بسم الله، وبه أستعين.
نوبلنس، تعتذر عن فظاظة الأسلوب، وأقبل اعتذارك رجاء أن يقبل الله اعتذاري يوم لا ينفع مال ولا بنون.
المهم، القصد لا يؤثر في صحة عمل فاسد. كيف؟
هنا التصوير، هو فاسد محرم أصلاً. وفيه - ولا شك - مضاهاة قد حرمها الله تعالى. إذ ليس للمضاهاة معنى إلا أن تفعل كما يفعل الله تعالى بشيء قد اختص الله تعالى به. وعليه فلا معنى للقصد ساء أو حسن.
كما أن الله تعالى قد خص نفسه باسم ( الرحمن ) فلو جاء رجل وقال: أنا أسمي نفسي الرحمن، لا بقصد مضاهاة الله تعالى، ولكن لأني أحب هذا الاسم وأرجو أن أتخلق بمعناه. أكان هذا يقبل منه، مع هذه النية الحسنة؟! كلا. لماذا؟ لأن العمل موصل إلى المحظور وهو المضاهاة، شاء أم أبى.
ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( قال الله: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأيام والليالي ). قد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سب الدهر ساباً لله تعالى، مع أن الناس - حتى كفار قريش - لا يسبون الله تعالى، بل يعظمونه. لكنهم يقولون: ( هذا يوم أسود، ولعن الله اليوم الذي عرفت فلاناً فيه، وبئس اليوم يوم كذا ) إلى غير ذلك. فهنا نقول: حسن نواياهم لا يبرر سوء فعلهم، إذ مآل المسبة إلى الله تعالى، لأن المرء إنما يسب الدهر لما يكون فيه من حوادث، ولم يقدر هذه الحوادث المكروهة إليه سوى الله تعالى، فكان المسبوب فعلاً هو الله تعالى.
ونحو هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل قال له: ( ما شاء الله وشئت ) قال: ( أجعلتني لله نداً )؟! مع أن الرجل مسلم موحد من الصحابة. ذلك لأن مآل مقالته إلى التنديد، فلا يصلح فاسدها حسن القصد.
إلى غير ذلك. ومن هذا يتقرر أن العمل الفاسد - الذي يؤول إلى المحرم - حرام ولو حسنت النية. والله أعلى وأعلم.
بل إن هذه القاعدة متجهة حتى في حياتنا اليومية. هب أن رجلاً انشغل عن أبويه زمناً لا يكلمهما، وكان ذلك بحسن نية منه لا بقصد قطع الرحم ولا نكران معروفهما، أكان يعذر بذلك؟ اللهم لا. لماذا؟ لأن مآل فعله إلى المحظور، فهو فاسد لا يصلحه حسن قصد.
ثم عن أخي الفاضل ومضة، أنا لم تعصب له. لكن وجهت كلامه توجيهاً صحيحاً من غير تكلف، وهذا مقتضى حسن الصحبة الذي أمرنا به الله تعالى حيث قال: ( وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب ). ولم يكن هذا منه بدعاً من القول، بل كلمته هذه يطلقها أهل العلم ويقصدون بها ما ذكرت سابقاً. فتأمل ذلك.
أما أني لا أعلم سريرة المفتي فنعم، لكن القرائن تتحدث بما في القلوب. لو رأيت رجلاً من المفتين، يفتي بأمر ظاهر التحريم كالربا في البنوك، ثم يعين مستشاراً فيها ويتقاضى راتباً وقدره كذا وكذا. ألا تظن فيه سوء الطوية؟! وإن لم نقطع، لكن نظن. وهذا مجرد مثل، وغيره في المشاهد كثير، والله المستعان.
أما عن التفريق بين السلف والخلف في حكم الاختلاف، فلم أقل بذلك ولا أخي ومضة. فراجع كلامنا هداك الله. لكن لا ينكر فضل السلف على الخلف من حيث سعة العلم وحسن القصد. يكفي فيهم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ).
وأخيراً أنصح إذا قرأ أحدنا أن يقرأ بعين الاستفادة وطلب الحق، لا بعين النقد والتصيد. وليتفكر في كلام الكاتب قبل أن يرد عليه بما لا يفيد إلا كثرة الرد، فإن العمر قصير، والطريق طويل، ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا، والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم
Bookmarks