بسم الله الرحمن الرحيم
العلم الفلكي المعاصر قائم بشكل أساسي على الظنون والافتراضات، فبعد أن قام كوبرنيكوس بوضع الشمس في مركز الكون، وجعل الأرض كوكباً تابعاً لها، صار علماء الفلك يبنون تصوراتهم عن الكون وهيئته وحركته وحساباتهم الرياضية بناء على هذا الأساس.
فعندما جعلوا الشمس في المركز، تساءلوا: لماذا نرى الشمس هي التي تجري حول الأرض؟ وهنا افترضوا: أن جريان الشمس حول الأرض، ليس سوى خدعة بصريّة، بسبب ثباتنا على الأرض، وعدم إحساسنا بجريانها!
ثم تساءلوا كيف يحدث الليل والنهار على الأرض؟ وهنا قالوا: لا يكون ذلك إلّا إذا كانت الأرض تدور حول نفسها، وبهذا افترضوا أن الأرض تدور حول نفسها ليعلّلوا كيف يحدث الليل والنهار.
ثم تساءلوا: إذا كانت الأرض تدور حول نفسها ليحدث الليل والنهار، وبما أن اليوم كاملاً ليله ونهاره يستغرق مدة 24 ساعة، فكم تحتاج من السرعة لتدور حول نفسها في 24 ساعة؟ وهنا قالوا: إذا كان محيط الأرض حسب الحسابات الهندسية يساوي 40,070 كم عند خطّ الاستواء، فإن الأرض تحتاج إلى سرعة 1690 كم/س عند خط الاستواء، لتدور حول نفسها دورة كاملة في 24 ساعة، بناء على المعادلة الرياضيّة التي تقول بأن السرعة تساوي المسافة تقسيم الزمن.
ولكن هنا إشكال يتغاضون عنه، وهو: إذا كانت الأرض تدور حول نفسها بهذه السرعة، فكيف استقرت الأشياء على ظهرها، وكيف لا تشعر الكائنات الحيّة والأشجار والرياح ولا تتأثر بهذه الحركة؟! وهنا حاولوا تعليل ذلك، بأن هذا مثل من يركب العربة المغلقة، فإنه لا يشعر بحركة المركبة، بل يظنها مطمئنة. وهذا جواب باطل، وقياس فاسد، لأن الأرض نظام مفتوح وليس مغلق كالعربة، فلو ركبت عربة لا سقف لها، لشعرت بحركة الرياح، ولتأثرت الأشياء بحركة العربة، فالرياح في وسط العربة المفتوحة لن تستقر وتهدئ وتتحرك بأريحية كما هو الحال في العربة المغلقة، وكذلك لو وضعت نبتة في وسط العربة المفتوحة، فلن تهدئ، بل سوف تهتز وتتحرك أوراقها وأغصانها، والكائنات الحية في العربة المفتوحة سوف تتأثر بحركة العربة، وبما أن الأرض نظام مفتوح، كالعربة المفتوحة، فإن كل ما على ظهرها سوف يشعر بدورانها، ولا يعارض ذلك إلّا قليل عقل وبصيرة، لذلك فدوران الأرض حول نفسها مرفوض علميّاً وعقليّاً.
ثم تساءلوا وقالوا: إذا كانت الأرض تدور حول الشمس، فكيف تحدث الفصول الأربعة؟ وهنا قالوا: لا يمكن أن يكون ذلك، إلّا إذا كانت الأرض تدور حول الشمس في مدار بيضاوي، بحيث إذا ابتعدت عن الشمس يحدث الشتاء، وإذا قربت من الشمس يحدث الصيف.
وطبعاً هذا التفسير، استنتجه الفلكيون الغربيّون، كونهم يقعون في شمال الكرة الأرضية، شمال خطّ الاستواء، وقبل أن يدركوا أن هناك اختلافاً في الفصول بين جزء الأرض الشمالي وجزئها الجنوبي، أضف إلى ذلك، أن الجزء الجنوبي من الكرة الأرضيّة، عندما تكون الأرض في أبعد نقطة لها عن الشمس، يكون صيفاً، بينما عندما يكون الجزء الجنوبي في أقرب نقطة له من الشمس يكون شتاء،
ولكي يخرجوا من هذه المعضلة، أدلوا بتصريح سخيفٍ حقّاً، دون أن تتأثر فرضيتهم حول شكل مدار الأرض البيضاوي المزعوم حول الشمس، وهنا قالوا: لا يمكن أن يكون كذلك، إلّا إذا قلنا بأن محور الأرض مائل بمقدار 23.5 درجة بالنسبة إلى مدار الأرض حول الشمس، ونجعل العلّة في حدوث المواسم والفصول، ليس في قرب الأرض وبعدها عن الشمس، بل نظيف إليها تعامد أشعة الشمس على خطوط العرض، عند ميلان محور الأرض الذي افترضوه! فزعموا أن بعد الأرض وقربها من الشمس ليس هو العامل الرئيسي في حدوث الصيف والشتاء! وإنما هو تعامد أشعة الشمس على المدارارت الأرضيّة!
وهذا التعليل باطل، لأنه إذا كان مصدر الإضاءة بعيد، فإن تعامد أشعته لا يمكن أن يؤثر على درجة حرار الجو بهذا الشكل الذي زعموه، فحسب تصورهم لمدار الأرض المزعوم حول الشمس، فإن الجزء الجنوبي من الأرض يجب أن يكون صيفاً دائماً، ولكن عند الأوج ترتفع درجة حرارته على الضعف من درجة حرارته عند الحضيض، فيكون الجزء الجنوبي صيفاً دائماً، لأنه وبسبب بعد الشمس الهائل الذي زعموه، يكون الفارق في قوة تأثيره على أجزاء الأرض بسيطاً، ولك أن تقوم بتجربة عملية في المعمل، لترصد درجة حرارة الجزء الجنوبي من الكرة عند تعريضها لمصدر حرارة بعيدٍ نسبيّاً.
وأما والواقع بخلاف ذلك، فهذا يدل على أن مصدر الحرارة قريب من الجسم المتأثر بحرارته، بحيث يركز أشعته على موقع معيّن، تكون فيه درجة حرارة الجسم أعلى منه في غيرها من أجزاء الجسم الأخرى، البعيدة عن مصدر الحرارة، وهنا نقول: بأن تعامد أشعة مصدر الحرارة له أثر في رفع درجة الحرارة، لقرب هذا المصدر من الجسم المؤثَّر عليه.
ولكي يثبتوا فرضيّتهم حول مدار الأرض المزعوم حول الشمس، احتجوا بوقوع الحركة التراجعية للمريخ، وهذا ما فندته في بحث مستقل بعنوان: (نقد دليل دوران الأرض حول الشمس)
وعندما تمّ اعتماد طريقة ارسطرخس الساموسي في حساب حجم وبعد القمر، وهذا ما بيّنت بطلانه في بحث مستقل، بعنوان: (نقد حسابات الفلكيين لبعد وحجم القمر) وقاموا بعمل تلك الحسابات، بناء على تلك الأسس التي بنا عليها ارسطرخس حساباته، تساءلوا: كما يحتاج القمر إذاً ليدور حول الأرض دورة كاملة؟ وهنا قالوا: بأنه بناء على بعد القمر الذي استنتجوه من خلال الحسابات الظنيّة التي قاموا بها، والتي تساوي: 384,400 كم فإن طول الخط المداري للقمر، يجب أن يكون 768000 كيلومتر تقريباً، وبناء على هذه الحسابات الافتراضيّة، فإنه يجب أن تكون سرعة القمر أثناء دورانه حول الأرض تساوي: 3683 كيلومتر في الساعة تقريباً.
ولكن واجهتهم مشكلة، وهي أن حجم القمر يتغيّر، فعندما يكون القمر بدراً، وعند الشروق فقط، يكون حجم القمر كبيراً على غير المعتاد، فأخذوا يتساءلون عن سبب هذه الظاهرة؟ وهنا قالوا: لا يمكن أن يكون هذا إلّا إذا كان القمر يدور حول الأرض في مدار بيضاوي، وليس دائري، وبما أن ظاهرة القمر العملاق لا تحدث إلا إذا كان القمر بدراً، فهذا يعني أن القمر عندما يكون بدراً، يكون في أقرب نقطة له من الأرض، وهو ما يسمونه بالحضيض، فجعلوا وقت حدوث الحضيض، عندما يكون القمر بدراً، ووقت حدوث الأوج، عندما يكون القمر محاقاً.
ولكن هنا إشكال يتغاضون عنه، وهو: أن القمر لا يكون عملاقاً إلّا عند الشروق والغروب فقط، فهو يشرق عملاقاً، فإذا ارتفع قدر رمحين عن خط الأفق رجع إلى حجمه المعهود، ثم إذا دنا من الأفق عاد عملاقاً، ثم يغرب، وليس هذا وحسب، بل الشمس أيضاً تحدث لها هذه الظاهرة يوميّاً، فتكون الشمس عند شروقها في حجم أكبر مما هي عليه في المعتاد، حتى إذا ارتفعت عن خط الأفق قدر رمحين، صارت في مثل حجم القمر أو قريباً منه، ويمكن ملاحظة حجم الشمس الطبيعي بدون أشعة، في يوم ضبابي أو مغبر، حيث يقوم الضباب أو الغبار بكسف ضوء الشمس، فتبدو الشمس في حجمها الطبيعي، والذي هو قريب جداً أو مساوي لحجم القمر، فإذا دنت من الأفق عند الغروب كبر حجمها وعاد كما كان عند شروقها حتى تغرب، وهنا نتساءل ونقول: أنه حسب قول علماء الفلك الأوروبيين، فإن القمر لم يكن قريباً عند شروقه ولا عند غروبه، وكذا الشمس، لأنه حسب ادعاءهم أن شروق الشمس والقمر وغروبهما مجرد خداع بصري لدوران الأرض حول نفسها، وبهذا حسب قولهم، فالشمس والقمر لا تحدث لهما ظاهرتي الأوج والحضيض يومياً، فالقمر حسب ادعاءهم تحدث له هذه الظاهرة شهرياً، والشمس تحدث لها هذه الظاهرة سنويّاً، إذاً نستنتج، أن ظاهرة الشمس العملاقة، والقمر العملاق، لا علاقة لهما بمداراتها المزعومة، وإنما هو شيء اتّفق للفلكيين الأوربيين، وقدّموه ليثبتوا به قولهم في أن مدار القمر حول الأرض بيضاوي، ومدار الأرض المزعوم حول الشمس بيضاوي، متكئين على أنه لن يكون هناك من يحاسبهم على هذه الافتراضات الاعتباطيّة!
وبما أنهم يرون القمر يشرق من جهة الشرق، ويغرب من جهة الغرب، فمن المعتبر أن يقولوا: بأن القمر يجري في مداره حول الأرض، من الشرق إلى الغرب، ولكن اعترض سبيلهم أمر أخر، فظل القمر على الأرض وقت كسوف الشمس، يسير من الغرب إلى الشرق، ولا يمكن أن يحدث هذا إذا كان القمر يسير في مداره حول الأرض من الشرق على الغرب، إلّا أن تكون الأرض ثابتة والشمس هي التي تجري، فتساءلوا: كيف يحدث هذا في أرض تدور حول الشمس وحول نفسها؟ وهنا قالوا: لا يكون ذلك، إلّا أن نقول: بأن حركة القمر في مداره حول الأرض، تتجه من الغرب إلى الشرق، وأن سبب رؤيتنا للقمر وهو يدور من الشرق إلى الغرب، إنما هي خدعة بصريّة، بسبب دوران الأرض حول محورها!
واستنتجوا هذه الصورة:
ثم تساءلوا: لماذا جميع الكواكب نراها تشرق من الشرق وتغرب من الغرب؟ فبدل أن يقولوا: بأنها تدور حول الأرض من الشرق إلى الغرب، افترضوا أن هذه الكواكب لا تتحرك حول الأرض، وأن ما نشاهده من حركتها، مجرد خداع بصري، بسبب ثباتنا على الأرض، وعدم شعورنا بدورانها.
ثم تساءلوا: لماذا نجد بعض الكواكب، مثل الأبراج، وعطارد والزهرة والمريخ وزحل والمشترى، متحركة متنقلة، بينما نجد هناك كواكب ثابتة لا تتحرك، مع أنه وحسب الفرضيّات الفلكية، لا يوجد شيء ثابت، وكل شيء متحرك؟! وهنا قالوا: أن الكواكب الخمسة، إنما تدور حول الشمس، وليس حول الأرض، ودورانها حول الأرض مجرد خداع بصري، بسبب ثباتنا على الأرض، وعدم شعورنا بحركتها! وأما الأبراج، فهي ثابتة في الحقيقة، الذي يتغيّر هو موقع الأرض منها، عندما تدور حول الشمس! وأما الثوابت فافترضوا أنها بعيدة جدّاً عنّا، ولذلك لا ندرك حركتها، أي: أن كل ما نشاهده مجرد خداع بصري لا أكثر!
فجعلوا جميع الظواهر الكونيّة التي نراها بأبصارنا، مجرد خداع بصري، والحقيقة عندهم فقط!
وبما أنهم يعتقدون أن المسافة بين الأرض والشمس 149.6 مليون كم بناء على حساباتهم الافتراضيّة، فبالتالي يظنون أن الأبراج أبعد من ذلك بكثير، وبالتالي فالنجوم الثوابت عندهم أبعد وأبعد، لذلك عند رصدهم أو حساباتهم الرياضية، يقومون بعملها على افتراض أنها بعيدة بعداً سحيقاً، ولهذا تأتي النتائج ذات أرقام خياليّة.
ولما رأوا قدماءهم من فلاسفة الإغريق، يعتقدون أن هذه المجرات عبارة عن نجوم سحيقة، متكتلة مع بعضها البعض، يزداد تكتلها كل ما دنت نجومها من مركز المجرّة، وبناء على ذلك، افترضوا أن المجرّة التي نراها في سمائنا، ليست مجرّة بعيدة بل هي ذراع مجرة، وبما أن سكّان الأرض يرون هذه الذراع معترضة في سماءهم، افترضوا أن الأرض وشمسها، تقع في طرف هذه المجرّة، وبما أن شكل هذه المجرات حلزوني "في الغالب" بناء على أن أكثر المجرات الأخرى حلزونية الشكل، افترضوا بناء على ذلك، أن هذه المجرة، تدور حول نفسها، ومن هنا افترضوا أن الأرض وشمسها وكل ما يتعلق بها، يدور حول مركز هذه المجرّة، فجاء خلفائهم من علماء الفلك الأوروبيين، ليؤكدوا على هذه الظنون، ويضيفوا إليها أيضاً شيئاً من افتراضاتهم، حيث قاموا بتصوير السماء من عدة جهات من الأرض، ثم قاموا بافتراض أو لنقل: باختلاق شكل للمجرة المزعومة التي تتموضع أرضنا وشمسها وتوابعها في طرفها، والذي لا بدّ أن يكون شكلها حلزونياً! فبنو مجرّة من خلال الظنّ والافتراض!
ليس هذا وحسب، بل قاموا بعمل فيديو يقرّبون فيه صورة هذه المجرة المزعومة، والتي أسموها: مجرّة درب التبانة. حتى تبدو نجومها وكواكبها! وقد ظن كثير من المغرمين بعلماء الفلك الغربيين، والمتأثرين بهم، والواثقين بهم، أن هذا الفيلم لصورة مجرة حقيقية وقال لي: ها هم صوّروا المجرّة ونجومها لتتحقق من أن المجرّة عبارة عن نجوم متكدسة مع بعضها البعض! وهو لا يعلم أن هذا الفيلم تخيّلي، لصورة مجرة درب التبانة من الخارج، وأن التقريب مجرد تخيّل أخر لنجوم المجرّة المزعومة!
ولا عجب في ذلك، فقد أعلن علماء الفلك الأوربيون، أنهم استطاعوا أن يعرفوا طبوغرافية كوكب يزعمون أنه ينتمي لمجرة أخرى، تبعد عنهم ملايين السنين الضوئيّة، والسنة الضوئية رقم فلكي يصعب استذكاره، فرسموا لنا طبيعته، بل ورسموا لنا كيف يشاهد ساكن هذا الكوكب مجرتنا من سماء كوكبه! أترون بعد هذا هؤلاء يعجزون عن شيء يريدون أن يفتروه!
ولم تقف بهم أحلامهم إلى هذا الحد، حتى أرادوا أن يعرفوا شكل الكون بأسره، فمن خلال المعادلة النسبية، تلك المعادلة السحريّة العجيبة، التي من خلالها قادرون على تصوّر كل شيء، اكتشفوا أن الكون يتوسّع ويتمدد، ومستمر في توسعه وتمدده؟! ولكنهم لم يجدوا الأدلة الدالة على ذلك، هو فقط النسبية من أملت عليهم هذه الفكرة، ولكن الدليل إن لم يوجد فسوف يجدونه، وهنا ظهر دليل توسع الكون من الركام، وهو انزياح الأجرام السماوية في ألوان الطيف إلى اللون الأحمر، والتقاطهم لإشعاعات الانفجار الكبير وصدى صوته أيضاً، وهذا ما فندته في بحثي بعنوان: (نقد أسطورة التكوين الإلحادية)
النتيجة: أن جميع تصور الفلكيين الأوروبيين للفلك، قائم على الظنون والافتراضات، وهم يحاولون جاهدين التمسك بتصورات أسلافهم من الفلاسفة المتقدمين كالفيثاغوريين وارسطرخس والمتأخرين مثل كوبرنيكوس وجاليليو وكيبلر وغيرهم.
وللمزيد قوموا بزيارة مدونتي: https://9slamcom6.blogspot.com/
Bookmarks