النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: مذهب اهل السنة أن نوع الكلام ونوع الفعالِ قديمُ لا المعيّن

  1. افتراضي مذهب اهل السنة أن نوع الكلام ونوع الفعالِ قديمُ لا المعيّن

    بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
    قال العلامة السرمري

    (أو قلتَ فعلُ اختيار منه ممتنع ضاهيت قول امرئ مغوٍ بأنصبهِ
    ولم يزل بصفات الفعل متصفًا وبالكلام بعيدًا في تقربهِ
    سبحانه لم يزل ما شاء يفعله في كل ما زمنٍ ما من معقبهِ
    نوع الكلام كذا نوع الفعالِ قديمُ لا المعيّن منه في ترتبه



    قال ابن عبد البر في "التمهيد" (7/153) : "وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَنْزِل ربُّنَا إلى السماء الدنيا" ، عندهم : مثل قول الله عزَّ وجلَّ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ، ومثل قوله: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً ؛ كلهم يقول يَنْزِل ويَتَجَلَّى ويجيء ، بلا كيف ، لا يقولون: كيف يجيء ، وكيف يَتَجَلَّى ، وكيف يَنْزِل ، ولا من أين جاء ولا من أين تَجَلَّى ولا من أين يَنْزِل ، لأنه ليس كشيءٍ من خلقه ، وتعالى عن الأشياء ، ولا شريك له .
    وفي قول الله عزَّ وجلَّ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ دلالةٌ واضحةٌ أنه لم يكن قبل ذلك متجلِّيَاً للجبل ، وفي ذلك ما يفسر معنى حديث التَنْزيل . ومن أراد أن يقف على أقاويل العلماء في قوله عزَّ وجلَّ: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ، فلينظر في تفسير بقيُّ بن مخلد ومحمد بن جرير وليقف على ما ذكرا من ذاك ، ففيما ذكرا منه كفاية وبالله العصمة والتوفيق" .

    قال ابن أبي زيد القيرواني في كتاب الجامع: “وأنه يجيء يوم القيامة بعد أن لم يكن جائيًا والملَك صفًا صفًا

    قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في شرحه على صحيح البخاري : (ومن جملة صفات الله التي نؤمن بها، وتمر كما جاءت عندهم: قوله تعالى: }وَجَاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ}، ونحو ذلك مما دل على إتيانه ومجيئه يوم القيامة. وقد نص على ذلك أحمد وإسحاق وغيرهما. وعندهما: أن ذلك من أفعال الله الاختيارية التي يفعلها بمشيئته واختياره)

    وهذا النص واضح جلي في إثبات ابن رجب قيام الأفعال والصفات الاختيارية بذات الرب، وأنه يقرر أن إثبات ذلك هو قول الإمام أحمد وإسحاق كما أنه قول غيرهما من أئمة الدين.

    وكذلك عند شرح حديث: ” زيد بن خالد الجهني، أنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس، فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟»…الحديث. حيث يورد الحافظ ابن رجب بعض روايات الحديث فيقول: (وقوله: ” هل تدرون ماذا قال ربكم؟ ” – وفي بعض الروايات:” الليلة “، وهي تدل على أن الله تعالى يتكلم بمشيئته واختياره. كما قال الإمام أحمد: لم يزل الله متكلما إذا شاء). فقد أثبت هنا أن كلام الله متعلق بمشيئته واختياره، واستدل على ذلك بقول للإمام أحمد في كتاب الرد على الجهمية، وهو وإن لم يصرح باسم الكتاب إلا أن ذلك ظاهر معلوم

    وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (6/37) : "وطريقة الرسل هي ما جاء بها القرآن، والله تعالى في القرآن يثبت الصفات على وجه التفصيل وينفي عنه - على طريق الإجمال - التشبيه والتمثيل. فهو في القرآن يخبر أنه بكل شيء عليم ، وعلى كل شيء قدير ، وأنه عزيز حكيم ، غفور رحيم ، وأنه سميع بصير ، وأنه غفور ودود ، وأنه تعالى - على عظم ذاته - يحب المؤمنين ويرضى عنهم ، ويغضب على الكفار ويسخط عليهم ، وأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ، وأنه كلم موسى تكليما ، وأنه تَجَلَّى للجبل فجعله دكاً ; وأمثال ذلك" .
    وقال في "مجموع الفتاوى" (23/76) "ثبت في الأحاديث الصحيحة: أنه إذا تَجَلَّى لهم يوم القيامة سجد له المؤمنون ، ومن كان يسجد في الدنيا رياءً يصيُر ظهرُه مثل الطبق" .
    وقال رحمه الله في مجموع الفتاوى

    فصل في دلالة الأحاديث على الأفعال الاختيارية
    والأفعال نوعان: مُتَعَدّ، ولازم، فالمتعدي مثل: الخلق والإعطاء ونحو ذلك، واللازم: مثل الاستواء، والنزول، والمجىء والإتيان، قال تعالى: {الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [1] فذكر الفعلين: المتعدي واللازم، وكلاهما حاصل بمشيئته وقدرته، وهو متصف به، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.
    والمقصود هنا أن القرآن يدل على هذا الأصل في أكثر من مائة موضع.
    وأما الأحاديث الصحيحة فلا يمكن ضبطها في هذا الباب، كما في الصحيحين: عن زيد بن خالد الجُهَنِيّ: أن النبي ﷺ صلى بأصحابه صلاة الصبح بالحُدَيْبِيَة على أثر سَماء كانت من الليل، ثم قال: «أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بَنوْءِ كذا، ونوء كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكواكب».
    وفي الصحاح حديث الشفاعة: «فيقول كل من الرسل إذا أتوا إليه: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله» وهذا بيان أن الغضب حصل في ذلك اليوم لا قبله.
    وفي الصحيح: «إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات كجَرِّ السلسلة على الصَّفْوان»، فقوله: «إذا تكلم الله بالوحي سمع»، يدل على أنه يتكلم به حين يسمعونه، وذلك ينفي كونه أزليًا، وأيضا فما يكون كجر السلسلة على الصَّفَا، ويكون شيئا بعد شيء والمسبوق بغيره لا يكون أزليًا.
    وكذلك في الصحيح: «يقول الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله: حمدني عبدي. فإذا قال: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} قال الله: أثني علي عبدي. فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال الله: مَجَّدَني عبدي. فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال الله: هذه الآية بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} قال الله: هؤلاء لعبدي، ولعبدي ما سأل»، فقد أخبر أن العبد إذا قال: {الْحَمْدُ لله} قال الله: حمدني، فإذا قال: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} قال الله: أثني علي عبدي. . . الحديث.
    وفي الصحاح حديث النزول: «ينزل ربنا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟»، فهذا قول وفعل في وقت معين، وقد اتفق السلف على أن النزول فعل يفعله الرب، كما قال ذلك الأوزاعي، وحماد بن زيد، والفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وغيرهم.
    وأيضا، فقد قال ﷺ: «لله أشد أذُنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن، من صاحب الْقَيْنَةِ إلى قينته»، وفي الحديث الصحيح الآخر: «ما أذِنَ الله لشيء كأذنِه لنبي حسن الصوت، يتغنى بالقرآن، يجهر به» [2]، {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [3]. فأخبر أنه يستمع إلى هذا، وهذا.
    وفي الصحيح: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها»، فأخبر أنه لا يزال يتقرب بالنوافل بعد الفرائض.
    وفي الصحيحين عنه ﷺ فيما يروي عن ربه تعالى قال: «قال الله: أنا عند ظني عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني؛ إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي. وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» وحرف "إن" حرف الشرط، والجزاء يكون بعد الشرط، فهذا يبين أنه يذكر العبد إن ذكره في نفسه، وإن ذكره في ملأ ذكره في ملأ خير منهم. والمنازع يقول: ما زال يذكره أزلا وأبدًا، ثم يقول: ذكره، وذكر غيره، وسائر ما يتكلم الله به هو شيء واحد، لا يتبعض ولا يتعدد، فحقيقة قوله: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم، ولا يذكر أحدا.
    وفي صحيح مسلم في حديث تعليم الصلاة: «وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، يسمع الله لكم، فإن الله قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده» فقوله: سمع الله لمن حمده؛ لأن الجزاء بعد الشرط، فقوله: «يسمع الله لكم» مجزوم حرك لالتقاء الساكنين، وهذا يقتضي أنه يسمع بعد أن تحمدوا.
    هامش
    1. ↑ [السجدة: 4]
    2. ↑ [أذِنَ يَأذَنُ أذَنًا: أي: استمع يستمع استماعَا]
    3. ↑ [الانشقاق: 2]
    قلت
    مع اعتقادنا بأن الله سبحانه قديم بصفاته وأنه لا تحله الحوادث بمعنى أنه سبحانه منزه عن أن تحدث صفة متجددة لم تكن فهذا لا يتنافى مع اثبات صفات الله الفعلية الاختيارية التي تثبت في القرآن والسنة كالنزول والإستواء والضحك والمجيء والرضا والمحبة وغيرها من صفات الله الثابتة في الكتاب والسنة فيجب مع تنزيهنا لله سبحانه عن حلول الحوداث أن نثبت لله هذه الصفات على ظاهرها ونفوض كيفيتها أي حقيقتها إلى الله فالله تقوم به الأفعال الاختيارية كما دلت عليه النصوص مع تنزيهنا لله عن حلول الحوادث ولا يتعارض ذلك مع ايماننا بجميع صفات الله الفعلية الثابتة في القرآن والسنة
    القاعدة في أفعال الله كما قال أهل العلم نوع الكلام ونوع الفعالِ قديمُ لا المعيّن منه

    والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد


  2. افتراضي

    بعض الصفات الفعلية التي وردت في الكتاب والسنة:
    صفة النزول:
    وهي الواردة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له»([3]).
    صفة المجيء:
    وهي الصفة الواردة في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22].
    صفة الكلام:
    لم يزل سبحانه ولا يزال متكلمًا متى شاء، قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، وقال: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، ولا حجاب يحجبه»([4]).
    صفة الضحك:
    وردت هذه الصفة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يضحك الله لرجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة»، قالوا: كيف يا رسول الله؟! قال: «يقتل هذا فيلج الجنة، ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام، ثم يجاهد في سبيل فيستشهد»([5]).
    صفة الفرح:
    وردت في قوله صلى الله عليه وسلم: «لله أفرح بتوبة عبده من رجل نزل منزلا وبه مهلكة، ومعه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة، ثم رفع رأسه، فإذا راحلته عنده»([6]).
    صفة الغضب:
    وردت في قوله تعالى: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح: 6]، ووردت كذلك في حديث الشفاعة الطويل وفيه قول الأنبياء: «إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله»([7]).

    أقوال السلف في إثبات هذه الصفات:
    الحديث عن الصفات الفعلية تجلَّى عند السلف بشكل قويٍّ وبارز في مسألة إثبات صفة الكلام، وأنه سبحانه يتكلم متى شاء، ومن لوازم هذه المسألة مسألة القرآن وأنه غير مخلوق، وكذلك في إثبات الصفات التي وردت بها الأدلة كالضحك والغضب والرضا وغير ذلك، ونصوص أئمة السلف في إثبات هذه الصفات كثيرة([8])، منها:
    ما ذكره ابن بطة عن الإمام أحمد أنه قال: «نعبد الله بصفاته كما وصف به نفسه، قد أجمل الصفة لنفسه، ولا نتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه كما وصف نفسه، ولا نتعدى ذلك. نؤمن بالقرآن كله، محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه -تعالى ذكره- صفة من صفاته بشناعة([9]) شنعت، ولا نُزيل ما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة ووضع كنفه عليه، هذا كله يدل على أن الله سبحانه يرى في الآخرة، والتحديد في هذا بدعة»([10]).
    وما ذكره الإمام أبو بكر الآجري في كتابه الشريعة في (باب الإيمان بأن الله عز وجل يضحك) حيث قال: «اعلموا أن أهل الحق يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه عز وجل، وبما وصف به رسوله صلى الله عليه وسلم، وبما وصفه به الصحابة رضي الله عنهم، وهذا مذهب العلماء ممن اتبع ولم يبتدع، ولا يقال فيه: كيف؟ بل التسليم له والإيمان به أن الله عز وجل يضحك كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته رضي الله عنهم، ولا ينكر هذا إلا من لا يحمد حاله عند أهل الحق»([11]). ثم ساق الأحاديث الدالة على أن الله تعالى يضحك.
    وذكر أيضًا بابًا في (ذكر السنن التي دلت العقلاء على أن الله عز وجل فوق عرشه فوق سبع سماواته، وعلمه محيط بكل شيء، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء)([12])، ثم ساق الأدلة على ذلك.
    وذكر بابًا في (التصديق بأن الله عز وجل كلم موسى)([13]).
    ثم (باب الإيمان والتصديق بأن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة)، فقال: «الإيمان بهذا واجب، ولا يسع المسلم العاقل أن يقول: كيف ينزل؟ ولا يرد هذا إلا المعتزلة([14])، وأما أهل الحق فيقولون: الإيمان به واجب بلا كيف»([15]).
    ومنها أيضًا ما قاله الطحاوي: «ما زال بصفاته قديمًا قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئًا لم يكن قبلهم من صفاته، وكما كان بصفاته أزليًّا كذلك لا يزال عليها أبديًّا، ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري، له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالقية ولا مخلوق، وكما أنه محيي الموتى بعدما أحياهم استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم»([16]).
    ومنها ما قاله الدارمي: «والله -تعالى وتقدس اسمه- كل أسمائه سواء، لم يزل كذلك، ولا يزال لم تحدث له صفة ولا اسم لم يكن كذلك، كان خالقًا قبل المخلوقين، ورازقًا قبل المرزوقين، وعالًما قبل المعلومين، وسميعًا قبل أن يسمع أصوات المخلوقين، وبصيرًا قبل أن يرى أعيانهم مخلوقة»([17]).
    وقال ابن عبد البر : «أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها»([18]).
    قال ابن تيمية: «وصفه تعالى بالصفات الفعلية مثل الخالق والرازق والباعث والوارث والمحيي والمميت: قديم عند أصحابنا وعامة أهل السنة من المالكية والشافعية والصوفية، ذكره محمد بن إسحاق الكلاباذي، حتى الحنفية والسالمية والكرامية، والخلاف فيه مع المعتزلة والأشعرية»([19]).
    وقال ابن القيم: «قد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام، وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانًا، ولكن -بحمد الله- لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم، لم يسوموها تأويلًا، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلًا، ولم يبدوا لشيء منها إبطالًا، ولا ضربوا لها أمثالًا، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، ولم يقل أحد منهم: يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمر فيها كلها أمرًا واحدًا، وأجروها على سَنن واحد، ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوها عِضين، وأقروا ببعضها وأنكروا بعضها من غير فرقان مبين، مع أن اللازم لهم فيما أنكروه كاللازم فيما أقروا به وأثبتوه»([20]).

  3. افتراضي

    فصل في دلالة الأحاديث على الأفعال الاختيارية
    والأفعال نوعان: مُتَعَدّ، ولازم، فالمتعدي مثل: الخلق والإعطاء ونحو ذلك، واللازم: مثل الاستواء، والنزول، والمجىء والإتيان، قال تعالى: {الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [1] فذكر الفعلين: المتعدي واللازم، وكلاهما حاصل بمشيئته وقدرته، وهو متصف به، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.

    والمقصود هنا أن القرآن يدل على هذا الأصل في أكثر من مائة موضع.

    وأما الأحاديث الصحيحة فلا يمكن ضبطها في هذا الباب، كما في الصحيحين: عن زيد بن خالد الجُهَنِيّ: أن النبي ﷺ صلى بأصحابه صلاة الصبح بالحُدَيْبِيَة على أثر سَماء كانت من الليل، ثم قال: «أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بَنوْءِ كذا، ونوء كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكواكب».


    وفي الصحاح حديث الشفاعة: «فيقول كل من الرسل إذا أتوا إليه: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله»


    وفي الصحيح: «إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات كجَرِّ السلسلة على الصَّفْوان»،


    وكذلك في الصحيح: «يقول الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله: حمدني عبدي. فإذا قال: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} قال الله: أثني علي عبدي. فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال الله: مَجَّدَني عبدي. فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال الله: هذه الآية بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} قال الله: هؤلاء لعبدي، ولعبدي ما سأل»، فقد أخبر أن العبد إذا قال: {الْحَمْدُ لله} قال الله: حمدني، فإذا قال: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} قال الله: أثني علي عبدي. . . الحديث.


    وفي الصحاح حديث النزول: «ينزل ربنا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟»، وقد اتفق السلف على أن النزول فعل يفعله الرب، كما قال ذلك الأوزاعي، وحماد بن زيد، والفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وغيرهم.


    وأيضا، فقد قال ﷺ: «لله أشد أذُنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن، من صاحب الْقَيْنَةِ إلى قينته»، وفي الحديث الصحيح الآخر: «ما أذِنَ الله لشيء كأذنِه لنبي حسن الصوت، يتغنى بالقرآن، يجهر به» [2]، {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [3]. فأخبر أنه يستمع إلى هذا، وهذا.


    وفي الصحيح: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها»، فأخبر أنه لا يزال يتقرب بالنوافل بعد الفرائض.

    وفي الصحيحين عنه ﷺ فيما يروي عن ربه تعالى قال: «قال الله: أنا عند ظني عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني؛ إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي. وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم»

    وفي صحيح مسلم في حديث تعليم الصلاة: «وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، يسمع الله لكم

    هامش

    ↑ [السجدة: 4]
    ↑ [أذِنَ يَأذَنُ أذَنًا: أي: استمع يستمع استماعَا]
    ↑ [الانشقاق: 2]
    منقول بتصرف

  4. افتراضي

    منقول من مجموع فتاوى شيخ الاسلام ابن رحمه الله بتصرف

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء