يبدو أن كل حدث -حتى وإن كان تافهاً- بات مصحوباً بفرقعة إعلامية أو بانفجار فضائى من النوع الإنشطارى
وكأن هذا اللون الجديد من التقديم الإعلامى أصبح مادة تدخل فى عرف المهنة تحت مسمى "جذب المشاهد"
ولا يهم هنا إن كان المشاهد "المجذوب" سيقومون بجذبه من قفاه أو من فضوله أو من غريزته الجنسية !
وكأن هذا "المستر" الغير محترم الذى يعد البرامج لتخريب عقول الناس لا يبحث عن قضاياه إلا فى ماخور أو تحت التراب !
وذلك باسم البحث عما يصدم فطر الناس ويثير فضولهم بشكل حيوانى لا عقل فيه
لتتحول هذه الضجة الإعلامية إلى موسيقى تصويرية مصاحبة لكل موضوع معروض كضرورة ذاتية فى العمل الإعلامى نفسه !
وافتعال هذه القضايا بات حرفة وصنعة يتقنها المزورون والعواطلية
فلا يمر يوم دون أن نسمع عن "ضراط" تحول لقضية ..
أو "نحنحة" تبنتها فضائيات المشرق والمغرب .. ليغترف من قعرها جوقة المفكرين !
أو "تكريعة" تطفرت إعلامياً لتتحول إلى مطلب شعبى يهدر به الملايين
والأمر لا يحتاج إلا لأدوات بسيطة متوفرة فى كل فراغ إعلامى :
نية زى الزفت .. وكاميرا تتحرك باتجاه النصف العارى .. وإعلاميون لا يفقهون إلا حدود "الوسط" وطول حمالة البنطلون !!
ليخرج المنتج النهائى فى صورة إفكٍ مُحلى بكل ألوان الجرافيكس وتقنيات الصوت العالية ..
يناقش قضية تنتمى لعالم ما بين الركبة والسرة .. أو موضوع ينتهك احساسك الإنسانى !!

انتشرت فى هذه الأيام هوشة جديدة عن مسألة رضاع الكبير ..
والأمر على ظاهرهِ يحدث لبساً وربما "قفلة" من النوع الأوتوماتيكى فى رؤوس البعض خاصة عندما يسمعون لأول مرة عن رضاع للـ "كبير" !
إلا أن التأنى فى البحث والتعقل فى قبول الكلام ، سيؤدى حتماً لفهم المراد من هذه المسألة الفقهية "الصغنونة" جداً !!

فرضاع الكبير أو الصغير ليس هو الإسلام ..
ولا يعنى الخلاف الفقهى حولهما أن الإسلام يعانى من تناقض ما .. يبحث عنه المرجفون بكل ما أتوا من غباء !!
وإنما المسلمون هم الذين يعانون فى حقيقة الأمر من غياب القضايا الحقيقية والتعلق بالتوافه !
ولأن الإنسان عدوٌ لما لا يفهم .. وحبيسٌ لتصوره الشخصى ضاق حيز هذا الفهم أو رحب
ولأن الإعلام الفاجر يستثمر جهل الجاهلين وفضول الناس الفاضيين بشكل حرفى متقن ..
فإن الترحيب بمثل هذه الموضوعات المثيرة والمسارعة لتلميعها من مذيعة فاشلة أو إعلامى جاهل يصيب بالإحباط المفعم بالهبل !!
ولو كانت كل القضايا تخضع لقانون النصب الإعلامى لما بقى لنا فى الدين قضية
ولكن حفظ الدين وقضاياه لم يكن يوماً داخل أروقة الفضائيات ولا فى بدروم الإذاعة والتلفزيون
بل فى صدور أهل العلم والفهم الصحيح !

سمعنا عن الفتوى الغريبة التى أصدرها بعض أهل العلم عن جواز أن "ترضع" الموظفة زميلها فى العمل
مباشرة من الثدى .. كشرط لصحة الرضاعة وحصول التحريم !!
وذلك لضرورة عظيمة ونازلة عامة طامة فيما يبدو .. وهى أن يحل لها الخلوة مع السيد "الزميل" فتصبح محرمة عليه خلال الخلوة !
إلا أن هذه "الرضعة" -فيما يبدو برضو- لا تمنع زواجه منها إن أعجبته "المرضعة" واقتنع بقدرتها على العطاء !!
الغريب فى الفتوى ليس فى النصوص الثابتة ولا فى الأحاديث المشكلة ولا فى الخلاف الفقهى المعروف حول رضاع الكبير
بل فى توقيع الفتوى على واقع يتشارك فيه البقر حياتهم مع البنى آدميين بشكل مريب !!
وإنزالها لهذا المنزل دون ضابط أو رابط أو تقييم لحجم الضرورة التى استدعت مثل هذا الكلام
فقد كان من الأولى للمفتى أن ينصح الموظفات الفاضلات بلزوم البيت إلا لضرورة
وأن يكون الخروج للعمل محكوم بفقه الضرورات ومنزلة التقدير الشرعى لها
وأن ننهى عن الخلوة والاختلاط المستبيح لكل عورة والمنتهك لكل ستر والمفضى لكل رذيلة
لا أن نطلب من موظفة تخلو بـ "زميل العمل" أن "ترضع" زميلها بطريق المباشرة لكى تهدأ غريزته بعد أن يرضع منها حتى الإشباع
كيف يكون هذا الفعل الشاذ سبباً لغلق داعى الفتنة .. وكيف نتصور حينئذ شكل الباب الذى يفتحها إن كانت المباشرة تغلقه !!!؟

نحن نخترع مفهوماً للـ "ضرورة" ثم نبحث لها عن "تكييف" فقهى مناسب لما يطلبه المستفتون !
نستدعى من خلاله بعض النصوص الثابتة لنستدل بها على اعوجاج الفهم وقلة الوعى بفقه الواقع وضوابط انزال الحكم على النازلة !
أضف شبهة التوقيت إلى هذا التساهل المفرط فى اطلاق صواريخ الفتاوى واستخراج الأحكام الشاذة والمنبتة عن كل أصل !
تصدر مثل هذه الفتاوى لكى تشتعل المواجهات الفضائية وتسحب البساط من تحت أقدام الشواغل الحقيقية التى تغرق فيها أمة المسلمين ليل نهار !!

الكل يستثمر ويبحث له عن وكلاء ..
فلا خير فى أمة رأسمالها الجهل !!


مفروس (مفطوم)