
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة متعلم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
وضح ابن تيمية رحمه الله سبب هذا الاختصار النسبى، وذلك فى كتابه (النبوات)، وكتاب النبوات من أهم المواضع التى أصّل فيها ابن تيمية الكلام على دلائل نبوة الأنبياء.
قال رحمه الله: (( والمقصود هنا الكلام على النبوة، فإن المتكلمين المبتدعين تكلموا في النبوات بكلام كثير لبسوا فيه الحق بالباطل، كما فعلوا مثل ذلك في غير النبوات كالإلهيات وكالمعاد. وعند التحقيق لم يعرفوا النبوة، ولم يثبتوا ما يدل عليها. فليس عندهم لا هدى ولا بينات. والله سبحانه أنزل في كتبه البينات والهدى، فمن تصور الشيء على وجهه فقد اهتدى إليه، ومن عرف دليل ثبوته فقد عرف البينات، فالتصور الصحيح اهتداء، والدليل الذي يبين التصديق بذلك التصور بينات. والله أنزل الكتاب هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. والقرآن أثبت الصفات على وجه التفصيل، ونفي عنها التمثيل. وهي طريقة الرسل : جاءوا بإثبات مفصل ونفي مجمل. وأعداؤهم جاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل. فلو لم يكن الحق فيما بينه الرسول للناس وأظهر لهم، بل كان الحق في نقيضه، للزم أن يكون عدم الرسول خيرًا من وجوده؛ إذ كان وجوده لم يُفدهم - عند هؤلاء - علما ولا هدى، بل ذكر أقوالاً تدل على الباطل، وطلب منهم أن يتعلموا الهدى بعقولهم ونظرهم ثم ينظروا فيما جاء به، فإما أن يتأولوه ويحرفوا الكلم عن مواضعه، وإما أن يعوضوه.
فذكرنا هذا ونحوه مما يبين أن الهدى مأخوذ عن الرسول، وأنه قد بين للأمة ما يجب اعتقاده من أصول الدين في الصفات وغيرها، فكان الجواب خطابًا مع مَن يقر بنبوته ويشهد له بأنه رسول الله، فلم يُذكر فيه دلائل النبوة، وذُكر أن الشبهات العقلية التي تعارض خبر الرسول باطلة، وذُكر في ذلك ما هو موجود في هذا الجواب.
ثم بعد ذلك حدثت أمور أوجبت أن يُبسط الكلام في هذا الباب، ويُتكلم على حجج النفاة ويبين بطلانها، ويُتكلم على ما أثبتوه من أنه يجب تقديم ما يزعمون أنه معقول على ما عُلم بخبر الرسول، وبسط في ذلك من الكلام والقواعد ما ليس هذا موضعه.
وتُكلم مع الفلاسفة والملاحدة الذين يقولون إن الرسل خاطبوا خطابًا قصدوا به التخييل إلى العامة ما ينفعهم، لا أنهم قصدوا الاخبار بالحقائق. وهؤلاء لم يكن وقت الجواب قصد مخاطبتهم إذ كان هؤلاء في الحقيقة مكذبين الرسل يقولون أنهم كذبوا لما رأوه مصلحة، بل كان الخطاب مع مَن يقر بأن الرسول لا يقول إلا الحق باطنًا وظاهرًا.
ثم بعد هذا طُلب الكلام على تقرير أصول الدين بأدلتها العقلية، وإن كانت مستفادة من تعليم الرسول، وذُكر فيها ما ذُكر من دلائل النبوة، في مصنف يتضمن شرح عقيدة صنفها شيخ النظار بمصر شمس الدين الأصبهاني، فطُلب مني شرحها فشرحتها، وذكرت فيها من الدلائل العقلية ما يُعلم به أصول الدين.
وبعدها جاء كتاب من النصارى يتضمن الاحتجاج لدينهم بالعقل والسمع، واحتجوا بما ذكروه من القرآن، فأوجب ذلك أن يُرد عليهم، ويبيَّن فساد ما احتجوا به من الأدلة السمعية من القرآن، ومن كلام الأنبياء المتقدمين، وما احتجوا به من العقل، وأنهم مخالفون للأنبياء وللعقل : خالفوا المسيح ومَن قبله وحرفوا كلامهم، كما خالفوا العقل، وبُيِّن ما يحتجون به من نصوص الأنبياء، وأنها هي وغيرها من نصوص الأنبياء التي عندهم حجة عليهم لا لهم، وبُيِّن الجواب الصحيح لمن حرف دين المسيح. وهم لم يطالِبوا ببيان دلائل نبوة نبينا، لكن اقتضت المصلحة أن يُذكر من هذا ما يناسبه، ويُبسط الكلام في ذلك بسطًا أكثر من غيره.
وقلوب كثير من الناس يجول فيها أمر النبوات وما جاءت به الرسل ... )) ثم شرع رحمه الله فى تأصيل دلائل النبوة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما بالنسبة لصدق نبينا عليه الصلاة فأقول :
الطريف فى الأمر أن جمهور الملاحدة – قديمًا وحديثًا - مُقرُّون بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان صادقاً مع نفسه فيما يخبر به .
ولذلك احتاجوا إلى ترقيع هذا الخرق، فقالوا بأنه عليه الصلاة والسلام كان يتوهم ما يراه، ومن هنا جاءت شبهة الصرع والمرض النفسى كذب المتهوكون. وبذلك جمعوا – فى وهمهم – بين القول بصدقه وبين بطلان نبوته زعموا.
وهذا القول الذى اضطُروا إليه أقبح من الأول ، وكل مَن طالع طرفًا صالحًا من سيرته عليه الصلاة والسلام استبعد تلك التهمة واستسخفها. وكثير من الملاحدة وغيرهم بعد الإقرار بصدق النبى عليه الصلاة والسلام علم بطلان تهمة الصرع وأشباهها، فمنهم مَن عاد إلى القول بكذبه – وهذا يفسر لك ما تراه من تناقضهم فيما كتبوا – ومنهم مَن وقف حيران – كحيرة "الوحيد" الوليد - لا يدرى كيف يبطل نبوته عليه الصلاة.
ومن أحسن مَن كتبوا فى إبطال تهمتى الكذب والمرض النفسى فى الحديث : الدكتور إبراهيم عوض حفظه الله، فى كتابه (مصدر القرآن)، والعصمة لرسل الله وحدهم.
ويجب أن يُلتفت فى هذا المقام إلى تأصيل تهم الملاحدة وغيرهم، وذلك أن أهل الباطل لا يهدفون إلى تقديم تصور متكامل ورؤية شاملة لأى شىء، بل كل هدفهم هدم الحق ، أستغفر الله ، بل التنقص منه فقط . فإذا خالف أهلُ الباطل مقولة من مقولات الحق، اكتشف أكثرهم أن هذه المقولة المخالفة متقلقلة ولها لوازم قبيحة، فيضطرون إلى ترقيع هذا الخرق بمقولة أخرى، لكن سرعان ما يكتشف أكثرهم أن الرقعة جاءت أقبح من الخرق نفسه ، فيضطرون إلى ترقيع آخر ، ثم يكتشف أكثرهم أنه ألعن وأضل سبيلا ... وهكذا دواليك.
وهذا من عزة الحق !
فكفى بالباطل خزياً أن الحق بقى ثابتاً وألجأه إلى هذا التخبط والاختباط !
وهذا كما لو ضرب الصرعةُ الجبار خصمَه على أم دماغه، فترى المضروب يتجلجل من شدة الضربة، ويحاول اتقاء الأخرى، فمرة يلوذ بناحية يتوهم فيها الأمان، حتى إذا وصلها أدرك غباوته وتركها ليلوذ بأخرى، وهكذا ، وهو متيقن فى كل ذلك ألا عاصم له من عدوه، حتى إذا أدركه اليأس لاذ بأى ناحية استقرت بها قدماه، منتظرًا مصيره الذى يعلمه.
وحال النصارى فى هذا كحال الملاحدة، فإن جمهور علماء النصارى العرب يقولون أيضاً بصدق محمد صلى الله عليه وسلم، ودعك من سخافات صبيانهم التى تراها على الإنترنت الآن، فهم لا يعرفون دينهم أصلاً – ورب الكعبة - فضلاً عن معرفة غيره. فتلك فئران خرجت من جحورها بجرأة الجاهل الغبى، ولا تدرى أن من القطط من يجول أيضًا على الإنترنت بفضل الله وحده.
وفى القديم كان كثير من نصارى العرب يذهبون إلى أبعد من ذلك، فقالوا بصدق نبوته صلى الله عليه وسلم لكن رقعوا ذلك بأن خصوها بالعرب فقط ، وهو أقبح من الأول وأسهل تفنيدًا.
ولم ينخرم إجماع جمهورهم فى الحديث على صدق النبى عليه الصلاة والسلام، لكن رقعوا ذلك بأنه ما دعا إلى الإسلام الذى عليه المسلمون اليوم، وما قصد نسخ النصرانية ولا غيرها، بل كان يدعوهم أصلاً إلى النصرانية التى هى الإسلام نفسه ( يا مثبت العقل والدين ! ) لكن المسلمين لم يفهموا حقيقة دعوة نبيهم، أو انحرفوا عنها عمدًا، أو أى شىء يحلو لعقلك اختراعه !
وتسابقت ألسنة القساوسة فى لعق أحذية المسلمين، راجين خاشعين ملتمسين ألا يُسلطوا عليهم سوط التكفير القرآنى، بحجة أن القرآن لم يكفرهم، فادعت كل طائفة أن القرآن لم يكفرها واضطروا – مرغمين – إلى جبر ذلك بأن القرآن ما كفر إلا الطوائف الأخرى المبتدعة المهرطقة ( إخص عليهم إخص ! ) .
أبعد هذه العزة من عزة !
أبعد هذا الفخر من فخر !
بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق !
Bookmarks