النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: نعمتي الألم والخوف

  1. #1

    افتراضي نعمتي الألم والخوف

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً

    نعمتي الألم والخوف

    يتردد هذا الموضوع في نفسي منذ أسابيع ورأيت بعد تريث أن من الخير مشاركتكم به عسى أن يكون ذلك سبباً لتبادل النصح وانتهاج الصواب ، فما هي حقيقة الألم والخوف وما فائدتهما للبشرية في الدنيا – فضلاً عن الآخرة؟

    الألم والخوف في نظري هما من أكبر نعم الله تعالى على البشر – وهما أكبر حافز للبشر ليتعاونوا ويتجمعوا ويأخذ بعضهم بيد بعض في التطور والتعلم وبناء الحضارة الإنسانية – لا أعني هنا أصل الألم الذي يقعد بصاحبه ويثبطه عن أن يأتي بأي شيء مفيد – ولكن أعني تضافر الألم عند البشر مع عوامل كثيرة – منها إحساس الإنسان بآلام الآخرين من البشر وسعيه الحثيث لتخفيف الألام وإزالة أسبابها – وذاكرة الإنسان لحال الألم أثناء مرضه أو جوعه – وتخيله كم ذلك مؤلم للآخرين – وألمه لمرض أطفاله وجوعهم – وألمه بسبب جراحه وكده وشقاءه – وبسبب الظلم بين البشر - وبسبب اختلال أحوال أقرانه من البشر وخاصة أهله وعشيرته الأقربين

    الألم والخوف من الظلم والعدوان بأسبابه المختلفة هو الذي دفع البشر للتكاتف وإنشاء التجمعات البشرية المعتمدة على الرعي ثم الزراعية والصناعية – وهو يدفع الأمم والشعوب للدفاع عن نفسها والتحرر من ظالميها – وهو الذي دفع الأمم المتقدمة أخيراً (بعد الحربين العالميتين) لأن يتعاونوا ويقيموا أسس السلام ومنع الحروب من خلال منظمة الأمم المتحدة (على عيوبها)

    الألم والخوف من المرض والوباء ومرض الأطفال والسرطانات والأمراض المستعصية هو الذي دفع بالبشرية إلى تطوير العلوم الطبية والتطعيم وهو الذي دفع بملايين العلماء والأطباء لأن يعكفوا على تطوير الأدوية الحديثة وطرق العلاج الجراحي المتقدم وبذل الأموال الطائلة في سبيل ذلك

    الألم والخوف من المجاعة هو الذي دفع العلماء إلى تطوير المحاصيل الزراعية وطرق الري والأسمدة والمبيدات الحشرية – وهو الذي دفع البلاد المختلفة لتطوير التجارة والتبادل وتخزين المؤن – وهو الذي دفع البشرية لإقامة نظام التكافل الاجتماعي والصدقات

    الألم والخوف من الكوارث والزلازل هو الذي دفع البشر لتطوير أنظمة السكن والبناء على أسس متينة – واختيار مواقع المدن الجديدة في مناطق أكثر أمناً تجاه هذه الكوارث – وهو الذي دفع البشر لتطوير منظمات الإغاثة وتطوير أساليبها المتنوعة

    وهذه التطورات بمجموعها هي أسس الحضارة البشرية الحديثة – التطور الناشئ عن السعادة والراحة يكاد لا يذكر وينحصر في تطور الملاهي ووسائل الترفيه – والتطور المدفوع بالألم والخوف يمثل النسبة الغالبة من تقدم الحضارة البشرية

    وهما كذلك للمسلم دوافع لتقوى الله والعمل لاجتناب غضبه وعقابه في الأخرة بالقياس على ما يجده من آثارهما في الدنيا

    خاتمة : قرأت كلاماً كثيراً لحمقى الملحدين واللادينيين – يذمون فيه ترتيب الله سبحانه وتعالى ويعترضون على إرادته في خلق الأمراض والبلايا والكوارث – وفي موت الأطفال وآلام المرضى وحصول الحروب والمجازر ودفع الناس بعضهم ببعض والفروق الشاسعة بين البشر من فقير وغنيّ ومن قوي وضعيف – والحق أن اعتراضهم على أحوال الدنيا وتقدير الخالق هو دافع الكثرة الكاثرة من الملحدين إلى أن يحاربوا الإسلام ويبحثوا عما يدّعونه تناقضاً بين حقائق العلوم الحديثة وثوابت الدين – لمجرد بغضهم واعتراضهم على ما يجافي رغباتهم وأمنياتهم في تقدير الله تعالى وأفعاله

    والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
    ثلاث مهلكات: شح مطاع وهوىً متبع وإعجاب المرء بنفسه

  2. #2

    افتراضي

    سلام الله عليك ورحمته وبركاته أخي الفاضل
    زادك الله علماً وفهماً ، ونفعنا بعلمك وما تخطه يدك ، وجعل ذلك في موازين حسناتك
    لو سمحت لي سأضيف شيئاً عن الألم في هذه المرة وصحح لي لو أخطأت بارك الله بيك

    يقال: إن زوال الألم لذة ، كما أن زوال اللذة ألم ..
    وعليه يكون فضل الألم عظيم إذا فهمنا حقيقته ، ففي كتاب الله وفي سنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام اقترن الألم بالابتلاء

    قال تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" [البقرة : 155]

    وفي الحديث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا همّ ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" أخرجه مسلم

    ما فهمته أن الألم قد يكون جزاء عادلاً لذنب اقترفته فعجل الله لي العقوبة بألمٍ آنٍ في الدنيا ليرفع عني ألم دائم في الآخرة وهذه نعمة كبيرة ومنة عظيمة من الله سبحانه وتعالى.

    وقد يكون دافعاً لصلاحي ورفع درجتي في الدنيا قبل الآخرة فيصبح منحة بعد أن كان محنة
    وقد يكون رادعاً لي لعدم اقتراف المزيد من الذنوب ، فمن يطيق تحمل الألم

    الآن لو سمحت ..
    هل تكتب عن علاقة الألم بالصبر والاحتساب ، هل يرافقانه ليساعدا المؤمن على تحمله ، أم هما ثواب عاجل للمؤمن ليشعر بلذة زوال الألم بالرضا والتسليم؟ وهل تتحول نعمة الألم لنقمة بدونهما؟
    فنعم الله قد تتحول لنقم لو لم نحسن الانتفاع بها أو شكر الله عليها

    شكراً مقدماً ، وسلامي لأختي الكريمة ، جزاكما الله خيراً وحفظكما بما يحفظ به عباده الصالحين
    حماك الله
    ............................

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    المشاركات
    2,203
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    موضوع له صلة
    عظيمة نعم الله علينا -- وجحود أن نقابلها بالكفر
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=1127
    الدنيا ساعة اختبار *** فإما جنة وإما نار تحقق من حديث
    http://www.dorar.net/hadith.php

  4. #4

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

    الأخت الفاضلة قرآن الفجر - أشكر ثنائك وتشجيعك على المتابعة وأسأل الله أن يستجيب دعائك ويجعل لك مثلي ذلك

    إن كل ما ذكرته عن فضل الصبر والتسليم وثوابهما صحيح بالتأكيد وبلا استثناء - ولكثرة ما ورد عنه في السنة النبوية ، ولكثرة ما تحدث أمور وفتن وابتلاءات في عصرنا الحالي تدفع الإنسان إلى حافة الصبر فقد أكثر الخطباء وأهل العلم من الحديث عن فضل الصبر والاحتساب وثوابهما - وكان من فضل الله علي أن خطبة الجمعة الماضية التي حضرتها كانت عن هذا الموضوع وقد أجاد الخطيب في ذكر الآثار الواردة وشرحها والتعليق عليها مما يجعلني مستحضراً لها الآن فجزاه الله خيراً

    أضيف إلى كلامك فضل التوكل على الله والثقة به وحسن الظن به - مع ما سبق لك ذكره - فكلها أمور تجلو الضيق وتقوي المسلم وتبعث السكينة في نفسه وتعينه على تجاوز البلايا والصعاب

    ولكن...

    هناك نقاط خفية من المهم جلاؤها - وقلما سمعت خطيباً أو واعظاً يذكرها عندما يذكر فضل الصبر والاحتساب وتحمل البلاء (بل ربما لم أسمع أو أقرأ لأحد العلماء ذكرها في هذا الموضع)

    بعد ذكر كل هذه الأحاديث والأيات عن فضل الصبر - يبدو لبعض من يسمعها أن أفضل ما يمكن أن يفعل هو أن أن يجلس لا يفعل شيئاً ولا يحرك ساكناً بل يستسلم لما يحصل له ويعزوه إلى قضاء الله وتقديره - ليس ذلك فقط بل يسمي ذلك التراخي صبراً ويتوقع عليه المكافأة - وعندما يسمع أن بلاءه كلما ازداد زاد ثوابه ومكافأنه فإنه ربما يستسلم لهذا البلاء ولا يبحث عن سبيل العافية منه - ويكون بذلك قد عاكس فطرته وما بني عليه صلاح أمره من اجتناب الأذى والألم - بل ربما بالغ الكثيرين ممن ينسبون أنفسهم إلى الزهد والتعبد - في قبولهم للبلاء والاستزادة منه ظناً أن ذلك يرفعهم إلى مقام أعلى وأسمى

    أرى أن ذلك خطأ كبير ينافي الطبيعة البشرية وما جبل عليه بني آدم من اجتناب البلاء والضرر وسؤال الله العافية

    ألم يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنا عائشة الصديقية رضي الله عنها أن تسأل الله العافية؟ ألم يقل ها أن خير دعاء تدعوه في ليلة القدر أن تسأل الله العافية؟ ألم يقل رسول الله أثناء مناجاته لله تعالى(بعد انصرافه عن أهل الطائف): إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي - غير أن عافيتك أوسع لي؟

    وماذا تعني العافية؟ أليست معافاة الخلق من البلاء في دينهم ودنياهم واستجلاب أسباب منفعتهم ودفع أسباب ضررهم؟

    ألم يرد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن: "الصبر ضياء"؟ وماذا يعني ذلك؟ أليس ذلك يعني أنه يضيء سبيل المؤمن الذي نزلت به ظلمات البلاء ويعينه على تجاوز محنته والمسير قدماً؟

    الأولى بالمسلم إن نزل البلاء أن يصبر ويحتسب ولا ينهار أمام الألم وأن يرسخ ثقته بالله ويحسن الظن به وبما اختار له في مستقبل الأيام - ولكن ليس الأولى به ولا يقبل منه ألا يحرك ساكناً أمام البلاء وألا يسأل الله دفعه أويستكين له ولا يعمل على التخلص منه

    على المسلم أن يتعلم مما يحيط به - عليه أن يعرف ماذا يريد ويحدد ماذا يريد لنفسه ومجتمعه ومن كل من يقابله ويتواصل معه - عليه أن يطلب ذلك من الله تعالى وأن يسعى لتحقيقه بكل ما آتاه الله من قوى وأدوات - وأن يستخدم خبراته وقدراته لدفع الألم والخوف واجتنابهما له ولمجتمعه ولجميع الخلق - وأن ينظر إلى ما يؤلم ويخيف كحافز ودافع إلى العمل والتفكير بكيفية دفعه والوصول إلى حال أفضل للبشرية

    وهذا لا يعتبر اعتراضاً على إرادة الله ولا دفعاً لمقاديره - ومن نحن وما هي قدرتنا الضعيفة أمام مقاديره - ولا يعتبر مخالفة للتوكل على الله بل هو من حسن الظن بالله - والأمل بما كتب لنا من خير في مستقبل الأيام - فيجب ألا نتوقع أن يقدر الله علينا في المستقبل شراً ونحن لا نعلم غيب الأيام القادمة ولا نجزم أنه سيكون مثل ماضي الأيام بل رجاؤنا من الله كل خير وتفريج ورفع للبلاء وأن يكون مستقبل أيامنا خيراً مما مضى - ويجب أن نتأكد من أننا نعمل على ذلك

    إن الله تعالى أرحم بنا من أمهاتنا ومن أنفسنا - وما تلك البليات والكوارث التي تقع مفردة على بعض الناس أو عامة على مدن وبلاد إلا دوافع للبشرية لتتعلم وتطور قدراتها - فلو أن البلاء وقع على بعض البشر في بعض البلدان فسوف تراه بقية المليارات من البشر وتتعلم منه - ولكن لو وقع هذا البلاء بغير البشر ولم يمسهم مباشرة فربما لم يسمع به أحد ولم يتعلم منه أحد - ولو وقع البلاء بكل البشر لما كان لديهم فرصة أن يتعلموا منه ولكان هذا آخر أيامهم على الأرض - وإلى أن يحين ذلك الوقت يجب أن نتعلم كيف نحسن واقعنا الذي نعيشه ونعمل غاية ما نستطيع لأجل ذلك

    أخي سيف الكلمة - جزاك الله خيراً على ما كتبت فحق لعباد الله أن يذكروا نعمة الله عليهم وأن يعملوا ما بمقدورهم لشكر الله عليها

    والله أعلم - وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين
    التعديل الأخير تم 06-12-2007 الساعة 10:47 AM
    ثلاث مهلكات: شح مطاع وهوىً متبع وإعجاب المرء بنفسه

  5. #5

    افتراضي

    ما شاء الله تبارك الله
    كفيت ووفيت أخي الفاضل
    حماك الله
    ............................

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    10
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاك الله خيرا اخى عباد


    (رب فلا تجعلنى فى القوم الظالمين)
    " سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ" صدق اللة العظيم

    http://www.55a.net/firas/ar_photo/feras/feras11.jpg

  7. افتراضي

    جزى الله الأخ عباد خير الجزاء

    لقد تناول الدكتور مصطفى محمود -شافاه الله وعافاه- الموضوع فقال في كتابه "حوار مع صديقي الملحد" :-

    لماذا خلق الله الشر؟‎

    قال‎ ‎صاحبي ساخرًا‎:
    كيف تزعمون أن إلهكم كامل ورحمن ورحيم وكريم ورءوف وهو قد خلق كل‎ ‎هذه ‏الشرور في العالم .. المرض والشيخوخة والموت والزلزال والبركان والميكروب والسم‎ ‎والحر ‏والزمهرير وآلام السرطان التي لا تعفى الطفل الوليد ولا الشيخ الطاعن‎.
    إذا‎ ‎كان الله محبة وجمالا وخيرا فكيف يخلق الكراهية والقبح والشر‎ .
    والمشكلة التي‎ ‎أثارها صاحبي من المشاكل الأساسية في الفلسفة وقد انقسمت حولها مدارس ‏الفكر واختلفت‎ ‎حولها الآراء‎.
    ونحن نقول أن الله كله رحمة وكله خير وأنه لم يأمر بالشر ولكنه‎ ‎سمح به لحكمة‎.

    ‎{‎إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى‎ ‎اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ‏وَأَقِيمُواْ‎ ‎وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ (29)} الأعراف-28‏‎.

    الله لا يأمر إلا‎ ‎بالعدل والمحبة والإحسان والعفو والخير وهو لا يرضى إلا بالطيب‎.
    فلماذا ترك‎ ‎الظالم يظلم والقاتل يقتل والسارق يسرق؟‎
    لأن الله أرادنا أحرارا .. والحرية‎ ‎اقتضت الخطأ ولا معنى للحرية دون أن يكون لنا حق ‏التجربة والخطأ والصواب‎ .. ‎والاختيار الحر بين المعصية والطاعة‎.
    وكان في قدرة الله أن يجعلنا جميعًا‎ ‎أخيارا وذلك بأن يقهرنا على الطاعة قهرا وكان ذلك ‏يقتضي أن يسلبنا حرية‎ ‎الاختيار‎.
    وفي دستور الله وسنته أن الحرية مع الألم أكرم للإنسان من العبودية مع‎ ‎السعادة .. ولهذا ‏تركنا نخطيء ونتألم ونتعلم وهذه هي الحكمة في سماحه بالشر‎.
    ومع‎ ‎ذلك فإن النظر المنصف المحايد سوف يكشف لنا أن الخير في الوجود هو القاعدة وأن ‏الشر‎ ‎هو الاستثناء‎ ..
    فالصحة هي القاعدة والمرض استثناء ونحن نقضي معظم سنوات عمرنا‎ ‎في صحة ولا يزورنا ‏المرض إلا أياما قليلة .. وبالمثل الزلازل هي في مجملها بضع‏‎ ‎دقائق في عمر الكرة الأرضية ‏الذي يحصى بملايين السنين وكذلك البراكين وكذلك الحروب‎ ‎هي تشنجات قصيرة في حياة ‏الأمم بين فترات سلام طويلة ممتدة‎.

    ثم أننا نرى لكل‎ ‎شيء وجه خير فالمرض يخلف وقاية والألم يربي الصلابة والجلد والتحمل ‏والزلازل تنفس‎ ‎عن الضغط المكبوت في داخل الكرة الأرضية وتحمي القشرة الأرضية من ‏الانفجار وتعيد‎ ‎الجبال إلى أماكنها كأحزمة وثقالات تثبت القشرة الأرضية في مكانها، ‏والبراكين تنفث‎ ‎المعادن والثروات الخبيثة الباطنة وتكسو الأرض بتربة بركانية خصبة .. ‏والحروب تدمج‎ ‎الأمم وتلقح بينها وتجمعها في كتل وأحلاف ثم في عصبة أمم ثم في مجلس ‏أمن هو بمثابة‎ ‎محكمة عالمية للتشاكي والتصالح .. وأعظم الاختراعات خرجت أثناء الحروب ‏‏.. البنسلين‎ ‎الذرة الصواريخ الطائرات النفاثة كلها خرجت من أتون الحروب‎.
    ومن سم الثعبان يخرج‎ ‎الترياق‎.
    ومن الميكروب نصنع اللقاح‎.
    ولولا أن أجدادنا ماتوا لما كنا الآن في‏‎ ‎مناصبنا، والشر في الكون كالظل في الصورة إذا ‏اقتربت منه خيل إليك أنه عيب ونقص في‎ ‎الصورة .. ولكن إذا ابتعدت ونظرت إلى ‏الصورة ككل نظرة شاملة اكتشفت أنه ضروري ولا‎ ‎غنى عنه وأنه يؤدي وظيفة جمالية في ‏البناء العام للصورة‎.
    وهل كان يمكننا أن نعرف‎ ‎الصحة لولا المرض .. إن الصحة تظل تاجا على رؤوسنا لا نراه ‏ولا نعرفه إلا حينما‎ ‎نمرض‎.
    وبالمثل ما كان ممكنا أن نعرف الجمال لولا القبح ولا الوضع الطبيعي لولا‎ ‎االشاذ‎.
    ولهذا يقول الفيلسوف أبو حامد الغزالي: إن نقص الكون هو عين كماله مثل‎ ‎اعوجاج ‏القوس هو عين صلاحيته ولو أنه استقام لما رمى‏‎.
    وظيفة أخرى للمشقات‎ ‎والآلام .. أنها هي التي تفرز الناس وتكشف معادنهم‎.

    لولا المشقة ساد الناس‎ ‎كلهم ... الجود يفقر والإقدام قتال‎

    إنها الامتحان الذي نعرف به أنفسنا‎ .. ‎والابتلاء الذي تتحدد به مراتبنا عند الله‎.

    ثم إن الدنيا كلها ليست سوى فصل‎ ‎واحد من رواية سوف تتعدد فصولها فالموت ليس نهاية ‏القص ولكن بدايتها‎.

    ولا‎ ‎يجوز أن نحكم على مسرحية من فصل واحد ولا أن نرفض كتابا لأن الصفحة الأولى لم‎ ‎تعجبنا‎.
    الحكم هنا ناقص‎..
    ولا يمكن استطلاع الحكمة كلها إلا في آخر المطاف‎ .. ‎ثم ما هو البديل الذي يتصوره ‏السائل الذي يسخر منا؟‎!
    هل يريد أن يعيش حياة بلا‎ ‎موت بلا مرض بلا شيخوخة بلا نقص بلا عجز بلا قيود بلا ‏أحزان بلا آلام‎.
    هل يطلب‎ ‎كمالا مطلقا؟‎!
    ولكن الكمال المطلق لله‎.
    والكامل واحد لا يتعدد .. ولماذا‎ ‎يتعدد .. وماذا ينقصه ليجده في واحد آخر غيره؟‎!
    معنى هذا أن صاحبنا لن يرضيه إلا‎ ‎أن يكون هو الله ذاته وهو التطاول بعينه‎.
    ودعونا نسخر منه بدورنا .. هو وأمثاله‎ ‎ممن لا يعجبهم شيء‎.
    هؤلاء الذين يريدونها جنة‎ ..
    ماذا فعلوا ليستحقونها‎ ‎جنة؟‎
    وماذا قدم صاحبنا للإنسانية ليجعل من نفسه الله الواحد القهار الذي يقول‎ ‎للشيء كن ‏فيكون‎.
    إن جدتي أكثر ذكاء من الأستاذ الدكتور المتخرج من فرنسا حينما‎ ‎تقول في بساطة‎:
    ‎"‎خير من الله شر من نفوسنا‎".
    إنها كلمات قليلة ولكنها تلخيص‎ ‎أمين للمشكلة كلها‎ ..
    فالله أرسل الرياح وأجرى النهر ولكن ربان السفينة الجشع‎ ‎ملأ سفينته بالناس والبضائع ‏بأكثر مما تحتمل فغرقت فمضى يسب الله والقدر .. وما ذنب‎ ‎الله؟! .. الله أرسل الرياح ‏رخاء وأجرى النهر خيرا .. ولكن جشع النفوس وطمعها هو‎ ‎الذي قلب هذا الخير شرا‎.
    ما أصدقها من كلمات جميلة طيبة‎.
    ‎"‎خير من الله شر من‎ ‎نفوسنا‎".‎

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مواضيع مكذوبة ملفقة ونتناقلها احذروها احذروها اللهم بلغت اللهم فاشه
    بواسطة الاشبيلي في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 29
    آخر مشاركة: 03-28-2013, 12:05 PM
  2. اللهم هل بلغنا؟ اللهم فاشهد (دعوة للملحدين وأشباههم)
    بواسطة أبو القـاسم في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 08-04-2011, 11:59 AM
  3. بحثي البسيط الاعجاز في آية النمل في سورة النمل
    بواسطة فارسة الاسلام في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 12-14-2009, 10:08 PM
  4. مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 04-18-2007, 04:46 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء