الرد المفصل على من يكفر عاذر (المشرك الجاهل المنتسب)زيد: الذي يَقولُ أنَّه يُكَفِّرُ القُبورِيَّ التَّكفِيرَ المُطلَقَ، وأنَّه لا يُكَفِّرُه التَّكفِيرَ العَينِيَّ إلَّا بَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ لِوُجود مانِعِ الجَهلِ؛ هَلْ يَكفُرُ هذا القائلُ بِسَبَبِ اِمتِناعِه عنِ التَّكفِيرِ العَينِيِّ إعذارًا لِلْقُبورِيِّ بِالجَهلِ حتى قِيامِ الحُجَّةِ؟.
نقلا من كتاب
(حوار حول حكم الصلاة في مسجد فيه قبر "النسخة 1.68")
(جمع وترتيب أبي ذر التوحيدي)
عمرو: هذا العاذِرُ لا يَكفُرُ إلَّا بَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ، والبَيَانِ الذي تَزُولُ معه الشُّبهةُ؛ وإليك بَيَانُ ذلك مِمَّا يَلِي:
(1)قالَ الشَّيخُ عادل الباشا في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (مُختَصَرٌ في بَيَانِ "أصلِ الدِّينِ") على مَوقِعِه في هذا الرابط: ومَعنَى (الكُفرِ بِالطاغوتِ) يَحصُلُ فيه كَثِيرٌ مِنَ الغَبَشِ، إذْ يَشتَرِطُ البَعضُ مَعَانٍ زائدةً عنِ الأصلِ هي في حَقِيقَتِها لَوازِمُ وكَمالاتٌ واجِبةٌ، يُدخِلونها في مَعنَى (الكُفرِ بِالطاغوتِ) ويَجعَلون الإتيانَ بِها مِن أصلِ الدِّينِ -وهذا خَطَأٌ-، ومِن ذلك (تَكفِيرُ الطاغوتِ) و(تَكفِيرُ عابِدِيه)... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: والطاغوتُ في حَقِيقَتِه كُلُّ ما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ، سَواءٌ كانَتْ عِبادَتُه بِتَقدِيمِ النُّسُكِ له، أو بِطاعَتِه ومُتابَعَتِه على الباطِلِ، فالطاعةُ في التَّحلِيلِ والتَّحرِيمِ وسائرِ أنواعِ التَّشرِيعِ مِنَ العِبادةِ، لِمَا جاءَ في حَدِيثِ عَدِيِّ [بْنِ حَاتِمٍ] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقَولِ النَّبِيِّ له لَمَّا أنكَرَ عِبادةِ الأحبارِ {أَوَ لَمْ يُحِلُّوا لَكُمُ الحَرامَ وَيَحَرِّمُوا عَلَيْكُمُ الحَلالَ فَأَطَعْتُمُوهُمْ؟، قَالَ (بَلَى)، قَالَ (فَتِلْكَ عِبَادَتُكُمْ إِيَّاهُمْ)}، فَأثبَتَ أنَّ عِبادَتَهم كانَتْ بِمُتابَعَتِهم فِيما شَرَعُوه مِنَ الحَلالِ والحَرامِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: والكُفْرُ بِما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ هو مَضمونُ شَهادةِ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)، فَـ (لَا إلَهَ) نَفيُ العِبادةِ عن غَيرِ اللهِ، و(إلَّا اللَّهُ) إثباتُها له وَحدَهُ، وهذه الصِيغةُ [يَعنِي عِبارةَ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)] مِن أحكَمِ صِيَغِ الإفرادِ والتَّخصِيصِ، حيث النَّفيُ والإثباتُ، وعلى مِنْوَالِها قَولُ إبراهِيمَ عليه السَّلامُ {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} فَفِيها النَّفيُ والإثباتُ المُتَضَمَّنُ في الشَّهادَتَين، وقَولُه سُبحانَه في صِفةِ الكُفرِ بِالطاغوتِ {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا} فَفِيها نَفسُ المَعْنَى، وقَولُ إبراهِيمَ عليه السَّلامُ {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي} فَفِيها نَفسُ المَعنَى أيضًا مِنَ النَّفيِ والإثباتِ، وكُلُّ ذلك يَدُلُّ على أنَّ أصلَ الدِّينِ قائمٌ على نَفيِ العِبادةِ عن غَيرِ اللهِ وإثباتِها له سُبحانَه [قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (مُناظَرةٌ في حُكمِ مَن لا يُكَفِّرُ المُشرِكِين) رادًّا على مَن يُكَفِّرُ عاذِرَ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلإسلامِ قَبْلَ أنْ تُقامَ الحُجَّةُ على العاذِرِ: أصلُ الدِّينِ لا يُعذَرُ فيه أحَدٌ بِجَهلٍ أو تَأوِيلٍ، [وأصلُ الدِّينِ] هو ما يَدخُلُ به المَرءُ في الإسلامِ (الشَّهادَتان وما يَدخُلُ في مَعنَى الشَّهادَتَين)، وما لا يَدخُلُ في مَعنَى الشَّهادَتَين لا يَدخُلُ في أصلِ الدِّينِ الذي لا عُذرَ فيه لِأحَدٍ إلَّا بِإكراهٍ أو اِنتِفاءِ قَصدٍ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عادل الباشا في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (بِدعةُ تَكفِيرِ "العاذِرِ بِالجَهلِ") على مَوقِعِه في هذا الرابط: أمَّا المَعْنَى المُطابِقُ لـ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) فَهو ما دَلَّتْ عليه ألفاظُها بِالتَّضَمُّنِ والمُطابقةِ. وقالَ الشيخُ عبدُالرحيم السلمي (عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة بجامعة أم القرى) في (شرح القواعد المثلى): فالدَّلالةُ لَها ثَلاثةُ أنواعٍ، النَّوعُ الأوَّلُ دَلالةُ المُطابَقةِ، والنَّوعُ الثانِي دَلالةُ التَّضَمُّنِ، والنَّوعُ الثالِثُ دَلالةُ الالتِزامِ؛ فَأمَّا دَلالةُ المُطابَقةِ، فَهي دَلالةُ اللَّفظِ على تَمامِ مَعناه الذي وُضِعَ له، مِثلَ دَلالةِ البَيتِ على الجُدرانِ والسَّقْفِ [مَعًا]، فَإذا قُلْنا {بَيْتٌ} فَإنَّه يَدُلُّ على وُجودِ الجُدرانِ والسَّقْفِ [مَعًا]؛ ودَلالةُ التَّضَمُّنِ، هي دَلالةُ اللَّفظِ على جُزءِ مَعْناه الذي وُضِعَ له، كَما لو قُلْنا {البَيْتُ} وأرَدْنا السَّقفَ فَقَطْ، أو قُلْنا {البَيْتُ} وأرَدْنا الجِدارَ فَقَطْ؛ ودَلالةُ الالتِزامِ، هي دَلالةُ اللَّفظِ على مَعْنًى خارِجِ اللَّفظِ يَلزَمُ مِن هذا اللَّفظِ، فَإذا قُلْنا كَلِمةَ {السَّقفُ} مَثلًا، فالسَّقفُ لا يَدخُلُ فيه الحائطُ، فَإنَّ الحائطَ شَيءٌ والسَّقفُ شَيءٌ آخَرُ، لَكِنَّه يَلزَمُ مِنْه [أيْ لَكِنَّ السَّقفَ يَلزَمُ مِنْه الحائطُ]، لِأنَّه [لا] يُتَصَوَّرُ وُجودُ سَقفٍ لا حائطَ له يَحمِلُه، فَهذه هي دَلالةُ الالتِزامِ (أو اللُّزومِ). انتهى باختصار]... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: ... وأمَّا ما ذَكَرَه الشَّيخُ محمدُ بنُ عبدالوهاب في تَعرِيفِ (الكُفرِ بِالطاغوتِ)، حيث قالَ [في (الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ في الأَجْوِبةِ النَّجْدِيَّةِ)] {وأمَّا صِفةُ الكُفرِ بِالطاغوتِ، فَأنْ تَعتَقِدَ بُطلانِ عِبادةِ غَيرِ اللهِ وتَتَرُكَها وتُبغِضَها، وتُكَفِّرَ أهلَها وتُعادِيهم}، فَهو مِن بابِ ذِكْرِ الشَّيءِ ولَوازِمِه ومُكَمِّلاتِه وعَدَمِ الاقتِصارِ على أصلِه، كَما يُعرَّفُ الإيمانُ تارةً بِاعتِبارِ أصلِه وتارةً بِاعتِبارِ كَمالِه الواجِبِ، ويُنفَى تارةً بِاعتِبارِ أصلِه وتارةً بِاعتِبار كَمالِه الواجِبِ، وهذا ما دَلَّتْ عليه النُّصوصُ، فَقَدْ قالَ سُبحانَه عن صِفةِ الكُفرِ بِالطاغوتِ {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا}، وقالَ على لِسانِ إبراهِيمَ {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ [وَأَدْعُو رَبِّي]}، وقالَ سُبحانَه عن لِسانِ إبراهِيمَ أيضًا {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي}، فَهذا المَعْنَى هو الْمَعْنَى الْمُطَابِقِيُّ لِـ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وما زادَ عليه هو مِن مُقتَضَيَاتِه؛ قالَ الشيخُ عبدُالرحمن بنُ حسن آل الشيخ [في (فتح المجيد)] {وقالَ الخَلِيلُ عليه السَّلامُ لِأبِيهِ وَقَوْمِهِ (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) وهي (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وقد عَبَّرَ عنها الخَلِيلُ بِمَعناها الذي وُضِعَتْ له ودَلَّتْ عليه، وهو البَراءةُ مِنَ الشِّركِ وإخلاصُ العِبادةِ لِلَّهِ وَحدَهُ لا شَرِيكَ له}؛ وقالَ [أيِ الشيخُ عبدُالرحمن بنُ حسن بن محمد بن عبدالوهاب أيضًا] في كِتابِ (الإيمانُ) {فَدَلَّتْ هذه الكَلِمةُ العَظِيمةُ مُطابَقةً على إخلاصِ العِبادةِ بِجَمِيعِ أفرادِها لِلَّهِ تَعالَى، ونَفْيِ كُلِّ مَعبودٍ سِواه، قال تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أيْ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، فَأَرجَعَ ضَمِيرَ [يَعنِي الضَّمِيرَ المُتَّصِلَ (هَا) مِنَ اللَّفظِ (وَجَعَلَهَا)] هذه الكَلِمةِ إلى ما سَبَقَ مِن مَدلولِها، وهو قَولُه (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي)، وهذا هو الذي خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ لِأجلِه وافتَرَضَه على عِبادِه، وأَرسَلَ الرُّسُلَ وأنزَلَ الكُتُبَ لِبَيَانِه وتَقرِيرِه، قالَ تَعالَى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، وقال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، وقالَ تعالَى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)}؛ وقالَ [في كِتابِ (رسائل وفتاوى عبدالرحمن بن حسن بن محمد عبدالوهاب) أيضًا] {فَعَبَّرَ عن مَعْنَى (لَا إِلَهَ) بِقَولِه (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ)، وعَبَّرَ عن مَعْنَى (إِلَّا اللَّهُ) بِقَولِه (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي)، فَتَبَيَّنَ أنَّ مَعْنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) هو البَراءةُ مِن عِبادةِ كُلِّ ما سِوَى اللهِ، وإخلاصُ العِبادةِ بِجَمِيعِ أنواعِها لِلَّهِ تَعالَى، وهذا واضِحٌ بَيَّنٌ لِمَن جَعَلَ اللهُ له بَصِيرةً ولم تَتَغَيَّرْ فِطرَتُه}... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: فَهذه الآيَاتُ دَلِيلٌ واضِحٌ على مَعْنَى التَّوحِيدِ، وصِفةِ (الكُفرِ بِالطاغوتِ) وأنَّها تَكونُ بِاجتِنابِ عِبادَتِه واعتِزاِل العابِدِ والمَعبودِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: ومَوضِعُ الأُسوةِ [يُشِيرُ إلى قَولِه تَعالَى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}] يَتَضَمَّنُ تَمامَ الإيمانِ وكَمالَه، لِذا ذُكِرَ فيه إبداءُ العَداوةِ والبَغضاءِ، ومَعلومٌ أنَّ هذا ليس مِن أصلِه [أيْ ليس مِن أصلِ الإيمانِ]، بَلْ مِن تَمامِ التَّوحِيدِ وكَمالِه، فَثَمَّةَ [(ثَمَّةَ) اِسمُ إشارةٍ لِلْمَكانِ البَعِيدِ بِمَعْنَى (هُنَاكَ)]صُوَرٌ ليس فيها إبداءُ العَداوةِ والبَغضاءِ بَلْ فيها المُصاحَبةُ بِالمَعروفِ والإحسانِ، كَحالِ الوالِدَين المُشرِكَين، وكَحال الكُفَّارِ قَبْلَ دَعوَتِهم وقد قالَ سُبحانَه عن فِرعَونَ {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا} [قالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (مِلَّةُ إبراهِيمَ):... وَهَكَذَا مُوسَى مع فِرعَونَ بَعْدَ أنْ أرسَلَه اللهُ إليه وقالَ {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، فقد بَدَأَ معه بِالقَولِ اللَّيِّنِ اِستِجابةً لِأمرِ اللهِ فَقالَ {هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى، وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} وَأَراه الآيَاتِ والبَيِّناتِ، فَلَمَّا أَظهَرَ فِرعَونُ التَّكذِيبَ والعِنادَ والإصرارَ على الباطِلِ قالَ له مُوسَى كَما أخبَرَ تَعالَى {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا}، بَلْ ويَدعُو عليهم قائلًا {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ، رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ}، فالذِين يُدَندِنون على نُصوصِ الرِّفقِ واللِّينِ والتَّيسِيرِ على إطلاقِها وَيَحْمِلُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَحْمَلِها ويَضَعونها في غَيرِ مَوضِعِها، يَنبَغِي لَهم أنْ يَقِفوا عند هذه القَضِيَّةِ طَوِيلًا ويَتَدَبَّروها ويَفهَموها فَهمًا جَيِّدًا إنْ كانوا مُخلِصِين. انتهى]، فَمَوضِعُ الأُسوةِ يَتَضَمَّنُ الكَمالَ والتَّمامَ، أمَّا مَوضِعُ تَقرِيرِ الأصلِ فَفِيما ذُكِرَ مِن آيَاتٍ وأحادِيثَ مِن اِعتِزالِ عِبادةِ غَيرِ اللهِ والبَراءةِ مِنها ومِن أهلِها [سَبَقَ بَيَانُ أنَّ المُوَالَاةَ قِسْمَانِ؛ (أ)قِسْمٌ يُسَمَّى التَّوَلِّيَ، وأَحْيَانًا يُسَمَّى المُوَالَاةَ الكُبْرَى أو العُظْمَى أو العامَّةَ أو المُطْلَقةَ؛ (ب)مُوالَاةٌ صُغْرَى (أَوْ مُقَيَّدةٌ)؛ وأنَّ المُوَالَاةَ الكُبْرَى كُفْرٌ أكبَرُ؛ وأنَّ المُوَالَاةَ الصُّغرَى هي صُغْرَى بِاعتِبارِ الأُولَى التي هي المُوَالَاةُ الكُبْرَى، وإلَّا فَهي في نَفْسِها أَكْبَرُ الكَبائرِ]. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عادل الباشا أيضًا في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (بِدعةُ تَكفِيرِ "العاذِرِ بِالجَهلِ") على مَوقِعِه في هذا الرابط: اِنتَشَرَ مَقالةُ إكفارِ (العاذِرِ بِالجَهلِ) إثرَ تَصرِيحِ الشَّيخِ (الحازمي) بِذلك في دَعْوَى أنَّ تَكفِيرَ المُشرِكِين يَدخُلُ في (أصلِ الدِّينِ وحَقِيقةِ التَّوحِيدِ) الذي لا يُعذَرُ فيه بِجَهلٍ ولا تَأوِيلٍ، وعليه فَمَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين وعَذَرَهم بِالجَهلِ فَهو مُشرِكٌ مِثلُهم لم يُحَقِّقْ أصلَ الدِّينِ ولم يَأتِ بِالتَّوحِيدِ!، وقد تَلَقَّفَ هذا القَولَ قَومٌ فَتَشَرَّبوه ونَشَروه، وجَعَلوه عَلامةَ التَّوحِيدِ، فَوالَوْا على التَّكفِيرِ وعادَوْا عليه، فَيَا لِلَّهِ، كَمْ ضَلَّتْ بِهذا القَولِ أقوامٌ، وزاغَتْ أفهامٌ، وتَعَثَّرَتْ أقدامٌ، وشُوِّهَتْ أقلامٌ، وسالَتْ بِسَببِه دِماءٌ، وانتُهكِتْ أعراضٌ، وفَسَدَ جِهادٌ، ونَبَتَتْ أحقادٌ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: وما تَدُلُّ عليه الأدِلَّةُ الشَّرعِيَّةُ [هو] أنَّ تَكفِيرَ المُشرِكِين، أو تَكفِيرَ العاذِرِ لهم [أيْ لِلْمُشرِكِين] بِالجَهلِ، ليس مِن (أصلِ الدِّينِ) ولا مِن (الكُفرِ بِالطاغوتِ) [قالَتِ اللَّجنةُ الشَّرعِيَّةُ في جَماعةِ التَّوحِيدِ والجِهادِ في (تُحفةُ المُوَحِّدِين في أهَمِّ مَسائلِ أُصولِ الدِّينِ، بِتَقدِيمِ الشَّيخِ أبي محمد المقدسي): إنَّ الواجِبَ على الإنسانِ الكُفْرُ بِعُمومِ جِنْسِ الطاغوتِ، لِأنَّ هذا شَرطُ الإسلامِ [قالَ الشيخُ أحمدُ الخالدي في (الإيضاحُ والتَّبيِينُ في حُكمِ مَن شَكَّ أو تَوَقَّفَ في كُفرِ بَعضِ الطَّواغِيتِ والمُرتَدِّين، بِتَقدِيمِ الشيخِ عَلِيِّ بْنِ خضير الخضير): لا يَكونُ المَرءُ مُسلِمًا إلَّا بِالكُفرِ بِعُمومِ جِنْسِ الطاغوتِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الخالدي-: واعلَمْ أنَّ الإنسانَ ما يَصِيرُ مُؤمِنًا إلَّا بِالكُفرِ بِالطاغوتِ. انتهى]، فَلا يُعقَدُ له عَقدُ الإسلامِ، ولا تَتِمُّ له عِصمةُ الدَّمِ والعِرْضِ والمالِ إلَّا بِذلك وإنْ لم يَعرِفْ أفرادَه أو يَرَى أعيَانَه... ثم قالَتْ -أيِ اللَّجنةُ-: لا عُذرَ بِالجَهلِ لِمَن لا يَكفُرُ بِجِنسِ الطاغوتِ [قالَ المَكتَبُ العِلْمِيُّ في هَيئَةِ الشامِ الإسلامِيَّةِ في فَتْوَى بِعُنوانِ (هَلْ مَقولةُ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فَهو كافِرٌ" صَحِيحةٌ؟) على مَوقِعِ الهَيئَةِ في هذا الرابط: فَإنَّ الكُفرَ بِالطاغوتِ أصلٌ في الإسلامِ كَما قالَ تَعالَى {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا}، لَكِنَّ تَنزِيلَ الطاغوتِ على فَردٍ مُعَيِّنٍ مَحَلُّ اِجتِهادٍ ونَظَرٍ. انتهى]... ثم قالَتْ -أيِ اللَّجنةُ-: أنواعُ الطاغوتِ؛ (أ)طاغوتُ عِبادةٍ، وهو كُلُّ ما عُبِدَ مِن جَمادٍ، وحَيَوانٍ، وبَشَرٍ، [وَ]مَلائكةٍ، وجِنٍّ، ويُشتَرَطُ في (البَشَرِ، والمَلائكةِ، والجِنِّ) الرِّضَا بِالعِبادةِ [أيْ ويُشتَرَطُ في المَعبودِ مِنَ (البَشَرِ، والمَلائكةِ، والجِنِّ) أنْ يَكونَ راضِيًا عنِ اِتِّخاذِه مَعبودًا]؛ (ب)طاغوتُ حُكْمٍ، وهو يَشْمَلُ الحُكَّامَ، والأُمَراءَ، والمُلوكَ، والوُزَراءَ، والنُوَّابَ، ورُؤَساءَ العَشائرِ والقَبائلِ، والقُضاةَ، (كُلَّ هؤلاء إذا لم يَحكُموا بِما أنزَلَ اللهُ)؛ (ت)طاغوتُ طاعةٍ ومُتابَعةٍ، وهو يَشْمَلُ الأحبارَ ([أيِ] العُلَماءَ) والرُّهبانَ ([أيِ] العُبَّادَ) الذِين يُحَلِّلُون الحَرامَ، ويُحَرِّمون الحَلالَ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (الرِّسالةُ الثَّلاثِينِيَّةُ): كُلُّ طاغوتٍ كافِرٌ، وليس كُلُّ كافِرٍ طاغوتًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: ... والخُلاصةُ أنَّه [أيِ الطاغوتَ] إنَّما يَصِيرُ طاغوتًا إذا اِنطَبَقَ عليه تَعرِيفُ الطاغوتِ المُستَفادُ مِنَ الشَّرعِ، وهو كُلُّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ بِأيِّ نَوعٍ مِن أنواعِ العِبادةِ التي يَكفُرُ مِن صَرَفَها لِغَيرِ اللهِ وهو راضٍ بِذلك، كَأَنْ يُشَرِّعَ مِن دُونِ اللهِ ما لم يَأْذَنْ به اللهُ، أو يُتَحاكَمَ إليه [أيْ إلى مَن يُشَرِّعُ مِن دُونِ اللهِ] بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، أو نَحْوَ ذلك مِمَّا يَندَرِجُ تحت هذا التَّعرِيفِ الشَّرعِيِّ [أيْ لِلطَّاغوتِ] لا التَّعرِيفاتِ اللُّغَوِيَّةِ العامَّةِ ولا اِصطِلاحاتِ البَعضِ المَطَّاطةِ التي يُدخِلون تحتها ما يَهوُون ويَشْتَهون، فَمَن كانَ مِنَ الناسِ يتِحاكَمُ إلى عالِمٍ أو كاهِنٍ أو غَيرِه بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، أو يُتابِعُه على تَشرِيعِ ما لم يَأذَنْ به اللهُ، كَتَحرِيمِ الحَلالِ أو تَحلِيلِ الحَرامِ أوِ اِستِبدالِ أحكامِ اللهِ التي وَضَعَها لِلْخَلقِ أو تَغيِيرِ حُدودِه التي حَدَّها لِلنَّاسِ، فَهذا قدِ اِتَّخَذَه رَبًّا مِن دُونِ اللهِ وطاغوتًا، وهذا هو الذي لا يَصِيرُ مُسلِمًا -وإنْ صَلَّى وصامَ وزَعَمَ أنَّه مُسلِمٌ- حتى يَبْرَأَ مِن طاغوتِه سَواءٌ كانَ يُكَفِّرُه أمْ لم يَكُنْ يُكَفِّرُه. انتهى باختصار]، وإنَّما هو حُكْمٌ شَرعِيٌّ كَغَيرِه مِن أحكامِ الإيمانِ الواجِبِ التي يَجِبُ تَصدِيقُها والتَّسلِيمُ لها، والإقرارُ بِذلك مِن لَوازِمِ أصلِ الدِّينِ ومُقتَضَيَاتِه، ومَن يَدَّعِي أنَّه مِن أصلِ الدِّينِ ليس معه دَلِيلٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، أو قَولُ أحَدٍ مِن سَلَفِ الأُمَّةِ، فَهو قَولٌ مُبتَدَعٌ لا أصلَ له؛ وقدِ اِعتَمَدَ أصحابُ هذه المَقالةِ على بَعضِ أقوالِ الشَّيخِ محمدِ بنِ عبدالوهاب التي ذَكَرَ فيها تَكفِيرَ المُشرِكِين في مَعرِضِ تَعرِيفِه لِأصلِ الدِّينِ فَقالَ [في كِتابِ (أصلُ الدِّينِ وقاعِدَتُه)] {أَصْلُ دِينِ الإسلامِ وقاعِدَتُه أَمْران؛ الأَوَّلُ، الأَمْرُ بعِبادةِ اللهِ وَحْدَه لا شَرِيكَ له، والتَّحرِيضُ على ذلك، والمُوَالَاةُ فيه، وتَكفِيرُ مَن تَرَكَه؛ الثانِي، الإنذارُ عنِ الشِّركِ في عِبادةِ اللهِ، والتَّغْلِيظُ في ذلك، والمُعاداةُ فيه، وتَكفِيرُ مَن فَعَلَه}، وهو تَعرِيفٌ صَحِيحٌ لا إشكالَ فيه، لَكِنَّه كَغَيرِه مِنَ التَّعرِيفاتِ يَتَضَمَّنُ الأركانَ والواجِباتَ واللَّوازِمَ والمُقتَضَيَاتِ، لِأنَّ كُلَّ ما له مُبتَدَأٌ وكَمالٌ يُعَرَّفُ تارةً بِاعتِبارِ حَدِّه وأصلِه، وتارةً بِاعتِبارِ كَمالِه وتَمامِه، ويُنفَى أيضًا بِاعتِبارِ مُبتَدَئه تارةً، وأُخرَى بِاعتِبارِ كَمالِه، فَإذا عُرِّف بِاعتِبارِ أصلِه كانَ التَّعرِيفُ جامِعًا مانِعًا، مُقتَصِرًا على المَعْنَى المُطابِقِ، لا يَدخُلُ فيه غَيرُه، وإذا عُرِّفَ بِاعتِبارِ كَمالِه أُدخِلَ فيه واجِباتُه ولَوازِمُه وشُروطُه المُكَمِّلةُ [أيْ وشُروطُ كَمالِه](تابع ما بعده)
Bookmarks