النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أحاديث ماء الرجل والمرأة وتعلق العلو والسبق بالشبه أو الإيناث والإذكار

  1. افتراضي أحاديث ماء الرجل والمرأة وتعلق العلو والسبق بالشبه أو الإيناث والإذكار

    أحاديث ماء الرجل وماء المرأة وصفتهما
    النتيجة التي خلصت إليها في هذا المقال أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء المرأة وماء الرجل له سياقان مختلفان دخل بعضها في بعض في بعض طرق الأحاديث الواردة بهذا الشأن. الأول سياق سؤال عبد الله بن سلام رضي الله عنه أو الحبر أو الأحبار اليهود. والثاني سياق سؤال أم سليم والدة أنس بن مالك رضي الله عنهما وأن الأحاديث الواردة في السياق الثاني ليس في أصلها ذكر مسألة علو أحد الماءين أو صفتهما بل طرأ ذلك على المتن في بعض الطرق فضلا عن وقوع اضطراب في بعض تلك الطرق التي وقعت فيها الزيادة المتعلقة بمسألة علو أحد الماءين وصفة الماء. فضلا عن ذلك أن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو تعلق علو أو سبق أحد الماءين بالشبه لا بجنس المولود.
    وذكر مسألة علو أحد الماءين وصفتهما في سياق سؤال أم سليم يوهم بأن ماء المرأة بمعنى نطفتها والذي يكون منه الولد هو الأفرازات التي تنفصل خارج البدن عند الاحتلام أو الجماع ونحوهما.
    وإن كان من الجائز أن يقصد بالماء معنيين مختلفين في نفس السياق. ففي عادة النبي صلى الله عليه وسلم في الخطاب ذكر ماءين في سياق واحد لا يلزم منه أنه يقصد أنهما شيء واحد مثل قوله في صحيح مسلم: إنما الماء من الماء، يعني بالأول ماء الغسل والثاني المني. فوارد أن يقول: نعم إذا أبصرت الماء، ردا على سؤال: هل تغتسل المرأة إذا احتلمت؟ ثم في نفس السياق ردا على السؤال والتعجب من حدوث الاحتلام للمرأة أن يقول: فبما يشبهها ولدها؟ فإذا علا ماؤها ماء الرجل كان الشبه لها، ويقصد بالماء الأخير شيئا غير الماء الأول.


    والذي عليه جمهور المحدثين هو أن زيادة الثقة تقبل مالم تكتنفها القرائن الدالة على عدم صحتها.
    يقول د. عبد الله عطا عمر: لا تقبل زيادة الثقة ولا ترد إلا بمقتضى القرائن المحيطة بها، ولا يجيد القول في بيان ذلك إلا الجهابذة من أئمة الحديث، فإن كان الراوي الذي روى هذه الزيادة أوثق وأحفظ فهي مقبولة، وإلا فهي فمردودة، ولا تكون مردودة إلا في حالة منافاتها لما رواه الناس، أما دون ذلك فالزيادة بين القبول والرد، فهذه المسألة يجب الرجوع فيها إلى كلام نقاد الحديث وحدهم، ولا يكفي في قبول زيادة الثقة الاعتماد على ثقة الراوي وإتقانه، بكونها قرينة لقبولها في بعض المرويات؛ فقد تصلح هذه القرينة في بعض الروايات دون بعض، ولا يلزم من هذا أن تكون هذه القرينة صالحة في جميع مرويات الراوي.
    وفي هذا المقال أحاول أن أبين لماذا تلك الزيادات هي جزئيات طارئة على أصل الحديث وليست من قبيل زيادة الثقة المقبولة. ولا أدعي بذلك أني من طلاب علم الحديث فضلا عن أن أكون من النقاد والجهابذة ولكنها مجرد خاطرة أحاول من خلالها حل إشكالية تعارض ظاهر تلك الأحاديث مع العلم التجريبي.
    وعندما نقول أن هناك روايات لا تصح في صحيح مسلم لا أعني بذلك أن أصل الحديث لا يصح ولكن روايات للحديث ربما ساقها مسلم من باب المتابعات.
    سأبدأ بالحديث عن السياق الثاني ثم انتقل للحديث عن السياق الأول.
    أولا الأحاديث الواردة في سياق سؤال أم سليم: فقد وردت الأحاديث المتعلقة بهذا السياق من رواية أنس بن مالك عن والدته أم سليم، ومن روايتي أمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة.
    أولا رواية أنس عن أم سليم رضي الله عنهما: وردت تلك الرواية من طريق قتادة عن أنس (وصرح فيه أن أنس حدثهم ما ينفي شبهة التدليس) وفيه: أن أم سليم ، حدثت أنها سألت نبي الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل فقالت أم سليم : واستحييت من ذلك ، قالت : وهل يكون هذا ؟ فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، فمن أين يكون الشبه ؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض ، وماء المرأة رقيق أصفر ، فمن أيهما علا ، أو سبق ، يكون منه الشبه. وكذلك من طريق إسحاق بن أبي طلحة حفيد أم سليم عن أنس وليس فيها ذكر مسألة العلو ولا الشبه ولا صفة الماء ففي صحيح مسلم قال: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ، قَالَ : قَالَ إِسْحَاق بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ : " جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَهِيَ جَدَّةُ إِسْحَاق إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ لَهُ وعَائِشَةُ عِنْدَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الْمَرْأَةُ تَرَى مَا يَرَى الرَّجُلُ فِي الْمَنَامِ ، فَتَرَى مِنْ نَفْسِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ مِنْ نَفْسِهِ ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ : يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ، فَضَحْتِ النِّسَاءَ ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ ، فَقَالَ لِعَائِشَةَ : بَلْ أَنْتِ ، فَتَرِبَتْ يَمِينُكِ ، نَعَم ، فَلْتَغْتَسِلْ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ، إِذَا رَأَتْ ذَاكِ.
    ففي رواية قتادة عن أنس أن أم سليم هي التي سألت وتعجبت (بخلاف رواية عائشة وأم سلمة كما سيأتي) مع أنها هي من ذكرت أنها ترى ما يرى الرجل فهذا الاضطراب في رواية قتادة عن أنس يلقى بظلال من الشك على تلك الرواية. وقتادة من أصحاب أنس ولعله سمع من أنس السياق الآخر الذي سأل فيه عبد الله بن سلام عن الشبه والكلام عن علو أحد الماءين وعلاقة ذلك بالشبه فدمجه في هذا السياق لقناعته أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة وإن لم يقله في هذا السياق الخاص بسؤال أم سليم. وقد روى حديث سؤال عبد الله بن سلام عن أنس حُميد الطويل ونقله البخاري في صحيحه.


    ثانيا رواية مسافع بن عبد الله عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها عند مسلم وفيها: أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء؟ فقالت لها عائشة رضي الله عنها تربت يداك. قال لها النبي صلى الله عليه وسلم "دعيها هل يكون الشبه إلا من قبل ذلك؟. إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الرجل أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبهه. ورواية الزهري عن عروة عن عائشة عند مالك في الموطأ ومسلم وفيها: الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ، أَتَغْتَسِلُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) : « نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ ». فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ : أُفٍّ لكِ، وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ الْمَرْأَةُ, فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) : تَرِبَتْ يَمِينُكِ، وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبه.
    فهذا يشي بأن الرواية الأصلية عن عائشة رضي الله عنها ليس بها مسألة العلو ولا صفة الماء. وبالتالى من أحدث هذه الزيادة هو من روى عن عروة بن الزبير بدءا من مسافع بن عبد الله وحتى ابن أبي زائدة وذلك بالنظر لوقوع اضطراب في متن رواية مسافع عن عروة حيث ذكر أن أم سليم هي التي ذكرت جزئية إذا أبصرت المرأة الماء في حين أن الروايات الأوثق عند البخاري التي أتت على ذكر إبصار الماء كان الكلام فيها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أي أنه هو الذي نبه على ضرورة إبصار الماء كشرط للغسل.
    ثالثا رواية أم سلمة رواها البخاري من طريقين عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة وفيها: عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم سلمة ، أن أم سليم ، قالت : يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت ؟ قال : نعم ، إذا رأت الماء فضحكت أم سلمة ، فقالت : تحتلم المرأة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فبم يشبه الولد . وقد وردت جزئية تعجب وسؤال أم سلمة وذكرمسألة الشبه فقط في رواية مسدد عن يحيى بخلاف رواية عبد الله بن يوسف عن مالك.
    وقد وقع اختلاف في الروايات على عروة بن الزبير، فقد رواه البخاري ومسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة، بينما رواه ابن شهاب الزهري ومسافع بن عبد الله عن عروة عن عائشة وظاهر صنيع البخاري أنه رجح رواية هشام من أن حديث عروة إنما هو من طريق زينب عن أم سلمة لا عائشة وأن التي تعجبت هي أم سلمة لا عائشة حيث قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: ونقل القاضي (عياض) عن أهل الحديث أن الصحيح أن القصة وقعت لأم سلمة، لا لعائشة، وهذا يقتضي ترجيح رواية هشام، وهو ظاهر صنيع البخاري. اهـ
    لكن بعض العلماء رد ذلك بالقول قد يكون قد روى عروة عن عائشة كما روى عن زينب عن أم سلمة وأن أم سلمة وعائشة وقع منهما التعجب والسؤال.
    ولو لم يكن في تلك الزيادات إشكال سوى أنها توهم أن ماء المرأة الذي يخلق منه الولد هو ما ينفصل خارج البدن لكانت تلك قرينة كافية على عدم صحة تلك الزيادات.

    والآن انتقل للحديث عن السياق الأول
    ورد بشأن السياق الأول وهو سياق سؤال الحبر أو عصابة من اليهود للنبي صلى الله عليه أحاديث عن أنس عند البخاري وغيره، وثوبان عند مسلم، وابن عباس في مسند أحمد و العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني ومسند البزار، وعبد الله بن مسعود في مسند البزار.
    فقد روى البخاري ذلك السياق عن أنس بلفظ: ومِنْ أيِّ شَيءٍ يَنْزِعُ الوَلَدُ إلى أبِيهِ؟ ومِنْ أيِّ شَيءٍ يَنْزِعُ إلى أخْوَالِهِ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: خَبَّرَنِي بهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ، قالَ: فَقالَ عبدُ اللَّهِ: ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلَائِكَةِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَّا أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إلى المَغْرِبِ، وأَمَّا أوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وأَمَّا الشَّبَهُ في الوَلَدِ: فإنَّ الرَّجُلَ إذَا غَشِيَ المَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كانَ الشَّبَهُ له، وإذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كانَ الشَّبَهُ لَهَا. الحديث
    كما روى البزار عن ابن مسعود ذلك من طريقين وذكرهما ابن حجر في فتح الباري، فروى البزار عن ابن مسعود قَالَ: جَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا كَمَا تَذْكُرُ فَأَخْبِرْنَا مِنْ أَيْنَ الشَّبَهُ يُشْبِهُ الرَّجُلُ مَرَّةً أَعْمَامَهُ، وَمَرَّةً أَخْوَالَهُ، فَقَالَ: إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ أَبْيَضٌ غَلِيظٌ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ رَقِيقٌ فَأَيُّهُمَا عَلَا غَلَبَ الشَّبَهُ. وكذلك من طريق أخرى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الشَّبَهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ غَلَبَ الشَّبَهُ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ غَلَبَ الشَّبَهُ.
    بينما رواه مسلم بلفظ الإيناث والإذكار بدلا من الشبه عن ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: جِئْتُ أسْأَلُكَ عَنِ الوَلَدِ؟ قالَ: مَاءُ الرَّجُلِ أبْيَضُ، ومَاءُ المَرْأَةِ أصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمعا، فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ المَرْأَةِ، أذْكَرَا بإذْنِ اللهِ، وإذَا عَلَا مَنِيُّ المَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ، آنَثَا بإذْنِ اللهِ.
    أما حديث ابن عباس فقد روي من ثلاث طرق. أولها من طريق عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عنه قال: حضرت عصابة من اليهود – يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم – يوماً، فقالوا: يا أبا القاسم، حدثنا عن خلال نسألك عنهن، لا يعلمهن إلا نبي. قال: «سلوني». قالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن، أخبرنا كيف ماء المرأة من ماء الرجل؟ وكيف يكون الذكر منه؟ وكيف تكون الأنثى؟. قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، الذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا، كان له الولد والشبه. الحديث
    وشهر بن حوشب ضعفه غير واحد من العلماء فقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج بحديثه وقال ابن حجر العسقلاني: صدوق كثير الإرسال والأوهام. وقد حكم محققوا مسند الإمام أحمد وهم الشيخ شعيب الأرناؤوط وآخرون على هذا السند بالضعف.

    ثانيها من طريق عبد الله بن الوليد العجلي، عن بكير بن شهاب، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وفيها أقبلتْ يهودُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالوا يا أبا القاسمِ نسألُك عن أشياءَ إن أجَبْتنا فيها اتَّبعناك وصدَّقناك وآمنَّا بك قال فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيلُ على نفسِه قالوا اللهُ على ما نقولُ وكيلٌ قالوا أخبِرْنا عن علامةِ النبيِّ قال تنامُ عيناه ولا ينامُ قلبُه قالوا فأخبِرْنا كيف تُؤَنَّثُ المرأةُ وكيف تُذكَّرُ قال يلتقي الماءانِ فإن علا ماءُ المرأةِ ماءَ الرجلِ أُنِّثتْ وإن علا ماءُ الرجلِ ماءَ المرأةِ أُذكِرَتْ قالوا صدقتَ فأخبِرْنا عن الرَّعدِ ما هو قال الرعدُ ملَكٌ من الملائكةِ مُوكَّلٌ بالسَّحابِ بيدَيه أو في يدِه مِخراقٌ من نارٍ يزجرُ به السحابَ والصوتُ الذي يُسمعُ منه زَجْرُهُ السَّحابَ إذا زجَرَه حتى ينتهيَ إلى حيث أمرَه.
    وبكير بن شهاب قال عنه ابن أبي حاتم أنه شيخ ( يعني بذلك أنه لين لحديث) وقال ابن حجر : مقبول وقال الذهبي : صدوق لكنه قال في ميزان الاعتدال: وإن تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكراً
    وقد تفرد بكير بن شهاب برواية هذا الحديث عن سعيد بن جبير. وكونه ممن لا يقبل تفرده برواية فهذه الطريق أيضا ليست صحيحة. وقد حكم محققوا مسند الإمام أحمد على هذا السند بأنه منكر. وقالوا بنكارة جزئية الرعد ملك لتفرد بكير بن شهاب بها لكنهم قالوا أن الرواية عن ابن عباس تتقوى بالطريق الأخرى عن شهر بن حوشب دون جزئية الرعد ملك لأنها لم ترد في رواية شهر بن حوشب.
    فضلا عن ذلك فقد روى البخاري عن ابن عباس موقوفا من طريق حبيب بن سعيد جزئية أن الرعد ملك من الملائكة. فدل على أن ذلك من كلام ابن عباس لا كلام النبي.
    وكذلك روى ابن جرير من طريق حبيب بن سعيد جزئية أن إسرائيل أخذه عرق النسا وأنه حرم على نفسه لحوم الإبل موقوفا على ابن عباس. وحبيب من الحفاظ الأثبات وهو لاشك أوثق من بكير بن شهاب فالصواب في ذلك كله وقفه على ابن عباس وليس رفعه للنبي. (هناك دراسة مفصلة للشيخ حاكم المطيري حول تلك الأحاديث التي تذكر أن الرعد ملك)

    ثالثها ما رواه البزار من طريق مجاهد عن ابن عباس فقال: حدثنا السكن بن سعيد، قال: حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو، قال: حدثنا إبراهيم بن طهمان عن مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: أتى رسول الله عليه وسلم نفر من اليهود فقالوا: إن أخبرنا بما نسأله عنه فهو نبي فقالوا: من أين يكون الشبه يا محمد؟ قال: إن نطفة الرجل غليظة ونطفة المرأة صفراء رقيقة فأيهما غلب صاحبتها فالشبه له، وإن اجتمعا كان منها ومنه. قالوا: صدقت
    وهذه الرواية صححها الشيخ الألباني في صحيح الجامع عن ابن عباس (بالشواهد؟) دون جزئية: وإن اجتمعا كان منها ومنه. وقد رواها أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب العظمة.
    وبتقدير صحة هذه الطريق فهنا العلو أو الغلبة متعلقة بالشبه لا بجنس المولود كما هو الحال في الأحاديث الصحيحة الأخرى عند البخاري ومسلم.
    وقد ذهب أغلب العلماء إلى ثبوت لفظ الشبه ولفظ الإيناث والإذكار عن النبي صلى الله عليه وسلم. لكن ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن المحفوظ هو لفظ الشبه وأن لفظ الإيناث والإذكار في صحته نظر وقد نقل ذلك عنه ابن القيم في كتاب" الطرق الحكمية" في موضعين. وما ذهب إليه شيخ الإسلام فيما يبدو لي هو الصواب. فلفظ الإيناث والإذكار لم يرد بسند صحيح إلا عن ثوبان رضي الله عنه وهو يخالف عامة الأحاديث التي ذكرت تعلق العلو والسبق بالشبه وليس بالإيناث والإذكار. قال ابن القيم رحمه الله: سَمِعْتُ شَيْخَنَا (يعني ابن تيمية) - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: فِي صِحَّةِ هَذَا اللَّفْظِ نَظَرٌ. قُلْتُ: لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ الْمَحْفُوظَ فِي ذَلِكَ، إنَّمَا هُوَ تَأْثِيرُ سَبْقِ الْمَاءِ فِي الشَّبَهِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وقال : وَبِالْجُمْلَةِ: فَعَامَّةُ الْأَحَادِيثِ إنَّمَا هِيَ تَأْثِيرُ سَبْقِ الْمَاءِ وَعُلُوِّهِ فِي الشَّبَهِ، وَإِنَّمَا جَاءَ تَأْثِيرُ ذَلِكَ فِي الْإِذْكَارِ وَالْإِينَاثِ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ وَحْدَهُ، وَهُوَ فَرْدٌ بِإِسْنَادِهِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى الرَّاوِي فِيهِ الشَّبَهُ بِالْإِذْكَارِ وَالْإِينَاثِ. وتعلق السبق بالإيناث والإذكار يوجد لدى اليهود في كتبهم، وبهم قد يكون تأثر بعض الرواة. فقد ورد في التلمود أن الإيناث والإذكار متعلق بسبق أحد الماءين لكن على العكس مما ورد في حديث ثوبان. فقالوا أن الرجل إذا سبق ماؤه ( أي أنزل منيه أولا ) كان المولود أنثى وإذا سبق ماء المرأة ( أي أنزلت منيها أولا) كان المولود ذكرا. وهذا ظاهره أنهم يقصدون بماء المرأة الإفرازات المهبلية.
    وإثبات كلا اللفظين للنبي صلى الله عليه وسلم ظاهره أن الإناث يشبهون الأمهات والذكور يشبهون الآباء وهو خلاف المشاهد والمحسوس.
    لكن بعض العلماء أول ذلك بأن العلو يختلف في معناه عن السبق. فعلو ماء المرأة أو الرجل يكون منه الشبه، أما سبق أحد الماءين يكون منه الإيناث والإذكار أو العكس ( أي السبق متعلق بالشبه و العلو متعلق بالإيناث والإذكار). وهذا الكلام في صحته نظر لأن الأحاديث الصحيحة ورد بها لفظ العلو والسبق متعلقا بالشبه.

    العلاقة بين الاحتلام والشبه
    ثبت في الأحاديث الصحيحة عند البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ربط بين قدرة المرأة على أن تنزع الولد (بحيث يشبهها) و ظاهرة الاحتلام. وقد حاول الطاعنون تأويل ذلك بأن المقصود كونها تحتلم وينفصل منها ماء الاحتلام أن الشبه يكون من قبل ماء الاحتلام وأنه هو عينه الماء الذي يخلق منه الولد وفق تلك الأحاديث. وقد استدلوا على ذلك بأن هذا مافهمه أغلب أو كثير من العلماء من تلك الأحاديث.
    لكن ذلك ليس هو ظاهر تلك الأحاديث بحال من الأحوال. فالنساء لم تتعجب من كون المرأة ينفصل منها ماء عند الشهوة أو بلوغ النشوة. بل التعجب والسؤال كان عن الاحتلام بحد ذاته. والتعجب والسؤال دافعه إما أنهن ينكرن حقيقة ذلك لأنه ليس كل النساء يحتلمن ( الدرسات تترواح ما بين 40% من النساء في دراسة ألفرد كنزي و 85% من النساء في دراسة باربرا ل. ويلز) أو الحياء. وعلى كل فالنساء لا ينكرن أن هناك ماء ينفصل خارج البدن وقت الجماع ونحوه بوجه عام وبالتالي وقوع الشبه أحيانا للمرأة ليس تفريعا على أن للمرأة ماء ينفصل خارج البدن، بل ظاهر كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك تفريع على ظاهرة الاحتلام بحد ذاتها كما تقدم.
    وهذا إما يؤخذ على ظاهره أي أن كون المرأة تحتلم له علاقة بأن ولدها قد يشبهها وإما أن تعجب النساء يبطن معنى آخر فهمه النبي وأجاب عليه بقوله: فبم يشبهها ولدها.
    فإذا أخذنا بالظاهر فالاحتلام قد يكون علامة على قوة الشهوة وهناك دراسة منشورة في جريدة "سجلات السلوك الجنسي"* بتاريخ سبتمبر 2017 تربط بين بعض ملامح الوجه وقوة الشهوة بمعنى أن الذين لديهم شهوة قوية لهم ملامح وجع معينة تتعلق بأبعاد الوجه تتمثل في الميل نحو وجه أعرض وأكثر قصرا. وربما سبب ذلك هو وجود تشابك معقد جدا في وظائف الجينات وعلاقاتها ببعضها البعض على المستوى البنيوي والوظيفي بحيث تجد للجينات المسئولة عن الشهوة الجنسية ارتباط ما بتحديد ملامح الوجه.
    فإذا كان هناك رابط بين قوة الشهوة و ملامح الوجه فلا يبعد أن يكون لذلك علاقة أيضا بمدى سيادة الجينات المسئولة عن ملامح الوجه. بمعنى أن المرأة كلما قويت شهوتها (واحتلمت بالتبعية) كلما كانت فرصة أن يشبهها أولادها أكبر.
    وأما المعنى الذي قد يبطنه تعجب النساء ربما هو إنكار أن تكون النساء نظائر للرجال في الخلقة. فاستدل النبي بكون النساء قد ينزعن الولد بحيث يشبههن على أنهن نظيرات للرجال في الخلقة أو كما في الحديث "شقائق الرجال".

    *Arnocky, S., et al. (2017). The Facial Width-to-Height Ratio Predicts Sex Drive, Sociosexuality, and Intended Infidelity, Archives of Sexual Behavior DOI: 10.1007/s10508-017-1070-x

  2. افتراضي

    وبتقدير صحة الزيادات وأنها ليست من قبيل المدرج فدعوى أن الماء المنفصل خارج البدن يكون منه الشبه هو قول جميع العلماء مجرد زعم وإلا فمن نقل الإجماع بهذا الخصوص فلم ينقل عن السلف شيء بهذا الخصوص فيما أعلم. فاعتناء السلف إنما كان بالشيء الذي يوجب الغسل وليس أي ماء يكون منه الشبه.
    ومن قال بهذا من العلماء قد يكون قد قاله لأن لديه وجهة نظر مسبقة تلقاها من مصدر آخر كأهل الكتاب أو أطباء اليونان القدماء كأبقراط عندما ترجمت النصوص الإغريقية.
    فأبقراط كاليهود كان يظن أن نطفة المرأة قد تنفصل خارج البدن وقت الجماع وكان يقول أن المرأة تفرز منيها في الرحم وقت الجماع ثم قد ينفصل إلى الخارج عبر عنق الرحم.
    وظاهر الحديث أن المخاطبين في ذلك الموقف لم يعلموا أن للمرأة نطفة لا الذي ينفصل خارج الرحم ولا غيره.

    والنبي إنما أراد بقوله ذلك أن يوضح أن للمرأة نطفة يخلق منها الولد وهذا يفسر لماذا قد يشبهها ولدها.
    والنساء لم تتعجب من وجود ماء ينفصل خارج البدن عند الجماع ونحوه، وذكر رطوبة المهبل ولو بلفظ الماء ( كما في بعض الروايات) كشرط للغسل من الاحتلام يعتبر في سياق مختلف عن سياق الماء الذي يكون منه الشبه وإن اجتمع السياقان في مناسبة واحدة.
    لأن الماء الأول ذكره ردا على سؤال هل تغتسل من الاحتلام، بينما قوله ماء المرأة أصفر رقيق ذكره في سياق البرهان على أن المرأة لها نطفة وعليه قد تنزع الولد.
    فافتراض أنهما نفس الشيء هو تفريع على أن المخاطبين يظنون بالفعل أنهما نفس الشيء وهذا لا دليل عليه.

    ولفظ الماء يطلق على الرطوبة التي تجدها المرأة ويطلق على نطفة الرجل ويطلق على غير ذلك
    فكان طبيعا أن يستعيره لنطفة المرأة
    فهو يطلق على الأمرين من باب المشكك اللفظي
    ثم أنه ليس بالضرورة أن يكون هذا ما نطق به حرفيا
    لأن الرواية أحيانا تكون على المعنى
    ففي بعض طرق الحديث جاءت بلفظ فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه فقال فلتغتسل إذا رأت ذاك.

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء