في ذكرى ميلاد الحبيب المصطفى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
قال تعالى

(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) المائدة

وعن علي -رضي الله عنه- أنَّ النَّبِيَّ قالَ: خَرَجْتُ مِن نِكاحٍ، ولَمْ أخْرُجْ مِن سِفاحٍ، مِن لَدُنْ آدَمَ إلى أنْ ولَدَنِي أبِي وأُمِّي. وهو حديث حسن بطرقه وشواهده

وقال صلى الله عليه وسلم
إنَّ اللَّهَ اصطَفى من ولدِ إبراهيمَ بني إسماعيلَ واصطفى كنانةَ من بني إسماعيلَ واصطفى قُريشًا من كنانةَ واصطفى بني هاشمٍ من قريشٍ واصطفاني من بني هاشمٍ
الراوي : - | المحدث : ابن تيمية
وقد حدَثَ الكثيرُ مِن الإرهاصاتِ والتباشيرِ عندَ مَولدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَجيئِه إلى الدُّنيا؛ تَعظيمًا وإجلالًا لمَقامِه الشريفِ.

فلقد روى أن السيدة آمنة، حين حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل لها ‏‏‏:‏‏‏ إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ، فإذا وقع إلى الأرض فقولي ‏‏‏:‏‏‏ أعيذه بالواحد ، من شر كل حاسد ، ثم سميه محمدا ‏‏‏.‏‏‏ ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى ، من أرض الشام

وأخرج البيهقي والطبراني وأبو نعيم وابن عساكر عن عثمان بن أبي العاص قال: حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ولدته، قالت: فما شيء أنظر إليه في البيت إلا نور! وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى أني لأقول ليقعن علي، فلما وضعت خرج منها نور أضاء له البيت والدار، حتى جعلت لا أرى إلا نورا. اهـ.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن فاطمة بنت عبد الله قالت: حضرت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت البيت حين وضع قد امتلأ نوراً، ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت أنها ستقع علي....

وعن أبي أُمامةَ الباهليُّ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه سأَلَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: "يا نَبيَّ اللهِ، ما كان أوَّلُ بَدْءِ أمْرِكَ؟" أي: ما كان أوَّلُ عَلاماتِ نُبوَّتِك؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "دَعوةُ أبي إبراهيمَ"، أي: أنا دَعوةُ إبراهيمَ عليه السَّلامُ، وهذه الدَّعوةُ هي التي دَعاها عندَ بِناءِ الكَعبةِ، فقال: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا} [البقرة: 129]، فاستجابَ اللهُ دُعاءَه فيه، "وبُشْرى عيسى ابنِ مَريمَ" ويَقصِدُ قولَ عيسى عليه السلامُ -كما جاء في القرآنِ-: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]، "رأَتْ أُمِّي كأنَّه خرَجَ منها نُورٌ" وأُمُّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هي آمِنةُ بنتُ وهبٍ؛ سيِّدةُ نِساءِ بني زُهرةَ، ورُؤيتُها إنَّما هي على الحقيقةِ، ويَحتمِلُ أنْ تكونَ الرُّؤيا مَناميَّةً، وقد أُوِّلَ ذلك النُّورُ بوَلدٍ يَخرُجُ منها، يكونُ ذلك النُّورُ منه، وهذا النُّورُ إشارةٌ إلى ما جاء به مِن النُّورِ الذي اهتَدَى به أهلُ الأرضِ، وأُزِيلَتْ به ظُلمةُ الشِّركِ، "أضاءَتْ منه"، أي: كُشِفَت لها به "قُصورُ الشامِ"، وعبَّر بالشامِ؛ دَلالةً على أنَّ أمْرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سيَطوفُ المشرِقَ والمغربَ، ويَحتمِلُ أنَّ الشامَ أرضٌ مُبارَكةٌ يكونُ فيها مُلْكُه ومَحلُّ سُلطانِه، فهذه هي الأُمورُ التي كانتْ أوَّلَ بِدايةٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذا الأمْرِ العظيمِ الذي بلَغَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ

ويذكر أهل السير أن من هذه الارهاصات ما رواه أحمد : أن أبليس -لعنه الله- رن أربع رنات، رنة حين لعن، ورنة حين أهبط، ورنة حين ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وتذكر أمه آمنة أنها لم تجد حين حملت به صلى الله عليه وسلم ما تجد النساء من شدة الحمل والطلق
وقد ولدته مختونا مسروراً، ولما وضعته وقع على الأرض مقبوضة أصابع يديه مشيراً بالسبابة كالمسبح بها.
وعلى كل، فقد دلت هذه الخوارق وغيرها على علو مكانة نبينا صلى الله عليه وسلم عند ربه سبحانه وعظيم شأنه.
عن حسان بن ثابت، قال ‏‏‏:‏‏‏ والله إني لغلام يفعة ، ابن سبع سنين أو ثمان ، أعقل كل ما سمعت ، إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب ‏‏‏:‏‏‏ يا معشر يهود ، حتى إذا اجتمعوا إليه ، قالوا له ‏‏‏:‏‏‏ ويلك ما لك ‏‏‏؟‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به ‏‏‏.‏‏‏

قال محمد بن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فسألت سعيد بن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت ، فقلت ‏‏‏:‏‏‏ ابن كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏المدينة ‏‏‏؟‏‏‏ فقال ‏‏‏:‏‏‏ ابن ستين سنة ، وقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ، فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبع سنين ‏‏‏.‏‏‏

إعلام أمه جده بولادته صلى الله عليه و سلم وما فعله به

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فلما وضعته أمه صلى الله عليه وسلم ، أرسلت إلى جده عبدالمطلب ‏‏‏:‏‏‏ أنه قد ولد لك غلام ، فأته فانظر إليه ؛ فأتاه فنظر إليه ، وحدثته بما رأت حين حملت به ، وما قيل لها فيه ، وما أمرت به أن تسميه ‏‏‏.‏‏‏

فرح جده به صلى الله عليه و سلم ، و التماسه له المراضع

فيزعمون أن عبدالمطلب أخذه ، فدخل به الكعبة ؛ فقام يدعو الله ، ويشكر له ما أعطاه ، ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها ‏‏‏.‏‏‏ والتمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم الرضعاء ‏‏‏.‏‏‏

ماذا علينا في ذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم
**************************
ذكر الله عز وجل في القران الكريم العظيم آيات كثيرة بلغت ثلاثاً وثلاثين آية كما قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل ـ قدس الله روحه ـ كلها في الأمر والحث على طاعة الله ورسله والتمسك بغرز القرآن والسنة فقد قال تعالى {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا} [الأحزاب: 36].
فقد ذكر الله أنه لا يكون للمؤمنين إذا قضى الله ورسوله عليهم أي أمر، وتأمل هنا قوله تعالى {أمراً} فهي نكرة في سياق النفي فتعم كل أمر، فإذا قضى الله ورسوله أي أمر لا يكون لهم أن يتخيروا من أمرهم، هذا غير الذي قضى فيهم ثم ذكر الله عزَّ وجل أن من عصى الله ورسوله فهو في ضلال بعيد؛ لأنه يأبى ما قضاه الله ورسوله عليه وخالف أمرهما.
وقال تعالى {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون* ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} [النور: 51 ـ 52].
وقال تعالى {..فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 36].
وقال تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا..} [الحشر: 7].
وقال تعالى {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين} [المائدة: 92].
وقد حذرنا الله عز وجل من الإشراك بطاعته فقال {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [الأنعام: 121]، وقال تعالى {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله..} [الشورى: 21]، وقال تعالى {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آبائنا..} [لقمان: 21]، وقال تعالى {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً} [النساء: 61].
ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم يوصينا بالتمسك بسنته فيقول: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". (مسند أحمد 4/126، وانظر صحيح الجامع 2546).
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة". (صحيح مسلم867).
وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". (رواه البخاري 2697، ومسلم 1718).
فعلينا في ذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم أن نتمسك بسنته وأن نحييها وأن نعمل على نشرها
وهذا الحب إن كنا نحبه صلى الله عليه وسلم قال تعالى : قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
وهذه الآية فيها وجوب محبة الله، وعلاماتها،اتباع ما جاء به الحبيب المصطفى
وصل اللهم على محمد وعلى اله وصحبه اجمعين