

وقال عمر بن ذر: لما رجع عمر من جنازة سليمان قال له مولاه: مالي أراك مغتمًّا؟ قال: لمثل ما أنا فيه فليغتم، ليس أحد من الأمة إلا وأنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إليّ فيه ولا طالبه مني.


وعن عمرو بن مهاجر وغيره: أن عمر لما استخلف قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنه لا كتاب بعد القرآن، ولا نبي بعد محمد -صلى الله عليه وسلم- ألا وإني لست بفارض ولكني منفذ، ولست بمبتدع، ولكني متبع، ولست بخير من أحدكم، ولكني أثقلكم حملًا، وإن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وعن الزهري قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن عبد الله يكتب إليه بسيرة عمر بن الخطاب في الصدقات، فكتب إليه بالذي سأل، وكتب إليه: إنك إن عملت بمثل عمل عمر في زمانه ورجاله، في مثل زمانك ورجالك كنت عند الله خيرًا من عمر.
خوفه من الله
وعن حماد: أن عمر لما استخلف بكى فقال: يا أبا فلان، أتخشى علي؟ قال: كيف حبك الدرهم؟ قال: لا أحبه، قال: لا تخف فإن الله سيعينك.

قالت زوجته فاطمة : دخلتُ يوماً عليه وهو جالس في مصلاه واضعاً خدَّه على يده ، ودموعه تسيل على خديه ، فقلت : مالك ؟ فقال : ويحك يا فاطمة ، قد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت، فتفكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والعاري المجهود ، واليتيم المكسور ، والأرملة الوحيدة ، والمظلوم المقهور ، والغريب والأسير ، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير ، والمال القليل ، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد ، فعلمت أن ربي عز وجل سيسألني عنهم يوم القيامة ، وأن خصمي دونهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، فخشيت أن لا يثبت لي حجة عند خصومته ، فرحمتُ نفسي ، فبكيت .
بدأ بأهل بيته وأقاربه

وعن الليث قال: ولما ولي عمر بدأ بلحمته وأهل بيته، فأخذ ما بأيديهم، وسَمّى أموالهم مظالم.


وقال أسماء بن عبيد: دخل عنبسة بن سعيد بن العاص على عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين إن من كان قبلك من الخلفاء كانوا يعطوننا عطايا فمنعتناها ولي عيال وضيعة، أفتأذن لي أن أخرج إلى ضيعتي لما يصلح عيالي؟ فقال عمر: أحبكم من كفانا مؤنته، ثم قال له: أكثر ذكر الموت، فإن كنت في ضيق من العيش وسعه عليك، وإن كنت في سعة من العيش صيقه عليك.
حاله مع زوجته
*********

وقال فرات بن السائب: قال عمر بن عبد العزيز لامرأته فاطمة بنت عبد الملك -وكان عندها جوهر أمر لها به أبوها لم ير مثله-: اختاري إما أن تردي حليك إلى بيت المال وإما أن تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت واحد، قالت: لا بل أختارك عليه وعلى أضعافه، فأمر به فحمل حتى وضع في بيت مال المسلمين -فلما مات عمر واستخلف يزيد قال لفاطمة: إن شئت رددته إليك، قالت: لا والله، ما أطيب به نفسًا في حياته وأرجع فيه بعد موته.

زهده رضي الله عنه
**********

وقال عمرو بن مهاجر: كانت نفقة عمر بن عبد العزيز كل يوم درهمين. وقال يوسف بن يعقوب الكاهلي: كان عمر يلبس الفروة الكبل، وكان سراج بيته على ثلاث قصبات فوقهن طين. وقال عطاء الخراساني: أمر عمر غلامه أن يسخن له ماء، فانطلق فسخن قمقمًا في مطبخ العامة، فأمر عمر أن يأخذ بدرهم حطبًا يضعه في المطبخ. وقال عمرو بن مهاجر: كان عمر يسرج عليه الشمعة ما كان في حوائج المسلمين، فإذا فرغ من حوائجهم أطفأها، ثم أسرج عليه سراجه. وقال الحكم بن عمر: كان للخليفة ثلاثمائة حرسي وثلاثمائة شرطي، فقال عمر للحرس، إن لي عندكم بالقدر حاجزًا وبالأجل حارسًا، من أقام منكم فله عشرة دنانير، ومن شاء فليلحق بأهله.

كان لا يقبل الهدية
***********
وقال عمرو بن مهاجر: اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحًا، فأهدى له رجل من أهل بيته تفاحًا، فقال: ما أطيب ريحه وأحسنه رده يا غلام للذي أتى به وأقرئ فلانًا السلام وقل له: إن هديتك وقعت عندنا بحيث نحب، فقلت: يا أمير المؤمنين ابن عمك، ورجل من أهل بيتك، وقد بلغك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأكل الهدية، فقال: ويحك إن الهدية كانت للنبي -صلى الله عليه وسلم- هدية وهي اليوم لنا رشوة
تواضعه رضي الله عنه
وقال رجاء بن حيوة: سمرت ليلة عند عمر، فغشى السراج -وإلى جانبه وصيف- قلت: ألا أنبهه؟ قال: لا، قلت أفلا أقوم؟ قال: ليس من مروءة الرجل استخدامه ضيفه: فقام إلى بطة الزيت وأصلح السراج ثم رجع، وقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز.
منعه العطايا لاقارب الخليفة
وقال وهيب بن الورد: اجتمع بنو مروان إلى باب عمر بن عبد العزيز فقالوا لابنه عبد الملك: قل لأبيك: إن من كان قبله من الخلفاء كان يعطينا ويعرف لنا موضعنا، وإن أباك قد حرمنا في يديه، فدخل على أبيه فأخبره، فقال لهم: إن أبي يقول لكم: {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم} [الزمر: 13


مرضه ووفاته والكرامات التى حدثت
***********************

قال أيوب: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو أتيت المدينة فإن مت دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: والله لأن يعذبني الله بكل عذاب إلا النار أحب إليّ من أن يعلم الله من أني أراني لذلك الموضع أهلًا. وقال وليد بن هشام: قيل لعمر في مرضه: ألا تتداوى؟ فقال: لقد علمت الساعة التي سقيت فيها، ولو كان شفائي أن أمسح شحمة أذني أو أوتى بطيب فأرفعه إلى أنفي ما فعلت. وقال عبيد بن حسان: لما احتضر عمر بن عبد العزيز قال: اخرجوا عني، فقعد مسلمة وفاطمة على الباب: فسمعوه يقول: مرحبًا بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم قال: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَة} الآية، [القصص: 83] ، ثم هدأ الصوت، فدخلوا فوجدوه قد قبض، رضي الله عنه. وقال هشام: لما جاء نعي عمر بن عبد العزيز قال الحسن البصري: مات خير الناس. وقال خالد الربعي: إنا نجد في التوراة أن السموات والأرض تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين صباحًا. وقال يوسف بن ماهك: بينا نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا كتاب رق من السماء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار وقال قتادة: كتب عمر بن عبد العزيز إلى ولي العهد من بعده: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر إلى يزيد بن عبد الملك، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإني كتبت وأنا دنف من وجعي، وقد علمت أني مسئول عما وليت، يحاسبني عليه مليك الدنيا والآخرة، ولست أستطيع أن أخفي عليه من عملي شيئًا، فإن رضي عني فقد أفلحت ونجوت من الهوان الطويل، وإن سخط عليّ فيا ويح نفسي إلى ما أصير، أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجيرني من النار برحمته، وأن يمن علي برضوانه والجنة؛ فعليك بتقوى الله، الرعية الرعية، فإنك لن تبقى بعدي إلا قليلًا، والسلام. أسند هذا كله أبو نعيم في الحلية.
سنه وقت وفاته
*********
توفي عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- بدير سمعان -بكسر السين- من أعمال حمص لعشر بقين -وقيل: لخمس بقين- من رجب سنة إحدى ومائة، وله حينئذ تسع وثلاثون سنة وستة أشهر، وكانت وفاته بالسم، كانت بنو أمية قد تبرموا به؛ لكونه شدد عليهم وانتزع من أيديهم كثيرًا مما غصبوه، وكان قد أهمل التحرز فسقوه السم. قال مجاهد: قال لي عمر بن عبد العزيز: ما يقول الناس في؟ قلت: يقولون: مسحور، قال: ما أنا بمسحور، وإني لأعلم الساعة التي سقيت فيها، ثم دعا غلامًا له، فقال له: ويحك، ما حملك على أن تسقيني السم؟ قال: ألف دينار أعطيتها وعلي أن أعتق، قال: هاتها، قال: فجاء بها فألقاها في بيت المال، وقال: اذهب حيث لا يراك أحد.