النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قراءة مقارنة لقصة موسى عليه السلام في القرآن وأسفار اليهود

  1. افتراضي قراءة مقارنة لقصة موسى عليه السلام في القرآن وأسفار اليهود

    قراءة مقارنة لقصة موسى عليه السلام في القرآن وأسفار اليهود
    تبدأ الرواية التوارتية قصة موسى عليه السلام بقيام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف. ولأن بني إسرائيل توالدوا وتكاثروا وعظموا جدا حتى اكتظت بهم الأرض قال ذلك الملك لشعبه: ها بنو إسرائيل أكثر منا وأعظم قوة، فلنتآمر عليهم لكيلا يتكاثروا وينضموا إلى أعدائنا إذا نشب قتال. فعهدوا بهم إلى مشرفين عتاة ليسخروهم بالأعمال الشاقة، وكلما زادوا من إذلالهم، ازداد تكاثرهم ونموهم. ولكي يسيطر فرعون على هذه الزيادة المطردة في أعدادهم أمر القابلات بأن يقتلن المواليد الذكور ويستبقين الإناث. لكن القابلات لم يستمعن لهذا الأمر، فأصدر فرعون أمره لجميع شعبه قائلا: «اطرحوا كل ابن (عبراني) يولد في النهر، أما البنات فاستحيوهن.
    وقد بالغ الكتاب العبراني في تقدير عدد بني إسرائيل حتى زعم أن عدد الرجال الذين خرجوا من مصر بالرغم من المذابح كان حوالي 600 ألف وبحساب النساء والأطفال فهذا العدد يصل إلى حوالي 2 مليون نفس!.
    قدر الجغرافي كارل بوتز Karl Butzar تعداد سكان مصر في القرن ١٣ قبل الميلاد (1250 ق. م.) بحوالي مليونين وتسعمائة ألف نسمة. مع استخدام هذا الرقم كالقدرة الاستيعابيةcarrying capacity للقطر المصري وقتها والتعويض بهذا الرقم في المعادلة اللوجستية للنمو السكاني Logistic equation مع الأخذ في الاعتبار ان عدد بني اسرائيل لدى دخولهم كان ٧٠ نفسا ومكثوا حوالي ٤٠٠ عاما وباستخدام معدل النمو الحالي وهو 1.7% (0.017) فعددهم لدى خروجهم لا يتجاوز ٧٠ ألف نفس. وهذا يتماشى مع الوصف الوارد في القرآن على لسان فرعون بأنهم " شرذمة قليلون".
    وقد ذكر أحد الأسفار اليهودية علة أخرى لذبح المواليد الذكور من بني إسرائيل سوى تلك المذكورة في سفر الخروج. حيث ورد في مدراش على سفر الخروج (Shemot Rabbah 1:18) أن المنجمين أخبروه أنه يولد لامرأة عبرانية غلام يكون خلاص بني إسرائيل على يديه.
    وما ورد في القرآن بهذا الخصوص هو إشارة في قوله تعالى: وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ. فقد ذكر المفسرون في تفسيرها أن المنجمين أخبروه بهلاكه وذهاب ملكه على يد غلام يولد من بني إسرائيل.
    ويغلب على الظن أن ما تعرض له بني إسرائيل كان في سياق "العمل القسري" الذي كان معمولا به في مصر القديمة. حيث كان يفرض على الأشخاص العمل وفق نظام السخرة في المناجم والمحاجر ومشاريع البناء. ولهذا بعض الشواهد كما في تسخير أشخاص أسيوين في صناعة الطوب وهو ما يتضح في تصوير من مقبرة Rekh-mi-Re رخميرع أحد وزراء الفرعون تحتمس الثالث من الدولة الحديثة.

    و من ذلك البردية Leningrad Papyrus 1116A و التى ترجع إلى عصر الأسرة 18 أى تقريبا حوالى عام 1450 قبل الميلاد و التى تذكر أنه تم تسخير الأجانب فى أعمال البناء بعد طرد الهكسوس على يد أحمس و تذكر البردية أنه تم تسخير مجموعات أسيوية فى أعمال الإنشاء العامة.
    ويظهر من ذلك أن تسخير بني إسرائيل كان سياسة من قبل ملوك مصر القديمة عقب طرد الهكسوس ينتهجونها بحق الأجانب.
    ثم يذكر سفر الخروج أن أم موسى لما خافت عليه القتل وضعته في سلة من قصب الماء وطلته بالقطران والزفت ثم وضعته بين الخيزران على حافة النهر.
    أما القرآن فقد ذكر أن الله ألهم أم موسى(ربما في رؤيا منام) أن تضعه في تابوت ثم تقذف بالتابوت في اليم وهو النهر وبعدها سيلقي به النهر إلى الشاطئ.
    ثم يذكر سفر الخروج أن ابنة فرعون جاءت إلى النهر لتغتسل فرأت السلة وأرسلت وصيفتها لتحضرها ولما فتحتها وجدت فيها غلام يبكي فأيقنت أنه من أولاد العبرانيين وكانت أخته حاضرة فقالت لابنة فرعون هل أذهب وأدعو لك مرضعة من العبرانيات لترضع لك الولد؟»
    فأجابتها ابنة فرعون: «اذهبي»؛ فمضت الفتاة ودعت أم الصبي. فقالت لها ابنة فرعون: «خذي هذا الصبي وأرضعيه لي، وأنا أعطيك أجرتك». فأخذت المرأة الصبي وأرضعته.
    ويذكر سفر أخبار الأيام الأول أنها كانت تدعى Bit-Yah والتي تعنى بنت يهوه ويظهر أن هذا لقب أطلق عليها. وتذكر أسفار اليهود كالتلمود وكذلك يوسيوفوس في تاريخه أنها كانت قد ضاقت ذرعا بعبادة الأوثان قبل أن تلتقط موسى من اليم وأنها حاولت أن ترضعه لكن لم يكن قابلا للرضاعة منها ولذلك دفعته إلى أمه – باعتبار أنها احدى العبرانيات – كي ترضعه.
    وتذكر تلك الأسفار أنها آمنت بعد ذلك بموسى وأن ولدها البكر هوالوحيد الذى نجى من حادثة موت الأولاد الأبكار التي يزعم الكتاب العبراني أنها احدى الآيات التي أرسل بها موسى ويسمونها الضربات العشر. وكذلك يزعمون أنها خرجت مع موسى إلى الأرض الموعودة وتزوجت بأحد بني يهوذا!
    وهذا من طرائف كتب اليهود حيث زعموا أنها تزوجت لما خرجت مع موسى وأنجبت أولادا من زوجها بالرغم من أن عمرها بحسب كتبهم لا يقل وقتها بحال عن 80 عاما!. فقد ذكرت التثنية أن موسى لما مات كان عمره 120 عاما وبالتالي لدى خروجه من مصر كان عمره 80 عاما! لأنه قضى في التيه 40 عاما وهي بطبيعة الحال تكبره لأنها هي من إلتقطه من النهر وهو لا يزال رضيعا!
    بينما يذكر القرآن أن من إلتقطه هم آل فرعون دون تفصيل. وذكر أن امرأة فرعون هي من رقت لحاله وطلبت من فرعون ألا يقتله وأن يتخذه ولدا. وكذلك ذكر القرآن أنها آمنت ودعت الرب أن ينجيها من فرعون وعمله. وذكر القرآن جزئية أن موسى لم يقبل الرضاعة من كل المرضعات اللاتي حاولن إرضاعه فجاءت أخته والتي أمرتها أمه أن تقتفي أثره فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم أي يتكفلون بإرضاعه والعناية به فدُفع إليها لتتكفل به وترضعه.
    وقد ورد في الصحيحين أن امرأة فرعون تدعى آسية وفي حديث صحيح آخر أنها آسية بنت مزاحم. وقد كانت لدى رمسيس الثاني وكذلك ابنه مرنبتاح (اللذان يعتقد أنهما فرعونا الاضطهاد والخروج) زوجة تدعى "أست نفرت " وتعني أست الجميلة Iset-Nofret. فزوجة رمسيس تدعى "أست نفرت" و زوجة مرنبتاح اصطلحوا على تسميتها "أست نفرت الثانية". وهي سمية الإلهة المصرية "إزيس" Isis، إلا أن "إزيس" هو النطق اليوناني واللاتيني للكلمة أما في اللغة المصرية القديمة فهي تكتب ꜣst-nfrt وينطق المقطع الأول /ˈʔuːsaʔ/ أو /ɑsɛt/ أو aset. ومما يشي بأصولها الأجنبية(الكنعانية؟) أنه كانت لديها ابنة تدعى "بنت عنات" أي ابنة الإلهة الكنعانية عنات. وقد كان حريم قصر رمسيس الثاني يضم نساء أجنبيات.

    ثم يمضي سفر الخروج في سرد واقعة قتل موسى للقبطي حيث وجده يضرب العبراني فلما تلفت حوله ولم يجد أحدا فقام بقتل القبطي وطمره في الرمل ثم في اليوم الثاني وجد عبرانيين يتقاتلان فقال لأحدهما وهو المسيء لماذا تضرب أخاك؟ فقال له من أقامك قاض علينا، هل تريد أن تقتلني كما قتلت المصري بالأمس؟ حينئذ أدرك موسى أن خبر قتله للمصري قد ذاع وانتشر.
    في المقابل، السرد القرآني يختلف بعض الشيء عما ورد في سفر الخروج فذكر القرآن أن موسى دخل المدينة، وهي مدينة فرعون، فوجد رجلا من قومه بني إسرائيل وقبطيا يتقاتلان، فاستغاثه الذي من قومه على القبطي، فهمَّ موسى بدفع القبطي عن العبراني فلكمه موسى بيده لكن الضربة كانت قوية فقضت على القبطي. لكن موسى لم يقصد سوى دفعه ولم يرد قتله. ولذا لما وجده قتيلا قال هذا من عمل الشيطان، أي من تزيينه لأن الشيطان هيج غضبه حتى جعله يضرب القبطي ضربة شديدة أفضت إلى قتله.
    ثم في اليوم التالى وجد نفس العبراني يقاتل قبطيا آخر ويطلب منه العون على القبطي، فقال له موسى إنك لغوي مبين، أي أدرك أنه مشاغب ويتورط في عراك يسعه أن يتجنبه وإلا لما تعارك في يومين متتاليين. لكن للصلة التي بينه وبين موسى، حيث أنه من قومه وفرعون وقومه كانوا يستضعفون بني إسرائيل، هم موسى أن يبطش بالقبطي كي يخلص العبراني منه فظن العبراني أنه يريد أن يبطش به هو فقال له أتريد أن تقتلني كما قتلت القبطي بالأمس. فأدرك القبطي أن موسى قتل قبطيا فذهب وأذاع الخبر.
    ثم يمضي سفر الخروج في سرد قصة فرار موسى إلى مدين وبلوغه البئر التي يسقي منها الناس دوابهم ورؤيته لسبع فتيات، وهن بنات كاهن مدين يثرون، يسقين من البئر وقد ملأن الأحواض التي تشرب منها الغنم فجاء الرعاء فطردوهن فهب موسى لمساعدتهم وسقى لهن فلما عادت الفتيات لأبيهن سألهن لماذا عدتن باكرا فقلن أن رجلا مصريا سقى لهن فأمرهن أن يدعنّه إلى الطعام. ثم أقام موسى مع كاهن مدين يثرون أو رعوئيل فزوجه ابنته "صفورة" فأنجبت له ولده جرشوم.
    في المقابل ذكر القرآن أن موسى لما بلغ ماء مدين وهو البئر التي تُسقى منها الدواب وجد جماعة كبيرة من الناس يسقون مواشيهم ووجد امرأتين تكفان أغنامهما عن أن تختلط بأغنام الناس فلما سألهما لماذا لا تسقيان قالتا أنهما لا تقومان بذلك حتى يفرغ هؤلاء الرعاء من سقي مواشيهم لأنهما لا تستطيعان مزاحمة الرجال الذين يسقون. وهذا يفسر لماذا لا يتوقع أبوهما، وكان شيخا كبيرا لا يقوى على رعي الأغنام، أن تأتيا باكرا. فسقى لهما موسى ثم ذهب يجلس في ظل شجرة أو نحو ذلك. فجاءته احدى المرأتين لتبلغه دعوة أبيها كي يجزيه أجر سقايته للغنم فلما جاءه وقص عليه قصته عرض عليه، باقتراح من احدى ابنتيه، أن يعمل كأجير عنده مقابل أن يزوجه احداهما. فقبل موسى ذلك العرض فعمل أجيرا لديه لثمان أو عشرة سنوات.
    أما موطن "مدين" فهو يقع إلى الشرق من خليج العقبة في الجهة الشمالية الغربية من شبه الجزيرة العربية في منطقة تبوك بحسب ما قرره عالم الآثار "وليم ديفر" William G. Dever المتخصص في تاريخ الشرق الأدنى القديم. وبحسب الموسوعة الكتابية المعيارية العالمية ISBE فقد حدد الجيوغرافيين العرب موطن مدين بالمنطقة إلى الشرق من خليج العقبة أيضا في الموضع الذى يعرف بمغاير شعيب – في محافظة "البدع" التابعة لمنطقة تبوك. وقد عثر الباحثون الأثريون على بقايا آنية فخارية ترجع إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد صارت تعرف بالفخار المدْيَنِيِّ – نسبة إلى مدين - في المنطقة الممتدة من جنوب فلسطين وحتى الشمال الغربي لبلاد الحرمين و إلى الشرق من خليج العقية لاسيما منطقة "قُريَّة" الأثرية التي تقع على بعد 70 كيلو مترا إلى الشمال الغربي من مدينة تبوك حتى نسبت الأواني الفخارية إليها فسميت "أواني قرية الملونة".
    ويذكر سفر التثنية أن موسى بينما يرعى غنم حميه يثرون بلغ جبل حوريب (أو جبل سيناء) حيث تراءى له ملاك الرب من وسط شجرة مشتعلة لكنها لا تحترق فلما دنا من الشجرة ليرى لماذا لا تحترق كلمه الرب من وسط الشجرة.
    بينما في القرآن ذُكر أنه لما قضى موسى مدته كأجير في مدين سار بأهله وبينما هو يسير ضل في الطريق ثم لاحظ وجود نار من ناحية طور سيناء وكانت النار هي الشجرة المشتعلة التي في جانب (شاطئ) الوادي الذي يلي الجبل من جهة الغرب والتي خوطب منها. وقد ذهب إليها لعله يجد عندها من يدله أو يأتي منها بشعلة لأجل التدفئة.
    والرواية التوراتية بخصوص هذه الجزئية بها إشكال لأن المسافة بين مدين و طور سيناء أو جبل حوريب لا تقل عن 180 كم فهل توغل موسى في رعيه للغنم مسافة 180 كم في عمق الصحراء؟ فهذا من غير الراجح. فالجبل الذي صعده موسى وتلقى التوراة عليه ويسمى جبل سيناي Sîynay أو حوريب ذكر يوسيفوس أنه يقع في الصحراء التي بين مصر و الجزيرة العربية وأشار إلى أنه أعلى القمم في تلك المنطقة ويصعب ارتقاؤه نتيجة لانحداره الشديد. وكذلك أشار بولس ( غلاطية 4:25) إلى أن طور سيناء في بلاد العرب Arabia غير أن بلاد العرب في ذلك الوقت ( بحسب Easton’s bible dictionary قاموس إيستون للكتاب المقدس مادة بلاد العرب Arabia) كانت تقسم إلى ثلاثة أقسام وأحد تلك الأقسام وهو الغربي كان يشمل صحراء البتراء جنوب الأردن و صحراء شبه جزيرة سيناء.
    فهذا يشير إلى صحراء سيناء و ما يعرف بجبل موسى في محافظة جنوب سيناء أو احدى القمم المجاروة له كجبل كاترين و رأس الصفصافة. لأنها أعلى القمم في تلك المنطقة.
    فهذا تقليد يعود للقرن الأول الميلادي على أقل تقدير يشير إلى أن طور سيناء (سيناي بالعبرية) وهو الجبل الذي كلم عليه موسى الرب عز وجل يقع في تلك المنطقة. وإن كان بعض المؤرخين يقترح مواضع أخرى لجبل سيناء منها ما هو خارج شبه جزيرة سيناء بالكلية فالموضع التقليدي الذي يقع في جنوب شبه جزيرة سيناء هو الأرجح.
    والجدير بالذكر أن لفظ سيناء أو سيناي مشتق من الكلمة الدالة على الشجرة المشتعلة وهي סֶנֶּה Seneh والتي تعني حرفيا شجرة ذات شوك وهي مشتقة من סנ SN والتي تعني شوكة وكذلك סנינ SNYN والتي تعني شوكة وأيضا قريبة الصلة بفلظ צָנִן tsânîyn والذي هو الآخر بنفس المعنى. وهذا ربما يفسر لما أطلق تارة على الطور أنه طور سيناء وتارة طور سينين وكأنه إشارة لأصل الكلمة وأنها مشتقة من الشوك. والطور يعني الجبل في العربية والآرامية ويعني المرعى المرتفع في النبطية. وسيناء (بفتح السين و كسرها على اختلاف القراءات) الراجح أن المقصود بها الشجرة סֶנֶּה Seneh أي جبل الشجرة ذات الشوك وهي التي نودي منها موسى عليه السلام. وذكر بعض المفسرين أن الطور هو الجبل الذي ينبت الأشجار. أما تسمية شبه جزيرة سيناء بذلك الأسهم فهو تسمية حديثة. وقد أصبح لفظ سيناء أو سينين علما على ذلك الجبل كما يقال جبل أحد أو جبل أبي قبيس أو قعيقعان.


    و مما يدل على أن جبل موسى هو طور سيناء أنه يتصل بالجبل في جهة الشمال الغربي واد رحب، يبلغ طوله أربعة أميال وعرضه ميلا، يسمى "وادي الراحة" يعتقد بعض الدارسين أنه الموضع الذي خيّم فيه بنو إسرائيل في رحلة خروجهم من مصر. والطور يعني الجبل في العربية والسريانية ويعني المرعى المرتفع في النبطية.
    وكون هناك واد في الجهة الغربية يتماشى مع الوصف القرآني أن موسى خوطب في الجانب الغربي من الجبل وهو عينه ما يطلق عليه الوادي الأيمن والأيمن أي المبارك كما في قوله تعالى: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِىِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلْأَمْرَ. وكذلك قوله: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وكذلك قوله تعالى: وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا .وعلى تقدير أن الأيمن أي جهة اليمين فالمتجه من مدين إلى مصر إذا مر بوادي الراحة فالجبل يكون عن يساره أي أن الوادي عن يمين الجبل وجانب الجبل الذي يقابل الوادي هو الجانب الأيمن (والغربي أيضا)

    ويقول إسرائيل فلنكلشتان في كتاب Bible unearthed (الملحق B : البحث عن جبل سيناء) أن الجبال الشاهقة في تلك المنطقة تتلقى قدرا أوفر من الأمطار بدرجة كبيرة مقارنة بالمناطق المحيطة ونتيجة لعدم نفاذية التربة المكونة من الجرانيت فإن المياه المتدفقة على سطح التربة من هطول الأمطار تتشكل منها بحيرات أو برك كما أن الأودية في تلك المنطقة تحتوى على قدر كبير من المياه الجوفية في باطن التربة والتي يمكن الوصول إليها بواسطة آبار قليلة العمق. وتذكر دائرة المعارف البريطانية تحت مادة "شبه جزيرة سيناء" أن جيوغرافيا جنوب سيناء عبارة عن سلاسل جبال شاهقة مؤلفة من صخر ناري (كالجرانيت) تتخللها شبكة من الأودية العميقة والتي هي عبارة عن مجاري مياه موسمية. وهذا يعني أن تلك المنطقة بها قدر وفير من المياه يلبي احتياجات عشائر بني إسرائيل في غضون اقامتهم بتلك المنطقة. كما أنه ينسجم مع الوصف الوارد في التثنية 9 العدد 21 من أنه كان يوجد نهر متدفق من قمة الجبل في موضع إقامتهم عند طور سيناء والذي ذر فيه موسى العجل الذهبي بعد أن أحرقه وسحقه. وهو الذي أشار إليه القرآن بوصف "اليم" كما في قوله تعالى: وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا. واليم في العربية يقابلها في العبرية yâm والتي تعني البحر أو النهر أو عين مياه في البرية وتطلق أيضا على بركة أو حوض الاغتسال yām mūṣāq الذي صنعه سليمان للكهنة في الهيكل كما في سفر الملوك الأول 7 العدد 23. (راجع : The Brown-Driver-Briggs Lexicon و Ancient Hebrew Lexicon)
    ----------
    المصارد

    Karl W. Butzer, "Early Hydraulic Civilization in Egypt: A Study in Cultural Ecology"; p. 83
    Joyce Tyldesley, Ramesses: Egypt's Greatest Pharaoh
    Josephus, Flavius. The Antiquities of the Jews. II, xii, 1; III, v, 1
    Bible Atlas (bibleatlas.org). Retrieved 2014-12-01.
    “ṭwr”, in The Comprehensive Aramaic Lexicon Project, Cincinnati: Hebrew Union College, 1986–


    للحديث بقية

  2. افتراضي

    تناقضت الروايات الكتابية بشأن غزو بيت المقدس أو أورشاليم ففي رواية (صموئيل الثاتي: 5) أن داود هو من غزاها وطرد منها "اليبوسيين" في السنة الثامنة من ملكه. لكن في رواية أخرى (صموئيل الأول: 17) أنها كانت بحوزة بني إسرائيل بالفعل في فترة حكم شاول (أو طالوت) حيث أن داود لما قتل جالوت أحضر رأسه إلى أورشاليم.
    بينما في رواية أخرى في سفر يشوع الإصحاح 10 وكذلك 12 أن يشوع بن نون لما غزا "أريحا" ثم صالح مدينة "جبعون" أقام ملك أورشاليم "أدوني صادق" تحالفا مع أربع مدن كنعانية أخرى للهجوم على "جبعون" لأنها صالحت الغزاة. فاستغاثت جبعون بيشوع فهب لنصرتها وهزم ملوك المدن الخمس واستولى على مدنهم بما فيها أورشاليم وقتل ملكها "أدوني صادق". وحدث في غضون ذلك معجزة وقوف الشمس في السماء وتأخرها عن المغيب ليوم كامل.
    وإن كان بعضهم يفسر ذلك بأن ذلك يقصد به أنهم غزوا جانبا منها ولم يستطيعوا طرد اليبوسيين تماما إلا في عهد داود.
    لكن الأحاديث الصحيحة تشير إلى أن غزو بيت المقدس حدث في عهد يشوع بن نون وكذلك حادثة حبس الشمس ومن ذلك الحديث الذي رواه أحمد وصححه الألباني: ما حُبِسَتِ الشمسُ على بَشَرٍ قطُّ ، إلَّا على يُوشَعَ بنِ نُونَ لَيالِي سارَ إلى بَيتِ المَقْدِسِ.
    وكذلك في صحيح البخاري ولكن لم يصرح باسم النبي ولا القرية التي غزاها فقال: غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِيَاءِ.. حتى قال : فَدَنَا مِنَ القَرْيَةِ صَلَاةَ العَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِن ذلكَ، فَقالَ لِلشَّمْسِ: إنَّكِ مَأْمُورَةٌ وأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ حتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليه. وقيل أنه دعى بذلك كي يقاتل في ضوء النهار. ثم ذكر الحديث أنه جيء بالغنائم وكانت لا تحل لبني إسرائيل بل كانت تجمع فتنزل نار من السماء تحرقها فلم تنزل النار فأدرك ذلك النبي أو يوشع بن نون أن هناك من غل أي سرق شيئا من الغنيمة فجعل يصافح زعماء العشائر حتى لزقت يده بين أحدهم فأدرك أنها علامة على أن من غل من الغنيمة هو من تلك العشيرة فجعل يصافحهم فردا فردا حتى لزقت يده بيد رجلين أو ثلاثة منهم فأدرك أنهم هم من غلوا فأخرجوا ما سرقوه من الغنائم وكانت رأسا مثل رأس بقرة من ذهب. فوضعوها في الغنائم فنزلت النار فأحرقتها.
    وفي رواية عن كعب الأحبار أن المدينة هي أريحا لكن يعارضه حديث المسند عند أحمد كما تقدم وفيه أن ذلك كان في غضون غزو بيت المقدس فالقرية هي بيت المقدس. وفي سفر يشوع أن ذلك كان في القتال ضد الملوك الخمس وعلى رأسهم "أدوني صادق" ملك أورشاليم.
    لكن جزئية الغلول وردت في سفر يشوع الإصحاح 7 في سياق غزو أريحا. لأنه بعد غزو أريحا تقدم بضعة آلاف لغزو مدينة أخرى تسمى "العي" فهزموا. فعلم يشوع أن الهزيمة من جراء الغلول فأجرى قرعة على الأسباط ليعرف من غل. فوقعت القرعة على سبط يهوذا ثم أجرى القرعة على عشائر يهوذا فوقعت على عشيرة الزارحيين ثم أجرى عليهم القرعة فوقعت على بيت زبدي ثم أجرى القرعة عليهم فوقعت على رجل يدعى عاكان. وكان قد غل رداء بابليا حسنا ومئتي مثقال فضة وسبيكة من ذهب وزنها خمسون مثقالا.
    غير أن الدلائل الأثرية تشير إلى أن غزو أريحا على النحو المذكور في سفر يشوع لا حقيقية له. فأريحا القديمة كانت على تلة ذات شكل كلوي وبها حوالي 70 قدما من طبقات الاستيطان بدءا من 9000 عام قبل الميلاد وحتى القرن 14 قبل الميلاد. وجدار الطوب المنهار الذي أرخه "جارستانج" John Garstang بالعام 1400 قبل الميلاد في الحقيقة كما أوضحت لاحقا عالمة الآثار "كاثليين كينيون" Kathleen Kenyon يعود للعام 2300 قبل الميلاد. بل إنها وجدت دلائل لسقوط متكرر للجُدر حول أريحا بين عامي 3200 و 2300 قبل الميلاد وكان ذلك غالبا بفعل الزلازل لأن أريحا تقع في منطقة نشاط للزلازل (تقبع فوق صدع أرضي على طول الجانب الغربي لغور الأردن). وآخر دلائل على الاستيطان ترجع للعام 1560 قبل الميلاد. وكانت مدينة محاطة بسور إلا أنها أحرقت وطبقة الاستيطان التي تعود لهذه الحقبة تآكلت بفعل عوامل التعرية. لكن لا يصح أن يقال أنه ربما عمرت مرة أخرى وتآكلت الطبقات المرتبطة بتلك الحقب التالية المفترضة للاستيطان. لأنه لو كان الأمر كذلك لوجدت دلائل ذلك الاستيطان (كقطع فخار ونحو ذلك) على منحدرات التلة وقد دفعتها عوامل التعرية كالرياح والأمطار نحو المنحدرات. فلم يعثر على التلة بعد ذلك التاريح إلا على ركن من كوخ بُني على أنقاض تلك المدينة المحترقة (على المنحدرات الشرقية) وعثروا فيه على جرة تعود للعام 1325 قبل الميلاد وهو يعبر عن حالة استيطان عشوائي على أنقاض تلك المدينة المحترقة، أما مدينة مأهولة ولها سور ثم خربت كما هو موصوف في سفر يشوع فهذا لا حقيقة له، إذا علمنا إن الخروج كان في القرن 13 قبل الميلاد كما يقول غالب المؤرخين. بل حتى على القول بالتاريخ الأقدم وهو 1450 قبل الميلاد فذلك أيضا لا حقيقة له. وكذلك آثار الاستيطان التي عثر عليها "لورينزو نجرو" Lorenzo Nigro لا تخرج عن ظاهرة الاستيطان العشوائي للتلة. وبحسب سفر يشوع فقد دمر بنو إسرائيل المدينة وانهدم سورها حتى أنهم قتلوا من فيها بما في ذلك الرضع!. بل قتلوا الدواب أيضا. وقد حرم يشوع إعادة بناء المدينة فلم تبنى ثانية إلا في عهد الملك أخاب زوج إزابيل.
    وكذلك ذهب غالب المفسرين إلى أن القرية التي قيل لبني إسرائيل أن يدخلوها سجدا كما في سورة البقرة وأن يقولوا "حطة" أي حط عنا خطاينا هي بيت المقدس والفعل حط هو بمعنى ألقى عنه وزره أو ثقله ويقابله الفعل châṭâʼ חָטָא في العبرانية وقد ورد في الكتاب العبراني بمعنى غفران الذنوب أو تطهير الخطايا. لكنهم بديلا عن ذلك كما في الحديث الصحيح دخلوها يزحفون على أستاههم (أي أعجازهم أو مؤخراتهم) قائلين حبة في شعرة وهو كلام مهمل لا معنى له وهذا غاية في الاستهزاء فهذا معنى قوله تعالى في الآية: فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون.
    وربما لأجل ذلك لم يستطيعوا أن يطردوا اليبوسيين تماما ، كما ورد في مواضع أخرى من الكتاب العبراني، حتى عهد داود.
    وقيل أن الرجز وهو العذاب هو وباء الطاعون. وفي الحديث الصحيح في شأن الطاعون: الطَّاعُونُ رِجْسٌ ( وفي رواية بقية رجز) أُرْسِلَ علَى طَائِفَةٍ مِن بَنِي إسْرَائِيلَ . وإن كان الحديث لا يدل صراحة على أن هذا الرجز هو المقصود في الآية فهناك دراسة (بالمعرف الرقمي: 10.1016/j.cell.2015.10.009 ) تشير إلى أن السلالة المسببة للطاعون (الدملي) pubonic plague للميكروب المعروف بـ Yersinia pestis والتي تكيفت على الانتقال من خلال البراغيث نشأت حوالي بداية الألفية الأولى قبل الميلاد أي قبل حوالي 3000 عام وهي تقريبا الفترة المفترضة لغزو كنعان أو الأرض المقدسة.
    -------
    المصادر

    The Settlement in Canaan: The Period of the Judges, By Joseph A. Callaway, revised by J. Maxwell Miller, in” Ancient Israel: From Abraham to the Roman Destruction of the Temple”, edited by Hershel Shanks

  3. افتراضي

    وقد بنوا هذا الاستنتاج على أن أقدم عينة تحتوي على السلالة المسببة للطاعون الدملي وقد عثر عليها في أرمينيا (وهو المسئول عن الجوائح المتكررة للطاعون بدءا من طاعون جستنيان في القرن السادس الميلادي) ترجع للعام 915 قبل الميلاد بينما أحدث عينة سابقة لبكتريا الطاعون ترجع للعام 1686 قبل الميلاد (إلا أنها ليست مسببة للنوع الدملي من الطاعون) وهذا يشير إلى أن السلالة المسببة للطاعون الدملي نشأت نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد أو بداية الألفية الأولى قبل الميلاد. ويوجد في سفر صموئيل الأول الإصحاح 5 و 6 ( والذي يتناول عصر القضاة نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد) ما يشير إلى وجود الطاعون الدملي في ذلك الوقت حيث ذُكر انتشار لوباء بين الفلسطينيين على إثر انتزاعهم لتابوت العهد من بني إسرائيل فضلا عن تفشي الفئران (التي تنقل البراغيث) وكانوا كلما نقلوه من قرية لأخرى أصابها الوباء. ووصف هذا الوباء بأنه يتسبب في حدوث أورام في المصابين به. والكلمة التي تشير للأورام في النص العبري هي עֹפֶל ʻophel والتي قد تعني أورام وقد تعني بواسير. إلا أن البواسير لا تنتشر كوباء. ولذا ذهب J P Griffin في دراسة بعنوان "Bubonic plague in biblical times" إلى أن الترجمة الصحيحة هي "أورام" وأن الأورام تشير إلى انتفاخ العقد الليمفاوية Buboes المصاحب للطاعون الدملي. وعندما أعاد الفسلطينيون تابوت العهد لقرية من قرى بني إسرائيل يقال لها بيت شمس ومعه صندوق به خمسة نماذج ذهبية للأورام (أو البواسير بحسب بعض الترجمات) وخمسة نماذج ذهبية للفئران قُتل منهم سبعون شخصا وهو ما يشي بانتشار الوباء إلى تلك القرية الإسرائيلية.
    ----
    المصادر:
    Rasmussen and Allentoft et al. Early Divergent Strains of Yersinia pestis in Eurasia 5,000 Years Ago. Cell, 2015 DOI: 10.1016/j.cell.2015.10.009

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء