بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
نعمتي الألم والخوف
يتردد هذا الموضوع في نفسي منذ أسابيع ورأيت بعد تريث أن من الخير مشاركتكم به عسى أن يكون ذلك سبباً لتبادل النصح وانتهاج الصواب ، فما هي حقيقة الألم والخوف وما فائدتهما للبشرية في الدنيا – فضلاً عن الآخرة؟
الألم والخوف في نظري هما من أكبر نعم الله تعالى على البشر – وهما أكبر حافز للبشر ليتعاونوا ويتجمعوا ويأخذ بعضهم بيد بعض في التطور والتعلم وبناء الحضارة الإنسانية – لا أعني هنا أصل الألم الذي يقعد بصاحبه ويثبطه عن أن يأتي بأي شيء مفيد – ولكن أعني تضافر الألم عند البشر مع عوامل كثيرة – منها إحساس الإنسان بآلام الآخرين من البشر وسعيه الحثيث لتخفيف الألام وإزالة أسبابها – وذاكرة الإنسان لحال الألم أثناء مرضه أو جوعه – وتخيله كم ذلك مؤلم للآخرين – وألمه لمرض أطفاله وجوعهم – وألمه بسبب جراحه وكده وشقاءه – وبسبب الظلم بين البشر - وبسبب اختلال أحوال أقرانه من البشر وخاصة أهله وعشيرته الأقربين
الألم والخوف من الظلم والعدوان بأسبابه المختلفة هو الذي دفع البشر للتكاتف وإنشاء التجمعات البشرية المعتمدة على الرعي ثم الزراعية والصناعية – وهو يدفع الأمم والشعوب للدفاع عن نفسها والتحرر من ظالميها – وهو الذي دفع الأمم المتقدمة أخيراً (بعد الحربين العالميتين) لأن يتعاونوا ويقيموا أسس السلام ومنع الحروب من خلال منظمة الأمم المتحدة (على عيوبها)
الألم والخوف من المرض والوباء ومرض الأطفال والسرطانات والأمراض المستعصية هو الذي دفع بالبشرية إلى تطوير العلوم الطبية والتطعيم وهو الذي دفع بملايين العلماء والأطباء لأن يعكفوا على تطوير الأدوية الحديثة وطرق العلاج الجراحي المتقدم وبذل الأموال الطائلة في سبيل ذلك
الألم والخوف من المجاعة هو الذي دفع العلماء إلى تطوير المحاصيل الزراعية وطرق الري والأسمدة والمبيدات الحشرية – وهو الذي دفع البلاد المختلفة لتطوير التجارة والتبادل وتخزين المؤن – وهو الذي دفع البشرية لإقامة نظام التكافل الاجتماعي والصدقات
الألم والخوف من الكوارث والزلازل هو الذي دفع البشر لتطوير أنظمة السكن والبناء على أسس متينة – واختيار مواقع المدن الجديدة في مناطق أكثر أمناً تجاه هذه الكوارث – وهو الذي دفع البشر لتطوير منظمات الإغاثة وتطوير أساليبها المتنوعة
وهذه التطورات بمجموعها هي أسس الحضارة البشرية الحديثة – التطور الناشئ عن السعادة والراحة يكاد لا يذكر وينحصر في تطور الملاهي ووسائل الترفيه – والتطور المدفوع بالألم والخوف يمثل النسبة الغالبة من تقدم الحضارة البشرية
وهما كذلك للمسلم دوافع لتقوى الله والعمل لاجتناب غضبه وعقابه في الأخرة بالقياس على ما يجده من آثارهما في الدنيا
خاتمة : قرأت كلاماً كثيراً لحمقى الملحدين واللادينيين – يذمون فيه ترتيب الله سبحانه وتعالى ويعترضون على إرادته في خلق الأمراض والبلايا والكوارث – وفي موت الأطفال وآلام المرضى وحصول الحروب والمجازر ودفع الناس بعضهم ببعض والفروق الشاسعة بين البشر من فقير وغنيّ ومن قوي وضعيف – والحق أن اعتراضهم على أحوال الدنيا وتقدير الخالق هو دافع الكثرة الكاثرة من الملحدين إلى أن يحاربوا الإسلام ويبحثوا عما يدّعونه تناقضاً بين حقائق العلوم الحديثة وثوابت الدين – لمجرد بغضهم واعتراضهم على ما يجافي رغباتهم وأمنياتهم في تقدير الله تعالى وأفعاله
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
Bookmarks