هدايات الكتاب العزيز:
يكتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
تنبيه: الكتابة تكون في الهداية، التي هي: ثمرة فهم المعنى للآية؛ دون التفسير الذي هو: لإيضاح المعنى.
- ننتقل إلى بعض هدايات الآية رقم (٢٣)، من سورة التوبة:
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذوا آباءَكُم وَإِخوانَكُم أَولِياءَ إِنِ استَحَبُّوا الكُفرَ عَلَى الإيمانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ﴾ [التوبة: ٢٣]:
- أولا: المعنى الإجمالي للآية، من كتاب: المختصر في التفسير - تأليف مجموعة علماء:
"يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا ما جاء به رسوله، لا تصيِّروا آباءكم وإخوانكم في النسب وغيرهم من قرابتكم أصفياء توالونهم بإفشاء أسرار المؤمنين إليهم، والتشاور معهم؛ إن آثروا الكفر على الإيمان بالله وحده، ومن يصيِّرهم أولياء مع بقائهم على الكفر ويظهر لهم المودة فقد عصى الله، وظلم نفسه بإيرادها موارد الهلاك بسبب المعصية".
١- فيها: أن الإيمان يحث على العمل (فعل الأمر وترك النهي)؛ ولأن العمل يصدق الإيمان أو يكذبه.
٢- تفيد: أن المسلم البعيد، خير من الكافر القريب.
٣- فيها: البراءة من الكفار وعدم موالاتهم.
٤- تفيد: وجوب موالاة المؤمنين وحدهم.
٥- تفيد: أن موالاة الكافرين، ظلم بين؛ لقوله: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ}.
٦- تفيد: أن المؤمن، لا يخشى في دين الله أحدا؛ ولو كان أقرب الأقربين - لا سيما فيما يتعلق بالعقيدة.
٧- تفيد: عظم حق الأب والأخ - بناء على الأصل؛ لأنه خصهما بالذكر.
٨- فيها: أن حب الكفر، كفر بالله العظيم.
٩- تفيد: أن القرب الحقيقي، هو قرب الدين لا قرب النسب. وأنه لا ينفع مع الكفر قرابة ولا نسب؛ كما أنه لا يحتاج إليه مع الإيمان.
١٠- تفيد: أن الظلم، يكون في باب المعتقد - بل هو أشنعه وأعظمه؛ كما قال: {إن الشرك لظلم عظيم}.
١١- فيها: قوة العقيدة الإسلامية؛ فالبراءة من المشركين والنهي عن موالاتهم، مما يختص به الإسلام ويميزه عن غيره.
١٢- فيها: دقة التعبير وبلاغته؛ لأنه نهى عن ذلك في حق الآباء والإخوة، فغيرهم من باب أولى وأحرى. قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجَعَلَ التَّحْذِيرَ مِن أُولَئِكَ بِخُصُوصِ، كَوْنِهِمْ آباءً وإخْوانًا تَنْبِيهًا عَلى أقْصى الجَدارَةِ بِالوَلايَةِ لِيُعْلَمَ بِفَحْوى الخِطابِ أنَّ مَن دُونَهم أوْلى بِحُكْمِ النَّهْيِ.
١٣- تفيد، وبضميمة ما بعدها: أن موالاة المؤمنين، محبة لله ولروسوله - صلى الله عليه وسلم؛ كما قال: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}.
١٤- فيها: أن الكفار، ليسوا أهلا لولاية المؤمنين. وعليه: ففيها إشارة إلى: كرامة المؤمنين على ربهم وهوان الكافرين؛ قال الله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَوَلَّوا قَومًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِم قَد يَئِسوا مِنَ الآخِرَةِ كَما يَئِسَ الكُفّارُ مِن أَصحابِ القُبورِ﴾ [الممتحنة: ١٣].
١٥- فيها، وبضميمة ما قبلها: أن الله أبان من يجب مولاته ومن لا؛ بينا شافيا كافيا، قد انقطعت به الحجة؛ فلذا كان من الظلم موالاة الكافرين. ولأنهم لا يستوون مع من سبق ذكرهم من أهل الإيمان والهجرة والجهاد، والمبشرين برحمة الله ورضوانه وجناته. وعليه: ففيها مناسبة لما قبلها.
١٦- تفيد: قاعدة "بقاء ما كان على ما كان"؛ لقوله: {ومن يتولهم منكم}، ولم يكتف بقوله: {ومن يتولهم} مع أن الخطاب للمؤمنين؛ للدلالة على أن الأصل بقاء الإيمان، وأنه لا يزول إلا بناقض. وفيه دليل على أن الكافرين بعضهم أولياء بعض، وأن ولايتهم لبعض لا ينبني عليه شيء.
١٧- فيها، وبضميمة ما سبق: إشارة إلى: الثبات على دين الله، والتحذير من الوقوع في الارتداد عن الدين، وأن هناك نواقض وأمور تخرج العبد من رحمة الله ورضوانه وتحرم عليه الجنة. والشواهد مستفيضة.
١٨- تفيد: أن للعبد كسبا وإرادة واختارا؛ لقوله: {إن استحبوا}، والسين للمبالغة والتأكيد؛ ولذا لم يقل: {إن أحبوا}. للتأكيد على حبهم وسعيهم الحثيث في الكفر وإيثاره على الإيمان. وهذا من دقة التعبير. ولأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى. ونظيرها: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}. وعليه: ففيها رد على الجبرية.
١٩- فيها: فائدة التذكير بالإيمان بالله واليوم الآخر، عند الأمر والنهي؛ لقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا ...}؛فناداهم بوصف الإيمان قبل الأمر (٢).
٢٠- فيها، وبضميمة ما بعدها: أن الموالاة هي أصل المحبة. وبيان العلاقة الوثيقة بين الولاء والمحبة والجهاد؛ لقوله بعدها: ﴿قُل إِن كانَ آباؤُكُم وَأَبناؤُكُم وَإِخوانُكُم وَأَزواجُكُم وَعَشيرَتُكُم وَأَموالٌ اقتَرَفتُموها وَتِجارَةٌ تَخشَونَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرضَونَها أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللَّهِ وَرَسولِهِ وَجِهادٍ في سَبيلِهِ فَتَرَبَّصوا حَتّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأَمرِهِ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الفاسِقينَ﴾ [التوبة: ٢٤].
ويتفرع عليه أمور:
منها: عدم صرف هذه المحبة لغير الله؛ لأن أصل الحب والبغض يكون في الله.
ومنها: موالاة المؤمنين، محبة لله تعالى.
ومنها: حب الله للمؤمنين؛ حيث جعل محبتهم وموالاتهم من محبته - سبحانه.
ومنها: وجوب بغض الكفار في الله. ولأنهم أعداء؛ قال الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء}.
ومنها: موالاة الكافرين، فسق أكبر يوجب العذاب؛ لقوله بعدها: {فَتَرَبَّصوا حَتّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأَمرِهِ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الفاسِقينَ}.
...........................
(١): روى مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- مرفوعا: «إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة».
(٢): قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾: إشْعارٌ بِأنَّ ما سَيُلْقى إلَيْهِمْ مِنَ الوَصايا هو مِن مُقْتَضَياتِ الإيمانِ وشِعارِهِ.
قلت (عبدالرحيم): وتصديقه: ﴿وَاعلَموا أَنَّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَابنِ السَّبيلِ إِن كُنتُم آمَنتُم بِاللَّهِ وَما أَنزَلنا عَلى عَبدِنا يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَقَى الجَمعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ [الأنفال: ٤١]، والشاهد قوله: {إِن كُنتُم آمَنتُم بِاللَّهِ}.
وفي الأحاديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره."، "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"، "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره"، "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"، "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه". وكلها أحاديث رواها البخاري.
Bookmarks