النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: التزموا بالاعمال المضاعفة يرحمكم الله

  1. افتراضي التزموا بالاعمال المضاعفة يرحمكم الله

    الأعمال المضاعفة

    سليمان بن صالح الخراشي


    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:

    فكل مسلم منا حريص أشد الحرص على أن يطول عمره ليزداد فيه من الخير، كما قال لما سئل صلى الله عليه وسلم : { من خير الناس؟ قال: "من طال عمره وحسن عمله" } [رواه الترمذي وأحمد]، فهذه الدار هي دار التزود من الأعمال الصالحة والاستكثار منها؛ لكي يرتاح الإنسان بعد موته، ويرضى عن سعيه.

    وقد أخبر أن أعمار أمته ما بين الستين والسبعين، وليسوا كأعمار الأمم السابقة، ولكنه دلهم على أعمال وأقوال تجمع بين قلتها وسهولتها، وبين أجرها العظيم، الذي يعوض الإنسان عما يفوته من سنين طويلة مقارنة بأمم أخرى، وهذه الأعمال هي ما يسمى (بالأعمال المضاعفة) وليس كل إنسان يعرفها.

    ولذا أحببت ذكر أغلبها في هذه الرسالة الصغيرة حرصا على أن يزيد منا في عمره الإنتاجي في هذه الدنيا، ليكون ممن يعرفون من أين تؤكل الكتف، فيتخيرون من الأعمال أخفها على النفس، وأعظمها في الأجر، فهو كمن يجمع الجواهر الثمينة من بطن البحر بين أناس يجمعون الأصداف وهو كما قال الشاعر:

    من لي بمثل سيرك المدلل *** تمشي رويدا وتجيء في الأول

    وقد ذكرت هذه الأعمال والأقوال متتالية باختصار، مع ذكر دليل كل قول أو عمل، وهي أدلة من القرآن الكريم،أو من الأحاديث الصحيحة والحسنة، والله الموفق لكل خير.

    1- صلة الرحم: قال صلى الله عليه وسلم : { من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه } [رواه البخاري ومسلم].

    2- حُسن الخلق: قال صلى الله عليه وسلم : { صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمرن الديار ويزدن في الأعمار } [رواه أحمد والبيهقي].

    3- الإكثار من الصلاة في الحرمين الشريفين: لقوله صلى الله عليه وسلم : { صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه } [رواه أحمد وابن ماجة].

    4- صلاة الجماعة مع الإمام: لقوله صلى الله عليه وسلم : { صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة } [رواه البخاري ومسلم].

    وأما النساء فصلاتهن في بيوتهن أفضل من صلاتهن في المسجد، ولو كان المسجد النبوي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأم حميد – إحدى الصحابيات –: { قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي } [رواه أحمد]. فكانت رضي الله عنها بعد هذا تصلي في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، حتى لقيت الله عز وجل.

    5- أداء النافلة في البيت: لقوله صلى الله عليه وسلم : { فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل الفريضة على التطوع } [رواه البيهقي وصححه الألباني]. ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: { أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة } [رواه البخاري ومسلم].

    6- التحلي ببعض الآداب يوم الجمعة: وهي ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم : { من غسَّل يوم الجمعة، ثم بكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها } [رواه أهل السنن]. ومعنى " غسَّل " أي:غسل رأسه، وقيل: أي جامع امرأته ليكون أغض لبصره عن الحرام في هذا اليوم. ومعنى " بكَّر " أي: راح في أول الوقت، و " ابتكر " أي: أدرك أول الخطبة.

    7- صلاة الضحى: لقوله صلى الله عليه وسلم : { يُصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى } [رواه مسلم]. ومعنى " سُلامى " أي: مِفصل من مفاصل الإنسان، وهي ثلاثمائة وستون مفصلا.

    وأفضل وقت لصلاة الضحى عندما يشتد الحر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : { صلاة الأوابين حين ترمض الفصال } [رواه مسلم] أي: تقوم صغار الإبل من مكانها من شدة الحرارة.

    8- تحجيج عدد من الناس على نفقتك كل سنة: لقوله صلى الله عليه وسلم : { تابعوا بين الحج والعمر، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة } [رواه الترمذي وصححه الألباني]. والإنسان قد لا يستطيع الحج كل سنة، فلا أقل من أن يحجج على حسابه من يستطيع من فقراء المسلمين.

    9- صلاة الإشراق: لقوله صلى الله عليه وسلم : { من صلى الغداة – أي الفجر – في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة } [رواه الترمذي وصححه الألباني].

    10- حضور دروس العلم في المساجد: لقوله صلى الله عليه وسلم : { من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه كان له كأجر حاج تاما حجته } [رواه الطبراني وصححه الألباني].

    11- الاعتمار في شهر رمضان: لقوله صلى الله عليه وسلم : { عمرة في رمضان تقضي حجة معي } [رواه البخاري]. أي: تعدلها.

    12- أداء الصلوات المكتوبة في المسجد: لقوله صلى الله عليه وسلم : { من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم } [رواه أبو داود وصححه الألباني].

    فالأولى أن يخرج متطهرا من بيته، لا من دورات مياه المسجد، إلا لحاجة أو ضرورة.

    13- أن يكون من أهل الصف الأول: لقول العرباض ابن سارية رضي الله عنه: { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للصف المقَّدم ثلاثا، وللثاني مرة } [رواه النسائي وابن ماجة] ولقوله صلى الله عليه وسلم : { إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول } [رواه أحمد بإسناد جيد].

    14- الصلاة في مسجد قباء: لقوله صلى الله عليه وسلم : { من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه كان له كأجر عمرة } [رواه النسائي وابن ماجة].

    15- أن تكون مؤذنا: لقوله صلى الله عليه وسلم : { المؤذن يُغفر له مدى صوته، ويُصَدِّقه من سمعه من رطب ويابس، وله أجر من صلى معه } [رواه أحمد والنسائي]. فإذا لم تستطع أن تكون مؤذنا فلا أقل من أن تكسب مثل أجره وهو:

    16- أن تقول كما يقول المؤذن: لقوله صلى الله عليه وسلم : { قل كما يقولون – أي المؤذنون – فإذا انتهيت فسَل تُعطه } [رواه أبو داود والنسائي] أي: ادع بعد فراغك من إجابة المؤذن.

    17- صيام رمضان وستٍ من شوال بعده: لقوله صلى الله عليه وسلم : { من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر } [رواه مسلم]

    18- صيام ثلاثة أيام من كل شهر: لقوله صلى الله عليه وسلم : { من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر، فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك في كتابه من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها اليوم بعشرة أيام } [رواه الترمذي].

    19- تفطير الصائمين: لقوله صلى الله عليه وسلم : { من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا } [رواه الترمذي وابن ماجة].

    20- قيام ليلة القدر: لقوله تعالى: { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر:3] أي: أفضل من عبادة ثلاث وثمانين سنة تقريبا.

    21- الجهاد: لقوله صلى الله عليه وسلم : { مقام الرجل في الصف في سبيل الله أفضل من عبادة ستين سنة } [رواه الحاكم وصححه الألباني].

    وهذا في فضل المقام في الصف، فكيف بمن جاهد في سبيل الله أياما وشهورا أو سنوات؟

    22- الرباط: لقوله صلى الله عليه وسلم : { من رابط يوما وليلة في سبيل الله كان له كأجر صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطا له مثل ذلك من الأجر، وأجري عليه الرزق وأُمِّن الفتان } [رواه مسلم]. والفتَّان هو عذاب القبر.

    23- العمل الصالح في عشر ذي الحجة: لقوله صلى الله عليه وسلم : { ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله،؟ فقال : ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء } [رواه البخاري].

    24- تكرار بعض سور القرآن: لقوله صلى الله عليه وسلم : { قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، و قل هو يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن } [رواه الطبراني وصححه الألباني].

    25- الذكر المضاعف: وهو كثير، ومنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عند جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها بُكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال صلى الله عليه وسلم : { مازلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم. فقال صلى الله عليه وسلم : لقد قلتُ بعدك أربع كلمات وثلاث مرات لو وُزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته } [رواه مسلم].

    وعن أبي أمامة قال رضي الله عنه : { رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أُحرك شفتي، فقال: " ما تقول يا أبا أمامة؟ " قلت: أذكر الله. قال: " أفلا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل والنهار؟ تقول: الحمد لله عدد ما خلق، والحمد لله ملء ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء، وتسبح الله مثلهن " ثم قال: " تعلَّمهن وعلِّمهن عَقِبَك من بعدك" } [رواه الطبراني وحسنه الألباني].

    26- الاستغفار المضاعف: لقوله صلى الله عليه وسلم : { من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة } [رواه الطبراني وحسنه الألباني].

    27- قضاء حوائج الناس: لقوله صلى الله عليه وسلم : { لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا } [رواه ابن أبي الدنيا وحسنه الألباني].

    28- الأعمال الجاري ثوابها إلى ما بعد الموت: وهي ما وردت في قوله صلى الله عليه وسلم : { أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: رجل مات مرابطا في سبيل الله، ورجل علَّم علما فأجره يجري عليه ما عُمِل به، ورجل أجرى صدقة فأجرها يجري عليه ما جرتْ عليه، ورجل ترك ولداً صالحاً يدعو له } [رواه أحمد والطبراني].

    29- استغلال الوقت: بأن يعمر المسلم وقته بالطاعات: كقراءة القرآن، والذكر، والعبادة، واستماع الأشرطة النافعة، لكي لا يضيع زمانه هدرا، فيُغبن يوم لا ينفعه الغَبْن، كما قال صلى الله عليه وسلم : { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس:الصحة، والفراغ } [رواه البخاري].

    وفقنا الله جميعاً لإطالة أعمارنا في الخير، واستغلال الفرص المضاعفة التي يغفل عنها المفرطون، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
    صيد الفوائد

  2. افتراضي

    أكثروا من الصيام فإن أجره عظيم



    فضائل الصيام
    لقد خصَّ الله عز وجل عبادة الصيام من بين العبادات بفضائل وخصائص عديدة، منها:

    1- أن الصوم لله عز وجل وهو يجزي به، كما ثبت في البخاري (1894)، ومسلم (1151) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي.

    قال ابن رجب معلقا على هذه الرواية: "الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد، بل يضاعفه الله عز وجل أضعافا كثيرة بغير حصر عدد، فإن الصيام من الصبر، وقد قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر / 10" انتهى من "لطائف المعارف" (283_284).

    ثم قال رحمه الله: "واعلم أن مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب منها شرف المكان المعمول فيه ذلك العمل كالحرم..... ومنها شرف الزمان، كشهر رمضان وعشر ذي الحجة...فلما كان الصيام في نفسه مضاعفا أجره بالنسبة إلى سائر الأعمال كان صيام شهر رمضان مضاعفا على سائر الصيام لشرف زمانه، وكونه هو الصوم الذي فرضه الله على عباده وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي بني الإسلام عليها." انتهى من "لطائف المعارف" (284_286) باختصار.

    وجاء في رواية لحديث أبي هريرة عند البخاري (7538) : لكل عمل كفارة، والصوم لي وأنا أجزي به.

    قال ابن رجب: "على [هذه الرواية] فالاستثناء يعود إلى التكفير بالأعمال، ومن أحسن ما قيل في معنى ذلك ما قاله سفيان بن عيينه رحمه الله، قال: هذا من أجود الأحاديث وأحكمها، إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده، ويؤدِّي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله عز وجل ما بقي عليه من المظالم، ويدخله بالصوم الجنة. خرجه البيهقي في "شعب الإيمان".... فيحتمل أن يقال في الصوم: إنه لا يسقط ثوابه بمقاصة (أي قصاص) ولا غيرها، بل يوفر أجره لصاحبه حتى يدخل الجنة، فيوفى أجره فيها." انتهى من "لطائف المعارف" (286).

    قال أيضا: (وأما قوله: " فإنه لي" أحسن ما ذكر في [معنى ذلك] وجهان:

    أحدهما: أن الصيام هو مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جبلت على الميل إليها لله عز وجل، ولا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصيام.

    الوجه الثاني: أن الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه غيره، لأنه مركب من نية باطنة لا يطلع عليها إلا الله، وترك لتناول الشهوات التي يستخفى بتناولها في العادة." انتهى من "لطائف المعارف" (289_290) باختصار.

    2- أن للصائم فرحتين يفرحهما، كما ثبت في البخاري (1904)، ومسلم (1151) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه تبارك وتعالى فرح بصومه.

    قال ابن رجب: "أما فرحة الصائم عند فطره فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصا عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعا، فإن كان ذلك محبوبا لله كان محبوبا شرعا، والصائم عند فطره كذلك، فكما أن الله تعالى حرَّم على الصائم في نهار الصيام تناول هذه الشهوات، فقد أذن له فيها في ليل الصيام، بل أحب منه المبادرة إلى تناولها في أول الليل وآخره... فالصائم ترك شهواته لله بالنهار تقربا إليه وطاعة له، وبادر إليها في الليل تقربا إلى الله وطاعة له، فما تركها إلا بأمر ربه، ولا عاد إليها إلا بأمر ربه، فهو مطيع له في الحالين.... وإن نوى بأكله وشربه تقوية بدنه على القيام والصيام كان مثابا على ذلك، كما أنه إذا نوى بنومه في الليل والنهار التقوِّي على العمل كان نومه عبادة.... ومن فهم هذا الذي أشرنا إليه لم يتوقف في معنى فرح الصائم عند فطره، فإن فطره على الوجه المشار إليه من فضل الله ورحمته، فيدخل في قوله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ يونس / 58، ولكن شرط ذلك أن يكون فطره على حلال، فإن كان فطره على حرام كان ممن صام عما أحل الله، وأفطر على ما حرم الله، ولم يستجب له دعاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يطيل السفر: " يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك." رواه مسلم من حديث أبي هريرة (1015) .

    وأما فرحه عند لقاء ربه فما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرا، فيجده أحوج ما كان إليه، كما قال الله تعالى: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً المزمل / 20، وقال تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً آل عمران / 30)، وقال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ الزلزلة/7 ." انتهى من "لطائف المعارف" (293_295) باختصار.

    3- أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، كما ثبت في البخاري (1894) ومسلم (1151) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله عز وجل يوم القيامة من ريح المسك.

    قال ابن رجب: "خلوف الفم: رائحة ما يتصاعد منه من الأبخرة، لخلو المعدة من الطعام بالصيام، وهي رائحة مستكرهة في مشام الناس في الدنيا، لكنها طيبة عند الله حيث كانت ناشئة عن طاعته، وابتغاء مرضاته..... وفي طيب ريح خلوف الصائم عند الله عز وجل معنيان:

    أحدهما: أن الصيام لما كان سرا بين العبد وربه في الدنيا، أظهره الله في الآخرة علانية للخلق، ليشتهر بذلك أهل الصيام، ويعرفون بصيامهم بين الناس جزاء لإخفائهم صيامهم في الدنيا....

    والمعنى الثاني: أن من عبد الله وأطاعه وطلب رضاه في الدنيا بعمل، فنشأ من عمله آثار مكروهة للنفوس في الدنيا، فإن تلك الآثار غير مكروهة عند الله، بل هي محبوبة له، وطيبة عنده، لكونها نشأت عن طاعته واتباع مرضاته، فإخباره بذلك للعاملين في الدنيا فيه تطييبٌ لقلوبهم، لئلا يكره منهم ما وجد في الدنيا" انتهى من "لطائف المعارف" (300_302) باختصار.

    4- أن الله أعد لأهل الصيام بابا في الجنة لا يدخل منه سواهم، كما ثبت في البخاري (1896)، ومسلم (1152) من حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد.

    5- أن من صام يوما واحدا في سبيل الله أبعد الله وجهه عن النار سبعين عاما، كما ثبت في البخاري (2840) ؛ ومسلم (1153) من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا.

    قال القرطبي: "سبيل الله طاعة الله، فالمراد من صام قاصدا وجه الله." "فتح الباري" لابن حجر (2840).

    6- أن الصوم جنة (أي وقاية) من النار، ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصيام جُنة، وروى أحمد (4/22)، والنسائي (2231) من حديث عثمان بن أبي العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الصيام جُنة من النار، كجُنة أحدكم من القتال وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (967).

    7- أن الصوم يكفر الخطايا، كما جاء في حديث حذيفة عند البخاري (525)، ومسلم (144) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    8- أن الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة، كما في حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان رواه أحمد (2/174)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (96

    اسلام سؤال


    الصيام وفضائله
    محمد رفيق مؤمن الشوبكي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الصيام ركن من أركان الإسلام الخمسة التي لا يكتمل إسلام المرء إلا بها، كتبه الله  على المسلمين كما كتبه على من سبقهم من الأمم. أياماً معدوداتٍ يمتنع فيه المسلم عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التعبد لله تبارك وتعالى. فهو من أعظم الطاعات التي يُتقرَّب بها إلى الله سبحانه وتعالى، ويثاب المسلم عليه ثواباً لا حدود له، وبه تغفر الذنوب، وبه يقي الله العبد من النار، وبه يستحق العبد دخول الجنان من باب خاص أُعدَّ للصائمين، وبه يفرح العبد عند فطره وعند لقاء ربه.
    ويعد الصيام مدرسة صحية وتربوية واجتماعية، مبنية على الصبر، ومخالفة النفس، وكسر الشهوة واحترام النظام، والتزام الجماعة والإحسان إلى الفقراء، ومواساة المساكين والمحتاجين، وتطهير الروح والانشغال بلذة العبادات من صلاة وذكر، وقيام واعتكاف وتلاوة للقرآن الكريم .

    وللصيام فضائل كثيرة ومعاني سامية جليلة، نذكر أهمها على النحو التالي:

    1- إضافة الصيام لله تعالى تشريفاً لقدره وتعريفاً بعظيم أجره:
    عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ " (متفق عليه).
    وفي رواية لمسلم: " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ".
    وقد ذكر كلام أهل العلم أوجه كثيرة في بيان معنى الحديث وسبب اختصاص الصوم بهذا الفضل، فقيل: أن الصيام لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره. وقيل: أن الله سبحانه وتعالى ينفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته. وقيل: أن الصيام أحب العبادات إلى الله والمقدم عنده سبحانه وتعالى. وقيل: أنّ إضافة الصوم لله تعالى هو إضافة تشريف وتعظيم كما يقال: "ناقة الله" و"بيت الله". وقيل: أنّ الصيام لم يعبد به غير الله تعالى.

    2- الصيام من أفضل الأعمال عند الله تعالى:
    يعد الصيام من أفضل الأعمال، فهو من الأعمال الصالحة التي لا عدل لها، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ، قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ " (رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني).

    3- الصيام جُنَّة من شهوات الدنيا وعذاب الآخرة:
    الصيام جُنَّة، أي: وقاية في الدنيا والآخرة، فيقي المسلم في الدنيا من الوقوع في الشهوات والمعاصي، ويقيه في الآخرة من العذاب، فهو حصن حصين في الآخرة من النار. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الصِّيَامُ جُنَّة، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ " (رواه البخاري). وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " الصيامُ جُنَّةٌ وحِصْنٌ حصينٌ مِنَ النارِ " (رواه أحمد وحسنه الألباني).
    وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " الصِّيامُ جُنَّةٌ من النَّارِ، كَجُنَّةِ أحدِكمْ من القِتالِ " (رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني). ومعنى هذا الحديث: أن الصيام درع يقي الصائم من المعاصي في الدنيا ومن النار في الآخرة كما يقي الدرع المحارب حين القتال فيمنعه من طعنات العدو ويحميه من الموت بإذن الله تعالى.
    وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " (رواه البخاري).
    وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ" (رواه الترمذي وقال عنه الألباني حسن صحيح).
    وعنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَاعَدَ اللَّهُ مِنْهُ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ مِئَةِ عَامٍ " (رواه النسائي وحسنه الألباني).
    4- يتحقق بالصيام أجر الصبر:
    فيجتمع في الصيام أنواع الصبر الثلاثة، وهي الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقداره سبحانه وتعالى. فهو صبرٌ على طاعة الله؛ لأن الصائم يصبر على هذه الطاعة ويفعلها. وصبرٌ عن معصية الله سبحانه وتعالى؛ لأن الصائم يتجنب المعصية حال صيامه. وصبرٌ على أقدار الله تعالى؛ لأن الصائم يصيبه ألم العطش والجوع والكسل وضعف النفس؛ فلهذا كان الصوم من أعلى أنواع الصبر؛ لأنه جامعٌ بين الأنواع الثلاثة، وقد قال الله تعالى: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" (الزمر:10(.

    5- الصيام كفارة للخطايا والذنوب:
    إن الصيام من الأعمال التي يكفر الله بها الخطايا والذنوب، فعن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ " (رواه البخاري ومسلم).
    ومعنى هذا الحديث: الإنسان يبتلى بماله وولده وأهله وبجاره المجاور له، ويفتتن بذلك، فتارةً يلهيه الاشتغال بهم عما ينفعه في آخرته، وتارةً يقصر في الحق الواجب عليه تجاههم، وتارةً قد يقع في ظلمهم ويأتي إليهم ما يكرهه الله من قول أو فعل، فيسأل عنه ويطالب به. فإذا حصل للإنسان شيء من هذه الفتن الخاصة، فيكون الصيام من إحدى الطاعات التي تكفر عنه ذنوبه.

    6- الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة:
    فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الصِّيامُ والقرآنُ يَشْفَعَانِ للعبدِ، يقولُ الصِّيام: " ربِّ إنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ والشَّرَابَ بِالنَّهارِ؛ فَشَفِّعْنِي فيهِ، ويقولُ القُرْآن: ربِّ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِالليلِ؛ فَشَفِّعْنِي فيهِ، فيشَفَّعَانِ " (رواه أحمد وصححه الألباني).

    7- الصيام سبب لدخول الجنة:
    فمن أسباب دخول الجنة الصيام، وإن أحد أبوب الجنة الثمانية " باب الريان "، وهو باب يدخل منه الصائمون الجنة، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخل آخرهم أغلق، فلم يدخل منه أحد " (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية للبخاري: " في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون ".

    8- الصيام من الأعمال التي وعد الله صاحبها بالمغفرة والأجر العظيم:
    فقال سبحانه وتعالى: " إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا " (الأحزاب:35).

    9- للصائم فرحتان:
    فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قاٍل رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا، إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ " (رواه البخاري ومسلم).
    فيفرح الصائم في إذا أفطر بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر، وقيل: إن فرحه بفطره من حيث أنه تمام صومه وخاتمة عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه.
    وكذلك يفرح الصائم بصومه عند لقاء ربه؛ لما يجد من جزاء عظيم وثواب كبير، وقيل: الفرح الذي عند لقاء ربه إما لسروره بربه أو بثواب ربه.

    10- خلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك:
    إن من أكبر الدلائل على عظم فضل الصيام، أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله تبارك وتعالى من رائحة المسك، والخلوف هو تغير رائحة الفم بسبب الصوم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والَّذي نَفْسُ محمد بيده لخلوفُ فم الصَّائم أطيب عند الله من ريح المسك" (رواه البخاري ومسلم).
    قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله في كتابه التمهيد: " يريد أزكى عند الله تعالى وأقرب لديه وأرفع عنده من رائحة المسك ". وعلل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كون خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك بقوله: " لأنها من آثار الصيام فكانت طيبة عند الله سبحانه ومحبوبة له, وهذا دليل على عظيم شأن الصيام عند الله ".

    11- دعاء الصائم مستجاب:
    إن من فضائل الصيام أن دعاء الصائم مستجاب، فعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثُ دَعَواتٍ مُستجاباتٍ: دعوةُ الصائِمِ، ودعوةُ المظلُومِ، ودعوةُ المسافِرِ " (رواه البيهقي والطبراني وصححه الألباني).

    12- الصيام يطهر القلب:
    إن صيام شهر رمضان وصيام ثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وَحَرَ الصدر أي الغل والحقد والغش ووساوس الشيطان وما يحصل في القلب من كدرة أو قسوة، فعَنْ عَلِيٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه: أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ، وَثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يَذْهَبْنَ بِوَحَرِ الصَّدْرِ " (رواه أحمد والبيهقي والبزار وصححه الألباني). وفي رواية أخرى: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ" (رواه النسائي وصححه الألباني).

    13- جعل الله تعالى الصيام من الكفارات لعظم أجره:
    فجعل الله الصيام من الكفارات لأمور كثيرة، منها:
    أ‌- كفارة فدية الأذى في الحج أو العمرة، فقال تعالى: "فَفِدْيَةٌ مِن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ" (البقرة:196).
    ب‌- كفارة المتمتع إذا لم يجد الهَدْي في الحج، فقال تعالى: "فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ" (البقرة:196).
    ت‌- كفارة القتل الخطأ، فقال تعالى: "فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ" (النساء:92(.
    ث‌- كفارة اليمين، فقال تعالى: "فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ" (المائدة:89).

    14- من خُتم له بصيام يوم دخل الجنة:
    فعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ :" مَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ " (رواه أحمد وصححه الألباني). وفي رواية أخرى: " من ختم له بصيام يوم يريد به وجه الله عز وجل أدخله الله الجنة " (رواه الأصبهاني وصححه الألباني).
    قال الإمام المناوي رحمه الله في كتابه فيض القدير: " أي من ختم عمره بصيام يوم بأن مات وهو صائم أو بعد فطره من صومه دخل الجنة مع السابقين الأولين، أو من غير سبق عذاب ".

    15- الصيام سبيل إلى غرف الجنة:
    إن المداوم على الصيام له أجر عظيم عند الله تبارك وتعالى، ومن الثواب الكبير الذي يُكافأ به (غرف الجنة)، فعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم: " إِنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِمَنْ أَطَابَ الكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " (رواه الترمذي وصححه الألباني).

    ختاماً نسأل الله أن يعيننا في شهر رمضان على الصيام والقيام والذكر وتلاوة القرآن وأن يتقبل منا ومن جميع المسلمين صالح الأعمال

    أخوكم
    محمد رفيق مؤمن الشوبكي

    صيد الفوائد

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء