قديماً .. كان الحكيم هبولوس هو أول من تكلم فى قدرة العقل على تفسير ظواهر الكون بمادية مطلقة .. من خلال حزمة برسيم !
كان يطوف أسواق المدينة على ظهر حماره المسكين .. يرفع له البرسيم أمام عينيه ومن فوق رأسه ليحصل على توصيلة مجانية بلا ثمن !
فلا انتهى المطاف بالحمار أن أكل برسيماً فى يوم من الأيام .. ولا استطاع هبولوس أن يفسر ظواهر الكون إلا من مفهوم "الحاجة والضرورة" !
فالضرورة أوجدت الحاجة .. والحاجة كانت باعثاً بيولوجياً وفيزيائياً لنشأة الكون .. ولما نشأ الكون لم يكن فيه إلا هبولوس وحماره !

وحتى حين تطور الحمار إلى انسان متعدد الفقرات يمشى على رجلين .. وجد أن هبولوس لا يزال يطوف بكل حمير المدينة .. وبيده الحزمة اياها !
يشرح لهم كيف يفنى الكائن الحى عمره فى تتبع الحاجة .. ويسد رمق الضرورة .. ويثبت بكل ما أوتى من لجاجة :
أن البرسيم يساعد على هضم العقول وتحريرها من كل منطق وتعبيدها للأبد لهبولوس المحتال !!

الإنترنت كانت فاتوحة شر على حمير هبولوس فى هذا الزمان ،
فبعد أن كان أحدهم يزدرى عقله ويمسح به بلاط الكون .. بحثاً عن دليل مادى يخبط به رأساً أو يفقأ له عيناً فى هدوء وبعيداً عن احتقار الآخرين
صارت الآن لعبة البحث عن البرسيم تدور على أعين التجار فى سوق البنى آدمين ، وعرض أتباع هبولوس أنفسهم فى أسواق النخاسة الإنترنتية .. كل يبيع نفسه أو يرهن عقله للحصول على حزمة مجانية أو راحة مؤقتة من اللف والدوران بحثاً عن اسباب الوجود ! وتعفنت الجثث وخرجت رائحتها حتى زكمت منها الأنوف وانتحرت بسببها العقول !

جثث الإلحاد تخرج من مشرحة واحدة .. تزف نفسها إلى قبور العقل وأكفان الجنون .. تدعو أهل الأرض لعبادة حزمة من البرسيم !
من يتابع تواجد الإلحاد العربى على وجه الخصوص فى مقاهى الإنترنت يجد أنها نجحت إلى حد كبير فى التعرى أمام العيون .. يعنى بدون هدوم !
والسبب فى ذلك يعود لهبولوس الحكيم .. ولأن كل الملحدين يأكلون من برسيم واحد .. ومن علاف واحد :
ولا أستبعد أنهم يكتبون من كمبيوتر واحد !!
تجمعهم خصائص موحدة .. تشبه عصابات المافيا حين يعلنون ولائهم حتى الموت لكبير العائلة .. إنه هبولوس الحكيم !
أهم المميزات التى يدرسونها جيداً قبل لحظة الانطلاق من نقطة البداية عند مدخل الكهف .. تجدوها فى الكشكول التالى :

1- التحدى والزعيق والضجيج .. وكأنهم مجموعة من الحمر المستنفرة فرت من جزار أعمى القلب أطرش اليدين ، وهى حالة نفسية مفهومة تتلبس بمن يريد أن يثبت لنفسه أمراً شاذاً عجيباً .. فى الوقت الذى يرى فيه أن كل ما حوله ينطق بعكسه !! خاصة أن مجموع ما يملكه أحدهم من "أدلة" -مع تحفظى على المصطلح- لا يعدو أن يكون قصاصات لا يجمعها رابط ، ومجموعة ضخمة من روابط على الإنترنت ، لا يملك أحدهم الجرأة ولا رباطة الأمعاء على تفسير هذا الخضار البرسيمى الذى يحمله على ظهره من كل مكان على النت ، فهو حاطب ليل .. بوابٌ لبهوات العلم وباشوات الهجايص فى دنيا الإنترنت ، يفتح الأبواب لعظمائها ويحمل عنهم كلابهم وحقائبهم ويمسح لهم السيارات ، فى مقابل أن يحظى بأتوجراف من فخامتهم يمكن نقله لأصدقائه من حملة البرسيم على الإنترنت .. وينضم لفريق المهرجين العلميين !

2- تتملكهم نزعة نفسية نحو اتباع الهوى .. وافتراس المفاهيم حتى لا يبقى من عينها أثراً .. إنه الشخص الوحيد الذى يفجر عقله فى سعادة لا توصف ، وينزع نفسه من سياق الحياة بأكملها ليجلس القرفصاء فى الديب فريزر ، بانتظار المعمل ليخبره هل هو موجود أم لا .. وهل وجوده يقينى يفيد العلم أم ظنى يفتح أبواب الوهم ، إنه الكائن الحى عديد الخلايا الذى يسعد بانتمائه الوثيق للأميبا وخيار البحر ، يغرق فى تأليه الحس وتقديس الأنا وتجويع العقول حتى تصل للمرحلة التى تفترس فيها خلاياها .. وتلجأ تحت وطأة تجفيف الأفهام لنحت قشرة الجمجمة !!

3- التكرار والإعادة وترديد الكلام دون فهم أو إعادة تقييم للمحتوى الذى يقوله بعد أن يسمع كلاماً جديداً من المخالفين المؤمنين ، وتكرار الكلام دليل على خواء الجعبة ونفاد الذخيرة الفكرية التى كان من المفترض أنه يشحنها كل ليلة كى تعضد موقفه الإلحادى ، ويملأها بكل فطيسة ومسحول كى تعينه على التفتت العقلى الذى يعانيه ، ولذلك نجد أن المنصفين منهم والباحثين عن الحق بصدق لا يرددون الكلام على هذا النحو البباغواتى ، بل حين يفهمون يؤمنون ولا ريب ، وما أكثر من آمن منهم حين أنقذ عقله من حزمة هبولوس !

4- التدليس وقصقصة الكلام وبتره عن سياقه ليعطونه "نيو لوك" يناسب اعتقادهم ، وهذه الآفة باتت مفضوحة مكشوفة لكل معاين لحواراتهم ، والكثيرون منهم لا يعلمون ابتداءً أن خزينتهم الحنجرية من الكلام الذى يردده ويكتبه آلاف المرات دون ملل أصله مبتور أو مقصوف الرقبة ، لأنه إنما أتى به من عند آخرين على هيئته التى لم يفهم غيرها ، ولم يكلف نفسه عناء البحث والتحرى ليفهم أول الكلام من آخره !

5- اشكالية التخصص تضرب بقوة أعمدة "المفكرين" الملحدين فى عالم الإنترنت ، فالمفكر الملحد يرى فى نفسه شيئاً لطيفاً : بما أنه قد تحرر من عقله وأغلال الإدراك ونفى عن نفسه أى علاقة بالإرهاب الفكرى المسمى بالمنطق ، وعاد بالسلامة إلى أصله الحقيقى .. مجرد مجموعة من الذرات تسبح فى الكون يرتطم أحدها بحذاء بعض ، فإن بامكانه الآن أن يرتقى لدرجة "باحث مفكر فى علوم الكون" .. وبحسب التخصص نراهم على أحواض الجدال والسفسطة زرافات ونسانيس .. أحيانا ديوك رومى لا تمل من كثرة الكركرة ، إلا أنى -وللحق- معجب بقدرتهم على موائمة التخصص بمجال الدراسة والبحث : فالعجلاتى لا يحق له أن يفكر ويفتى ويتناظر إلا فى علوم الفيزياء ، إما إن كان ميكانيكى فبامكانه الجدال فى فيزياء نيوتن وميكانيكا الكم ونظرية الأوتار الفائقة ، وطلبة الجامعة فى ممارسة الشغب الأنطلوجى ، وسائقو الميكروباصات فى اثبات نظرية التطور .. وهلم جرا .. ومنهم من وصل لمرحلة (Guru) إذ بامكانه أن يمارس التهجيص المفتوح فى كل علوم الحياة تقريباً .. ربما باستثناء علم واحد صغير وهو علم الساعة !!

6- أسماؤهم كلها تدل على حالتهم النفسية المترددة ومعاناتهم العقلية -لا الفكرية- فى الصغير والكبير ، والدقيق والعويص ، التردد والتوهان سمة ملازمة لهم جميعاً : فهذا باحث وهذه باحثة ، وذاك شاك وهذه حائرة ، وقد يرتقى بأحدهم الحال فيستلهم روح الأجداد القرود والمحاربين المعيز ليسمى نفسه "مفكر" .. أو "عاقل" .. وكأنه يدافع عن نفسه لا شعورياً ، ويريد أن يثبت لنفسه عقلاً .. ولكن دون دليل .. أو يريد أن يرتقى لصفات الفقاريات العليا والثدييات المتطورة أمام شبحه فى المرآة ، والذى يخرج له لسانه كل حين ويقول له أنت مجرد أحمق .. وجدك القرد ميمون !!

5- أغلبهم لا يملك دليلاً علمياً تجريبياً معملياً على وجوده .. وليس لديه القدرة الذهنية على أن يثبت وجود نفسه ، ولئن سألته أن يأتى بدليل على وجوده لا يبادر بصفعك أو سبك لأنك أهنته شخصياً ، بل يبادر فى سذاجة بالبحث على الإنترنت عن دليل انترنتى على وجوده .. وربما استعان بصديق فى هذا السؤال العسير ، فرج الله كربة كل مؤمن !

6- ينفون البديهيات هرباً من الإلزام الذى يحتم عليهم قبولها ، ويجادلون فى الواضحات خشية أن يصبحوا واضحين أكثر من اللازم ، حتى إن قلت لهم إن أصلهم نطفة أو تراب أو طين ارتدوا لامة الحرب ، وتشنجوا وصرخوا بأنهم أفضل من ذلك ، فقد أتوا من مكان محترم سحيق .. من ماما بكتريا تحت المحيط !!

7- أكثر الناس مطالبة لمخالفيهم بالدليل .. ثم هم أقل الناس فهماً لمعناه ، وأكثرهم اغلاقاً لفهم محتواه !

8- يتنطعون بكل تقعر .. و يتشدقون بكل شاذ من القول وغريب من الاصطلاحات ، متشبثون بحبائل السفسطة ، وهى وسيلة دفاعية جيدة يمارسها من قبلهم حيوان صغير اسمه "الظربان" .. يضرب قنابل الدخان المنتن قبل أن يفتح فمه بأى كلمة ، وهذا الأسلوب يفيدهم كثيراً فى ترسيخ ظلالهم بين أظهر العوام ، فيعمل هذا الاسلوب على تطفيش أنصاف المتعلمين ، وابهار الجاهلين الواهمين ، والأخذ بعقول المتحذلقين .. وربما فقع مرارة المؤمنين !!

9- ما رأيت ملحداً.. أو تائهاً لاأدرياً..أو لادينياً .. إلا وادعى وصاله بالعلم ، وليس بالعلم فقط فى مجمله ، بل بأهله ومقدماته وأسسه وأدلته التجريبية وخبراته المعلمية وتفسيراته المنطقية وبراهينه العقلية .. ألخ ألخ !! .. وكأن العلم هو مصدر باعث على الإلحاد ، والإيمان قرين الجهل والتخلف ، ولم أر أى أحد أبعد من العقل والمنطق سواهم ، ولم يشهد التاريخ أى كائن يزدرى نفسه وعقله بالقدر الذى يفعله الملحدون على أكمل وجه وأتم حال ، ولئن اقمت عليهم الحجة وألزمتهم بالمنهج العلمى الذى يتشدقون به تولوا ولهم ضراط !!

هذا بعض ما عندنا والله المستعان

مفروس