النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: المقال الثامن - رياض النعيم- شبهات حول مفهوم الرحمة الإلهية -الجزء الثالث والأخير.

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    الدولة
    مصر -الأسكندرية
    المشاركات
    66
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    Arrow المقال الثامن - رياض النعيم- شبهات حول مفهوم الرحمة الإلهية -الجزء الثالث والأخير.

    ثالثاً: الشبهة الثالثة وجوابها:

    *) كيف وهو جل وعلا أرحم الراحمين ويعذب عباده بالنار ؟

    هذا هو الاستشكال الذى يُورد فى هذا الموضع ولكن لدينا سؤال آخر وهو أنه U قال { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }(الأعراف: من الآية156) وجهنم شيء بمنطوق هذا النص فهل شملت رحمته هذا الخلق الذى يخوف الله به عباده ؟!

    إذاً سؤالنا هو : هل خلق النار رحمة أما لا ؟!

    بل جاء فى القرآن الكريم ما هو أعجب قال U { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ (44) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45) }[الرحمن/31-45] .

    ألم أقل لك أعجب من سؤالي : فهل النار نعمة تستحق الشكر وهذا الآية التى تكررت فى هذا الموضع وحده (7) مرات{ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }([1]) ؟!

    فالجنة رحمة ونعمة تستوجب الشكر والحمد نعم فهذا لا يتعجب منه أحد ، ولكن النار نعمة عظيمة تستوجب الذكر من الله U ، بل والحمد من العباد وعدم التكذيب والإقرار بالفضل و المنة منه U عليهم بخلقها ! فهذا ينبغي الوقوف عنده ومعرفته وندعوه U أن يفتح لنا من مشكاة الفهم عنه في كتابه U وسنة نبيه r .

    أُصَّدِرُ الجواب بكلمة قالها شيخ الإسلام الثاني ابن القيم ’:

    ( وهو الذي له الحمد كله، فكمال حمده يوجب أن لا ينسب إليه شر ولا سوء ولا نقص لا في أسمائه ولا في أفعاله ولا في صفاته فأسماؤه الحسنى تمنع نسبة الشر والسوء والظلم إليه، مع أنه سبحانه الخالق لكل شيء فهو الخالق للعباد وأفعالهم وحركاتهم وأقوالهم، والعبد إذا فعل القبيح المنهي عنه كان قد فعل الشر والسوء والرب سبحانه هو الذي جعله فاعلا لذلك، وهذا الجعل منه عدل وحكمة وصواب فجعله فاعلًا خيرًا ،والمفعول شراً قبيحاً، فهو سبحانه بهذا الجعل قد وضع الشيء موضعه لما له في ذلك من الحكمة البالغة التي يحمد عليها.

    فهو خير وحكمة ومصلحة، وإن كان وقوعه من العبد عيبا ونقصًا وشرًا ،وهذا أمر معقول في الشاهد فإن الصانع الخبير إذا أخذ الخشبة العوجاء والحجر المكسور واللبنة الناقصة فوضع ذلك في موضع يليق به ويناسبه كان ذلك منه عدلا وصوابا يمدح به، وإن كان في المحل عوج ونقص وعيب يذم به المحل ومن وضع الخبائث في موضعها ومحلها اللائق بها كان ذلك حكمة وعدلا وصوابا وإنما السفه والظلم أن يضعها في غير موضعها .فمن وضع العمامة على الرأس والنعل في الرجل والكحل في العين والزبالة في الكناسة ، فقد وضع الشيء موضعه ولم يظلم النعل والزبالة إذ هذا محلهما،ومن أسمائه سبحانه العدل والحكيم الذي لا يضع الشيء إلا في موضعه فهو المحسن الجواد الحكيم العدل في كل ما خلقه وفي كل ما وضعه في محله وهيأه له ، وهو سبحانه له الخلق والأمر فكما أنه في أمره لا يأمر إلا بأرجح الأمرين ويأمر بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وإذا تعارض أمران رجح أحسنهما وأصلحهما وليس في الشريعة أمر يُفعل إلا ووجوده للمأمور خير من عدمه ، ولا نهي عن فعل إلا وعدمه خير من وجوده ([2]))ا.هـ

    بعض الحكم الواردة فى خلق النار:

    - ظهور آثار أسماء الرب U وصفاته فى الخلق والأمر:

    قال ابن القيم ’ ([3])

    إن الحكمة إنما تتم بخلق المتضادات والمتقابلات كالليل والنهار والعلو والسفل والطيب والخبيث والخفيف والثقيل والحلو والمر والبرد والألم واللذة والحياة والموت والداء والدواء فخلق هذه المتقابلات هو محل ظهور الحكمة الباهرة ومحل ظهور القدرة القاهرة والمشيئة النافذة والملك الكامل التام فتوهم تعطيل خلق هذه المتضادات تعطيل لمقتضيات تلك الصفات وأحكامها وآثارها وذلك عين المحال فإن لكل صفة من الصفات العليا حكما ومقتضيات وأثرا هو مظهر كمالها وإن كانت كاملة في نفسها لكن ظهور آثارها وأحكامها من كمالها فلا يجوز تعطيله فإن صفة القادر تستدعي مقدورا وصفة الخالق تستدعي مخلوقا وصفة الوهاب الرازق المعطي المانع الضار النافع المقدم المؤخر المعز المذل العفو الرؤف تستدعي آثارها وأحكامها فلو عطلت تلك الصفات عن المخلوق المرزوق المغفور له المرحوم المعفو عنه لم يظهر كمالها وكانت معطلة عن مقتضياتها وموجباتها فلو كان الخلق كلهم مطيعون عابدون حامدون لتعطل أثر كثير من الصفات العلى والأسماء الحسنى وكيف كان يظهر أثر صفة العفو والمغفرة والصفح والتجاوز والانتقام والعز والقهر والعدل والحكمة التي تنزل الأشياء منازلها وتضعها مواضعها فلو كان الخلق كلهم أمة واحدة لفاتت الحكم والآيات والعبر والغايات المحمودة في خلقهم على هذا الوجه وفات كمال الملك والتصرف فإن الملك إذا اقتصر تصرفه على مقدور واحد من مقدوراته فأما أن يكون عاجزا عن غيره فيتركه عجزا أو جاهلا بما في تصرفه في غيره من المصلحة فيتركه جهلا وأما أقدر القادرين وأعلم العالمين وأحكم الحاكمين فتصرفه في مملكته لا يقف على مقدور واحد لأن ذلك نقص في ملكه فالكمال كل الكمال في العطاء والمنع والخفض والرفع والثواب والعقاب والإكرام والإهانة والإعزاز والإذلال والتقديم والتأخير والضر والنفع وتخصيص هذا على هذا وإيثار هذا على هذا ولو فعل هذا كله بنوع واحد متماثل أفراد لكان ذلك منافيا لحكمته وحكمته تأباه كل الإباء فإنه لا يفرق بين متماثلين ولا يسوى بين مختلفين وقد عاب على من يفعل ذلك و أنكر على من نسبه إليه والقرآن مملوء من عيبه على من يفعل ذلك فكيف يجعل له العبيد ما يكرهون ويضربون له مثل السوء وقد فطر الله عباده على إنكار ذلك من بعضهم على بعض وطعنهم على من يفعله وكيف يعيب الرب سبحانه من عباده شيئا ويتصف به وهو سبحانه إنما عابه لأنه نقص فهو أولى أن يتنزه عنه وإذا كان لا بد من ظهور آثار الأسماء والصفات ولا يمكن ظهور آثارها إلا في المتقابلات والمتضادات لم يكن في الحكمة بد من إيجادها إذ لو فقدت لتعطلت الأحكام بتلك الصفات وهو محال يوضحه الوجه الثاني عشر أن من أسمائه الأسماء المزدوجة كالمعز المذل والخافض الرافع والقابض الباسط والمعطي المانع ومن صفاته الصفات المتقابلة كالرضا والسخط والحب والبغض والعفو والانتقام وهذه صفات كمال و إلا لم يتصف بها ولم يتسم بأسمائها وإذا كانت صفات كمال فأما أن يتعطل مقتضاها وموجبها وذلك يستلزم تعطيلها في أنفسها وإما أن تتعلق بغير محلها الذي يليق بأحكامها وذلك نقص وعيب يتعالى عنه فيتعين تعلقها بمحالها التي تليق بها وهذا وحده كاف في الجواب لمن كان له فقه في باب الأسماء والصفات.

    - أفعال الله U محمودة :

    أن مجرد الفعل من غير قصد ولا حكمة ولا مصلحة يقصده الفاعل لأجلها لا يكون متعلقا للحمد فلا يحمد عليه حتى لو حصلت به مصلحة من غير قصد الفاعل لحصولها لم يستحق الحمد عليها كما تقدم تقريره بل الذي يقصد الفعل لمصلحة وحكمة وغاية محمودة وهو عاجز عن تنفيذ مراده أحق بالحمد من قادر لا يفعل لحكمة ولا لمصلحة ولا لقصد الإحسان هذا المستقر في فطر الخلق والرب سبحانه حمده قد ملأ السماوات والأرض وما بينهما وما بعد ذلك فملأ العالم العلوي والسفلي والدنيا والآخرة ووسع حمده ما وسع علمه فله الحمد التام على جميع خلقه ولا حكم يحكم إلا بحمده ولا قامت السماوات والأرض إلا بحمده ولا يتحول شيء في العالم العلوي والسفلي من حال إلى حال إلا بحمده ولا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار إلا بحمده كما قال الحسن ’ الله : (( لقد دخل أهل النار النار وأن حمده لَفِي قلوبهم ما وجدوا عليه سبيلًا )) وهو سبحانه إنما أنزل الكتاب بحمده وأرسل الرسل بحمده وأمات خلقه بحمده ويحييهم بحمده ولهذا حمد نفسه على ربوبيته الشاملة لذلك كله فالحمد لله رب العالمين وحمد نفسه على إنزال كتبه فالحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب وحمد نفسه على خلق السماوات والأرض الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور وحمد نفسه على كمال ملكه الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير محمد ملأ الزمان والمكان والأعيان وعم الأقوال كلها فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون وكيف لا يحمد على خلقه كله وهو الذي أحسن كل شيء خلقه وعلى صنعه وقد أتقنه صنع الله الذي أتقن كل شيء وعلى أمره وكله حكمة ورحمة وعدل ومصلحة وعلى نهيه وكل ما نهى عنه شر وفساد وعلى ثوابه وكله رحمة وإحسان وعلى عقابه وكله عدل وحق فلله الحمد وكله وله الملك كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله والمقصود أنه كلما كان الفاعل أعظم حكمة كان أعظم حمدا وإذا عدم الحكمة ولم يقصدها بفعله وأمره عدم الحمد .



    - أنه سبحانه يجب أن يشكر ويجب أن يشكر عقلا وشرعا وفطرة

    فوجوب شكره أظهر من وجوب شكره أظهر من وجوب كل واجب وكيف لا يجب على العباد حمده وتوحيده ومحبته وذكر آلائه وإحسانه وتعظيمه وتكبيره والخضوع له والتحدث بنعمته والإقرار بها بجميع طرق الوجوب فالشكر أحب شيء إليه وأعظم ثوابا وأنه خلق الخلق وأنزل الكتب وشرع الشرائع وذلك يستلزم خلق الأسباب التي يكون الشكر بها أكمل ومن جملتها أن فاوت بين عباده في صفاتهم الظاهرة والباطنة في خلقهم وأخلاقهم وأديانهم وأرزاقهم ومعايشهم وآجالهم فإذا رأى المعافي المبتلي والغني الفقير والمؤمن الكافر عظم شكره لله وعرف قدر نعمته عليه وما خصه به وفضله به على غيره فازداد شكرا وخضوعا واعترافا بالنعمة وفي أثر ذكره الإمام أحمد في الزهد أن موسى قال: (( يا رب هلا سويت بين عبادك قال اني أحببت أن أشكر )) فإن قيل فقد كان من الممكن أن يسوي بينهم في النعم ويسوي بينهم في الشكر كما فعل بالملائكة قيل لو فعل ذلك لكان الحاصل من الشكر نوع آخر غير النوع الحاصل منه على هذا الوجه والشكر الواقع على التفضيل والتخصيص أعلى وأفضل من غيره ولهذا كان شكر الملائكة وخضوعهم وذلهم لعظمته وجلاله بعد أن شاهدوا من إبليس ما جرى له ومن هاروت وماروت ما شاهدوه أعلى وأكمل مما كان قبله وهذه حكمة الرب ولهذا كان شكر الأنبياء وأتباعهم بعد أن عاينوا هلاك أعدائهم وانتقام الرب منهم وما أنزل بهم من بأسه أعلى وأكمل وكذلك شكر أهل الجنة في الجنة وهم يشاهدون أعداءه المكذبين لرسله المشركين به في ذلك العذاب فلا ريب أن شكرهم حينئذ ورضاهم ومحبتهم لربهم أكمل وأعظم مما لو قدر اشتراك جميع الخلق في النعيم فالمحبة الحاصلة من أوليائه له والرضا والشكر وهم يشاهدون بين جنسهم في ضد ذلك من كل وجه أكمل وأتم

    فالضد يظهر حسنه الضد وبضدها تتبين الأشياء

    ولولا خلق القبيح لما عرفت فضيلة الجمال والحسن ولولا خلق الظلام لما عرفت فضيلة النور ولولا خلق أنواع البلاء لما عرف قدر العافية ولولا الجحيم لما عرف قدر الجنة ولو جعل الله سبحانه النهار سرمدا لما عرف قدره ولو جعل الليل سرمدا لما عرف قدره وأعرف الناس بقدر النعمة من ذاق البلاء وأعرفهم بقدر الفقر من قاسى مرائر الفقر والحاجة ولو كان الناس كلهم على صورة واحدة من الجمال لما عرف قدر الجمال وكذلك لو كانوا كلهم مؤمنين لما عرف قدر الإيمان والنعمة به فتبارك من له في خلقه وأمره الحكم البوالغ والنعم السوابغ .





    النار رحمة ونعمة على المؤمنين فى الدنيا والآخرة



    () رحمة الله U عباده المؤمنين فى الدنيا بذكر النار فى كتابه وعلى لسان نبيه r :



    العباد جميعاً ليسوا على هيئة نفسية واحدة ،فالعباد فى عبادتهم لله U على صنفين :

    الصنف الأول : من يعمل العمل الصالح محبة للرحمن U ،وشوقاً إلى الجنان حيث القرب والرضوان ، ورغبةً فى مرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين أهل الإحسان ، ويترك سيئ الأعمال خائفاً وجلاً حياءاً منه U فأسوء ما ينغص عليه حياته هو إن يراه ربه على معصية فيسقط من عينه فلا يبالى به فى أي سبيلٍ سلك ، ولا أي وادٍ هلك كما قال U {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) }[المؤمنون/57، 61] وقال خير الراحمين { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)} [البقرة/45، 46] وقال أحسن القائلين { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) } [الزمر/9-10] وهذا الصنف مع علو كعبه يخشى على نفسه من تقلب القلوب لذا كان سيد الأولين والآخرين يقول فيما يروي أَنَس t قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا قَالَ نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ([4]))) وفى رواية أم المؤمنين عائشة ~ ((دَعَوَاتٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ يُكْثِرُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَا يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُكْثِرُ تَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ فَقَالَ إِنَّ قَلْبَ الْآدَمِيِّ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ ([5])))



    الصنف الثاني: من يعمل العمل الصالح خشية الذم أو الملام أو الجزاء من الحق أو الخلق فلو غاب تصور العقوبة عن نفسه فلا أقتحم أفاق العمل ولا حدث نفسه به ،اللهم إلا لمماً ، فهناك من الناس من تنزعه نفسه إلى الكسل والتواني فلا يقْدُم على جهادٍ أو بذلٍ ، بل هناك من هو دنئ الهمة فلا يهب لنجدة مستصرخ ، ولا إغاثة ملهوف ، وهناك من هو بخيل حتى على نفسه شحيح لمخالفة هواه فلا يفزع إلى صلاة يُنادى بها أداءاً، ولا صوم قد هل شهره وفاءاً ، فضلاً عن زكاة مفروضة عطاءاً.

    ولا يترك السيئة لولاها(أي العقوبة) وإن دقت طالما على فعلها قادر، ولا كبيرة تبرأ النفس من مقارفتها وإن ظهر عورها ، ولا صغيرة يظهر بين الناس شرها ، فهو لهواه مؤثر ولشهواته مكثر، تراه حين تراه وقد أسكرته لذاته ، قابع فى جب أمانيه يتمنى ألا لو كانت حاضرة لا سؤال عليها ولا حساب .

    فهذا الصنف من الناس لو تُرك ونفسه الأمارة بالسوء ، وهواه المتأجج فى جوانح غيه ، ولم يُذّكر بنارٍ تلظى ووعيد الله Y ، لافتراسه شيطانه فكان من نصيبه المفروض ولكن تتدارك ذاك الصنف رحمة الله U بتذكريهم ناره ووعيده فتنقمع نفوسهم الأمارة بالسوء ، ويتلاشى هواهم وتفر شياطينهم فتستقم قلوبهم على أمر ربهم ، طاعة لأمره خوفاً من ناره وطمعاً فى جنته . اقرأ إن شئت قوله U قال U { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ (44) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45) وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) } [الرحمن/31-47 ] .قال الإمام النسفي ’ ([6]): [والنعمة في هذا نجاة الناجي منه بفضله ورحمته وما في الإنذار به من التنبيه { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ } موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب يوم القيامة فترك المعاصي أو فأدى الفرائض ]. وقال الإمام أبو السعود ’ ([7]):وقولُه تعالَى :{ يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم } قيلَ : يُعرفونَ بسوادِ الوجوهِ وزرقةِ العُيونِ ، وقيلَ : بما يعلُوهم منِ الكآبةِ والحُزنِ { فَيُؤْخَذُ بالنواصى والأقدام } الجارُّ والمجرورُ هُو القائمُ مقامَ الفاعلِ ، يُقَالُ أخذَهُ إِذَا كانَ المأخوذُ مقصوداً بالأخذِ ، ومنه قولُه تعالى : { خُذُواْ حِذْرَكُمْ } ونحُوه . وأخذَ بهِ إذَا كانَ المأخوذُ شيئاً من ملابساتِ المقصودِ بالأخذِ منه قولُه تعالى : { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى } وقولُ المستغيثِ خُذْ بيدِي أخذَ الله بيدِك . أيْ يُجمعُ بين نواصِيهم وأقدامِهم في سلسلةٍ من وراءِ ظُهورِهم ، وقيلَ : تسحبُهم الملائكةُ ، تارةً تأخذُ بالنَّواصِي وتارةً تأخذُ بالأقدامِ . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } . وقولُه تعالَى :{ هذه جَهَنَّمُ التى يُكَذّبُ بِهَا المجرمون } على إرادةِ القولِ ، أيْ يقالُ لهُم ذلكَ بطريقِ التوبيخِ على أنَّ الجملةَ إمَّاستئنافٌ وقعَ جواباً عن سؤالٍ ناشىءٍ من حكايةِ الأخذِ بالنَّواصِي والأقدامِ ، كأنَّه قيلَ : فماذا يفعلُ بهِم عندَ ذلكَ فقيلَ يقالُ إلخ . أو حالٌ من أصحابِ النواصِي والأقدامِ ، لأنَّ الألفَ واللامَ عوضٌ عن المضافِ إليهِ وما بينَهما اعتراضٌ . { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا } أي بينَ النَّارِ يُحرقُون بَها { وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ } ماءٍ بالغٍ من الحرارةِ أقصَاها يُصبُّ عليهم أو يُسقون منْهُ ، وقيلَ : إذَا استغاثُوا من النارِ أغيثُوا بالحميمِ . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } وقد أُشيرَ إلى سرِّ كونِ بيانِ أمثالِ هذه الأمورِ من قبيلِ الآلاءِ مِرَاراً .{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ } شروعٌ في تعدادِ الآلاءِ الفائضةِ عليهم في الآخرةِ بعدَ تعدادِ ما وصلَ إليهم في الدُّنيا من الآلاءِ الدينيةِ والدنيويةِ واعلمْ أنَّ ما عُدِّدَ فيمَا بينَ هذه الأيةِ وبين خاتمةِ السورةِ والكريمةِ من فنونِ الكراماتِ كَما أنَّ أنفسَها آلاءٌ جليلةٌ واصلةٌ إليهمْ في الآخرةِ ، كذلكَ حكاياتُها الواصلةُ إليهم في الدُّنيا آلاءٌ عظيمةٌ لكونِها داعيةً لهم إلى السَّعِي في تحصيلِ ما يُؤدِّي إلى نيلِها منَ الإيمانِ والطَّاعةِ وأنَّ ما فُصِّلَ من فاتحةِ السُّورةِ الكريمةِ إلى قولِه تعالى : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } من النعمِ الدينيةِ والدنيويةِ والأنفسيةِ والآفاقيةِ آلاءٌ جليلةٌ واصلةٌ إليهم في الدُّنيا وكذلكَ حكاياتُها منْ حيثُ إيجابُها للشكرِ والمثابرةِ على ما يُؤدِّي إلى استدامتِها ، وأمَّا مَا عُدِّدَ فيمَا بينَ قولِه تعالى سنفرعُ لكُم وبين هذهِ الآيةِ من الأحوالِ الهائلةِ التي ستقعُ في الآخرةِ فليستْ هيَ من قبيلِ الآلاءِ وإنَّما الآلاءُ حكاياتُها الموجبةُ للانزجارِ عمَّا يُؤدِّي إلى الإبتلاءِ بَها من الكفرِ والمعاصِي كَما أُشيرَ إليهِ في تضاعيفِ تعدادِها . ومقامُه تعالَى موقفُه الذي يقفُ فيه العبادُ للحسابِ يومَ يقومُ النَّاسُ لربِّ العالمينَ ، أو قيامُه تعالَى على أحوالِه من قامَ عليهِ إذا راقبَهُ ، أو مقامُ الخائفِ عندَ ربِّه للحسابِ بأحدِ المعنيينَ . وإضافتُه إلى الربِّ للتفخيمِ والتهويلِ أو هو مقحمٌ للتعظيمِ .{ جَنَّتَانِ } جنةٌ للخائفِ الإنسيِّ وجنةُ للخائفِ الجنيِّ فإنَّ الخطابَ للفريقينِ فالمَعْنى لكلِّ خائفينِ منكُما أو لكُلِّ واحدٍ جنةٌ لعقيدتِه وأُخرى لعملهِ ، أو جنةٌ لفعلِ الطاعاتِ وأُخرى لتركِ المعاصِي ، أو جنةٌ يثابُ بَها وأُخرى يتفضلُ بها عليهِ أو روحانيةٌ وجسمانيةٌ وكذا ما جَاء مَثْنى بعدُ .



    وقوله تعالى {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)} و قوله U {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) } [الصافات/50-57] وجمع U بين نعيم الجنة ولهيب النار فى قوله U { قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) } [الزمر13/28]



    فأصلح الله قلوبهم بذكر ما يخوفهم من عذابه وعقابه ، فتستحضر قلوبهم مهابته وسطوته فتنخلع منها هوى المعصية ومحبتها ولهذا قال U { فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }(البقرة: من الآية24) وقال U {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} (البقرة:48)

    ثم ربط بين الخوف من عذابه والخوف من عتابه وملاقاته ، حتى يرقيهم فى مراقي العبودية فقال U {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (البقرة:281) وقال U { وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }(المائدة: من الآية2) وقال Y { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } (لقمان:33) وقال أرحم الراحمين {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (الزمر:61) وقال رب العالمين{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (الحشر:18)



    الخلاصة


    قال الغزّالي ’[8])

    فاعلم أن الخوف من الله تعالى على مقامين:

    أحدهما: الخوف من عذابه

    والثاني : الخوف منه

    فأما الخوف منه: فهو خوف العلماء وأرباب القلوب العارفين من صفاته ما يقتضي الهيبة والخوف والحذر المطلعين على سر قوله تعالى { وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } [آل عمران/30] وقوله U { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ }[آل عمران/102]

    وأما الأول فهو خوف عموم الخلق وهو حاصل بأصل الإيمان بالجنة والنار وكونهما جزاءين على الطاعة والمعصية وضعفه بسبب الغفلة وسبب ضعف الإيمان وإنما تزول الغفلة بالتذكير والوعظ وملازمة الفكر في أهوال يوم القيامة وأصناف العذاب في الآخرة وتزول أيضا بالنظر إلى الخائفين ومجالستهم ومشاهدة أحوالهم فإن فاتت المشاهدة فالسماع لا يخلو عن تأثير .

    وأما الثاني وهو الأعلى فأن يكون الله هو المخوف أعني أن يخاف العبد الحجاب عنه ويرجو القرب منه.

    قال ذو النون ’ :خوف النار عند خوف الفراق كقطرة قطرت في بحر لجي وهذه خشية العلماء حيث قال تعالى{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر/28].

    ولعموم المؤمنين أيضا حظ من هذه الخشية ولكن هو بمجرد التقليد أيضا هي خوف الصبي من الحية تقليدا لأبيه ([9])وذلك لا يستند إلى بصيرة فلا جرم يضعف ويزول على قرب حتى إن الصبي ربما يرى المعزم يقدم على أخذ الحية فينظر إليه ويغتر به فيتجرأ على أخذها تقليدا له كما احترز من أخذها تقليدا لأبيه والعقائد التقليدية ضعيفة في الغالب إلا إذا قويت بمشاهدة أسبابها المؤكدة لها على الدوام وبالمواظبة على مقتضاها في تكثير الطاعات واجتناب المعاصي مدة طويلة على الاستمرار فإذن من ارتقى إلى ذروة المعرفة وعرف الله تعالى خافه بالضرورة فلا يحتاج إلى علاج لجلب الخوف كما أن من عرف السبع ورأى نفسه واقعا في مخالبه لا يحتاج إلى علاج لجلب الخوف إلى قلبه بل يخافه بالضرورة شاء أم أبى.





    () رحمة الله U عباده المؤمنين فى الآخرة بوجود النار فى كتابه وعلى لسان نبيه r :

    إن من أعظم المنن على العباد إن يثاب المحسن بإحسانه ، ويعاقب المسيء بإسأته ، ولو استويا لصار هذا الأمر عجباً ؟!

    لذا أمتن الله U على المؤمنين من بنى إسرائيل بإهلاك أعداءهم بل عده عليهم من أعظم العطايا والمنن قال U { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ }[البقرة/50] { فَأَنْجَيْنَاكُمْ } أي: خلصناكم منهم، وحجزنا بينكم وبينهم، وأغرقناهم وأنتم تنظرون؛ ليكون ذلك أشفى لصدوركم، وأبلغ في إهانة عدوكم. ([10])

    وقال U لأصحاب نبينا r { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)} [التوبة/14، 15] يقول ابن عاشور ’([11]): أنّ الله ضمن للمسلمين من تلك المقاتلة خمس فوائد تنحلّ إلى اثنتي عشرة إذ تشتمل كل فائدة منها على كرامة للمؤمنين وإهانة لهؤلاء المشركين وروعي في كلّ فائدة منها الغرض الأهمّ فصرح به وجعل ما عداه حاصلاً بطريق الكناية .

    الفائدة الأولى: تعذيب المشركين بأيدي المسلمين وهذه إهانة للمشركين وكرامة للمسلمين .

    الثانية : خزي المشركين وهو يستلزم عِزّة المسلمين .

    الثالثة : نصر المسلمين ، وهذه كرامة صريحة لهم وتستلزم هزيمة المشركين وهي إهانة لهم .

    الرابعة : شفاء صدور فريق من المؤمنين ، وهذه صريحة في شفاء صدور طائفة من المؤمنين وهم خزاعة ، وتستلزم شفاء صدور المؤمنين كلّهم ، وتستلزم حرج صدور أعدائهم فهذه ثلاث فوائد في فائدة .

    الخامسة : إذهاب غيظ قلوب فريق من المؤمنين أو المؤمنين كلّهم ، وهذه تستلزم ذهاب غيظ بقية المؤمنين الذي تحملوه من إغاظة أحلامهم وتستلزم غيظ قلوب أعدائهم ، فهذه ثلاث فوائد في فائدة .

    والتعذيب تعذيب القتل والجراحة . وأسند التعذيب إلى الله وجعلت أيدي المسلمين آلة له تشريفاً للمسلمين .

    والإخزاء : الإذلال ، وتقدّم في البقرة . وهو هنا الإذلال بالأسر .

    والنصرُ حصول عاقبة القتال المرجوّة . وتقدّم في أول البقرة .

    والشفاء : زوال المرض ومعالجة زواله . أطلق هنا استعارة لإزالة ما في النفوس من تعب الغيظ والحقد ،والغيظ : الغضب المشوب بإرادة الانتقام ، وتقدّم في قوله تعالى : { عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } في سورة آل عمران ( 119 ) .

    .والتذييل بجُملة { والله عليم حكيم } لإفادة أنّ الله يعامل الناس بما يعلم من نياتهم ، وأنّه حكيم لا يأمر إلا بما فيه تحقيق الحكمة ، فوجب على الناس امتثال أوامره ، وأنّه يقبل توبة من تاب إليه تكثيراً للصلاح .

    قال مقيده عفا الله عنه وعن والديه:هذه طبيعة إنسانية وفطرية ربانية أن من عاداك فى دينك تفرح لهلاكه ، ومجازاة الكافر بكفره حق لها أن تكون المنة الأعظم والرحمة الأوفى بأهل الإيمان لما ينتقم الله U من الكفار بإدخالهم النيران بل فيه أمور:

    1- الفرح بانتقام الرب Y من عدوه الكافر ولأنه لم يسوى بين وليه وعدوه فى دارٍ واحدة وصدق ربي لما قال U{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)} [هود/18-24] وقال U{ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) }[فصلت/27، 28] وقال U { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)} [الحشر/19، 20] و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ (( لَا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ أَبَدًا))([12])

    2- الاغتباط بمنة الرب U بتحقيق موعوده وتصديقاً بغيبه([13]) ، فما كانت الجنة ونعيمها إلا وعداً غيبياً،ولا النار وحرها إلا وعيداً غيبياً ؛بل قد استبعد من لا دين له ولا خلاق وقوعه { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38)} [المؤمنون/34-38] وغيرها كثير ، أما قول أهل الإيمان كما حكى عنهم ربهم { رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) [آل عمران/193-195].

    3- رحمة الله U بعباده المؤمنين بمجازاة الكافرين بما يكون يذيقون أولياؤه فانظر معي إلى ما صنع أهل الكفر بأهل الإيمان فى الدنيا إلا وتجد عذابهم بها يوم القيامة بل أشد وأنكي كما نوّعوا ولوّنوا من أشكال التنكيل بأوليائه وتعذبيهم كانت أمثالها فى النار مع الفارق وكلٌ يختار لنفسه .فإن سجنوا المؤمنين فإنها { عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)}[البلد] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}[الهمزة 5-9] ، وإن كانوا يأخذونهم بأيديهم وأقدامهم فيومها { يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ (44) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45)} [الرحمن/41-45] ، وإن كانوا يُلِهبون ظهورهم بالسياط ويُقطّعون ثيابهم { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) } [الحج/19-23] ، ولطالما منعوا الماء من عطشى المعذبين فإنهم { وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا }[مريم/86] ، ولطالما سخروا وضحكوا منهم لذا قال U { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)} [المطففين/22-34].

    فكيف بعد هذا كله لا يكن خلق النار رحمة بالمؤمنين في الآخرة فو الله لو اجتمع أدم النبي المُعلّم u وإبليس لعنه الله ، وإبراهيم u والنمرود لعنه الله ، و موسى u وفرعون لعنه الله ، ومحمد r وأبو جهل لعنه الله لما كان فى الجنة النعيم ولا فى النار جحيم ، أيلتقي النقيضان ؟! لا والله أبداً قال U {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) } [الأعراف/40-42]

    نعم ... ما تنعم أهل الجنة بمثل أن يشف الله صدورهم من عدوهم ،و يذهب غيظ قلوبهم منهم ، والله U جمع لهم أنواع النعيم كله ، لو اجتمع مثل هؤلاء لذهب النعيم عن أهله ولسار إلى نفوسهم الحرج والضيق ما يعلمه إلا الله U .

    لذا قال أهل العلم فى قوله تعالى { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ (44) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45) }[الرحمن/31-45] .

    قال شيخ المفسرين الطبري ’ في قوله U ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما معشر الجنّ والإنس -التي أنعم عليكم بها من تعريفه ملائكته أهل الإجرام من أهل الطاعة منكم، حتى خصوا بالإذلال والإهانة المجرمين دون غيرهم.

    وقوله فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) يقول: فبأيّ نعم ربكما معشر الجنّ والإنس التي أنعمها عليكم -بعقوبته أهل الكفر به، وتكريمه أهل الإيمان به - تكذّبان.([14])وقال ابن كثير ’:ولما كان معاقبة العصاة المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه، وكان إنذاره لهم عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك، قال ممتنا بذلك على بريته: { فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .([15]) وقال البقاعي ’:ولما كانت عذاب المجرم - القاطع لما من شأنه أن يكون متصلاً - من أكبر النعم وأسرها لكل أحد حتى لمن سواه من المجرمين ، سبب قوله : { فبأي آلاء ربكما } أي المحسن إليكما أيها الثقلان بإهلاك المجرم في الدارين وإنجاء المسلم مما أهلك به المجرم لطفاً بالمهددين ليرتدعوا وينزجروا عما يكون سبب إهلاكهم هم ومن والاهم([16]).





    كيف دخل هؤلاء النار؟



    قال ابن القيم ’ ( إنما خلق الخلق لعبادته ومعرفته وأصل عبادته محبته على الآئه ونعمه وعلى كماله وجلاله وذلك أمر فطري ابتدأ الله عليه خلقه وهي فطرته التي فطر الناس عليها كما فطرهم على الإقرار به كما قالت الرسل لأممهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض فالخلق مفطورون على معرفته وتوحيده فلو خلوا وهذه الفطرة لنشأوا على معرفته وعبادته وحده وهذه الفطرة أمر خلقي خلقوا عليه ولا تبديل لخلقه فمضى الناس على هذه الفطرة قرونا عديدة ثم عرض لها موجب فسادها وخروجها عن الصحة والاستقامة بمنزلة ما يعرض للبدن الصحيح والطبيعة الصحيحة مما يوجب خروجهما عن الصحة إلى الانحراف فأرسل رسله ترد الناس إلى فطرتهم الأولى التي فطروا عليها فانقسم الناس معهم ثلاثة أقسام :

    - منهم من استجاب لهم كل الاستجابة وانقاد إليهم كل الانقياد فرجعت فطرته إلى ما كانت عليه مع ما حصل لها من الكمال والتمام في قوتي العلم النافع والعمل الصالح فازدادت فطرتهم كمالا إلى كمالها فهؤلاء لا يحتاجون في المعاد إلى تهذيب وتأديب ونار تذيب فضلاتهم الخبيثة وتطهرهم من الأردن والأوساخ فإن انقيادهم للرسل أزال عنهم ذلك كله

    - وقسم استجابوا لهم من وجه دون وجه فبقيت عليهم بقية من الأردن والأوساخ التي تنافي الحق الذي خلقوا له فهيأ لهم العليم الحكيم من الأدوية الابتلاء والامتحان بحسب تلك الأدواء التي قامت بهم فإن وفت بالخلاص منها في هذه الدار وإلا ففي البرزخ فإن وفي بالخلاص موقف القيامة وأهوالها ما يخلصهم من تلك البقية فإن وفي بها وإلا فلا بد من المداواة بالدواء الأعظم وآخر الطب الكي فيدخلون كير التمحيص والتخليص حتى إذا هذبوا ولم يبق للدواء فائدة أخرجوا من مارستان المرضى إلى دار أهل العافية كما دل على ذلك السنة المتواترة عن النبي r وصرح به في قوله حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة وكذلك قوله تعالى طبتم فادخلوها خالدين فلم يأذن لهم في دخولها إلا بعد طيبهم فإنها دار الطيبين فليس فيها شيء من الخبث أصلا ولهذا يلبث هؤلاء في النار على قدر حاجتهم إلى التطهر وزوال الخبث

    - القسم الثالث قوم لم يستجيبوا للرسل ولا انقادوا لهم بل استمروا على الخروج عن الفطرة ولم يرجعوا إليها واستحكم فسادها فيهم أتم استحكام لا يرجى لهم صلاح فهؤلاء لا يفي مجيء الدنيا ومصائب الموت وما بعده وأهوال القيامة بزوال أوساخهم وأدرانهم ولا يليق بحكمة العليم الحكيم أن يجاور بهم الطيبين في دارهم ولم يخلقوا للفناء فهؤلاء أهل دار الابتلاء والامتحان باقون فيها ببقاء ما معهم من درن الكفر والشرك والنار إنما أوقدت عليهم بأعمالهم الخبيثة فعذابهم بنفس أعمالهم السيئ لهم منها صور من العذاب يناسبها ويشاكلها فالعذاب باق عليهم ما بقيت حقائق تلك الأعمال وما تولد منهما دامت موجبات العذاب باقية فالعذاب باق ) ([17]).





    وقد دلت الحديث والآثار الواردة عن السلف على ذلك منها:

    عن أنس _ قال : ((مر النبي r بأناس من أصحابه و صبي بين ظهراني الطريق فلما رأت أمه الدواب خشيت على ابنها أن يوطأ فسعت والهة فقالت : ابني ؛ ابني فاحتملت ابنها فقال القوم : يا نبي الله ما كانت هذه لتلقي ابنها( فى النار ) فقال رسول الله r : ((لا و الله لا يلقي الله حبيبه في النار قال فخصمهم نبي الله r ))([18])



    عن عبدالله بن أبي الهذيل عن عمار بن ياسر t إن أصحابه كانوا ينتظرونه فلما خرج ، قالوا : ما أبطأك عنا ؛حدثنا أيها الأمير . قال :أما إني سأحدثكم أن أخا لكم ممن كان قبلكم وهو موسى u قال: يا رب حدثني بأحب الناس إليك. قال: ولم ، قال: لأحبه بحبك إياه . فقال : عبد في أقصى الأرض أو في طرف الأرض سمع به عبد آخر لا يعرفه فان أصابته مصيبة فكأنما أصابته وان شاكته شوكة فكأنما شاكته لا يحبه إلا لي فذلك أحب خلقي إلي ، ثم قال : يا رب خلقت خلقا تدخلهم النار وتعذبهم فأوحى الله إليه كلهم خلقي ثم قال : ازرع زرعا فزرعه فقال : اسقه فسقاه ثم قال : قم عليه فقام عليه ما شاء الله من ذلك ثم حصده ورفعه فقال: ما فعل زرعك يا موسى قال فرغت منه ورفعته قال : ما تركت منه شيئا قال : ما لا خير فيه .([19]) وعند الإمام عبد لله بن المبارك ’ بسنده عنه( قال: قال موسى u : يا رب خلقت خلقا خلقهم للنار فأوحى الله إليه أن ازرع زرعا فزرعه وسقاه وقام عليه حتى حصده وداسه قال : ما فعل زرعك قال : رفعته قال ما بركت منه قال : ما لا خير فيه وقال فإني لا أدخل النار إلا ما لا خير فيه)([20])

    وهو مروى عن سعيد ابن جبير قال : ( قالت اليهود لموسى u: أيخلق ربك خلقا ثم يعذبهم فأوحى الله اليه يا موسى ازرع قال قد زرعت قال احصد قال قد حصدت قال دس في مغ ادرس قال قد دست قال ذر قال قد ذريت قال فما بقي قال فما بقي شيء فيه خير قال كذلك لا أعذب من خلقي إلا من لا خير فيه([21]) ).



    النار رحمة ونعمة على الكافرين فى الدنيا والآخرة



    وهذا واضح لا مرية فيه لأن من أمر بسلوك طريق ثم لم يوضح للسالكين ما حدوده ولا نهايته وما هي مخاطره، يكون قد غرر بهم - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - فالله U قد بشر وأنذر وهدد وتوعد لهذا قطع عنهم العذر بوصول القول لهم لهذا لا يكن لهم عليه حجة بل لله الحجة البالغة( فهذه رحمة النذارة من عذاب النار كما سبق بيان في أصناف العاملين ) لذا يقال يوم القيامة { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) }[الأنعام/130، 131] {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)} [ الأعراف / 50، 51]{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)} [السجدة/12-14]{ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ } [الزمر/71]

    { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)}[الجاثية31/37] ([22])

    قال النورسي ’ ([23]):

    إن بيان القرآن الكريم فيما يخص جهنم واضح جلي لم يدع مجالا لأي إيضاح آخر، إلا أننا سنبين باختصار شديد ما يزيل بضع شبهات تافهة في نكتتين، محيلين تفاصيلها إلى رسائل النور:

    النكتة الأولى:

    إن التفكير في جهنم والخوف منها لا يزيل لذائذ ثمرات الإيمان المذكورة ولا يفوّتها، لان الرحمة الربانية الواسعة تهتف بذلك الخائف: "تعالَ إلي فدونك باب التوبة ادخل منه". فان وجود جهنم ليس للتخويف، بل ليعّرفك لذائذ الجنة معرفة كاملة، وليذيقك إياها تذوقا كاملا، وليأخذ لك ولمخلوقات غير محدودة الثأر والانتقام ممن انتهك حقوق الجميع واعتدى عليها، وليفرحهم جميعا بهذا ويدخل السرور إليهم.

    فيا غارقاً في الضلالة - وليس بمستطيع أن يخرج منها - إن وجود جهنم لهو أفضل لك من العدم الأبدي، إذ في وجودها نوع من الرحمة حتى للكفار أنفسهم، لان الإنسان - والحيوانات الولودة - يستمتع بتمتع أقاربه وأولاده وأحبابه ويسعد - من جهة - بسعادتهم. فيا أيها الملحد! إما انك ستسقط في هاوية العدم - باعتبار ضلالتك - أو ستدخل نار جهنم. ولما كان العدم شراً محضا، فان الإعدام النهائي لأحبابك جميعا وممن تسعد بسعادتهم من أقاربك وآبائك ونسلك، سيحرق روحك ويعذب قلبك ويؤلم ماهيتك الإنسانية أكثر من عذاب جهنم بألف مرّة؛ لأنه لو لم تكن جهنم لما كانت هناك جنة أيضا. فيسقط كل شئ إذن بكفرك إلى العدم. ولكن إذا دخلت جهنم وبقيت ضمن دائرة الوجود، فان أحبابك وأقاربك اما أنهم سيسعدون في الجنة او أنهم يكونون ضمن دوائر وجود تحت رحمة الله سبحانه. فلا مناص لك إلاّ ان تقبل بوجود جهنم، اذ العداء لوجودها - ورفضه - يعني الانحياز إلى العدم المحض، الذي هو ابادة سعادة جميع الأحبة والأصدقاء وإفناؤهم!.

    نعم ان جهنم دار وجود تؤدي مهمة السجن بحكمة الحكيم الجليل وعدالته، وهي موضع مرعب ومهيب ضمن دائرة الوجود الذي هو الخير المحض، زد على ذلك لها وظائف اخرى وخدمات جليلة، وحكمٌ شتى تخص عالم البقاء. فهي مسكن ذو جلال وهيبة لكثير من ذوي الحياة أمثال الزبانية.

    النكتة الثانية:

    إن وجود جهنم وعذابها الشديد لا ينافي قطعاً الرحمة غير المحدودة، ولا العدالة الحقيقية، ولا الحكمة الموزونة التي لا إسراف فيها، بل ان الرحمة والعدالة والحكمة تتطلب وجود جهنم وتقتضيه، لأن قتل حيوان افترس مائة من الحيوانات او إنزال عقاب بظالم هتك حرمات ألفٍ من الأبرياء، هو رحمة بآلاف الأضعاف للمظلومين من خلال العدالة. وان إعفاء ذلك الظالم من العقاب أو التجاوز عنه، وترك ذلك لحيوان الوحشي طليقا، فيه ظلم شنيع وعدم رحمةٍ لمئات المساكين بمئات الأضعاف، إزاء رحمة في غير موضعها. ومثل هذا أيضا، الكافر المطلق - الذي يدخل سجن جهنم - فانه بكفره ينكر حقوق الأسماء الإلهية الحسنى، أي يتعدى على تلك الحقوق.. وبتكذيبه لشهادة الموجودات - الشاهدة على تلك الأسماء - يتعدى على حقوقها ايضا.. وبإنكاره للوظائف السامية للمخلوقات - وهي تسبيحاتها تجاه الأسماء - يتجاوز على حقوقها.. وبجحوده لأنواع العبادات التي تؤديها المخلوقات تجاه تظاهر الربوبية والألوهية - وهي غاية خلقتها وسبب من أسباب وجودها وبقائها - يتعدى تعديا صارخا على حقوق جميع المخلوقات؛ لذا فالكفر جناية عظيمة وظلم شنيع تتجاوز بشاعته كل حدود العفو والمغفرة، فيحق عليه إذن تهديد الآية الكريمة{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48) بل إن عدم إلقاء مثل هذا الشخص في جهنم رحمةً به هو أمر ينافي الرحمة منافاة كلية في حق هذه الأعداد الهائلة من المخلوقات والكائنات التي اُنتهكت حقوقها.

    وهكذا مثلما يطالب أصحاب الدعاوى بوجود جهنم، فان عزة جلال الله وعظمة كماله سبحانه تطلبانها قطعا.

    نعم، إذا قال سفيه أو شقي عاص لحاكم عزيز للبلاد: "إنك لا تستطيع أن تقذفني في السجن ولن تقدر على ذلك أبدا". متجاوزاً حده ومتعديا على عزة ذلك الحاكم وعظمته، فلابد أن ذلك الحاكم سينشئ سجنا لذلك السفيه المتعدي حتى لو لم يكن هناك سجن في البلاد. كذلك الأمر في الكافر المطلق، فانه بكفره يتعدى بشدة على عزة جلاله سبحانه، وبإنكاره يتحدى عظمة قدرته، وبتجاوزه يمس كمال ربوبيته، فان لم يكن هناك حتى تلك الأسباب الموجبة وتلك المبررات الكثيرة والحكم العديدة والوظائف الكثيرة لجهنم ولوجودها؛ فان خلق جهنم لمثل هؤلاء الكفار وإلقاءهم فيها هو من شأن تلك العزة وذلك الجلال.

    ثم إن ماهية الكفر نفسها توحي بجهنم؛ اذ كما أن ماهية الإيمان اذا تجسمت يمكن ان تبني بلذائذها ونعيم جمالها جنة خاصة في وجدان الإنسان وقلبه، هي جنة مصغرة تومئ وتخبر عن جنة الخلد التي تنتظره في الآخرة، كذلك الكفر - ولاسيما الكفر المطلق - والنفاق والردة فيه من الآلام والأعذبة والظلمات المرعبة بحيث لو تجسمت وتأصلت في نفس صاحبها كونت له جهنمه الخاصة به تلك التي تشير الى ما سيفضي اليه في آخرته من جهنم هي اشد هولاً وأشد عذاباً. ولقد أثبتنا هذا بدلائل قاطعة في رسائل النور، وأشير إليه في مستهل هذه المسألة أيضا.

    ولما كانت هذه الدنيا مزرعة الآخرة، فالحقائق الصغيرة التي فيها تثمر وتتسنبل في الآخرة، فهذه البذرة السامة (الكفر) تشير من هذه الزاوية إلى شجرة الزقوم تلك، وتقول: "أنا اصل تلك الشجرة وجوهرها.. فمن يحملني في قلبه من المنكوبين سأثمر له نموذجا خاصا من تلك الشجرة الملعونة".

    وما دام الكفر تعديا على حقوق غير محدودة، وتجاوزا فاضحا، فهو إذن جناية غير محدودة، لذا يجعل صاحبه مستحقا لعذاب غير محدود. فلئن كان القتل الذي يحدث في دقيقة واحدة يذيق القاتل خمس عشرة سنة من العذاب (ما يقارب ثمانية ملايين دقيقة) ويعتبر ذلك موافقا للعدالة البشرية، وعدّته موافقا للمصلحة العامة وحقوقها، فلا جرم أن دقيقة واحدة من الكفر المطلق - على اعتبار الكفر ألف قتل - تقابل إذن بعذاب يقرب من ثمانية مليارات من الدقائق، على وفق تلك العدالة الإنسانية فالذي يقضي سنة كاملة من عمره في الكفر إذاً يستحق عذاب ترليونين وثمانمائة وثمانين مليارا من الدقائق، إي يكون أهلا لـ:{ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً } (النساء: 169).

    هذا و إن الأسلوب المعجز للقرآن الكريم في بيانه الجنة والنار وما في رسائل النور - التي هي فيض منه وتفسيره - من حجج حول وجودهما، لم يتركا مجالا لأي إيضاح آخر. فآيات كثيرة جدا أمثال: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } (آل عمران: 190) { رَبَّنا اصرف عَنا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّهَا سَاءت مُستَقراً ومُقاما(66)} (الفرقان). واغلب ما كان يردده الرسول الأكرم ‘ في ادعيته في كل وقت، والأنبياء عليهم السلام وأهل الحقيقة منأجرنا من النار)..(نجنا من النار).. (خلصنا من النار )... الذي حاز عندهم قطعية تامة بناء على الوحي المشهود..كل ذلك يبين لنا أن أعظم قضية للبشرية على الأرض إنما هي النجاة من النار، وان أعظم حقيقة وأدهشها من حقائق الكائنات، بل أكثرها أهمية إنما هي "جهنم" التي يشهدها قسم من أولئك المحققين وأهل الشهود والكشف، ويرى آخرون ألسنة لهيبها وظلمة سوادها، ويسمع بعضهم أزيز تضرمها وفورانها فيصرخون من هولها "أجرنا من النار".

    نعم ! إن تقابل الخير والشر في هذا الكون، واللذة والألم، والنور والظلام، والحرارة والبرودة، والجمال والقبح، والهداية والضلالة، وتداخل بعضها ببعض، إنما هي لحكمة كبرى، لأنه ما لم يكن هناك الشر فلا يفهم الخير، وما لم يكن هناك الألم فلا تُعرف اللذة، والضياء من دون ظلام إزاءه لا يبين جماله، ودرجات الحرارة تتحقق بوجود البرودة، وتصبح حقيقة واحدة من الجمال ألفاً من الحقائق بوجود القبح، بل يكتسب آلافا من أنواع الجمال ومراتب الحسن. ويختفي الكثير من لذائذ الجنة بعدم وجود جهنم. فقياسا على هذا يمكن أن يعرف كل شيء من جهة بضده، وبوجود الضد يمكن أن تثمر حقيقة واحدة حقائق عدة.

    فما دامت هذه الموجودات المختلطة تسيل سيلا من دار الفناء إلى دار البقاء. فلابد أن الخير واللذة والنور والجمال والإيمان وأمثالها تسيل إلى الجنة، ويتساقط الشر والألم والظلام والقبح والكفر وأمثالها من الأمور المضرة إلى جهنم. فتسيل سيول هذه الكائنات المتلاطمة دائما إلى ذينك الحوضين وتهدأ ساكنة عندهما نهاية المطاف.







    --------------------------------------------------------------------------------

    ([1]) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري صـ 6 ( آلي مفرد آلاء وهي النعمة التي تتلو غيرها من قولك وليه يليه إذا قرب منه وأصله ولي، وقيل واحد الآلاء الي وقال بعضهم الالي مقلوب من إلى الشئ إذا عظم علي قال فهو اسم للنعمة العظيمة.)

    ([2]) شفاء العليل فى مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل صـ351

    ([3]) شفاء العليل صـ

    ([4]) رواه الإمام أحمد و الترمذي و ابن ماجه وقال الألباني صحيح.

    ([5])رواه الإمام أحمد و الترمذي و ابن ماجه وقال الألباني حسن لغيره الصحيحة برقم 2091.

    ([6]) تفسيرالنسفي (ج 3 / ص 388)

    ([7]) تفسير أبى السعود (ج 6 / ص 251) بتصريف.

    ([8]) إحياء علوم الدين [ جزء 4 - صفحة 167 ].

    ([9]) قال ’ (ومثاله أن الصبي إذا كان في بيت فدخل عليه سبع أو حية ربما كان لا يخاف وربما مد اليد إلى الحية ليأخذها ويلعب بها ولكن إذا كان معه أبوه وهو عاقل خاف من الحية وهرب منها فإذا نظر الصبي إلى أبيه وهو ترتعد فرائصه ويحتال في الهرب منها قام معه وغلب عليه الخوف ووافقه في الهرب فخوف الأب عن بصيرة ومعرفة بصفة الحية وسمها وخاصيتها وسطوة السبع وبطشه وقلة مبالاته ،وأما خوف الابن فإيمانه بمجرد التقليد لأنه يحسن الظن بأبيه ويعلم أنه لا يخاف إلا من سبب مخوف في نفسه فيعلم أن السبع مخوف ولا يعرف وجهه .) نفس الموضع.



    ([10]) تفسير ابن كثير - (ج 1 / ص 259).

    ([11]) التحرير والتنوير - (ج 6 / ص 238).

    ([12]) رواه مسلم وغيره.

    ([13]) قال U { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ(185)} آل عمران.

    ([14]) تفسير الطبري - (ج 23 / ص 52،55)

    ([15]) ابن كثير

    ([16]) نظم الدرر - (ج 8 / ص 313).

    ([17]) شفاء العليل .

    ([18]) هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه وقال الذهبي قي التلخيص : على شرط البخاري ومسلم وقال الألباني فى صحيح الجامع : صحيح برقم 7095، والصحيحة برقم.2407

    ([19]) حلية الأولياء جـ5 - صـ 94

    ([20]) الزهد والرقائق صـ

    ([21]) حلية الأولياء [ جزء 4 - صفحة 286 ]

    ([22]) يقول الإمام المحقق ابن القيم ’ ( والرب سبحانه حمده قد ملأ السماوات والأرض وما بينهما وما بعد ذلك فملأ العالم العلوي والسفلي والدنيا والآخرة ووسع حمده ما وسع علمه فله الحمد التام على جميع خلقه ولا حكم يحكم إلا بحمده ولا قامت السماوات والأرض إلا بحمده ولا يتحول شيء في العالم العلوي والسفلي من حال إلى حال إلا بحمده ولا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار إلا بحمده كما قال الحسن ’(( لقد دخل أهل النار النار وأن حمده لفي قلوبهم ما وجدوا عليه سبيلا)) وهو سبحانه إنما أنزل الكتاب بحمده وأرسل الرسل بحمده وأمات خلقه بحمده ويحييهم بحمده ولهذا حمد نفسه على ربوبيته الشاملة لذلك كله فـ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة/2] وحمد نفسه على إنزال كتبه فـ { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَاب}[الكهف/1]وحمد نفسه على خلق السماوات والأرض { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ }[الأنعام/1]وحمد نفسه على كمال ملكه { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } [سبأ/1]

    حمد ملأ الزمان والمكان والأعيان وعم الأقوال كلها { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)} [الروم/17، 18] وكيف لا يحمد على خلقه كله وهو الذي أحسن كل شيء خلقه وعلى صنعه وقد أتقنه صنع الله الذي أتقن كل شيء وعلى أمره وكله حكمة ورحمة وعدل ومصلحة وعلى نهيه وكل ما نهى عنه شر وفساد وعلى ثوابه وكله رحمة وإحسان وعلى عقابه وكله عدل وحق فلله الحمد وكله وله الملك كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله والمقصود أنه كلما كان الفاعل أعظم حكمة كان أعظم حمدا وإذا عدم الحكمة ولم يقصدها بفعله وأمره عدم الحمد. (شفاء العليل صـ بتصريف)ثم يقول ’ : (- والله سبحانه افتتح الخلق بالحمد وختم أمر هذا العالم بالحمد فقال {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } [الأنعام/1] وقال{ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الزمر/75] وأنزل كتابه بالحمد وشرع دينه بالحمد وأوجب ثوابه وعقابه بالحمد فحمده من لوازم ذاته إذ يستحيل أن يكون إلا محمودا فالحمد سبب الخلق وغايته الحمد أوجبه وللحمد وجد فحمده واسع ما وسعه علمه ورحمته وقد وسع ربنا كل شيء رحمة وعلما فلم يوجد شيئا ولم يقدره ولم يشرعه إلا بحمده ولحمده وكل ما خلقه وشرعه فهو متضمن للغايات الحميدة ولا بد من لوازمها ولوازم لوازمها ولهذا ملأ حمده سمواته وأرضه وما بينهما وما شاء من شيء بعد مما خلقه ويخلقه بعد هذا الخلق فحمده ملأ ذلك كله وحمده تعالى أنواع حمد على ربوبيته وحمد على تفرده بها وحمد على الوهيته وتفرده وحمد على نعمته وحمد على منته وحمد على حكمته وحمد على عدله في خلقه وحمد على غناه عن إيجاد الولد والشريك والولي من الذل وحمده على كماله الذي لا يليق بغيره فهو محمود على كل حال وفي كل أن ونفس وعلى كل ما فعل وكل ما شرع وعلى كل ما هو متصف به وعلى كل ما هو منزه عنه وعلى كل ما في الوجود من خير وشر ولذة وألم وعافية وبلاء فكما أن الملك كله له والقدرة كلها له والعزة كلها له والعلم كله له والجمال كله له والحمد كله له كما في الدعاء المأثور اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله واليك يرجع الأمر كله وأنت أهل لئن تحمد وما عمرت الدنيا إلا بحمده ولا الجنة إلا بحمده ولا النار إلا بحمده حتى أن أهلها ليحمدونه كما قال الحسن ’(( لقد دخل أهل النار النار وإن قلوبهم لتحمده ما وجدوا عليه من حجة ولا سبيل))(شفاء العليل بتصريف)

    ([23]) (كليات رسائل النور جـ 4 الشعاعات صـ 290:286)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2008
    الدولة
    مــــــصـــــــــر
    المشاركات
    1,178
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاكم الله الجنة .
    تركت كل المنتديات واسأل الله الفرج القريب .
    دردشة مع ملحد لادينى
    تتمة الدردشة
    نـــــور * مدونتى لطلبة العلم **نـــور على نـــور مدونتى لى ولكل التائبين
    رضيت بما قَسم الله لى ، وقلتُ ياقلبى يكفيك الجليل مدبراً لى ولا علم لى فحسبى الله ونعم الوكيل .كلمة أعجبتنى .
    وإني لأدعو الله حتى كأنني أرى بجميل الظن ما الله صانع .كلمة أعجبتني .

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. عشرة ملاحظات في خطابنا المعاصر عن الإلحاد (الجزء الثالث والأخير)
    بواسطة مهاب السعيد في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 03-22-2014, 07:17 PM
  2. المقال الثامن - رياض النعيم- شبهات حول مفهوم الرحمة الإلهية -الجزء الأول.
    بواسطة ابوالمنذر في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-18-2009, 05:22 PM
  3. الأجوبة البهية على الأسئلة الغبية (الجزء الثالث والأخير)
    بواسطة فخر الدين المناظر في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 05-12-2008, 05:47 PM
  4. المقال الحادى عشر - رياض النعيم - (11) الآثار والفوائد الإيمانية
    بواسطة ابوالمنذر في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-23-2007, 08:16 PM
  5. المقال الثامن - رياض النعيم- شبهات حول مفهوم الرحمة الإلهية -الجزء الثاني.
    بواسطة ابوالمنذر في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-26-2007, 06:02 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء