النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: مسائل في سورة يوسف

  1. افتراضي مسائل في سورة يوسف

    مسائل في سورة يوسف
    المسألة الأولى: التنبؤ بالمستقبل من خلال الرؤى.
    العلم التجريبي لا ينفي إمكانية التنبؤ بأحداث مستقبلية من خلال الرؤى. فقط لا يوجد دليل "تجريبي"( كاف على الأقل) على إمكانية التبنؤ من خلال الرؤى. فلا يوجد دليل على أنه لا علاقة بين الرؤى والأحداث المستقبلية. وإلا فأحد المختصين نشر دراسة في جريدة "الشخصية وعلم النفس الاجتماعي" وهو أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة كورنيل "داريل بم" Daryl Bem تقول بأن هناك دليل إحصائي على علاقة الرؤى بأحداث مستقبلية، بمعنى أن الاتفاق بين الرؤى والأحداث المستقبلية ليس بالضرورة من قبيل المصادفة. لكن بطبيعة الحال تعرضت الدارسة بل و الجريدة نفسها بالرغم من أنها جريدة مرموقة لانتقادات شديدة، بالأساس لأن الدراسة تصادم المفاهيم السائدة المتجذرة.
    والرؤيا الصادقة ليست من خواص الأنبياء ولا الصالحين لكن كلما كان المؤمن أكثر صدقا في حديثه كلما كلما كانت رؤياه أصدق كما في الحديث: إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً. وفي رواية: ورُؤْيا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِن سِتَّةٍ وأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وما كانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فإنَّه لا يَكْذِبُ.
    المسألة الثانية: تحذير يعقوب ليوسف عليهما السلام من أن يقصص رؤياه على إخوته من الممكن أن يقيم حاجزا نفسيا من الريبة والخوف لدى يوسف تجاه إخوته.
    إذا قص رؤياه على إخوته لا يلزم من ذلك أن يسلموا أن الرؤيا حق لكن على الأقل سيفهموا من ذلك أن نفسه تحدثه بأن له فضل عليهم. فهذا سيوغر صدورهم التي ملئت بالفعل حقدا عليه لظنهم أنه أحب إلى أبيهم منهم جميعا بصرف النظر لماذا ظنوا ذلك. لكن يعقوب كان يعلم ذلك عنهم.
    وقد كان يعقوب أشد اعتناءا به وأخيه بنيامين لوفاة أمهما "راحيل" بعد ولادة بنايمين شقيق يوسف فكانا لا يزالان صغيران عندما ماتت أمهما كما ورد في التوراة . وربما لحسن خلق يوسف وجمال طبعه لم يملك يعقوب إلا أن تكون له مكانة خاصة في قلبه وليس معنى ذلك أن يعقوب لم يكن يعدل بينهم في المعاملة. فالطبيعى أن يرشد يوسف لئلا يقص رؤياه على إخواته كي لا يوغر صدورهم أكثر عليه. وبالرغم من أنه لم يقصص رؤياه فقد كادوا له على أي حال لشدة حقدهم عليه.
    المسألة الثالثة: كيف اتفق الإخوة أن يلقوا يوسف فى الجب وكأنهم على يقين كامل بنجاح خطتهم رغم أن الاحتمال الأرجح أن يحكي يوسف للناس ما حدث من إخوته فيعيدوه إلى أهله.
    قوله تعالى عن السيارة: وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً. أي أنهم أخفوا أمره عن بقية القافلة كي لا ينتشر خبره ويطلبه أحد لأنهم طمعوا أن يبيعوه كرقيق. وبالتالى مهما أخبرهم عن حاله فلا فائدة من ذلك. و لما التقط السيارة يوسف من الجب جاء أخوة يوسف للسيارة وزعموا أنه عبد آبق منهم وطلبوا ثمنه فباعوه بثمن بخس لأن غرضهم أن يخفوه عن أبيه. ولم يتكلم يوسف خشية أن يقتله إخوته إن هو فضح أمرهم وعاد إليهم وعلى كل حال لم يكن السيارة ليأهبوا لقوله لطمعهم في بيعه.
    المسألة الرابعة: هل الذئب قد يأكل آدميا، وهل انطلت دعواهم على يعقوب.
    بعد أن أقنعهم واحد منهم بالعدول عن قتله رأوا في إلقائه في الجب حلا وسطا ولاشك أنه كان في قفرة بعيدة وليس في الباحة الخلفية لمنزل أبيه. وفعلوا ذلك كي يسترقه من يجده من المارة عندما يلجأون للبئر كما أنهم مكثوا يراقبون الوضع كما تقدم.
    وحجتهم غير مقنعة ولذلك لم يقتنع بها يعقوب لكنه كان على قناعة أنهم غيبوه بطريقة أو بأخرى بحيث لا يصل إليه (أما كونه بحث أو لم يبحث عنه فهذا لم يتعرض له القرآن). لكن الذئب قد يلتهم الآدمي لاسيما إن كان طفلا وهناك حالات مسجلة وتعرف في الهند بظاهرة "حمل الأطفال" أو child lifting حيث يأتي الذئب على حين غفلة ويختطف طفلا وأحيانا قد يبتعد بفريسته إلى مسافة تصل إلى 2.5 كيومترا عن موقع الهجوم. ولكن هذا يعتمد على نوع الهجوم لأنهم يصنفون هجوم الذئاب إلى أنواع منها ما هو بدافع الافتراس (وهذا الذي قد يتلهم خلاله الضحية) ومنها ما هو لدوافع أخرى مثل الإصابة بالسعار ونحو ذلك. راجع مقال wolf attack من ويكيبيديا
    المسألة الخامسة: حُسن يوسف وافتتان النساء به.
    يوسف كان يثير دهشة النساء بحسنه قبل وبعد مراودة امرأة العزيز له لأنه كما في الحديث: اُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ. لكن ليس كل النساء لديهن الجرأة على ما جرأت عليه امرأة العزيز فقد كانت امرأة مترفة مما يمكن أن نصفه بالطبقة الأرستقراطية في المجتمع المصري وقتها.
    رؤية القرآن للترف والمترفين هي رؤية سلبية بوجه عام.
    فهم الذين جروا على أقوامهم الهلاك والدمار بفسقهم عن الأمر الإلهي. قال تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا.
    وهم الذين يتزعمون مناوأة الرسل. قال تعالى: وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍۢ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ.
    وامرأة العزيز وهؤلاء النسوة كن ينتمين لتلك الطبقة الاجتماعية.
    والمترفون هم كبراء القوم وسادتهم المتوسعون في ملاذ الحياة وشهواتها وأبطرتهم النعمة.
    وامرأة العزيز أنكرت أمامه لخشيتها من أن يوقع بها العقاب جزاء خيانتها له.
    لكنها عاودت يوسف في مراودته عن نفسه من وراء ظهره وتبجحت بذلك أمام النسوة لمعرفتها بافتتانهن به ورغبتهن في مراودته أيضا.
    واجتراء امرأة العزيز والنسوة كما تقدم لا يقاس عليه سائر النساء. لاسيما وأن يوسف كان مملوكا لها وترى أن لها مطلق التصرف فيه، شيء من قبيل تجربة سجن ستانفورد. وهي عندما يشعر المرء أن له سلطة مطلقة أو مطلق التصرف في غيره يبدأ في إساءة معاملته.
    ولذلك هددته بالسجن والصغار إن لم يجبها لما تريد.
    ورأى العزيز أن يسجنه حفظا لماء الوجه لما تفلت الخبر إلى خارج القصر بالرغم من أن القرائن، كحسن سيرته واستقامة سلوكه فيما مضى فضلا عن جزئية قطع القميص من الخلف، دلت على براءته.
    المسألة السادسة: غياب الحديث عن أم يوسف في الرواية القرآنية.
    في وجهة نظري لا شيء يفسر غياب ذكرها إلا في آخر القصة سوى أن والدته كانت غائبة عن المشهد أصلا لوفاتها كما ورد في التوارة. ولا بأس بالأخذ بما ورد في التوارة مالم يعارض النص أو يصادم حقا نعلمه لحديث النبي عند البخاري: بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً، وَحَدِّثُوا عن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ. الحديث
    والتي أشير إليها مع يعقوب بلفظ "أبويه" يغلب على الظن أنها خالته "ليئة" الأخت الكبرى لراحيل والدته و زوجة أبيه (كان من المباح وقتها الجمع بين الأختين)
    وإطلاق لفظ أبويه على أبيه وخالته يجوز لغة كما يجوز إطلاق لفظ الآباء على الأعمام، ومن هذا الباب قوله تعالى على لسان الأسباط: نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
    المسألة السابعة: حينما رأى النسوة يوسف قلن (حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيم) وحينما استدعى الملك النسوة اللاتى قطعن أيديهن وسألهن عن يوسف فقلن (حاش لله ما علمنا عليه من سوء)
    فما هذه اللغة الإيمانية الإسلامية على لسان من يعبدون الأصنام والملوك؟
    الفترة المفترضة لوجود يوسف في مصر هي فترة حكم الهكسوس الذين حكموا في مصر السفلى بالتزامن مع حكام مصر العليا (الأسرتان ١٦ و ١٧ وكان مقرهم طيبة). وكانت عاصمتهم أفاريس أو "تل الضبعة" حاليا. وكونوا ما يعرف بالأسرة الخامسة عشر ما بين عامي ١٦٥٠ و١٥٥٠ قبل الميلاد. والهكسوس هم جماعات من غرب آسيا يعرفون بالكنعانيين.
    فديانة الهكسوس هي ديانة الكنعانيين. وكانوا يعبدون "بعل" إله الطقس والخصب كما يتضح من النقوش على التمائم أو الأختام التي تعود إلى حقبتهم وعثر عليها في تل الضبعة.
    كانت ديانة الكنعانيين من النوع الذي يعرف بالهينوثية أو الوحدانية المشوبة حيث كانت الآلهة لديهم تتفاوت في رتبتها. ففي الرتبة الأولى الرب الأعلى أو الخالق وربما صاحبته أيضا ( عبد الكنعانيون عشيرة كما كان يفعل العرب في الجاهلية أيضا ونسبوا لله الصاحبة ويسمونها اللات. وقد عبدت اللات أيضا من قبل الأنباط كما عبدت في تدمر والحضر وورد أسمها في الكتابات العربية الجنوبية و الصفائية). وكانوا يسمونه El إيل وهي كلمة سامية تعني الإله. وقد ورد هذا اللفظ في التوراة في الإشارة إلى الله.
    ويقابله في العربية "الإل" والذي يعنى الإله.
    قال ابن جرير: وَذَلِكَ أَنَّ الإِلُّ بِلِسَانِ الْعَرَبِ اللَّهُ كَمَا قَالَ : {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلاَ ذِمَّةً} فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : الإِلُّ : هُوَ اللَّهُ . وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِوَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ حِينَ سَأَلَهُمْ عَمَّا كَانَ مُسَيْلِمَةُ يَقُولُ ، فَأَخْبَرُوهُ ، فَقَالَ لَهُمْ : وَيْحَكُمْ أَيْنَ ذُهِبَ بِكُمْ وَاللَّهِ ، إِنَّ هَذَا الْكَلاَمَ مَا خَرَجَ مِنْ إِلٍّ وَلاَ بِرٍّ . يَعْنِي مِنْ إِلٍّ : مِنَ اللَّهِ.
    ثم يأتي في الرتبة الثانية الآلهة التي تتحكم في ظواهر الطبيعة مثل بعل.
    ثم في الرتبة الثالثة الآلهة التي تتحكم في تفاصيل الحياة اليومية للبشر. ثم في الرتبة الرابعة الرسل وهم الملائكة أو الواسطة بين الإله والعالم وفي العبرانية يطلق عليهم لفظ ملْأخ/يم والتي تعني حرفيا رسول.
    لكن في ديانة العبرانيين لم يكن هناك وجود للرتبتين الثانية والثالثة. فقط الرب الأعلى والملائكة مع اعتبار الملائكة مجرد مخلوقات ماورائية خاضعة للرب الأعلى.
    وبالتالي قول النسوة أن يوسف ملاك أو كالملاك لا غرابة فيه.
    وكذلك قولهن حاش لله، ومعناه تنزه الله، هو تنزيه للرب الأعلى أو الصانع الذي كانوا يثبتونه وإن جعلوا له شركاء كما كان حال العرب في الجاهلية، وكما قال يوسف عليه السلام:
    أأرباب متفرقون خير أم اللّه الواحد القهار. ما تعبدون من دونه إلا أسماءا سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان.
    وكلام امرأة العزيز لدى اعترافها إنما كان بعد أن تابت من الشرك واستقر في قلبها عقيدة يوسف عليه السلام والتي لا شك أنه كان يدعو إليها قبل وبعد سجنه كما في قوله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكٍّۢ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعْدِهِۦ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ.
    بخصوص طبيعة ديانة الكنعانيين والعبرانيين راجع:
    Noll, K.. (2006). Canaanite Religion. Religion Compass. 1. 61 - 92. 10.1111/j.1749-8171.2006.00010.x.
    والخلاف حول الفترة المفترضة لوجود يوسف في مصر مرتبط بالفترة المفترضة للخروج من مصر.
    يقول "ناحوم سارنا" هناك وجهتان للنظر أولاهما أن الخروج حدث حوالي عام 1440 قبل الميلاد وهذا استنادا إلى أن سفر الملوك الأول يقول بأن سليمان شرع في بناء الهيكل بعد 480 عاما من الخروج والراجح أن سليمان تولى زمام الحكم حوالي 960 قبل الميلاد.
    لكن هذا التاريخ يثير إشكاليات أولاها أن هذه الفترة في القرن الخامس عشر قبل الميلاد هي فترة حكم الفرعون تحتمس الثالث وابنه أمنحوتب الثاني وإبان فترة حكم هذين الملكين القويين كانت كنعان (فلسطين) تحت سيطرة مصر وقد قاما بالعديد من الحملات العسكرية في تلك المنطقة. فضلا عن ذلك سفر يشوع لم يأت على ذكر مصر والمصريين مطلقا في غضون غزو كنعان. ثانيهما أن هذا التاريخ يتعارض مع الدلائل الأثرية. فأبكر الدلائل على استيطان الإسرائليين في منطقة الهضاب المركزية في كنعان (وهي المنطقة التي يشير سفر يشوع إلى استيطان الإسرائليين فيها) يعود للعام 1200 قبل الميلاد بالتزامن مع نهاية العصر البرونزي المتأخر وبداية العصر الحديدي حيث شهدت تلك المنطقة تحولات كبرى في صورة مستوطنين جدد بأعداد كبيرة وظهور قرى على قمم التلال وعملية إزلة للغابات واسعة النطاق وتحويل المنحدرات لمصاطب أو مدرجات صالحة للزراعة لاستيعاب حاجة المستوطنين الجدد وإنشاء خزانات بطول منطقة الهضاب المركزية وعرضها تميزت ببطانة من الجص الجيري لمنع تسرب المياه. مع الأخذ في الاعتبار فترة التيه وهي 40 عاما فهذا يجعل الخروج في حدود 1240 قبل الميلاد. في المقابل في القرن الثالث عشر ق. م. حين اضمحلت السيطرة المصرية على كنعان فغياب الوجود العسكري لمصر في كنعان إبان الغزو الإسرائيلي يمكن استيعابه. فبحلول العام 1200 قبل الميلاد انقضت فترة حكم الأسرة 19 في ظل حالة من الفوضى.
    فضلا عن ذلك هناك مدينة بناها الإسرائليون بتسخير من فرعون أطلق عليها إسم مدينة رعمسيس كما في سفر الخروج وهذا يتوافق مع الحقيقة التاريخية المتعلقة ببناء رمسيس الثاني مدينة في موضع أفاريس عاصمة الهكسوس (منطقة تل الضبعة) والتي تسمى بيت رمسيس. فضلا عن ذلك فالمنطقة التي أسكن فيها يوسف أبويه وإخوته سميت أرض رعمسيس في سفر التكوين (ربما بأثر رجعي من قبل كتاب العهد القديم) ما يشى بأنها هي عينها عاصمة الهكسوس أفاريس (تل الضبعة).
    وهذه الرؤية يعتنقها أغلب المؤرخين ( خلا المنكرين لتاريخية الخروج ومكث بني إسرائيل في مصر) ويرون أن ما ورد في سفر الملوك عن الفترة بين الخروج وبناء الهيكل الأول ألا وهي 480 عاما وهي أيضا الفترة بين الشروع في بناء الهيكل الأول و نهاية السبي البابلي وكأن الكاتب غرضه أن يجعل الهيكل في المركز من التاريخ الكتابي، وأن الرقم 480 هو رقم رمزي وليس رقما حرفيا ( عبارة عن 12 جيلا كل جيل 40 عاما وهو رقم تقليدي في الكتاب المقدس فعلي سبيل المثال فترة التيه وفترة حكم داود و فترة حكم سليمان و مدة بقاء الكاهن الأكبر إيلي في منصب الكهانة كلها كانت 40 عاما)
    فإذا أخذنا بهذا الرأي فالحقبة التي وقعت فيها حادثة الخروج هي القرن 13 قبل الميلاد (حوالي 1240 قبل الميلاد). وإذا علمنا أن فترة مكث بني إسرائيل في مصر كما نص على ذلك سفر التكوين هي 400 عاما فتاريخ دخولهم إلى مصر هو حولي العام 1640 قبل الميلاد وهو ما يتزامن مع فترة حكم الهكسوس.
    راجع:
    Israel in Egypt: The Egyptian Sojourn and the Exodus
    By Nahum M. Sarna in Ancient Israel: From Abraham to the Roman Destruction of the Temple
    أما بالنسبة للوح مرنبتاح (مرنبتاح ابن رمسيس الثاني) والذي يعتقد أنه فرعون الخروج فإذا قبلنا القراءة التي تقول بأن الشعب المذكور في اللوح هو شعب إسرائيل فقد يكون ذلك إشارة إلى الصدام الذي حصل بين المصريين وبني إسرائيل لدى عودة موسى حيث قال أعوان فرعون : اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَال. ولفظ "البذور" prt الوارد في اللوح من الواضح أنه يشير للذرية حيث يقول السطر 27: شعب "إسرائيل" دمر ولم يعد له بذور. وقد ورد في قاموس dictionary of middle egyptian 159 أن الكلمة prt التي تشير للبذور في النص هي بمعنى الذرية وذكر ذلك في سياق الحملة على مدن كنعان لأنهم شعب كنعاني بالأساس. واللفظ الدال على إسرائيل يدل على أنهم شعب وليس مدينة كألفاظ الأسماء الأخرى الواردة بالنص الدالة على مدن. ومسألة طول فترة حكم فرعون يمكن تجاوزها بالقول أن فرعون الذي التقط موسى من اليم غير فرعون الخروج (كما تدل على ذلك التوراة) فيكون الأول مثلا مات في فترة وجود موسى في أهل مدين. لأن فرعون لقب وليس اسم شخص بعينه.
    الحملة المذكورة في اللوح شملت عدة مدن كنعانية لكن اللوح لا يتحدث فقط عن ذلك بل شملت أيضا صراع مع الحثيين في الأناضول و منطقة Hurru في سوريا فضلا عن الصراع مع الليبيين في الغرب.
    والتعامل مع التهديد الليبي والمذكور في اللوح كان في الداخل المصري. فالمعركة المذكورة ضد الليبيين كانت ضد تحالف من القبائل الليبية وشعوب البحر حيث قامو بغزو الأراضي المصرية واستولوا على واحة سيوة وواصلوا تقدمهم نحو الدلتا لكن مرنبتاح استطاع إلحاق الهزيمة بهم في معركة دارات رحاها على الجانب الغربي من الدلتا حيث قتل 6 آلاف وأسر 9 آلاف محارب منهم. فكون شعب إسرائيل المذكور في الداخل المصري ليس أمرا مستبعدا تماما. (هذا إذا افترضنا أن ysrỉꜣr الواردة في اللوح هي يسرائيل أو إسرائيل).
    ووفق هذا التصور يوجد فرعونان. الأول هو الذي التقط موسى وزوجته آسية وهو الذي يعرف بفرعون الاضطهاد وهو رمسيس الثاني وفق هذه الرؤية. وفرعون الخروج وهو مرنبتاح وفق نفس الرؤية. وعلى هذا يكون فرار موسى في عهد رمسيس وعودته من مدين بعد أن قضى فيها ١٠ سنوات في عهد مرنبتاح. ودعوة موسى فضلا عن كونها دعوة إلى إفراد الله بالربوبية والألوهية فقد كانت دعوة تحرر من الاستعباد. فلا شك أن فرعون وملأه رأوا في دعوته تلك حركة تمرد بحاجة إلى القمع. ولذا قال ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد. ولاشك أنه أراد أن يروج للقمع بتصوريه في صورة عمل بطولي.
    ومما يؤيد أن الخروج كان في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ذِكْرُ القرآن أن الله أخذ آل فرعون بسنوات جدب ونقص من الثمرات كما في قوله تعالى في سورة الأعراف: وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. وبحسب الدراسة التي قام بها عالم الآثار إسرائيل فنكلتشتاين وآخرون (وهو من المنكرين لتاريخية الرواية التوراتية) فقد تعرضت منطقة شرق المتوسط بين عامي 1250 و 1100 إلى نوبات شديدة من الجدب أدت في نهاية المطاف إلى انهيار حضارة العصر البرونزي في المنطقة ويشمل ذلك مملكة الحثيين في الأناضول والدولة الحديثة في مصر والثقافة الموكيانية في اليونان و المركز التجاري في أوغاريت على الساحل السوري والدويلات الكنعانية التي كانت خاضعة للسيطرة المصرية ليحل محلها فيما بعد ممالك إقليمية مثل مملكة إسرائيل ويهوذا في كنعان. واعتمدت تلك الدراسة على فحص حبوب اللقاح من عينات حصلوا عليها من قاع بحر الجليل. وقد لاحظ الباحثون انخفاضا حادا في أشجار البلوط والصنوبر والخروب حوالي العام 1250 قبل الميلاد. كما لاحظوا زيادة في أنواع النباتات التي تنمو في البيئة الصحراوية شبه القاحلة. وقد لاحظوا أيضا انخفاضا في أشجار الزيتون مما يشى بأن الزراعة كانت آخذة في الإضمحلال. وعندما قورنت بيانات دراسة حبوب اللقاح في كل من الأناضول وقبرص وسوريا ودلتا النيل بمصر أشارات تلك الدراسات الجديدة أن ذلك التغير المناخي شمل منطقة شرق المتوسط في أواخر العصر البرونزي. وقد جاءات التواريخ التي حصل عليها الباحثون لذلك التغير المناخي من خلال دراسة حبوب اللقاح منسجمة مع السجلات التاريخية القليلة الباقية من تلك الحقبة التي تذكر انخفاضا في الغلال وانهيار طرق التجارة وحالات الشغب والعصيان المدني وعمليات سلب ونهب المدن عندما بدأ الناس يتصارعون على الموارد المتضائلة. كما شهدت تلك الفترة أيضا ظهور ما يعرف بشعوب البحر التي أخذت تهاجم المدن الساحلية في شرق المتوسط. ( مثال على ذلك تحالف الليبيين وشعوب البحر الذي قام بمهاجمة مصر وتصدى له مرنبتاح) والدراسة التي قام بها فنكلشتاين هي بعنوان:
    Climate and the Late Bronze Collapse: New Evidence from the Southern Levant
    المسألة الثامنة: أن يوسف ظل فى مصر مدة طويلة دون يرسل إلى أبويه يطمئنهما عليه.
    يعقوب كان مثل يوسف مؤمنا بتحقق رؤياه. لكن الله اختبر صبر يعقوب بطول مدة الفراق كما اختبر يوسف بالاسترقاق و كيد النسوة والسجن لأنه بعد المحنة تأتى المنحة.
    فيعقوب يعلم أن يوسف سيكون له شأن وأنه لن يموت قبل أن يسجد له هو إخوته تعظيما لشأنه. فهو كان على يقين باجتماع الشمل وأنه لا يزال على قيد الحياة. ولذا قال يعقوب: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. أي أعلم أن الرؤيا ستتححق و أعلم حتمية التئام الشمل مرة أخرى. ولذلك قال يعقوب: عسى الله أن يأتينى بهم جميعا. وقال: يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله.
    في المقابل: فقد أوحى الله ليوسف بتفاصيل المشهد الذي وقع بينه وبين إخوته لما دخلوا عليه فعرفهم دون أن يتعرفوا عليه وهو لا يزال في الجب ( والذي قد يكون من الرؤيا الصالحة أيضا) فقال تعالى: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. " أى : لتخبرنهم فى الوقت الذى يشاؤه الله - تعالى - فى مستقبل الأيام ، بما فعلوه معك فى صغرك من إلقائك فى الجب ، ومن إنجاء الله - لك. وجملة ( وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ) حالية ، أى : والحال أنهم لا يحسون ولا يشعرون فى ذلك الوقت الذى تخبرهم فيه بأمرهم هذا ، بأنك أنت يوسف . لاعتقادهم أنك قد هلكت ولطول المدة التى حصل فيها الفراق بينك وبينهم ، ولتباين حالك وحالهم فى ذلك الوقت (التفسير الوسيط).
    فيوسف يعلم أن أباه يعلم أنه لا يزال على قيد الحياة فهو ليس بحاجة لإخباره. ويعلم أن اللقاء لن يكون مهما حاول حتى يكون ما سبق وأن أوحى الله إليه به أنه يكون من تمكينه في الأرض ومجيء إخوته ودخولهم عليه وهم له منكرون لأن قضاء الله نافذ.
    والهدف من عدم إخبارهم في بداية الأمر لما دخلوا عليه ليس أن يشعروا ويقروا بالفضل بل غرضه أن يعاقبهم على ما فعلوه به. فلو أخبرهم لدى دخولهم عليه أول مرة أنه أخوهم فهذه في الحقيقة مكافأة لهم!
    كان لابد أن يعنتهم كل ذلك العنت ويوقعهم في ذلك الضيق عقوبة لهم على مافعلوه. ولم يكن هناك مجال لتلك العقوبة إلا بإطالة أمد الفراق بينه وبين أبيه لفترة قصيرة والتي ترددوا فيها على مصر وعادوا منها حتى أخبرهم بأنه أخوهم. ولأن أخوه الصغير لا ذنب له فيما فعلوه عجّل بأخذه إليه بالحيلة التي ذكرها القرآن.
    المسألة التاسعة: لماذا صدق الملك تأويل يوسف للرؤيا.
    تهيب الملأ من تفسير رؤياه لأنهم خافوا من عاقبة ذلك. لأنه إذا اتضح زيف تأويلهم للرؤيا قد يعاقبهم على ذلك.
    أما قبوله لتأويل يوسف ليس معناه أنه كان متيقنا منه لكنه أخبره أن أمامه سبع سنوات خصب تزرعون فيهن بجد فما تحصدونه ذروه في سنبله وادخروه إلا القليل الضروري اللازم لطعامكم لأن خلفهن سبع سنوات قحط.
    فما الذي سيخسره الملك إن احتاط وعمل بتلك النصيحة؟ ترشيد الاستهلاك لسبع سنوات؟ والعمل بجد لسبع سنوات؟ فضلا عن ذلك ما شجعه على العمل بتأويل يوسف ونصيحته أن يوسف نجح من قبل في تأويل رؤيا صاحبي السجن ولذلك قال للناجي أذكرني عند الملك أي أخبره عني عندما تخرج من السجن لكن الناجي نسي ذلك الأمر ولم يتذكر إلا لدى سماعه برؤيا الملك وقد كان يعمل كحامل كأس الملك كما تنبأ يوسف له وهو في السجن.
    المسألة العاشرة: الحاجة التي في نفس يعقوب مبهمة فلماذا أشار إليها القرآن.
    الحاجة التي في نفس يعقوب مبهمة لأن القرآن غير معني بها.
    فبصرف النظر هل خاف عليهم الحسد أو خاف أن يثيروا الريبة والتوجس في ظل الجدب حيث من الممكن أن يظن الحرس عند أبواب المدينة أنهم قدموا للسرقة إذا لفتوا الأنظار باجتماعهم أو غير ذلك.
    ما أراد القرآن أن يؤكد عليه هو أن مهما اتخذ من تدابير فإن قضاء الله نافذ ولو أراد الله بهم سوءا ما كانت تدابير يعقوب لتغني عنهم.
    نعم لا بأس من اتخاذ التدابير والاحتياطات بل هو أمر يرغب القرآن فيه كون ذلك من فعل يعقوب وهو نبي ولم ينكره عليه القرآن لكن يجب أن يعتقد المؤمن أنه مع اتخاذ التدابير أن قضاء الله نافذ.
    المسألة الحادية عشر: لماذا ترك القمح في سنبله.
    تخزين القمح في السنابل بحسب الدراسة التي نشرها باحثون أتراك في جريدة صادرة عن " معهد علوم وتقنية الغذاء" البريطاني له ميزة في حالة طول مدة التخزين وكذلك التخزين في غير الظروف المثالية من الحرارة والرطوبة وهو أمر متوقع في ذلك الزمان حيث لم تكن هناك صوامع حديثة مجهزة بآليات تحكم في الحرارة والرطوبة.
    والدراسة بعنوان:
    A comparison of the functional characteristics of wheat stored as grain with wheat stored in spike form

  2. افتراضي

    المسألة الحادية عشر: كيف عرفت امرأة العزيز أن النسوة سيقطعن أيديهن لدى رؤيتهن يوسف عليه السلام؟
    ليس في القرآن انها علمت بذلك مسبقا لكن ما حصل هو أنها دعتهن وأعدت لهن متكأ وهو المجلس المعد ، فيه مفارش ومخاد وطعام ، فيه ما يقطع بالسكاكين من أترج ونحوه كما قال غير وحد من أهل العلم. ثم أمرته بالخروج عليهن وربما توقعت أن يذهلن عما في أيديهن من الطعام فيقع وتنكسر الأطباق أو نحو ذلك فيكون دليلا على شدة افتتانهن به. لكن ما اتفق وأن حدث هو أنهن قطعن أيديهن بالسكاكين (أي جرحن أيديهن وليس المقصود أن الأيادي بترت) من شدة ذهولن. ولتعلق الموقف بالسكاكين وجرح الأيدي بها فقد ذكر القرآن جزئية إعطائهن السكاكين لكن في نفس الأمر هي لم تعطهن السكاكين فحسب بل أعطتهن طعاما في آنية وسكاكين ليقطعن بها الطعام والفاكهة وليس ليقطعن أيديهن.

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء