قصة العلمانية

{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الشورى:52)

فطر الله تعالى النفس على حب الحق . ومعرفة الحق يسهل في الأمور الرمزية ، أبداها عند الأطفال موجود بالفطرة. لكن بعد الطفولة يواجه الإنسان ما لم يكن يعرف ولا تعود الأمور بتلك السهولة وقد تصعب معرفة الحق وسط العوالق .

أوربا تاهت بجدال أهلها بلا علمٍ ولا هدىً ولا كتاب منير . بل جدلٌ بلا عمل وظن وكتبٌ محرفة . فاختلفوا اختلافاً شديداً .

{ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (لنجم:23)

لم يعرفوا الحق فاتبعوا الظن ولا يغني الظن من الحق شيئاً . واتبعوا الهوى استعجال العاجلة . حتى من استقر على شيءٍ من الحق وقع عليه منهم اختلف في نفسه حتى قال : ولم أتبع الحق أصلاً؟ ما الذين يلزمني بمخالفة هوى النفس وتكلف مشقة الحق ؟

{وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} (القصص:57)

وبعد مزيجٍ من الضلال لقرون توصلوا إلى طريقةٍ يخرجون بها من الخلاف فقالوا : بما أنكم لم ولن تصلوا إلى نتيجة ، وأن من وصل إلى نتيجة لم تعجبه فالحل نراه أن نتعامل مع بعضنا كبشر ، وأن لا نجعل لله بيننا حكماً.

وقالوا : هي الإنسانية ما يجمعنا ، وما يفرقنا إلا الدين ، فانبذوه –الأخير- أو اطرحوه أرضاً .

واتفقوا على تقرير الظن حقاً ، فقالوا : ليس ثمة حقيقة ، بل نسبية وتناسب .

واتفقوا على أن يجعلوا لهم معياراً للحق قالوا : هو الإنسان .

وخرقوا لهم مزيجاً من الظن والهوى أسموه : الضمير . وقالوا : ما لم يؤنبك ضميرك فأنت على حق وإن لم يفهمه الآخرون . وجعلوا ما اتفقت عليه الضمائر أساساً للحكم وقالوا : غاية الناس لا تدرك ، وإنما ما اتفقت عليه غالبيتهم.

نحّوا الدين عن الحياة واجعلوه تصوراً وتساؤلات فقط. وأقيموا الإنسان رباً ، واجعلوا معيار التفاضل : الأخلاق . هذا هو استنتاج أوربا الباهر : اللادينية . العلمانية .

والسؤال الذي عموا عنه :
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} (المؤمنون:115)؟

هل ظننتم أن الله خلقكم عبثاً وأنكم تستطيعون فعل ما تريدون دون حساب ؟
بهذه السهولة تستطيعون أن تكفروا الله نعمته وهو الذي أوجدكم من العدم ؟
هل تظنون أن الله أتقن خلقكم وأحسن صوركم كيف تتفقوا هكذا على أن تداروه –تعالى- بنسكٍ تؤدى وقت الاشتهاء ؟

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) (صّ:27)
هل تظنون أيها العلمانيون أن الله تعالى حينما خلق السماء والأرض بهذا الإتقان خلقها لكي تتفقوا وتديروا ظهوركم عن عبادته بهذه السهولة وأنه سيدعكم تفعلون ما يحلو لكم بينكم أيتها "الإنسانية"؟

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (آل عمران:190-191)

كيف استطعتم إقناع أنفسكم بأن الله العظيم الجبار خلق السماوات والأرض والليل والنهار بهذا التناغم والحساب والدقة ؛ لكي تعيشوا في خيره وعلى أرضه وتأكلوا من فضله وفي ملكه , وكل ذلك مع كفره ؟

{أيحسب الإنسان أن يترك سدى}؟

-------------------------------

لربما غاب الحق كما يُنسى الرجل حتى إذا رأيته عرفته . الإسلام هو الحق . فلماذا رفضت أوربا الحق بعد إذ عرف عقلاؤها الإسلام ؟

الجواب في قوله تعالى : {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (الزخرف:31)

هذا هو السبب . إذ كيف يأتي الحق من عند أمةٍ مثل العرب ؟ كيف يصطفي الله من بين البشرية نبياً رسولاً من غير أوربا أو من نسل غير إسحاق عليه السلام؟

{أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} (القمر:25)

كما رفض اليهود رسالة محمدٍ صلى الله عليه وسلم رفضتها أوربا . رفض الرجل الأوربي الأبيض أن يتبع الحق إذ عن طريق العربي الأسمر .

وليس هذا بمستغرب خاصةً إذا رأينا قراءتهم لتاريخ الأمم الأخرى قراءةً من منظور أن العالم كله يدور حول أوربا .

انظر إلى سرقاتهم لعلوم علماء المسلمين ونسبتها إليهم وجحدهم فضل المسلمين فيها .

هذا هو سبب رفض أوربا الإسلام وتمسكها بالعلمانية .

خافوا مخافة الصناديد لأنهم اعتادوا أنهم مهما اختلفوا بينهم فإن السيادة لا تكون في غيرهم من الأمم . فالرجل الأبيض الأوربي يعتبر نفسه سيد العالم ، بالإضافة إلى الأمريكي الآن .

واتباع الحق سيجعل الجميع سواسية ، فتكبروا : بطروا الحق ، وغمطوا الناس !

لذا اتفقوا يهوداً ونصارى وملحدين على عداء الإسلام وأن يجعلوه العدو الذي يتفقون عليه ولا يخونون بعضهم فيه .

كيف جهاد العلمانية:

1. ترسيخ عقيدة الإسلام والتسليم بأن الدين عند الله الإسلام وأن الله لن يقبل ديناً سواه .
2. بيان الظروف التي أدت إلى اعتناق أوربا العلمانية بعد ابتداعها .
3. بيان كيف أن الإسلام لم يثبت نفسه افتراضاً وإنما بالآيات والبينات بعكس العلمانية التي هي مجرد حلٍ وسط اتفق عليه أئمة الضلال كي يداروا بها سوءات بعضهم أمام الآخرين . كما قال ابن المبارك رحمه الله في أبياتٍ تنطبق على العلمانية:

مثل العلمانية :
وبقيت في خلفٍ يزيـن بعضهـم * بعضاً ليأخذ معـورٌ مـن معـور
ركبوا ثنيات الطريق فأصبحـوا * متنكبين عـن الطريـق الأكبـر

ومثل العلماني :
أأخي إن مـن الرجـال بهيمـةً * في صورة الرجل السميع المبصر
فطنٌ لكـل مصيبـةٍ فـي مالـه * وإذا يصـاب بدينـه لـم يشعـر