حديث فقدت أمة من بني إسرائيل
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يُدْرَى مَا فَعَلَتْ، وَإِنِّي لاَ أُرَاهَا إِلَّا الفَأرَ، إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ، وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ.
يوجد بهذا الحديث بعض الإشكالات التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية
أولا: أن الفئران وجدت قبل بني إسرائيل لكن ظاهر الحديث أن تلك الأمة مسخت فئرانا وأن الفئران من نسلها
ثانيا: لا يصح إطلاق القول بأن الفئران لا تشرب ألبان الإبل لأنه خلاف المشاهد والمحسوس
ثالثا: هناك شيء من الغرابة في الاستدلال الوارد بالحديث. فعلى تقدير أن الفئران هي نسل تلك الأمة المفقودة فهل لازالت تلتزم بشريعة التوارة في عاداتها الغذائية؟
وهذا ما سنحاول الجواب عنه في السطور التالية
الخلفية التاريخية
لعل الخلفية التاريخية لهذا الحديث والتي تؤكد فقدان أمة من بني إسرائيل هو ما يعرف في تاريخ بني إسرائيل بأسباط إسرائيل العشرة المفقودة. فبعد وفاة سليمان عليه السلام وتولي ابنه رحبعام الحكم تمردت عليه القبائل العشر التي كانت تقطن في شمال فلسطين وهم جميع الأسباط باستثناء سبطي يهوذا وبنيامين وكونوا دويلة مستقلة وملكوا عليهم يربعام بن نباط وبذلك تفتت المملكة الموحدة إلى مملكتين واحدة في الشمال وتسمى إسرائيل وكانت عاصمتها السامرة وواحدة في الجنوب تسمى يهوذا وعاصمتها أورشاليم.
وكي يصرف رعاياه عن التوجه لبيت المقدس وتقديم القرابين هناك وما يمثله ذلك من تهديد لملكه خشية أن ينصرف ولاؤهم إلى ملك يهوذا فقد اتخذ يربعام لرعاياه أصناما عند أطراف مملكته وسد الطريق المؤدية إلى أورشاليم ودعى الناس إلى عبادة تلك الأصنام.
ثم إن تلك الدويلة الشمالية أمعنت في غيها وفسادها بمرور الأجيال وبلغ ذلك ذروته في عهد يربعام الثاني حتى أن الناس نصبوا مذابح على الجبال للآلهة الكنعانية بعل وعشتار وتمادوا في عبادة العجول الذهبية التي نصبها يربعام الأول ليصرف الناس عن بيت المقدس قائلا لهم أن تلك الأصنام هي التي أخرجتهم من مصر وخلصتهم من الاستعباد. وأرسل إليهم النبي عاموس ليحذرهم عاقبة أفعالهم تلك لكنهم لم يرتدعوا وهموا أن يبطشوا به لولا أن كفهم عنه الملك يربعام الثاني.
بعد ذلك قام الآشوريون بغزو مملكة إسرائيل الشمالية. ولأجل أن يظل في الحكم قام ملك إسرائيل وقتها مناحم بن جادي بفرض ضرائب باهظة على رعاياه لكي يدفع الجزية للآشوريين.
ثم شارك أحد ملوكهم في التمرد على الآشوريين ودعى مملكة يهوذا لتنضم إلى حركة التمرد إلا أن الدعوة قوبلت بالرفض فما كان منه إلا أن قام بغزو مملكة يهوذا بمساعدة حليفه ملك آرام دمشق وقتل أعداد كبيرة من سكانها. واستنجد ملك يهوذا آحاز بالملك الآشوري تغلث فلاسر الثالث فاتخذ ذلك ذريعة لغزو سوريا وألحق الهزيمة بملك آرام دمشق ثم توجه إلى مملكة إسرائيل واستطاع أن يجتاح جزءا منها وأن يضمه لملكه وهي المنطقة التي كان يقطنها سبطا نفتالي وزبولون وقام الملك الآشوري بسبي وتهجير تلك العشائر لكن لم يعرف موضعها ولا مصيرها بعد ذلك . ثم قام الملك الآشوري بتدبير محاولة انقلابية على ملك إسرائيل وقام بتنصيب ملك خاضع له على الجزء الخارج عن ملكه من مملكة إسرائيل وأصبحت مملكة إسرائيل مملكة تابعة. إلا أن الآشوريون قاموا بتهجير المزيد من الأسباط وهم رأوبين وجاد وجزء من منسى إلى المنطقة التي حول نهر الخابور في شمال شرق سوريا وتسبب ذلك في تمرد ملك إسرائيل وإعلان نفسه ملكا مستقلا وبالرغم من أنه فتح الطريق إلى بيت المقدس إلا أن الناس استمروا في عبادة الأصنام. نتيجة لذلك قام الملك الآشوري شلمنصر الخامس الذي خلف تغلث فلاسر الثالث بغزو ما تبقى من مملكة إسرائيل وتهجير بقية سكانها بعد حصار لعاصمتها السامرة وقام بتدميرها وإن كان المؤرخون يرون أن الوصف الوارد بالكتاب العبراني أو التناخ به قدر كبير من التهويل.
ويقدر إسرائيل فنكلشتاين عدد من تم تهجيرهم في فترة تغلث فلاسر و شلمنصر وسارجون الثاني بحوالي 40 ألف أي تقريبا خمس السكان فقط. كما أن العديد فر إلى أورشاليم والتي شهدت زيادة كبيرة في عدد سكانها ما دفع الملك حزقيا لبناء سور جديد وتوفير مصدر جديد للمياه. ويرى المؤرخون أن العشائر التي تم تهجيرها انصهرت في المجتمعات المحلية التي هُجِّرت إلى أراضيها وفقدت هويتها.
وورد في التلمود الأورشاليمي أن جزءا من الأسباط العشرة هُجّر إلى مارواء النهر السبتي بينما هجر جزء إلى دافني احدى ضواحي أنطاكية جنوب تركيا الحالية أما الجزء الثالث فقد هُجّر إلى حيث نزل السحاب وغشيهم وهو ما يوحي بأن مصيره مجهول
ويقول أحد النصوص المدراشية * الذي يعود للقرن التاسع الميلادي أن جزءا من الأسباط العشرة تم تهجيره إلى منطقة النهر السبتي (نهر سمباتيون) وجزء تم تهجيره إلى منطقة ما وراء النهر السبتي وجزء خسف بهم في ربلة (في الجانب السوري من الحدود مع لبنان).
والنهر السبتي او سمباتيون قيل أنه هو نهر الخابور وقيل غير ذلك ونقل المؤرخ الروماني بليني الأكبر أن النهر السبتي هذا يجري طوال أيام الأسبوع باستثناء السبت وقال أنه يوجد في مقاطعة يهوذا الرومانية شمال فلسطين بينما نقل المؤرخ اليهودي يوسيفوس أنه راكد طوال الأسبوع باستثناء السبت وعين له موضعا آخر في منطقة حمص إلى الشمال من لبنان وقيل أنه ما يعرف الآن بنبع الفوار وهي عين ماء تفيض بشكل متقطع.
روايات الحديث (خلاصة من مقال للشيخ صلاح الدين الإدلبي)
روى مسلم في صحيحه وأحمد في المسند وعبد الرزاق في المصنف من طريق (هشام بن حسان) عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أنه قال: “الفأرة مسخ، وآية ذلك أنه يُوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه، ويُوضع بين يديها لبن الإبل فلا تذوقه”. فقال له كعب: أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. فقال: أفأنزِلت علي التوراة؟
ورواه الإمام أحمد من طريق (أيوب السَخْتِياني) عن ابن سيرين عن أبي هريرة أنه قال: فقِد سبط من بني إسرائيل. وذكر الفأرة، فقال: ألا ترى أنك إذا أدنيت منها لبن الإبل لم تقربه، وإن قربتَ إليها لبن الغنم شربته؟. فقال: أكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قال: أفأقرأ التوراة؟.
بينما رواه البخاري وأحمد من طريق (خالد بن مهران الحذاء) عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه عند البخاري: “فـُقدتْ أمة من بني إسرائيل لا يُدرى ما فعلتْ، وإني لا أراها إلا الفأر، إذا وُضع لها ألبان الإبل لم تشرب، وإذا وُضع لها ألبان الشاء شربت. قال أبو هريرة: فحدثتُ كعبا، فقال: أنت سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقوله؟. قلت: نعم. قال لي مرارا، فقلت: أفأقرأ التوراة؟
ورواه أحمد من طريق (أشعث بن عبد الملك) عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أمة من الأمم فُقدت، فالله أعلم: الفأر هي أم لا؟، ألا ترى أنها إذا وضِع لها ألبان الإبل لم تطعَمه؟
وروى البزار من طريق "حماد بن سلمة" عن (أيوب السَخْتِياني وحبيب بن الشهيد وهشام بن حسان) عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “الفأرة يهودية، ألا ترون أنها لا تشرب ألبان الإبل”. ورواه أبو يعلى من طريق أخرى عن حماد بن سلمة عن (حبيب وهشام وأيوب) عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ، أحسبه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم: الفأرة يهودية، وإنها لا تشرب ألبان الإبل. أي في الرواية الثانية شك حماد بن سلمة في رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم.
والخلاصة أن الحديث روي عن أبي هريرة موقوفا من طريق أيوب السختياني وهشام بن حسان بينما روي مرفوعا من طريق أشعث بن عبد الملك وخالد الحذاء كلهم عن ابن سيرين. وتشكك حماد بن سلمة في رفع حديث "الفأرة يهودية" من طريق أيوب وهشام وحبيب.
قال أبو حاتم الرازي عن هشام بن حسان: كان صدوقا، وكان يتثبت في رفع الأحاديث عن محمد بن سيرين. وقال ابن حجر عنه: بصري ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين. وقال علي بن المديني في أيوب السَختِياني: أيوب أثبتُ في ابن سيرين من خالد الحذاء. وقال أبو حاتم عنه: هو أحب إلي في كل شيء من خالد الحذاء.
فهذا يدل على أن طريق أيوب وهشام أصح من طريق خالد وأشعث.
لكن يشكل على هذا أن البخاري روى الحديث مرفوعا أي أنه رجح أن الرواية مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد رواها من طريق خالد الحذاء كما تقدم. كذلك يشكل على ذلك أن الروايات الموقوفة ورد فيها سؤال كعب: : أكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قال: أفأقرأ التوراة؟
وقوله أفأقرأ التوارة هو استفهام استنكاري. أي من أين لي العلم بهذه الأمور وأنا لا أقرأ التوارة أي أنه سمع الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم. والتوارة هنا ليست بالضرورة الأسفار الخمسة ولا الشريعة بل أسفار اليهود بوجه عام فقد يشمل ذلك التناخ والتوارة الشفهية التي دونت في التلمود. ولذلك قد يكون ما سمعه هو مسألة فقدان الأمة من بني إسرائيل وليس تحريم الإبل وألبناها على اليهود.
ولذا لا مجال للقول بأن هذا كلام أبي هريرة ورفع خطأ للنبي. فلا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم ظن في وقت من الأوقات أن الأمة المفقودة هي الفأر. لكن قد يكون الاستدلال بعدم شرب الفئران لألبان الإبل هو من قول أبي هريرة وأن يقتصر ما سمعه أبو هريرة على ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة المفقودة هي الفأر كما توحي بذلك الروايات الموقوفة.


فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة المفقودة هي الفأر فقد قاله من باب الظن ولم يجزم بذلك فقال: لا أُرَاهَا إِلَّا الفَأرَ فهذا من قبيل رأيه في تأبير النخل بقوله: مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا.ثم قال: فإنِّي إنَّما ظنَنتُ ظنًّا ، فلا تؤاخِذوني بالظَّنِّ ، ولكن إذا حدَّثتُكم عَن اللهِ شيئًا فَخذوا بهِ ، فإنِّي لن أكذِبَ علَى اللهِ. وكذلك رأيه في الغيلة وهي وطء الحامل أو إرضاع الحامل لطفلها بقوله: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ ، حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلا يَضُرُّ أَوْلادَهُمْ.
ومن هذا القبيل أيضا حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِضَبٍّ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَقَالَ: لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ مِنَ الْقُرُونِ الَّتِي مُسِخَتْ.
وحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضٍ مَضَبَّةٍ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ -أَوْ: فَمَا تُفْتِينَا؟- قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ، فَلَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَنْهَ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَنْفَعُ بِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَإِنَّهُ لَطَعَامُ عَامَّةِ هَذِهِ الرِّعَاءِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي لَطَعِمْتُهُ، إِنَّمَا عَافَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: قالَ: يا أَعْرَابِيُّ، إنَّ اللَّهَ لَعَنَ -أَوْ غَضِبَ- علَى سِبْطٍ مِن بَنِي إسْرَائِيلَ فَمَسَخَهُمْ دَوَابَّ، يَدِبُّونَ في الأرْضِ، فلا أَدْرِي، لَعَلَّ هذا منها، فَلَسْتُ آكُلُهَا، وَلَا أَنْهَى عَنْهَا. فهنا ظن أن الأمة المفقودة ربما تكون هي الضب.


في المقابل فقد روى مسلم من طريق عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا –أَوْ: يُعَذِّبْ قَوْمًا- فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلًا، وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ. فهنا جزم بأن القوم الذين مسخوا ليس لهم نسل وهذا ينفي أن تكون الفئران وكذلك الضب و سائر الدواب هي الأمة المفقودة بعدما مسخت لأن الجميع يراها تتوالد.
وبهذا يرتفع الإشكال الأول.

وعلى تقدير أن الاستدلال بعدم شرب الفئران لألبان الإبل من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهل الفئران لا تشرب ألبان الإبل؟

الفئران البالغة لا تعالج اللاكتوز الذي قد يوجد بنسبة أعلى في ألبان الإبل بشكل جيد، والتي قد تصل إلى 5.8% مقارنة بالشاء والماعز فتصل إلى 4.9 و 4.4% على الترتيب، وذلك نتيجة لضعف نشاط إنزيم اللاكتيز وقد يترتب عليه اضطراب في المسار الهضمي نتيجة عدم امتصاص وتخمر اللاكتوز في أمعائها. وتوجد دراسة منشورة عن اختيار الفئران ونحوها من القوارض بين الماء ومحلول اللاكتوز بتركيزات مختلفة، فوجد أن الفئران لا تفضل محلول اللاكتوز على الماء لكنها فضلت الماء عليه عند التركيزات الأعلى من محلول اللاكتوز بينما فضلت محلول الجلوكوز والسكروز على الماء مطلقا.
وربما أدركت ذلك الفئران التي لوحظت بغريزتها أو بالتجربة ولذا عزفت عن ألبان الإبل مقارنة بالشاء. لكن لا يعني ذلك تعميم الملاحظة على جميع الفئران بل هي ظاهرة محدودة لها ملابساتها الخاصة. كذلك لا يخلو الأمر من خلط ألبان الإبل بأبوالها ( هذه هي الطريقة التي تشرب بها أبوال الإبل) بما تحويه من الأمونيا (وغير ذلك من المركبات)، والأمونيا يعرف عنها أنها طاردة للفئران. وكذلك لا يخلو من أن تتغذى الإبل على أعشاب وتفرز مكوناتها في ألبانها ويكون لها تأثير طارد للفئران مثل إكليل الجبل أو الروزماري. فالفئران لديها حاسة شم قوية جدا مقارنة بالآدميين ولديها حوالي 100 مليون خلية عصبية خاصة بحاسة الشم وتعتمد عليها في تحديد مكان ونوع الغذاء. والمقصود أنه قد يكون هناك تفسيرات كثيرة لعزوف تلك الفئران عن ألبان الإبل كظاهرة محدودة غير كونها تعزف عن ألبان الإبل بطبعها ولا يعمم ذلك على سائر الفئران.

هل الفئران يهودية؟
قد تقدم أن الأمة التي فقدت كانت قد انحرفت إلى عبادة الأوثان وفي الحديث أن الله غضب عليهم ولعنهم. فامتناعهم من ألبان الإبل ولحومها ليس التزاما بشريعة التوراة التي حرمت من الأنعام ما ليس له ظلف وهو الظفر المشقوق أو منفرج الأصابع. ولكن إن كانوا قد امتنعوا فهو من قبيل العادات الغذائية التي ورثوها عن آباهم. فالعامل الاجتماعي له دور مهم في تحديد العادات الغذائية للأفراد والناس عادة تتبع العادات الغذائية التي درجوا عليها ومن هذا الباب قول النبي في صحيح مسلم عن الضب: لَمْ يَكُنْ بأَرْضِ قَوْمِي فأجِدُنِي أَعَافُهُ.
لكن يلزم من ذلك أن العامل الاجتماعي أيضا له دور في تحديد العادات الغذائية للحيوانات وهذا بالفعل ما أشارت إليه الداراسات بما في ذلك الفئران. حيث لوحظ أن الفئران الساذجة تحاكي الأفراد البالغة في اختيارتها الغذائية بل إن الميل للمحاكاة قد يتغلب أحيانا على النفور الطبيعي من بعض الأغذية لدى الفئران كنوع. ولاحظوا أن الفئران الساذجة عندما تشتم رائحة الطعام من أبدان الفئران فضلا عن ثنائي كبريتيد الكربون الموجود في أنفاسها فإنها تبدي ميلا لاختيارتها الغذائية. وعلى هذا فلو كان صحيحا أن الفئران هي الأمة المفقودة فلا يوجد إشكال في أن ترث صغارها العادات الغذائية.
-------------------
المصادر


Jerusalem Talmud, Sanhedrin 10:5


Pesikta Rabbati 31; Yalkut Shimoni, Isaiah 469


Singh, R., Mal, G., Kumar, D. et al. Camel Milk: An Important Natural Adjuvant. Agric Res 6, 327–340 (2017)
David DiBattista, Voluntary lactose ingestion in gerbils, rats, mice, and golden hamsters, Physiology & Behavior, Volume 52, Issue 1, 1992, Pages 59-63


Bennett G. Galef, Kevin N. Laland, Social Learning in Animals: Empirical Studies and Theoretical Models, BioScience, Volume 55, Issue 6, June 2005, Pages 489–499