الأخوة المُشرفون والأعضاء والزوّار المُحترمون:
السلامُ عليكم ورحمة {الله تعالى} وبركاته.
لم يكُن في حُسباني عندما هداني {الله تعالى} إلى الإسلام الحنيف قبل ما يقربُ الخمس سنوات أنني سأجدُ في أهل هذا البيت الجديد مما لا تُطاوعُ النفسُ أن أذكره، وأنهُ أشدّ ريبةً وألماً من ما كُنتُ قد هجرتُهُ وأعرضتُ عنهُ، وكأنني إنتقلتُ من عالم الكُفر والضلال إلى عالم التيه والحيرة والغُربة والتشرّد!
لقد كُنتُ قبل الإسلام أعجبُ من أحوال المُسلمين المُتردّية، وطالما يدورُ في ذهني السؤال: أن هؤلاء المُسلمون لو كانوا يؤمنون بإله هذا الكون حقّاً ويتّبعون سبيلهُ لما أسلمهُم إلى كُل هذه المآسي وهذا الذُلّ والهوان، رغم أنني لم يكُن يهمّني كثيراً ما تؤول إليه أحوالُ المسلمين، والتي أتعرّفُ عليها من خلال المجالس الخاصة ووسائل الإعلام بالإضافة إلى الواقع الذي أراه. ولقد كُنتُ سعيداً بحالة الضلال التي كُنتُ أعيشها رغم إنعدام الإستقرار النفسي الصحيح، ولكنني كُنتُ أسوّغُ لنفسي وأبحث لها عن مبررات لما كُنتُ أحملهُ من فكر ضالّ وأقول بأنني ما دُمتُ مُخلصاً لما نشأتُ عليه من "دين" فإنني على خير. ولكن هاجساً في نفسي كان يدفعُ بي إلى البحث والتحرّي عن ما يُمكنُ أن يجعلني موقناً بالحكمة أو السبب من وراء وجودي في هذا العالم. لقد كُنتُ أشعُرُ في قرارة نفسي أن هذا الوجود الذي أنا فيه فإن من وراءه حكمةً أعظم من ما يصوّرهُ لي ذلك الدين الذي كُنتُ أنتمي إليه.
ولقد "صادف" أنني إنتقلتُ في سُكناي إلى بيتٍ لا يبعُد عن مسجد للمُسلمين سوى بضع خطوات. وبحُكم قُرب مسكني هذا من ذلك المسجد فقد تسنّى لي بقصد أو بدون قصد أن أتعرّف على أحوال وتصرّفات هؤلاء المسلمين. ولقد أسلمتُ في النهاية بحمد {الله تعالى ومنّته} وقد شعرتُ حينها أنني قد وُلدتُ من جديد.
ومنذُ ذلك اليوم فقد فتح {الله تعالى} عليّ فهماً وعلماً ب{القرآن الكريم} وعلومه العظيمة، والذي لم أكُن أعلمُ عنهُ أي شيء، ما لا أظنّ أن قد سبقني إليها أحدٌ من عامّة الناس!
وفي أوّل دخولي إلى ذلك المسجد ووقوفي مع المصلّين فيه للصلاة "بعد أن أعلنت الشهادة" فلقد كُنت أذرف الدموع الحارة حُزناً على ما فات من عمري في سنين الضلال، وكذلك فرحاً بأنني قد تداركني {الله تعالى} برحمته وصرتُ قادراً على أن أطمع فيها. ولا أُخفي عليكُم قولاً أن الذين إحتفوا بي في بداية إسلامي ومن روّاد ذلك المسجد خاصة، والذين تابعوا توعيتي والشدّ على يدي فإنهم كانوا من الذين هداهُم {الله تعالى} بعد كُفر وضلال، أكثرُ من الذين إحتفوا بي ممن هُم مُسلمون من الأصل أو منذُ الولادة،. ولقد كانت أولُّ كلمة سمعتها من روّاد ذلك المسجد: "هل تحتاج إلى مساعدة؟" قد صدرت من رجل كان مثلي مُشركاً وقد هداهُ {الله تعالى}.
وشيئاً فشيئاً بدأ ينفذُ إلى نفسي نوراً لم أعهدهُ في هذا العالم منذ طفولتي وإلى أن أسلمتُ، وأصبحتُ أوقنُ أنني قد وقعتُ على كنزٍ لا يُقدّر بأي ثمن! وأن كنوز الأرض كلها لم تعُد تعنيني ولا تساوي عندي أي شيء مقابل هذا الكنز العظيم.
ولقد كُنتُ أرى المسلمين كُلّهُم أشبه "بالملائكة الذين يمشون على الأرض" وكلّما صادفتني إساءةٌ أو عملٌ سيء أو سلوك غريب من أحدهم فقد كُنتُ أجعل لهُ تعليلاً أو مبرراً أو تفسيراً كيلا يكون وقعُ هذا السلوك على نفسي مُناقضاً أو مشوّشاً لصورة هذا الدين الحنيف الذي هداني {الله تعالى} إليه. وبعد طول المكث والتعامل والإحتكاك مع هذا المحيط الجديد فلم أعُد أستطع حمل كل هذا التناقض الذي أراه في كثير منهم على ما كنت أحملهُ من حُسن الظن، وبدأت تتكشف لي سلوكيات وتصرفات لا يمكن أن تمس إلى الإسلام بأية صلة......كثيرٌ من الرياء، شديدٌ من النفاق...قليلٌ من التقوى والورع، وعند ذاك فقط علمتُ إجابة السؤال الذي كنت أتسائلُهُ حول تردي أحوال المسلمين وتكالب الأمم عليهم.
ولا أريدُ أن أُطيل عليكم حديثاً ذو شجون ولكن وفي ما يتعلقُ بهذه النظرية التي حدثتكم عنها فقد طرقتُ عدة أبواب من أبواب "المسلمين" ولما يقربُ الخمس سنوات عسى أن أجد من يبحث عن حرث الآخرة، ولكنها كلها قد باءت بالفشل. ولا أُريد أن أذكُر أسماء الذين وعدوني بالتعاون ثم تنصّلوا من هذا الوعد، وهي أسماءٌ مشهورة ومعروفة ومنهم من يرأس أعلى المعاهد والهيئات والجامعات "الإسلاميّة"، ولم يقُل لي أيّ منهم ما هو السبب الذي حملهم على ذلك التنصّل والنكران، مع أن ما أطرحهُ إنما هو للمناقشة وليس فرضاً على أحد.
ومصادفة عثرتُ على هذا المنتدى الكريم منذ بضعة أشهر. والذي جذبني إليه كثيراً هو عنوانهُ الداعي إلى {التوحيد} وكذلك ما لمستُ فيه من صدق النيّة والقول السديد. قال {تعالى}: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }، ففكرتُ أن أنشر هذه النظرية فيه ليس فرضاً على أهل هذا المنتدى الكرام ولكن تكرّماً وتفضّلاً من لدنهم، ثبّتنا {الله} وإيّاهم. وكُنتُ أحسبُ أن جميع من يقرأهُ سيستبشرُ بالخير وينشرهُ ما إستطاع إلى ذلك سبيلاً على كُل المواقع والمنتديات والمعارف والأصدقاء، ليس على أنه حقيقة مُثبتة وإنما لكونه نظريةٌ مطروحة للبحث والمناقشة لها عنوان خطير ويدّعي صاحبها العلم والمعرفة، وأنها إذا ما ثبتت صحتها فإن ذلك سيكونُ نصراً لدين {الله تعالى} وإعلاءاً لكلمته وتصديقاً ل{كتابه الكريم} وخاصة في هذا الزمن الذي يتعرضُ فيه الإسلامُ والمسلمون إلى أعتى وأشرس هجمة عرفها التأريخ من قوى الكفر والإلحاد الغربية منها والشرقية. ومن الذين كتبتُ لهم وأبدوا لي خيراً ثم أنكروا ما وعدوا به هو عالمٌ معروفٌ قال يوماً: "بما أن الغرب قد سبقنا في مجال التقنية والتقدم المادي والمدني بباع طويل جداً فإنهُ لم يعُد لدينا سوى هذا {القرآن الكريم} نركُن إليه ونتمسّك به وندعوا إليه.
ولكن وللأسف الشديد فإن الذي وجدتهُ هو الإعراض والتشكيك والتسفيه والطعن من دون مسوّغ علمي أو إعتباري، فهذا ينتقدُ ما أطرح رغم قوله أنهُ لم يقرأ منهُ إلاّ بدايته، وذاك يسألُ عن "تخصصي العلمي أو مهنتي" ثم يتهمني أنني مُخلطٌ مُخبط مهملٌ لحدود {الله} مع قوله أنهُ لم يفهم من ذلك الموضوع شيء، وقد ذكّرني بقول قوم {شعيب عليه السلام}: {قالوا يا شُعيبُ ما نفقهُ كثيراً مما تقولُ وإنّا لنراك فينا ضعيفاً}. وآخرٌ لا يرى فيه إلاّ أنهُ "دسمٌ بالمعلومات" ثم يقول شططاً وخبطاً ليس فيه جملة مترابطة، وآخر "يحذّرني من (تفسير) {القرآن الكريم} بحسب الأهواء، ولا أدري عن أيّ تفسير يتحدّث؟!
صحيحٌ أن الإنسان حيال مثل هذه الأمور"كهذه النظرية وما يُؤملُ من ورائها من نتائج" فإنهُ لا يقوى على مقاومة الشيطان ونزعة الغيرة والحسد التي يُمليها عليه. ولكننا "مسلمون" و"موحدون" ويُفترض بنا أن نكون أبعد ما نكون عن مثل هذه الأحاسيس الهابطة والرخيصة، وحريٌّ بنا أن نبحث عن كل الوسائل التي قد تساهم في إثبات هذا "الإدّعاء أو هذه النظريّة" لما في ذلك نصرٌ لدين {الله تعالى} ولنا نحنُ بالذات كمسلمين" وليس لأحد من الكافرين.
أيها الإخوةُ الكرام: إن أيّة نظرية فإنما هي تبدأُ بفكرة صرفة أو ومضة عقلية [Brain storm] ثُم تُقدّم على أنها نظريّة "أي وجهة نظر" تُطرحُ للنقاش والدراسة، فإن ثبتت فبها وإن لم تثبُت أُهملت، وفي كلتا الحالتين "الثبوت وعدم الثبوت" فإن الإنسان "والمسلمُ خاصة" يكون قد صدق أمام ربّه وأمام نفسه وأنهُ قد طرق باباً من أبواب العلم المحمود، ولا يُحرمُ الإنسانُ في كلتا الحالتين من الأجر والثواب. إن النظرية لا تحتاجُ في بداية عرضها إلى أية قواعد أو أسس علمية وذلك لأنها عبارة عن فكرة محضة. فلو أخذنا "على سبيل المثال" نظرية فيثاغورس: "في المثلث القائم الزاوية يكونُ مربّع الوتر مساوياً لمجموع مربّعي الضلعين الآخرين" فهل يُقالُ لفيثاغورس أو غيره "ما هي الإسس التي إعتمدت عليها في صياغة هذه النظرية؟!" وإن سألهُ أحدٌ "فرضاً وهذا سؤال جاهل" فسيقول له: "إنها وجهة نظر أو إعتقاد أو أنني أظنُ هكذا الأمر" أليس كذلك؟. ثمّ ما علاقة الشهادة أو التحصيل العلمي في صحة أيّة نظريّة أو عدم صحتها؟! إنّها مُجرّدُ فكرة. وهل ستُقبل إذا كان صاحبها بروفيسوراً وتُرفضُ إذا كان حلّاقاً؟! أنا يا سادتي الكرام رقّاعُ أحذية "إسكافي" وتحصيلي العلمي هو الصفُّ الأولُ الإبتدائي، وأنا سعيدٌ بمهنتي هذه وبشهادتي، وليكُن إسمي من الآن "محمد الرقّاع" أو محمد الإسكافي، فهل هذا مدعاة للإعراض والإنكار واللا مبالاة؟
أيّها الإخوة: بحكم معيشتي قبل إسلامي ومعرفتي بالقوم الذين كنتُ أنتمي إليهم فإنني أعلمُ ما لا تعلمون مما يُحاكُ ضدّ الإسلام والمسلمين وما ينتظرهُم من المصائب والتهديدات والرزايا، والتي تشهدون بعضها الآن في العراق وفي سوريا وفي الشام وفي مصر وليبيا واليمن وغيرها من بلاد العرب والمسلمين، وما هذه المصائب والكوارث الحاليّة إلّا غيضٌ من فيضٌ مما يُدبّرُ من مكائد وعُدوان على كُل الأصعدة، هدفها النهائي هو الإسلام والمسلمين . فإصحوا يا إخوتي الكرام قبل فوات الأوان، ودعوا عنكُم سفاسف الأمور، وإعلموا أنكُم مسؤولون أمام {الله تعالى} عن كُل تقصير أو تعاجز في نصرة دينكم الحنيف، هذه الدُرة التي يغبطكم عليها حتى الكافرون، وكُلُّ سعيهم هو من أجل كسر وتدمير هذه الدُرّة الثمينة والقضاء على الإسلام والمُسلمين. أنا أعلمُ أن سيقولُ "المُخلّفون" أن {الله تعالى} قد تكفّل بحفظ هذا الدين وبنشره، وهذا صحيح، ولكن هذا لا يعني أن {الله تعالى} قد تعهّد بحفظ "المسلمين" وهم نيام وفي هذا السُبات العميق!
أيها الإخوة الكرام: أنا لستُ طالباً شُهرة أو مجد أو جاه، فأنا قد نيّفتُ على الخمسين، ولم يعُد في العمر الكثير، وليس لي في هذه الدنيا مآربُ دنيوية، و[حيّ {الله}] "كما يُقولون" أستغفرُ {الله تعالى} عمّا أسلفتُ من ذنوب سائلاً إيّاهُ {سبحانهُ} لي ولكُم حُسن العاقبة. ولكنني أحسبُ أن لديّ علماً، وما يقولهُ {الله تعالى} و{رسوله الكريم صلى الله عليه وسلّم} هو أن من كتم علماً ينفعُ الناس فإنهُ مُحاسبٌ أمام {الله تعالى}، ويكفيني "في نهاية المطاف" أنني ما كتمت ما أحسبُهُ علم وقد لا يكون كذلك.
{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مّن نّشَآءُ وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ }.
و{الله تعالى} من وراء القصد.

محمد الرقّاع.
25/02/2015