هل يغلب الإلحادُ الإيمانَ الحقّ؟إن الإسلام لهو الدين الحق. وإن عقيدته لهي العقيدة الموافقة للعقل الصريح، وإن بنائه لسهل متكامل. وإن أساسه لهو التوحيد، - إفراد الله فيما يختص به -. وإن حججه باهرة كفلق الصبح، تُزهق أضواءه ظلمات آخر الليل.
ألم تر أن السيف ينقُص قدره * إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
تأليف: بيورن يورانسون
ترجمة: هيثم زين
بسم الله الرحمن الرحيم أكتب كتابي هذا
مقدمة:
أما الإلحاد فعلى العكس تماما. فهو عبارة عن عقيدة هشّة، مليئة بالفجوات، لا يمكن لها أن تحيا بغير ما يوازنها في الكفة الأخرى من الأديان الباطلة، والتي يذكرها الملحد ويتمثل بها، مرارا وتكرارا في محاوراته.
ويمكن أن نلخص النقاش الجاري في هذا الكتاب في النقاط التالية:
• ابتداء الوجود حدث لسببٍ ما.
• الكون بدأ في الوجود.
• إذًا فإن الكون قد بدأ في الوجود لسبب ما.
يجب أن ننبه هنا –لأنه من المستحسن أن يُعلم باكرا- أن الملاحدة لا يستندون إلى منطق أو معقول في مجابهة الإيمان بالله. وإنما يعتمدون دوما على الجهل والكراهية وسوء الفهم والآراء الخاصة، وكذلك العواطف التي تتمالكهم نحو ظواهر استحسنوها -قد شُحنت أخلاقيا-.
إن الإلحاد لا يمكن له أن يقاوم التوحيد الإسلامي، إلا عن طريق نشر معلومات خاطئة عنه، أو باستدراج العواطف ضده عن طريق الإشاعات. وحتى في هذه الطرق الملتوية فإن تأثيرها سوف يكون محدودا زمنيا، ليس إلا.
قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } سورة الصف 9.
إني لأنصح المخلص في بحثه عن الحق، أن يقتني تفسيرا من كتب التفاسير الصحيحة للقرآن الكريم، وأن يقرأه بقلب منفتح، خال من الغلّ والحقد. عندها يمكن لهذا الشخص أن يحدد موقفه من هذا القرآن، على بصيرة، أهو موافق أم مخالف.
وكتبه بيورن يورانسون (ستوكهولم 2011م)
كيف ظهر الإلحاد؟
لكي نفهم الإلحاد علينا أن نتعرف على ابتدائه، وفي أي بيئة نشأ.
إن الملاحدة المعاصرين يمكن أن ينقسموا إلى قسمين:
• ملاحدة ذوي أصول نصرانية، اكتشفوا بأن الإيمان النصراني لايمكن أن يوافق العقل والعلم.
• أناس نشؤوا في بيئة إلحادية.
إن القسم الأول من الملاحدة ظهروا في عصر التنوير. حيث ظهر التحليل الموضوعي للكتاب المقدس، مما أدى إلى اعتراف كثير من علماء الإنجيل بأن الكتاب المقدس لم يأت عن الله مباشرة، وإنما أتى عن طريق ما كتبه البشر كواسطة عن الله، ولم تسلم كتاباتهم من التقصير أو التلاعب. وفيما سوى مسألة سلامة النصوص، ظهر احتواؤها على تناقضات ومزاعم ينكرها العلم الحديث.
هذا بالإضافة إلى غوامض النصرانية فيما يتعلق بالتثليث والفداء والخلاص وإسقاط الشريعة وماهية اليوم الآخر، مما أدى إلى فناء الإيمان النصراني لدى الكثيرين وبداية دخولهم في الإلحاد. فهؤلاء هم الطائفة الأولى.
إلا أن بعضا منهم لم يتركوا إيمانهم، وإنما أصبحوا كنصارى غير متحمسين لدينهم، فتركوا التحدث عن أمور الدين في المنزل. وكانت النتيجة الحتمية حينما ينشأ الأطفال مع والدين سلبيين من الناحية الدينية أن تجتالهم عوامل شتى تؤدي إلى أن يصبحوا ملاحدة. وهؤلاء هم الطائفة الثانية.
فهذه النظرة الإجمالية، تشرح لنا بدورها قضية لِمَاذا العلمانيون في وقتنا الحاضر يتبنّون وبشكل كبير قِيَمًا نصرانية.
إن أنكرتم ذلك، فلماذا نرى بأن زواج أولاد العم أو الخال تعد في السويد كزواج المحارم؟ ولماذا هنالك قبول لوجود الخمور، بينما هنالك رفض تام للماريوانا والقات؟ ولماذا قضية تعدد الزوجات تثير الاشمئزاز، بينما الزنا والخيانة الزوجية والإباحية ليست كذلك؟ ولماذا يعد حجاب الراهبات دليلا على تقواهنّ وتواضعهنّ، بينما هو دليل على الظلم والقهر في النساء المسلمات؟
وهذا مما يفسر لنا أيضا لماذا ينسب العلمانيون للدين أشياء من نصرانية العصور الوسطى (التي كانت بدايةً لعصر التنوير)، مثل تمثيل الله بأنه شيخ ذو لحية، وأنه يسكن فوق الغيوم، وبأن الأرض مسطحة، والقصص عن محاكم التفتيش، وأن الدين ضد العلم.
وكذلك نجد بأن الشخص العلماني يتمتع بجهل مدقع بالأديان الأخرى. فقد اتُّهمتُ كرجل مسلم مرارا وتكرارا بأنني أؤمن بأن لله ابنًا. وفي منطقة ديورغوردن في ستوكهولم التقيت بعلماني سويدي يستهزئ بالمسلمين "على حد زعمه" لأنهم يعلقون الصليب على سياراتهم لحمايتها من الشؤم. وكذلك اللوم الموجه إليّ في عدد غير محصور من المرات بأنني من أصحاب نظرية الخلق وفق حجج نصرانية واهية، وبأنني أؤمن بالخطية، أو بأن الأرض قد خُلقت مؤخرا.
ماذا يقول الله تعالى عن الإلحاد؟
على حسب علمي فإن الله قد تكلم عن هذا الإلحاد المعاصر في نص واحد من القرآن الكريم تصريحا لا تلميحا.
ومع هذا فهو كافٍ شافٍ، لإبراز الإلحاد كعقيدة غير متوافقة مع العقل. فهي لا تحتاج إلى إنشاء الردود عليها، وإنما بشيء قليل من التفكير الصحيح يتهاوى الإلحاد في عقر داره.
قال تعالى: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} سورة الطور آية 35.
هذه الآية تصف حالة التيه التي يعيش فيها العلماني في معرفة أصله. لأنه إذا لم يكن الله قد خلقه، فمن أين أتى الإنسان إذاً؟
(وإذا كان جوابه على ذلك "عن طريق التطور أو الانفجار الكبير"، فإن حقيقة قوله هو أن الإنسان قد أتى من لا شيء، وهذا غير منطقي.)
ويمكن أيضا أن نجد في هذه الآية الكريمة إشارة عظيمة لمذهبين إلحاديين كبيرين، أولهما مذهب العدمية، فإن من ينتسب إلى هذا المذهب، لايؤمن بشيء، ويرى أن كل الأمور عديمة الجدوى وأن ليس هنالك حق أو باطل، وبأن الأشياء عديمة القيمة وخالية من أي مضمون أو معنى حقيقي.
إلا أن الملحد لما تنتابه أمور خارقة للعادة، كأن يسمع أصواتا خفية، أو يرتحل في أسفار روحانية لاجسدية، فيمكن أن يتحول بذلك إلى مذهب إلحادي آخر ألا وهو "وحدة الوجود" والذي يزعم بأن الله هو الوجود. (وكلا الفريقين ملحد لأن مآل أقوالهم أن ليس هنالك سلطة عليا خلقت الكون أو تدبره، فليس هنالك خالق ولا مخلوق).
إن الملحد ليعلم في قرارة نفسه أن الوجود بغير سبب أمر محال، ويعلم أننا فاقدوا القدرة على الخلق. (فإن نفى ذلك، فليخلق لنا ذبابة من فضاء العدم).
إن الله يُتبع الآية السابقة بقوله:
{ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} الطور 36.
إذا حلّلنا العوامل التي هي أساسات لنشوء الإلحاد، فإننا نجدها في الغالب أن قد تناولها القرآن الكريم، مرارا وتكرارا.
سأحاول هنا أن أنبّه على بعض الآيات:
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} آل عمران 190.
{ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} يونس 22-23.
{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} النمل 14.
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلً} آل عمران 191.
{ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} يونس 12.
مُحاجّةٌ في شأن الإيمان بالله
إن أبلغ حجة في الإيمان بالله هي: "هل أتى كل هذا من لا شيء؟"
إن نفسية الإنسان بعد هذا سوف تقوم بباقي العملية، ويمكن له أن يغلق الكتاب مطمئن القلب، مفعما بالإيمان بالخالق الرحمن.
أما لمن أراد تحليلا منطقيا أعمق، فسأحاول أن أبين له عبر المقدمات والنتائج العقلية التالية:
1- الأمر الحادث لا يحصل بغير سبب.
2- ابتداء الوجود أمر حادث.
النتيجة: ابتداء الوجود لا يحصل بغير سبب.
1- ابتداء الوجود لايحصل بغير سبب.
2- الكون بدأ في الوجود في وقت ما.
النتيجة: الكون بدأ في الوجود لسبب.
1- الكون بدأ في الوجود لسبب.
2- الأمر الحادث لا يحصل إلا بمسبب.
النتيجة: الكون بدأ في الوجود بمسبب.
1- الكون بدأ في الوجود بمسبب.
2- المسبب التام لوجود شيء ما، هو خالقه.
النتيجة: مسبب وجود الكون هو خالقه.
إذاً دعنا نسمي ذلك الشي المسبب: الخالق!
أسئلة وأجوبةس: هل يمكنك أن تثبت بطريقة علمية وجود الله؟
ج: إن الطرق العلمية في الإثبات، قد أُوجدت لشرح ووصف الظواهر الطبيعية، فهي لا تمتّ إلى خالق الكون بصلة. فيكون طلبكم من أساسه غير منطقي.
وعلى كل، فإن الطرق العلمية لا يمكنها أن تثبت جميع ما هو موجود في الطبيعة! فهل يمكن لك مثلا إثبات أن جدّ جدّ جدّك كان موجودا؟ الكثيرون يجيبون بنعم، عن طريق الحموض النووية والبقايا العظمية، أو شجرات العائلة، ولكن ما هو الإثبات العلمي الباتّ لكل خصام؟ لا شيء، إلا ذات الوجود لذلك الجدّ بحدّ ذاته.
س: إن الخلق هو الإيجاد التام بعد العدم، ولكن هل لنا دليل على أن الكون قد كان سببه تاما. قد يكون أنه قد وجد بسبب ناقص، كالكرة التي تقفز في الهواء بعد أن اصطدمت بالأرض (لا يوجد فاعل لها، وإنما هي تقفز بنفسها).
ج: لا يمكن للكون أن يكون سبب وجوده ناقصا، لأن كل الأسباب الناقصة تكون عبارة عن نتائج لحوادث قبلها. فلا يمكن لها أن تكون الأولى في الوجود. وبذلك يلغى السؤال من أساسه.
س: إن استدلالك يَبطُل بفيزياء الكم، إن الحوادث لا تحتاج إلى سبب.كما قال ستورمارك: "يوجد إشارات على أن بعض العمليات تفتقد السببية".
ج: كلا.
إن استنتاج اللاسببية لم تأت بها البحوث العلمية، فلا تُدرج في قائمة الحقائق العلمية. وكذلك فإن مزاعمهم في ذلك مستحيلة الإثبات، فهل حصل الحادث بلا سبب بتاتا، أم أننا نفتقد العلم بوجود السبب؟ (فعدم علمك بالشيء ليس علما بالعدم).
ولمن أراد التوسع في الموضوع فليقرأ الدرس الذي ألقاه ماكس بورن في حفل جائزة نوبل "The Statistical Interpretations of Quantum Mechanics" وبذلك تفهمون معنى مصطلح "اللاسببية" وأنه عبارة عن استسلام وتخلٍ عن البحث عن فهم الحوادث على طريقة نيوتن، فيما يتعلق بمسارات الجسيمات، والانهماك بدلا عنه في وضع جداول إحصائية ترصد سلوكها.
س: إن فيزياء الكم تثبت بأن العقل والمنطق لا يصلحان في أغلب الأحوال. فما هو جوابكم؟
ج: كلا، إن هذا لسوء فهم. فلا يمكن لفيزياء الكم أن تأتي بذلك. لأنها عبارة عن مشاهدات وأرصاد لعوارض ذات آليات لا نفهمها. فالنموذج المستخدم اليوم في علم فيزياء الكم هو ما يسمى بنموذج كوبنهاغن الذي يأخذ بالتفسيرات المغرقة في تتبع السلوك. (وهذا يختلف بدوره عما تبناه آينشتاين). فهذا النموذج يرفض بشدة اتخاذ أي اعتمادات حثيثة فيما يخص أسباب تلك الأرصاد.
ومرة أخرى أنصحكم بقراءة درس ماكس بورن الملقى في حفل جائزة نوبل، لتتبين لكم الخلفيات الأساسية حول فيزياء الكمّ.
من خلق الخالق؟
يمكن تحوير هذا السؤال إلى "من تسبب في بداية وجود الله"، وبذلك يفترض أن يكون لله بداية في وجوده.
إن العلمانيين يعتقدون بأنه يجب على الله أن يماثل باقي العالم –أنه في وقت ما، بدأ وجوده- وبأنه يوما ما من المحتمل أن ينتهي وجوده.
حتى افترض ستورمارك بأن الله قد تكوَّن: "إن الله يحتاج إلى سبب لبدء وجوده"، ولكن من زعم بأن لله بداية؟ ... إنهم الملاحدة!
إن المنطق في الاستدلال على الإيمان بالله سهل ويسير، ولكن الناس هم من يجعلونه معقّدا. لأنهم لا يمكنهم أن يقتلعوا من أفكارهم مغايرة الله لخلقه، وهذا النوع من التفكير القهري يجعلهم يخرجون عن مسار المسألة. (كما قاله كارل ساغان)
يجب أن نتذكر دوما بأن الخالق والمخلوق مختلفَيْن تماما. لا يمكن تمثيلهما ببعض. وهذا أمر ضروري جدا في الإسلام، فتنزيه الله: تسبيحه وتمجيد له.
ولماذا يختلف الخالق عن المخلوق:
1- بإجماع الملاحدة والمؤمنين فإن المخلوقات لا تقدر على خلق شيء.
2- فإذا كان الخالق والمخلوق مختلفان تماما في القدرة على الخلق، فيمكن إذًا أن نقيس على ذلك من ناحية أخرى: فكما أن المخلوق لا يمكن له أن يخلق، فكذلك الخالق لا يمكن أن يكون مخلوقا.
إن الذي يريد أن يزعم عكس ذلك يجب أن يأتي بأدلة كالشمس وقواعد واضحة لمزاعمه.
إن الناس في كل الأزمان كانوا يتعرضون لصعوبة في التمييز بين صفات المخلوق وصفات الخالق. هكذا هي حال عبدة الأوثان، وكذلك هي حال الملاحدة.
سؤال وجواب:
س: إننا لنرى بأن الكون يقدر على الخلق بنفسه، ألا ترى بأن الجسيمات تتكون وتَفنى دائما أبدا على حسب ما تقوله فيزياء الكمّ؟
ج: كلا، هذا عبارة عن تحريف لمعطيات فيزياء الكم. فإن فيزياء الكم ترى بأن المادة عبارة عن شكل من أشكال الطاقة، وبأن الطاقة قد تتحول إلى شكل المادة وبالعكس. فالظاهرة التي ذكرت في السؤال لا تتعلق بخلق الطاقة وإفنائها، وإنما بتحول الطاقة من شكل لآخر. فالسؤال ليس له صلة بموضوعنا لا عن قريب ولا عن بعيد.
بعض الفجوات المنطقية في فكر الإلحاد
بِتبنّي شخصٍ ما للإلحاد فإنه يقع في عدد من المهواي اللامنطقية الخطيرة.
بعضها ما يلي:
• إن هذا الشخص ليظن بأن الشيء يمكن أن يأتي من العدم، وهذا يناقض كل عقل وحس بشري على مدار الزمان وتقلب الأوطان.
• إن هذا الشخص ليعتقد بأن الوجود هو نتيجة لحوادث ماضية لامتناهية، وهذا محال. فإن كان صحيحا، فإن حوادث الزمن المضارع لا يمكن لها أن تحصل، لأنها تحتاج إلى تسلسل لانهائي من الحوادث المسببة لها، أي مهما طال الزمن فإنها لن تصل إليها أبدا. (لاحظ بأنه لا يمكن الاعتقاد بكلا الأمرين معا)
• هذا الشخص لا يرى حقا ولا باطلا، لا خيرا ولا شرا. إن هذا لشيءٌ مقلق جدا، لأنه يؤدي إلى الحكم على الخير والشر بأنها تقييمات أخلاقية شخصية، خاضعة للذوق والرأي. أي أنها من الأمور غير الهامة أبدا، فكما أن لديك رأيك الخاص في وجبة ما من الطعام، فكذلك هي أهمية ما تراه وتميل إليه في مسألة الإجهاض، وكذلك هو رأيك في مسألة تعذيب الأطفال وسحقهم، فكلها سواء: فقط محض آراء وميول، لا غير.
لا توجد استدلالات منطقية للإلحاد
إن أغلب الملاحدة والعلمانيين ليسوا ممن وزن الأمور في نصابها أو توصّل إلى ما هو عليه عن طريق النظر التجريدي والموضوعي. إما هم ملاحدة "سلبييون" لم يفكروا أبدا بباقي الاحتمالات، أو أنهم ملاحدة "عاطفيون" يرفضون الإيمان بالله من أجل مقولة: "لا أريد أن يحكمني أحد" أو "لا أريد أن أؤمن بمن يُنعم على البعض ويعذب البعض الآخر".
إلا أن بعضهم يريد أن يُظهر نفسه عقلانيا، فيضع جدليات مثل "من خلق الخالق؟"، ولكنه في آخر جداله ينتهي في قلق و غضب وشك.
إن من بعض استراتيجيات العلمانيين، هي أن يضعوا جدليات تحتاج إلى شرح عميق في ردها، وأن يضعوا كثيرا من الأسئلة التي تؤدي إلى العجز عن الإجابة عليها كلها في داخل وقت المناظرة. وأيضا يعمدون إلى تقديمها بشكل مريع جدا، يُفقد من يناظرهم الرغبة على الإجابة أو الحوار.
أمثلة على بعض جدلياتهم المطروحة: "كل الأديان غير منطقية فلذلك لا يوجد إله"، "الآراء والانطباعات عن ماهية الله متعددة جدا، لذلك فهو غير موجود"، "الشر موجود في العالم، لذلك فالله غير موجود" وغيرها من الجدليات الشائعة.
يمكن للملحد بهذه الطريقة أن يربح بعض المناظرات، ولكن هل هذا من الإنصاف في شيء؟
ويجب أن أنوّه هنا إلى أمر، وهو أن النصارى في الغرب كانوا دائما سيئين في المنافحة عن قضية وجود الله ، كما في مسألة "إله الفجوات" أو الجدليات المتمنطقة التي اعتمدوها حول خلق الكون. إني لأدعو الله بأن يهدي الملاحدة الذين يعيشون داخل هذا الضباب.
آمل بأن هذا الكتاب قد جلّى بعض ما يسود من سوء الفهم بين الملاحدة والمؤمنين، وأن يجعل من يقرر الالتحاق بأحد السبيلين أن يكون قراره بناءً على قواعد صحيحة، مما سيؤثر على مسار حياة ذلك الشخص في الدنيا والآخرة.
وفقنا الله لكل ما يحبه ويرضاه. آمين!
Bookmarks